5 دقائق قراءة

نشاط “تنظيم الدولة” في خزانه الاستراتيجي رهن عجز النظام وانشغال أطراف الصراع 

قتل الإخوة الأربعة خلال قتالهم مع أطراف وعلى جبهات مختلفة، فيما مصير الأخ الخامس مجهول، إذ يقبع في سجون النظام منذ عام ونصف العام


17 مايو 2020

عمّان – “قتل الإخوة الأربعة خلال قتالهم مع أطراف وعلى جبهات مختلفة، فيما مصير الأخ الخامس مجهول، إذ يقبع في سجون النظام منذ عام ونصف العام”، يصف أبو محمد لـ”سوريا على طول” واقع عائلة قريبه حسن الذي قتل في 30 نيسان/أبريل الماضي.

وقد شكل مقتل حسن (اسم مستعار) صدمة جديدة للعائلة. إذ في منتصف العام 2014، قتل شقيقه أثناء اشتباكات بين فصائل المعارضة التي ينتمي إليها والقوات الحكومية، فيما قضى أخواه الآخران بعد عامين من ذلك خلال قتالهما في صفوف “تنظيم الدولة” (داعش) ضد فصائل المعارضة السورية.

أما حسن، فقتل مع مجموعة من جنود القوات الحكومية نتيجة انفجار لغم بالحافلة العسكرية التي كانت تقلهم في البادية السورية شرق حمص، نهاية الشهر الماضي. وتبنى “داعش” العملية، عبر وكالته الإعلامية “أعماق”.

وإلى وقت سيطرة القوات الحكومية على مدينته في محافظة درعا جنوب سوريا، كان حسن يقود إحدى المجموعات العسكرية التابعة للمعارضة. وعقب إجراء ما يعرف بـ”التسوية” مع القوات الحكومية، اقتيد إلى الخدمة الاحتياطية في القوات الحكومية. 

حادثة مقتل حسن واحدة من عشرات الهجمات التي شنها “داعش” منذ إعلان هزيمة التنظيم في آذار/مارس 2019، عقب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة أميركياً، على بلدة الباغوز في محافظة دير الزور. إذ “يفرض [داعش] سيطرة غير مرئية على البادية السورية، بمعنى تمكنه من تنفيذ هجمات، كما استخدمها [البادية] في الإمدادات اللوجستية وأمور أخرى”، بحسب الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية.

“داعش” في البادية السورية: سيطرة غير مرئية

منذ خسارة مناطق سيطرته الأساسية في سوريا والعراق، غير “داعش” نمط عملياته العسكرية إلى “حرب استنزاف” و”حرب عصابات”، بدلاً من خوض “الحروب الكلاسيكية، وحروب السيطرة المكانية”، كما يقول أبو هنية. مضيفاً أن هذا التغيير ارتبط بـ”الظروف الموضوعية والقدرة التشغيلية لدى التنظيم”. 

وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعدت عمليات “داعش” في البادية السورية ومناطق أخرى، وأصدر التنظيم العديد من أشرطة الفيديو (الإصدارات) التي توثق بعض عملياته. وبحسب عرابي عبد الحي عرابي، الباحث المتخصص في شؤون الحركات الدينية والجهادية في مركز جسور للدراسات بتركيا، فإن “أغلب عمليات “داعش” في سورية تجري في دير الزور، إذ بلغت 170 عملية على الأقل منذ بداية العام الحالي، مقارنة بقرابة 10 عمليات شرقي حمص”.

لكن هذا التصاعد لا يعني، وفقاً لأبو هنية، “أن التنظيم مستعجل. فهو لا يخوض حروباً كلاسيكية تستلزم حسمها بسرعة”، مفسراً زيادة وتيرة عمليات التنظيم مؤخراً بـ”انشغال أطراف الصراع، كالصراعات داخل النظام، وبين القوى الأساسية في سوريا، وفي أستانة، وبين الروس والأتراك. وكل ذلك يساعد التنظيم”.

في السياق ذاته، يرى عرابي أنه “لا يمكن لمجموعات التنظيم في البادية أن تحدث فرقًا كبيرة في وضعه الحالي، وأن تسيطر على مدينة السخنة. فهي تستطيع ضرب الأرتال بالرشاشات الثقيلة وتنفيذ الكمائن وتكثيف استخدام العبوات الناسفة، إلا أن هذه المجموعات ليست بالعدد الكافي أو الموقع الذي يتيح لها تغيير المعادلة، خاصة وأن طرق الإمداد نحو السخنة مفتوحة ومكشوفة وبعيدة”.

وفي العديد من المرات أعلنت وسائل الإعلام الموالية للحكومة السورية عن هجمات للتنظيم طالت أهدافاً عسكرية واستراتيجية تابعة للنظام على طريق السخنة التي تربط مدينة دير الزور بالعاصمة دمشق، مروراً بمدينتي السخنة وتدمر وسط البادية السورية. وتكمن أهمية الطريق، كما يوضح عرابي، في أنها “الطريق الوحيدة التي تربط شرق سورية بمدينة حمص ودمشق، وهي عقدة الطرق بين الشمال والشرق والجنوب والغرب”.

ويضيف عرابي: “الإمدادات النفطيّة والعسكريّة والمليشيات كلها تمرّ من [هذه الطريق] يومياً، ولذلك فهي شريان حياة للنظام. وكون الطريق طويلة ولا يمكن تغطيتها بنقاط المراقبة، يتيح للتنظيم استنزاف النظام وعناصره و[المليشيات] الإيرانية المتحالفة معه من خلال استهدافهم المستمر على هذه الطريق”. كذلك، تمكن “داعش” من “أسر بعض العناصر، ما يشكّل مصدراً مهماً لتحصيل المعلومات أو إجراء مفاوضات للتبادل الماليّ أو تبادل المعتقلين”. وفقاً لعرابي.

وتعني الأهداف والتكتيكات الجديدة التي يعتمدها التنظيم أنه يمتلك استراتيجية محددة ولا يتحرك “عشوائياً”، برأي أبو هنية، وأن قوته “تعتمد على حرب الاستنزاف لخصومه وحرب عصابات منظمة، يمتلك التنظيم باعاً طويلاً فيها. إذ نشط بهذا النوع من العمليات في العراق خلال السنوات التي سبقت الثورة السورية”.

ومنذ انهيار ما سماه “خلافة”، وفرت البادية السورية وصحراء الأنبار العراقية بيئة مثالية لـ”داعش” مستنداً إلى تجربة تاريخية في صحراء الأنبار، التي شكلت، بحسب أبو هنية، “الرئة الحقيقية للتنظيم، والتي من خلالها تمكن من الحفاظ على الهيكل التنظيمي لديه”. 

كما كان التنظيم، أسوة بالتنظيمات المشابهة، قد استعد لسيناريو الاضطرار للتراجع إلى المناطق الصحراوية والجبلية الوعرة. فعمد، بالتالي، خلال سنوات سيطرته المكانية إلى “دفن كميات كبيرة من الأسلحة والأموال في البادية السورية”، بحسب أبو هنية، من أجل استغلالها في هذه الظروف.

يضاف إلى ذلك، كما يقول الباحث في مركز السياسة العالمية بواشنطن أيمن جواد التميمي، لـ”سوريا على طول”، أن الطبيعة الجغرافية للبادية، من حيث “وجود الكهوف التي تسمح للمقاتلين بالاختباء”، يساعد التنظيم على العمل في المنطقة.

النظام عاجز أم متورط؟

في 24 نيسان/أبريل الماضي، ظهر المراسل الحربي المرافق للقوات الروسية في سوريا، أوليغ بلوخين، في تسجيل مصور معلناً أن تنظيم الدولة “غير موجود بشكل قوي في صحراء دير الزور السورية” ومؤكداً أنه “لم يبقَ من التنظيم الذي كان قوياً ومرعباً في المنطقة سوى عصابات صغيرة إجرامية”.

قبل ذلك بأيام، نفت صحيفة “برافدا” الروسية، نقلاً عن المراسل ذاته، ما ذكرته وسائل إعلام النظام السوري عن وجود معارك في محيط حقلي حيان والشاعر للغاز بالقرب من مدينة السخنة. وأضاف المراسل أن “إعلام النظام حاول حشد الرأي العام حول وجود معارك في البادية ضد الإرهابيين للتغطية على قرار وزارة النفط والثروة المعدنية الأخير تقنين ساعات عمل الكهرباء”. 

وكانت وزارة النفط والثروة المعدنية السورية قالت، في 12 نيسان/أبريل، إن عدداً من الآبار في حقلي حيان والشاعر توقف إنتاجها للغاز بسبب الوضع الأمني في البادية، الأمر “الذي انعكس بشكلٍ حاد على الشبكة الكهربائية وبالتالي زيادة ساعات التقنين خلال الفترة الحالية”.

مع ذلك، يبدو الثابت وجود “داعش” في المنطقة وقدرتها على القيام بهجمات. إذ يتمركز مقاتلو التنظيم في منطقة جبال البشري في بادية غرب دير الزور. وهي منطقة وعرة للغاية، يعتبر “اقتحامها أمراً شبه مستحيل، نظراً لمساحتها الواسعة، وضرورة تمشيطها من خلال أعداد كبيرة [من الأفراد] لها خبرة عالية في هذا النوع من التضاريس” بحسب عرابي الذي يضيف أن “هذا غير متوفر للنظام، ما يعطي أفضلية للتنظيم من ناحية الاختباء”. مستدركاً بأن العوامل ذاتها “لا تتيح [للتنظيم] التقدّم المستمر نحو المدن ذات الكثافة السكّانيّة في المنطقة [تدمر والسخنة]، لاسيما مع تواجد تشكيلات عسكرية للمليشيات الإيرانية ومليشيات الدفاع الوطني ولواء القدس والفرقة 13 في قوات النظام”.

الأمر ذاته يؤكده الخبير أبو هنية، معتبراً أنه “يجب الاعتراف بعجز النظام الذي يرسل حملات عسكرية إلى البادية لكنها تباد”. مرجحاً أن يكون “هناك ضغط روسي على النظام للتخلص من هذا الإزعاج”.

ويرجع أبو هنية سبب فشل الحملات العسكرية كون “المنطقة شاسعة، ولا يوجد خبرة كافية للنظام بهذا النوع من الحروب”. وفيما قد “تمتلك المليشيات الإيرانية هذا النوع من التكتيكات، فإن للإيرانيين أهداف مختلفة عن النظام”، بحسب أبو هنية، و”مع اختلاط الأوراق والصراع الأميركي-الإيراني، لا أعتقد أن من مصلحة إيران أن تدفع بقوات كبيرة باتجاه البادية أو القضاء على تنظيم الدولة”. مستدلاً على ذلك بأنه “خلال فترة أبو مصعب الزرقاوي في العراق إبان الاحتلال الأميركي، كان تنظيم داعش حليفاً موضوعياً لإيران، لأنهما يواجهان عدواً مشتركا هو أميركا”.

مستقبل سيطرة التنظيم 

لغياب الرؤية، أو تغير الاستراتيجية، لا تبدو السيطرة المكانية ضمن السيناريوهات المتوقعة لتحركات “داعش” شرق سوريا. إذ إن نمط عمليات التنظيم “لا يمكن أن يتطور في ظل المؤشرات الحالية إلى هجوم بهدف السيطرة على المنطقة [السخنة وتدمر]، خاصة في ظل الضعف العددي والاستخباراتي للتنظيم هناك”.

وهو ما  يتفق معه أبو هنية، موضحاً أنه حتى إن لجأ التنظيم إلى السيطرة “على بعض المدن مؤقتاً، فإن السيطرة الثابتة انتهت، كونها مكلفة، والطيران السوري أو الروسي سيقوم مباشرة باستهداف هذه المدن”.

مع ذلك، فإن “للتنظيم اليد الطولى حالياً، ويفرض سيطرة غير مرئية على البادية ومدنها”، برأي أبو هنية.

شارك هذا المقال