5 دقائق قراءة

نظام بشار الأسد: ضغوطات غير مسبوقة لكنها غير كافية لحسم مصيره

يعتقد طه عبد الواحد، الباحث في الشأن الروسي والمقيم في موسكو أيضاً، أن "ما يجري من محاولات ضغط روسية على الأسد، ما هي إلا لإجباره على المضي في التسوية السياسية كما رسمها الروس في سوتشي".


18 مايو 2020

عمان- بشكل مفاجئ، كونه لا يتوافق مع المعطيات على الأرض حتى وقت قريب، عاد الحديث عن مصير بشار الأسد في سدة الحكم في سوريا. وقد اتخذ هذا الحديث أو التكهنات منحى جدياً مع ما بدا أنها حملة من الإعلام الروسي على نظام الأسد “الفاسد” والذي “يعاني من ضعف متزايد في الدعم الشعبي”، تزامن معها ظهور نادر، لكنه صار متكرراً، لرامي مخلوف، ابن خال الأسد، يكشف فيه عن خلافات عائلية على الاستئثار بأصول الدولة السورية. يضاف إلى ذلك تصريحات إسرائيلية تصعيدية بشأن وجود إيران ومليشياتها في سوريا، والتي لعبت دوراً حاسماً في بقاء الأسد في حكم عقب أكثر من عشر سنوات من حربه على الشعب وتدمير أجزاء واسعة من البلد. 

هل تنوي روسيا التخلي عن الأسد؟ 

رغم انتقاد صحف روسية سابقاً للنظام السوري على الصعيدين العسكري والسياسي، يبدو الهجوم الإعلامي في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي مختلفاً. ففيما كانت الانتقادات السابقة محدودة وتحت سقف علاقات التحالف بين الجانبين، بدا هجوم الصحافة الروسية الأخير عنيفاً، بالحديث عن تضاؤل شعبية بشار الأسد شخصياً، إضافة إلى حقيقة الفساد الذي يضرب جذور نظامه.

كذلك، تبنت هذا الهجوم وسائل إعلامية مقربة من الكرملين، لاسيما وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية المملوكة من الملياردير يفغيني بيغوجين، المعروف بلقب “طباخ بوتين”، والممول أيضاً لمجموعة فاغنر للمرتزقة الروس الذين يقاتلون في سوريا وليبيا، كما أنه صاحب الشركات الروسية التي تمتلك حق استثمار عدد من حقول النفط والغاز في سوريا، في إطار صفقة أبرمت مع دمشق.

لكن نصر اليوسف، الباحث في الشأن الروسي، والمقيم في موسكو يرى أن “هناك سوء فهم للواقع الإعلامي في روسيا”. مبيناً في حديث إلى “سوريا على طول” أنه بينما “يعتقد الجميع أن بوتين يستطيع التحكم بوسائل الإعلام الروسية، فإن هذا غير دقيق البتة. ولا أرى أن لبوتين دور أو يد في هجوم الصحافة الروسية الأخير ضد الأسد”.

في المقابل، يعتقد طه عبد الواحد، الباحث في الشأن الروسي والمقيم في موسكو أيضاً، أن “ما يجري من محاولات ضغط روسية على الأسد، ما هي إلا لإجباره على المضي في التسوية السياسية كما رسمها الروس في سوتشي، خاصة مع وضوح تمسك [الأسد] بلعبة المماطلة والتمييع لإلغاء الحل السياسي”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن ذلك يفضي إلى أحد سيناريوهين: “الأول، انصياع الأسد لرغبات روسيا فيحافظ على دعمها له، وبالتالي تحريك عجلة العملية السياسية. والثاني، التعنت أكثر، معتمداً على الدعم الإيراني. وهنا قد تظهر الخلافات مع روسيا إلى العلن، ولن يكون الأسد في وضع جيد، لأن إيران لم تعد قادرة على حمايته، لا سيما وأنها نفسها في موقف ضعيف الآن”.

في السياق ذاته، كان لافتاً تغيب روسيا والصين عن اجتماع مغلق “عبر الفيديو” لمجلس الأمن الدولي، في 12 أيار/ مايو الحالي، لمناقشة مضمون تقرير لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، اتهم، لأول مرة، النظام السوري بالمسؤولية عن شن ثلاث هجمات بالأسلحة الكيماوية في عام 2017، ضد مناطق سيطرة المعارضة. علماً أن مقاطعة روسيا للاجتماع بذريعة أنه “غير مقبول لأنه لم يكن اجتماعاً علنياً”. 

وفيما قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في ندوة لمناقشة الجهود الأميركية والدولية لمحاسبة النظام السوري، عقدت مؤخراً، أن الإدارة الأميركية تسعى إلى التأكيد لروسيا “أنه طالما استمر الحلف مع الأسد، فإنهم لن يحصلوا على الدعم الدولي لإعادة إعمار سوريا”،  وأن “العقوبات مستمرة ما لم يقبل الأسد بالتسوية السياسية”، اعتبر عبد الواحد أنه و”إن كانت إزاحة الأسد ممكنة بالنسبة لروسيا، فإن ذلك لن يتم إلا ضمن ترتيبات تلعب فيها [الأخيرة] الدور الرئيس، لتضمن الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وربما توسعته بعد رحيل الأسد”. مضيفا أن  “السياسة الروسية بخطوطها الرئيسة لم تتغير تجاه الأسد، فهو ورقة مرحلية ولكنها رئيسة في المفاوضات مع اللاعبين الآخرين حول تسوية الأزمة السورية، ورسم مستقبل سوريا”.

يضاف إلى ذلك الموقف الإيراني الذي ما يزال يصر على بقاء الأسد كونه “الرئيس الشرعي لسوريا والقائد الكبير لمحاربة الإرهاب التكفيري في العالم العربي”، على حد وصف المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في تغريدة على “تويتر” أمس، تعليقاً على ما نشرته تقارير غربية عن احتمالية توصل روسيا وإيران وتركيا لاتفاق على إزالة الأسد وتشكيل حكومة انتقالية. كما أكد كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، خلال لقائه سفير سوريا في طهران، على “استمرار دعم بلاده لسوريا في حربها ضد الإرهاب واستمرار التعاون الاستراتيجي بينها وبين روسيا ضمن هذا الإطار”.

مستقبل إيران في سوريا

عشية مغادرته منصبه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في 28 نيسان/ أبريل الماضي، إن إسرائيل ستستمر في “ضرب إيران. وقد انتقلنا من مرحلة إيقاف تموضعها في سوريا بشكل واضح وجذري إلى أن نخرجها بشكل كامل”.

ومنذ بداية العام الحالي، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية على مواقع النظام السوري والمليشيات الإيرانية، كان آخرها وأبرزها تنفيذ ثلاث ضربات جوية خلال أيار/ مايو الحالي، استهدفت إحداها معامل الدفاع  شرق حلب، فيما استهدفت غارات أخرى بادية الميادين في ريف محافظة دير الزور شمال شرقي سوريا. وسبق ذلك بأيام استهداف مواقع للمليشيات الإيرانية في الجولان السوري.

على الرغم من ذلك، ترى إليزابيث تشوركوف، الباحثة في معهد أبحاث السياسة الخارجية بواشنطن، أنه يتوجب “قراءة التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي في سياق السياسة الإسرائيلية. إذ جاءت قبل أيام من فقدانه لمنصبه بعد تشكيل حكومة جديدة، وقد أراد بتلك التصريحات أن يحظى باهتمام إعلامي، والتظاهر بالقوة، وإخبار الناخبين الإسرائيليين بنيّته التخلص من إيران، وأنه كان بإمكانه إزالتها من سوريا”.

وبحسب تشوركوف، فإن الطريقة الوحيدة لإخراج إيران من سوريا “هي إزالة النظام السوري الذي تعتمد عليه إيران لضمان بقائها”. لكن إسرائيل، كما تضيف في حديثها إلى “سوريا على طول”، “غير مستعدة لبدء حرب مع روسيا لإخراج الأسد من السلطة. فيما لن تكون قادرة على إخراج إيران من سوريا من خلال ضربات جوية فقط”. كذلك، فقد فشلت “محاولات إسرائيل العمل مع روسيا لطرد إيران من جنوب سوريا، لأن روسيا أيضا لا تستطيع إخراج إيران من هناك، كون [موسكو] تتمتع بنفوذ محدود للغاية على نظام الأسد، كما ظهر في محاولات روسيا إقناع النظام بالمشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية، إلا أنه خرج منذ الاجتماع الثاني”.

خلاف مخلوف – الأسد 

كان ظهور رامي مخلوف لثلاث مرات منذ 30 نيسان/ أبريل الماضي، آخرها يوم أمس، مفاجئاً بما يفوق بكثير الحملة الإعلامية الروسية، لاسيما وأن دافع هذا الظهور هو الكشف عن صراع داخل نظام لا يسمح بكشف خلافاته للعلن. وهو ما أدى بشكل أو بآخر إلى صفع هيبة النظام والحديث عن تفكك النواة الصلبة حول عائلة الأسد، كما محاولة الجانب الروسي السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري في خضم ما يراه البعض صراعاً مع إيران.

كذلك، يؤثر خلاف مخلوف-الأسد بشكل سريع على الاقتصاد السوري الهش أصلاً، كما يظهر من التدهور السريع لقيمة الليرة السورية التي سجلت انخفاضاً قياسياً جديداً عقب فيديو مخلوف أمس، إذ قفز سعر الدولار عن 1820 ليرة.

وكان أسامة القاضي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، قد حذر، في حديث سابق إلى “سوريا على طول” من “تداعيات كبيرة على ما تبقى من الاقتصاد السوري إن تم استبدال رامي مخلوف بواجهة اقتصادية أخرى”. وقد لمّح مخلوف في ظهوره الأخير إلى أن انهيار شركته ستؤدي لانهيار الاقتصاد السوري، وأن الانهيارات المتكررة لسعر صرف الليرة سببها الإجراءات التي تم تطبيقها منذ عام 2019، أي إجراءات الحجز الاحتياطي على أمواله من قبل الحكومة.

وإذا كان كل ما سبق يشير إلى حجم الضغوطات الكبير التي يعيشها نظام الأسد حالياً، فإنه مصيره يظل رهناً بتوافقات دولية وإقليمية لم تتبلور بعد، على الأقل بشكل نهائي.

شارك هذا المقال