6 دقائق قراءة

نساء إدلب بين حرب النظام وتجاهل المجتمع الدولي 

عمان- كانت فاطمة الأحمد تزور أمها المريضة التي تقطن منزلاً قريباً منها في مدينة كفرنبل بريف إدلب، عندما استهدف صاروخ منزلها، في 10 حزيران/يونيو 2017، مودياً بحياة زوجها وأطفالهما الأربعة.


10 نوفمبر 2019

عمان- كانت فاطمة الأحمد تزور أمها المريضة التي تقطن منزلاً قريباً منها في مدينة كفرنبل بريف إدلب، عندما استهدف صاروخ منزلها، في 10 حزيران/يونيو 2017، مودياً بحياة زوجها وأطفالهما الأربعة.

عندما وصلت منزلها، شعرت وكأنها في حلم، كما استذكرت في حديثها إلى “سوريا على طول”. إذ “غبت عن الوعي لساعات، وتم نقلي إلى مستشفى ميداني. بعدها، بقيت مدة ستة أشهر أنام بقلق من شدة الصدمة، ودخلت في حالة طويلة من الاكتئاب امتدت لسنة”.

لكن “هذه الغصة الأكبر في حياتي”، كما قالت فاطمة ذات التسعة والثلاثين عاماً اليوم، ستحمل تغيراً عميقاً آخر في حياة من كانت قبل المأساة ربة منزل فحسب، عبر تكريس حياتها منذئذ لمساعدة وإسعاف المصابين مع فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، بعد “انضمامي لعدة دورات في الإسعاف والتمريض. إذ صار لدي دافع لإنقاذ أي شخص حتى لو كلفني ذلك حياتي”.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم مديرية الدفاع المدني في إدلب، أحمد الشيخو، فإن مشاركة النساء في مجال الإسعاف “ساهمت في مساعدة المدنيين، وخاصة النساء والأطفال والشيوخ، بنسبة كبيرة جداً”. مشيراً إلى أن “عدد المسعفات في نقاط مديرية الدفاع المدني في إدلب يبلغ حالياً 144 متطوعة”.

مأساة فقد أيضاً، وإن ليست بقسوة ما عرفته فاطمة بالضرورة، حولت بدورها حياة عائشة، الأم لطفلين والبالغة 35 عاماً اليوم.

ففي 10 نيسان/أبريل 2013، انقطع الاتصال بزوجها عقب خروجه من إدلب إلى عمله مدرساً للغة الإنجليزية في إحدى مدارس مدينة حماه. وقد “حاولت الاتصال به كثيراً، لكن كان هاتفه المحمول مغلقاً”، كما روت لـ”سوريا على طول”، “فاتصلت بالمدرسة، حيث أخبروني أنه لم يأت. هنا عرفت أنه اعتقل على أحد حواجز النظام بين إدلب وحماه، وشعرت أنني فقدته إلى الأبد”.

وحتى مجرد محاولات معرفة ما إذا كان زوجها حياً كانت تحتاج مالاً تدفعه “للشخص الواصل [المتنفذ]”، ولم أكن أملك حينها ربع المبالغ الخيالية التي كانوا يطلبونها مني”، كما قالت.

بعد مضي سنة على فقدان زوجها، بدأت عائشة بالبحث عن عمل تستطيع من خلاله إعالة طفليها، وقد كانت اضطرت إلى ترك منزلها لعدم استطاعتها دفع إيجاره، وانتقلت للعيش مع أمها في إدلب.

لاحقاً، “ذهبت إلى صديقة أمي التي تعمل في الخياطة، وأخذت منها مبادئ الصنعة. كما ساعدتني بمبلغ من المال. فاشتريت ماكينة خياطة وأصبحت أعمل  في منزل أمي”. مضيفة: “أنا حالياً المعيل الوحيد لأبنائي. أعمل في الصباح في مجال الخياطة، وفي المساء بنسج الصوف والحياكة. أحاول أن أصل ليلي بنهاري كي أتمكن من تأمين مستلزمات أبنائي”، لا سيما وأنها تعلمت “الكثير من الطرق الجديدة في مهنة الخياطة والحبكة لتطوير عملي وتحسين الدخل”.

فوق ذلك، انضمت عائشة إلى فريق مدربات قسم الخياطة في مكتب الاتحاد النسائي لرعاية المرأة والطفل، والذي أنشئ قبل أقل من سنة على يد مجموعة نساء متطوعات يقدمن دورات تأهيلية للنساء مجاناً، من دون دعم من أي جهة. وبين فترة وأخرى، “يتم استدعائي حسب رغبة النساء في تعلم [الخياطة] وأقدم ما لدي بقلب فرح”، كما قالت.

وعلى الرغم من وجود شريحة في المجتمع ترفض عمل المرأة، بحسب عائشة، إلا أن الواقع المعيشي وغياب الرجل في كثير من الأحيان “فرضا على المرأة أن تعمل”،  بحيث “أصبحت تقوم بدور الأب والأم في آن معا بعد فقدان الزوج”.

تحديات لا تنتهي

إذا كان تحول دور المرأة بشكل مفاجئ في زمن الحرب صعباً بحد ذاته، فإن هذه الصعوبة قد تبلغ حد القسوة، كما في حالة الشابة روان التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها، وتعمل في جمع الحصى الصغيرة التي يستخدمها عمال البناء في صب أساسات الأبنية.

إذ “أخرج في الصباح الباكر والكل نيام، لأجمع ما أستطيع جمعه من الحصى في ثوبي”، كما روت لـ”سوريا على طول”، “ثم أذهب بها لعمال البناء [لأحصل على] دولار واحد عن كل نقلة”.

وإضافة إلى طفلتها، تعيل روان زوجها المقعد وأمها، ويقطنون جميعاً في “غرفة صغيرة تتآكل من شدة الرطوبة” في مدينة كفرنبل، كما ذكرت.

فوق ذلك، فإنها تعاني مع وضع زوجها الصحي الذي كان أصيب بشظايا صاروخ نزل بالقرب منه، قبل سنتين، ما أدى إلى تشوهات في عموده الفقري، نتج عنها ضمور في الأطراف السفلية، كما تشنجات واختلاجات عصبية مستمرة، تستوجب تأمين دواء مهدئ له بشكل دوري، إضافة إلى مستلزمات طبية أخرى، لا طاقة لها بها.

قبل جمع الحصى، عملت روان في روضة للأطفال يدعمها مركز مزايا النسائي في مدينة كفرنبل بإدلب، إلى حين توقف تمويله المقدم من اتحاد المكاتب الثورية، في نهاية آذار/مارس 2018، نتيجة قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقف صرف نحو 200 مليون دولار كمساعدات مخصصة لإعادة الإستقرار في سوريا. وقد كان الاتحاد واحداً من ضمن 150 منظمة على الأقل انقطع عنها التمويل بسبب ذلك القرار المفاجئ، ما أدى بدوره إلى فقدان أكثر من 650 من موظفيه عملهم.

كذلك، كانت العديد من المنظمات المانحة قد علقت أنشطتها في إدلب، وأوقفت تمويلها للمنظمات المحلية، بعد بسط هيئة تحرير الشام سيطرتها على المحافظة منذ منتصف العام 2017، وتأسيسها لاحقاً ما يسمى “حكومة الإنقاذ”.

إرادة تتحدى غياب التمويل

تشكلت نواة مركز مزايا في منزل غالية الرحال، حيث كانت تجمع نساء من كفرنبل لتأهيلهن. لاحقاً، في العام 2013، كما روت الرحال لـ”سوريا على طول”، طلبت من المهندس رائد الفارس الذي كان يشرف على اتحاد المكاتب الثورية حتى اغتياله وصديقه حمود جنيد بإطلاق الرصاص عليهما من قبل مجهولين، “تشكيل مكتب للمرأة، وأن أشرف على إدارته لمعرفتي باحتياجات النساء في كفرنبل، ولتفعيل دور المرأة المؤسساتي”. مضيفة أنه “لم يكن هناك أي اهتمام بالمرأة حينها، خاصة مع انتشار القمع المجتمعي والفصائلي من المتشددين. وهو ما وضعني إزاء تحد كبير لفتح مركز مزايا، لأنني كنت أعايش النساء. إذ لدينا نساء عظيمات، وأعلم تماماً كمية الطاقات الكامنة لديهن، وكان يجب استثمارها بما ينفعهن وينفع المجتمع. وفعلاً نجحنا في تغيير حياة الكثير من النساء نحو الأفضل، مادياً ونفسياً”.

وكان المركز، بحسب الرحال، يعتمد مبدأ الدورات التدريبية في المجالات كافة التي ترغب النساء فيها؛ سواء مهن أو لغات أو إعلام.

وكما تلفت الرحال، فإن أكثر الأمور التي تقف عائقا أمام عمل المراكز التي تهتم بالنساء على مستوى محافظة إدلب هو التمويل، “فأنا حصلت على تمويل مركزي من معرفتي الشخصية بالأستاذ رائد رحمه الله. ولا يوجد دعم منظماتي دولي موجه للمرأة تحديدًا، ما دفعنا إلى إغلاق المركز بعد انقطاع التمويل”. 

لكن برغم غياب التمويل، بادرت مجموعة من الناشطات في المجتمع المدني إلى تأسيس الاتحاد النسائي في سراقب، قبل أقل من عام، لتوفير أنشطة توعوية للنساء بشأن تربية الأطفال والمشكلات التي يعانين منها ومحاولة إيجاد الحلول لها، كما عقد دورات في مجالات الخياطة والتجميل، بالإضافة إلى دورات لغات للأطفال.

وجاءت الفكرة، كما ذكرت مديرة الاتحاد المحامية سلمى عباس لـ”سوريا على طول”، “من رصدي لكثرة النساء المعيلات لأسرهن بعد فقدان الزوج أو المعيل، وتحمسي لتحويل النساء من مستهلكات إلى عضوات منتجات في المجتمع من دون أن ينتظرن مساعدة مادية من أحد، خاصة النساء الأرامل وزوجات المعتقلين”.

أيضاً، منذ منتصف العام 2017، بدأ “تجمع المرأة السورية” في معرة النعمان وبالتعاون مع مجلس محافظة إدلب، نشاطه، انطلاقاً من أن “الحل لتمكين المرأة”، بحسب مديرة التجمع هدى سرجاوي، يتمثل في “توفير بيئة آمنة تستطيع فيها ممارسة حقوقها، وإنشاء تجمعات نسائية فاعلة، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع تعليمية ومهنية للمرأة، وإتاحة فرصة متابعة التعليم لمن حرمت منه”. مشددة في حديثها إلى “سوريا على طول”، أن “التجمع لا يشمل معرة النعمان وحدها، وإنما هو للمراكز النسائية كافة في بلدات المحافظة المحررة”.

ورغم عدم تلقي التجمع دعماً من أي جهة، تقوم النساء المتطوعات بمساعدة بعضهن في عقد دورات تدريبية بشكل مستمر في مجالات المهن النسائية؛ كالخياطة والنسيج والثقافة العامة، بحسب ما تفضله النساء ويخدمهن في حياتهن العملية، و”كل ما يتم تأمينه في المركز من مواد يكون بمبادرات شخصية، أو تجلبه النساء معهن للتدريب”، بحسب سرجاوي.

كذلك، يقيم التجمع سوقاً خيرية للفقراء والمحتاجين؛ إذ “نقوم بجمع ملابس جديدة ومستعملة من الأعضاء وذويهم وبعض فاعلي الخير لتقديمها لمستحقيها، إضافة إلى إقامة معرض منتجات للمراكز النسائية، وعقد بعض الجلسات التوعوية”، وفقاً لسرجاوي.

وفيما اعتبرت روان “أن التجمعات النسائية تقوم بتعزيز دور المرأة بشكل إيجابي، من خلال منحها الفرصة والثقة للتعبير عن آرائها وأفكارها وإيصال صوتها، واصطحاب أطفالها معها ليمضوا وقتهم في روضة المركز إلى أن تنهي الأم تدريبها”، فإنها تلفت إلى واقع كون عدد “هذه المراكز محدوداً”. 

في هذا السياق، ذهبت سلمى عباس إلى أن المرأة مهمشة تماماً على صعيد الدعم الدولي. وفي حالت قدم تمويل لمشاريع تخص النساء ولو بجزء بسيط، فإن ذلك يكون تحت مسمى الدعم النفسي. مشيرة إلى “غالبية النساء [في محافظة إدلب] ملّت من حضور تدريبات الدعم النفسي”، وأنه “مع معايشة واقع القصف والجوع والرعب اليومي الذي اعتدن عليه، لم نعد بحاجة إلى تأهيل نفسي بقدر ما نحتاج إعادة تأهيل فكري وعملي وعلمي للنهوض بمن تبقى من النساء في المجتمع”.

مضيفة أنه “حتى في مركزي ومن خلال رصدي لاهتمامات النساء، فإن معظمهن لديهن الرغبة في تعلم كل ما هو جديد. نحن كنساء لسنا جاهلات، [بل] معظمنا مثقفات ونحتاج فقط البيئة المناسبة لوجستياً ونفسياً للتمكين”.

شارك هذا المقال