6 دقائق قراءة

انحسار نهر الفرات في سوريا: حرب مياه بغطاء تغيرات مناخية

إذا كانت المناطق السورية الواقعة على مجرى نهر الفرات قد تأثرت عموماً بأزمة المياه، فإن التأثير يبدو مضاعفاً في حالة محافظة دير الزور، باعتبارها آخر مجرى النهر قبل دخوله العراق


20 مايو 2021

عمان- في 17 أيار/مايو الحالي، انخفض الوارد المائي لنهر الفرات في سوريا، والقادم من تركيا، من 200 متر مكعب إلى 170 متراً مكعباً في الثانية، بحسب ما أعلنت الإدارة العامة للسدود التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وبما يعد رقماً قياسياً جديداً في الانخفاض، ينذر بواقع أسوأ لسكان المنطقة، لا سيما في محافظة دير الزور، آخر مناطق مجرى النهر في سوريا. إذ استناداً إلى بروتوكول التعاون الفني والاقتصادي بين سوريا وتركيا العام 1987، يتوجب أن يبلغ تدفق المياه اليومي من تركيا 500 متر مكعب في الثانية.

ونتيجة لهذا الانخفاض، بلغ منسوب مياه بحيرة سد الفرات (بحيرة الأسد) في مدينة الطبقة بريف الرقة، 298.54 متراً عن سطح البحر صباح يوم 18 أيار/مايو الحالي، بحسب فنيّ في السد، تحدث إلى”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام، أي بانخفاض خمسة أمتار ونصف المتر تقريباً عن المنسوب الطبيعي للبحيرة، والمقدر بـ304 أمتار عن سطح البحر.

وإذا كانت المناطق السورية الواقعة على مجرى نهر الفرات قد تأثرت عموماً بأزمة المياه، فإن التأثير يبدو مضاعفاً في حالة محافظة دير الزور، باعتبارها آخر مجرى النهر قبل دخوله العراق الذي يفترض أن يحصل، وفق ما جاء في اتفاقية العام 1989 الموقعة بين الحكومتين السوريّة والعراقيّة، على بما نسبته 58% من الوارد المائي الواصل إلى سوريا من تركيا. 

الزراعة تترنح

مع كل الأحداث التي مرّت بها محافظة دير الزور منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، وتداعياتها على واقع الزراعة في المنطقة، فإن “الموسم الزراعي الحالي هو الأسوأ”، بحسب المزارع عواد الكعبان، من قرية الصلاح التابعة لناحية صور في شمال شرق دير الزور.

وفيما قدّر الكعبان إنتاج الدونم الواحد من أرضه سنوياً بنحو “350 إلى 400 كيلوغرام من القمح، فإن المحصول لهذا العام لن يتجاوز 200 كيلوغرام للدونم الواحد في أحسن الأحوال”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لأن “الأرض لم تحصل على كميات كافية من مياه الري، وخاصة الريّة الأخيرة، وهي الأهم لتكوين سنبلة القمح”.

ويعتمد الكعبان في سقاية أرضه، كما هي كل المشاريع الخاصة والجمعيات الفلاحية في ناحية صور، على “مياه الفرات باستخدام مضخات لجرّ المياه. وبانخفاض منسوب مياه النهر تأثرت قدرتنا على الري”. لافتاً إلى أنه في الظروف الجوية الحالية وشح مياه الأمطار “يجب زيادة عدد مرات السقاية، لكن مع أزمة مياه الفرات تضاعفت خسائر المزارعين”.

في هذا السياق، قال نائب الرئاسة المشتركة لمديرية زراعة البصيرة التابعة لمجلس المنطقة الوسطى في دير الزور، أحمد الجمعة، إن “انحسار المياه أجبر الفلاحين في المنطقة على استجرار المياه من مسافات أبعد وعلى نفقتهم الخاصة، في ظل عدم قدرة المديرية على تأمين الآليات اللازمة لذلك”. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “الفلاحين يفتحون ممرات ري جديدة باستخدام البواكر [آليات ثقيلة للحفر]، ويقربون محركات سحب المياه إليها”، ليتحملوا منفردين “الأعباء المالية التي تتراوح بين 10 و12 دولاراً أميركياً للساعة الواحدة”.

نهر الفرات دير الزور

مزارعون يهيئون مجرى لإيصال مياه نهر الفرات إلى أرضهم جرى حفره بـ”الباكر”، 12/ 5/ 2021 (سوريا على طول)

ومع هذا الواقع، لجأ عدد من المزارعين أيضاً إلى “حفر آبار في أراضيهم”، بحسب الجمعة. محذراً من أنّ “مياه آبار المنطقة تؤثر على خصوبة الأرض وجودة المحصول، لأن غالبيتها مالحة، أو ماهجة كما نسميها محلياً”، ما يعني “عدم جواز سقاية الأراضي منها، خاصة الريّة الأولى التي تسمى ريّة الإنبات”. وتقدر تكلفة حفر البئر بين 600 و1000 دولار أميركي، بحسب ما قال عدد من الفلاحين لـ”سوريا على طول”. 

وكانت المديرية العامة للزراعة في مجلس دير الزور المدني التابع لـ”الإدارة الذاتية” وضعت خطة زراعية للعام الحالي في المنطقة، بحيث يتم تخصيص 77.5% من الأراضي لزراعة القمح (الموسم الشتوي)، و22.5% لزراعة القطن والذرة والشمندر والخضار (الموسم الصيفي). لكن مع أزمة المياه في المنطقة، حذر الرئيس المشترك للجنة الاقتصاد في مجلس المنطقة الغربية بريف دير الزور (خط الكسرة)، أنس الحسّانيّ، من “زراعة الموسم الصيفي وفق الخطة”، إذ “لا يمكن نجاحها وفق الظروف الحالية”. مشيراً لـ”سوريا على طول” إلى أنه “وفق الظروف يمكن زراعة من 5 إلى 10% [من المحاصيل الصيفية]، أي أقل من نصف [المحدد في] الخطة”.

أزمة مياه الشرب

تغذي 55 محطة مناطق “الإدارة الذاتية” في دير الزور بمياه الشرب، كما ذكر مصدر في المؤسسة العامة لمياه الشرب فيما يسمى “إقليم دير الزور” لـ”سوريا على طول”.

لكن نقص منسوب مياه نهر الفرات تسبب بخروج عدد منها عن الخدمة، من بينها ست محطات مياه تتبع لوحدة مياه الفرات، الواقعة في ريف دير الزور الشرقي، والتي تغذى قرى غرانيج، والكشكيّة، وأبو حمام، والبحرة. ما يعني تأثر “نحو 65 ألف نسمة بسبب توقف المحطات عن العمل”، بحسب المصدر ذاته الذي طالب عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام. موضحاً أن “انخفاض المنسوب تسبب بنقص كميات المياه في أحواض الترقيد الخاصة بالمحطات، ليؤدي ذلك إلى توقف محركات هذه المحطات عن سحب المياه”.

في المقابل، لا تزيد الطاقة الانتاجية لباقي المحطات “عن 30% فقط، كون التيار الكهربائي لا يصل للمحطات إلا بمعدل ساعتين يومياً، وبحيث صار اعتماد الأهالي في تأمين مياه الشرب على الصهاريج”. 

هذا وتبلغ حاجة عائلة مكونة من خمسة أفراد نحو 500 لتر يومياً (برميلان ونصف البرميل)، بتكلفة قيمتها 2,500 ليرة سورية (أو ما يعادل 0.80 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، والمقدر بنحو 3,100 ليرة للدولار) عبر الصهاريج، في الوقت الذي يقدّر متوسط دخل الفرد في سوريا 64,000 ليرة (20.6 دولار). لذلك، يتبع الأهالي “سياسة التقنين في صرف المياه كون تكلفتها مرتفعة مقارنة بأوضاعنا المعيشية”، كما شكا أحد المدنيين في ريف دير الزور الشرقي لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى “غياب دور المجالس المدنية والبلديات في التخفيف عن معاناتنا”.

تدهور الثروة السمكية

في الحوض الأدنى لنهر الفرات، حيث آخر مجرى النهر الذي يقطع مسافة 610 كيلومتراً في الأراضي السورية، بدءاً من مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي، وانتهاءً بمدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، تمتلك دير الزور ثروة سمكية غنية في تنوعها وتعدادها، ما يرفد الاقتصاد المحلي للمنطقة.

وحتى ما قبل العام 2011 قُدر إنتاج الثروة السمكيّة في دير الزور بنحو 200 طن سنوياً، بحسب وسائل إعلام تابعة للنظام. لكن القطاع تضرر بسبب الصيد الجائر وظروف أخرى خلال العقد الأخير. وقد تضافر ذلك الآن مع انخفاض منسوب مياه الفرات. إذ إن “انحسار مياه النهر وضيق مجراه تسببا في نقص كميات الأسماك فيه”، بحسب الرئيس المشترك للجنة الاقتصاد في مجلس المنطقة الغربية بريف دير الزور، أنس الحسّانيّ، كون “الأسماك تنتقل عبر التيار المائي، كما تضع بيوضها على ضفاف النهر”، وقد أصبحت “عملية تفقيس البيوض غير ممكنة على بعض ضفاف النهر بسبب انخفاض مستوى المياه وجفاف النهر”.

حرب مياه أم أزمة مناخ؟

رغم أن أزمة المياه الحالية ضربت، على صعد مختلفة، مناطق “الإدارة الذاتية” التي يهيمن عليها الأكراد وتخضع للسيطرة العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أنه لا يوجد إعلان من الأخيرة عن أي اتصالات مع الجانب التركي المسؤول عن خفض منسوب المياه. وقد حاول “سوريا على طول” الحصول على تعليق رسمي من الإدارة العامة للسدود في شمال شرق سوريا، لكن لم يتلق رداً حتى نشر هذا التقرير.

وكان الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، الذراع السياسية لـ”قسد”، رياض درار، قال في تصريح لوكالة أنباء هاوار أن الردود الدولية على أزمة المياه الحالية “ضعيفة وخجولة”، وأن “المشكلة مع القرارات الدولية بأنها تبقى مجرد أوراق لا يسندها موقف”. محذرا من تداعيات خطيرة حال “استمرار انحسار المياه في نهر الفرات”.

من جانبهم، برر مسؤولون أتراك، كما نقلت وكالة رويترز، مشكلة انخفاض منسوب نهر الفرات بانخفاض معدل هطول الأمطار السنوي، وارتفاع معدلات الجفاف في المنطقة، من دون الإشارة إلى مسؤولية الجانب التركي عن خفض تدفق النهر.

في المقابل، أصدرت 124 منظمة مجتمع مدني في شمال شرق سوريا بياناً مشتركاً، مطلع أيار/ مايو الحالي، أدانت فيه قيام الحكومة التركيّة بتخفيض حصة سوريا من مياه الفرات، ودعت المجتمع الدوليّ لتحمل مسؤوليته إزاء هذه الكارثة. 

وإلى أن تحلّ أزمة مياه الفرات، يبحث المزارعون في دير الزور عن بدائل تقلل من خسائرهم المحتمة. وعليه لجأ المزارع عواد الكنعان وآخرون في ريف دير الزور إلى “تضمين أراضيهم لأصحاب المواشي قبل حصادها، لاستخدامها طعام للماشية”، كما قال.

شارك هذا المقال