5 دقائق قراءة

نواعير حماة في سكون وصمت مع جفاف العاصي

نواعير حماة الأثرية التي ظلت تشدو وتدور منذ عصور، هي […]


نواعير حماة الأثرية التي ظلت تشدو وتدور منذ عصور، هي الآن في سكون ، فنهر العاصي الذي تمد أصابعها على ضفافه وتستقي منه منذ الأزل، تدنى منسوب مياهه إلى حد كبير عمَا كان، وذلك ربما لإغلاق سد أقيم عليه، وفق ما قالت مصادر في المحافظة لسوريا على طول.  

حاليا “هناك جفاف شبه كامل في نهر العاصي  والنواعير متوقفة منذ شهر تقريباً”، وفق ما قال براء مراسل من أهالي حماة لشبكة بالحموي، صفحة إخبارية محلية، والتي كانت أول من أتى على ذكر الخبر، لسوريا على طول، الأسبوع الماضي.

والنواعير التي تستند على كتف العاصي في مدينة حماة، هي آلات مائية تقليدية وتتكون من دولاب خشبي ضخم ترتصف على محيطه صناديق خشبية، يدور حول محور خشبي يدعى القلب بقوة تدفق مياه النهر لتغطس الصناديق منقلبة فارغة وترتفع ملآنة وتصب الماء في قناة ذات قناطر وتسقي البساتين على ضفاف النهر والدور والجوامع والخانات والمقاهي.

وتعود النواعير الـ19المتبقية في مدينة حماة إلى السلالة الأيوبية في القرن 12و13ميلادي، فيما  يعتقد أن وجود النواعير كان قبل ذلك بمئات السنين.

ولم يعد المغزى من النواعير الزراعة، فعنين وأنين صوت خشبها الشجي الذي يبكي بغير صبابة ويناجي العاصي وينتحب إليه منذ عصور، بات رمزاً شعرياً لمدينة حماة لطالما حير الشعراء بحنينه وعويله والسياح بعذوبة ورقة دموعه التي تسقي الرياض فتضحك الأزاهير في الممرات والمطاعم والساحات التي تنتشر بعفوية على ضفاف العاصي.

نهر العاصي في مدينة حماة، الأحد، 29أيار. حقوق نشر الصورة لـ بالحموي.

ولكن ومنذ شهر، انخفض منسوب مياه العاصي إلى دون المستوى اللازم لمنح النواعير طاقتها على الحركة، فتوقفت عن الدوران وظلت في صمت وسكون.

صحيح أن النواعير كانت تتوقف بسبب قلة منسوب المياه أو للصيانة وغالباً لفترة قصيرة، ولكن هذه المرة “طالت المدة”، وفق ما قال براء، من أبناء حماة.

وطلب براء أن يشار إليه باسمه الأول فقط، لأنه ومراسلين آخرين في شبكة بالحموي، يعملون سراً داخل مدينة حماة الخاضعة لسيطرة النظام.

وتظهر الصور التي التقطها مراسلو بالحموي في 15أيار وزودوا بها موقع سوريا على طول انخفاضاً حاداً في مستوى مياه النهر حيث تقف أكبر النواعير بالقرب من ساحة العاصي الرئيسية في حماة. وتظهر الصور التي أخذت في يوم الأحد مستوى المياه ذاته، مع بدء نمو الحشائش والأعشاب في أجزاء من ضفة النهر كانت تغمرها المياه سابقاً.

فلماذا تدنى مستوى المياه لهذه الدرجة؟ تعزو المصادر الميدانية التي تحدثت إلى سوريا على طول في هذا الأسبوع من محافظة حماة، هذا الانخفاض في نهر العاصي إلى استخدام المياه كسلاح حرب في المعارك الأخيرة بين الثوار وقوات النظام.

نهر العاصي في منسوبه الاعتيادي، صورة من يوتيوب تم تحميله في عام 2014. حقوق النشر إلى.rndomn8

وفي وقت سابق من هذا الشهر، كتبت سوريا على طول عن الجفاف الغامض والمفاجئ لبحيرة الرستن الواقعة في منطقة يطوقها النظام في ريف حمص الشمالي، على بعد 20 كم جنوب مدينة حماة. وتؤمن البحيرة الاصطناعية التي يشكلها سد الرستن مياه الري والأسماك لأهالي بلدة الرستن في شمال حمص.

وذكر موقع أخبار تمدن الموالي للمعارضة في أذار أن “قوات النظام” فتحت عنفات السد لترفع منسوب مياه النهر “لتستطيع الحد من حركة المقاتلين في ريف حماه، وتشكيل طوق مائي حول مدينة حماه، يعرقل حركة الثوار، بإغراق الجسور التي يستخدمونها كطرق استراتيجية”.

ويتدفق نهر العاصي من الرستن شمالاً باتجاه محافظة حماة، حيث يتصدى النظام السوري للثوار في المعركة التي شنوها في أذار الماضي. 

ولم يأت الإعلام السوري على ذكر فتح العنفات.

ووصف براء، من أهالي حماة، ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى مياه نهر العاصي في ذلك الوقت بالتزامن مع المعارك.

و”مع بداية معارك حماة” وحين كان الثوار على بعد عدة كيلومترات فقط من مركز المحافظة “فاض النهر بشكل كبير”، بحسب ما ذكر براء. ومن ثم انخفض مستوى المياه ولم يعد بعدها  إلى منسوبه الاعتيادي.

وتشير النظرية المحلية للأهالي، التي ذكروها لسوريا على طول، إلى أنه وبعد تدفق المياه من سد الرستن والبحيرة باتجاه النهر، والذي عرقل حركة الثوار وأوقف خطوط الإمداد، بقي هناك سد آخر في مدينة حمص على بعد عشرات الكيلو مترات مغلقاً.

نهر العاصي الذي يعبر حماة، الأسبوع الماضي. حقوق نشر الصورة لـ بالحموي.

والسد الثاني الذي هو محل السؤال يقع على بحيرة قطينة، على بعد 12 كم من مدينة حمص، والتي نشأت من تجمع مياه نهر العاصي خلف لسانا بازلتيا ممتدا من وعر حمص. ويمكن أن يؤدي إغلاق هذا السد الخاضع لسيطرة النظام انخفاضاً في مستوى مياه نهر العاصي.

وينبع العاصي من منطقة الهرمل في لبنان ومنها يتجه نحو القصير على حدود محافظة حمص بسورية ومن ثم بحيرة قطينة ثم مدينة حمص وريفها الشمالي قبل أن يعبر مدينة حماة بالتفاف جميل ويصب في البحر الأبيض المتوسط.

ولم يتسن لسوريا على طول التأكد باستقلالية من الأسباب التي أدت إلى هذا الهبوط في مستوى النهر، إلا أنه وما هو واضح أن هناك شيء ما غيرّ بشكل كبير من تدفق النهر في ريف حمص الشمالي وحماة.

وبعد انحسار بحيرة الرستن،  ظهر من جديد مبنى قديم لمحطة كهربائية بنيت خلال الانتداب الفرنسي بسورية وكانت مياه البحيرة تغمره مذ تم تشكيلها لأول مرة منذ نحو100 سنة، وفق ما قال يعرب الدالي ناشط من المنطقة لسوريا على طول.

وذكر الدالي أن “النظام يسيطر على جسم السد فهو بمنطقته وهو محصن بجيش ودبابات”، مضيفاً أن “البحيرة فقط هي بمنطقة المعارضة”.

ظهور محطة كهربائية تعود لبداية القرن العشرين بعد انحسار بحيرة  مياه الرستن عنها خلال الأسابيع الأخيرة. حقوق نشر الصورة لأبو أحمد.

في الرستن، جفاف البحيرة في المنطقة أهلك المزارعين والصيادين. وفي حماة، تدني منسوب المياه حتى لم يعد باستطاعة المياه الجارية تدوير النواعير ما يهدد بتعريض بنيتها للضرر، وفق ما قال أحمد صباح،  لسوريا على طول وهو مسؤول سابق في الإدارة المحلية المختصة بشؤون الآثار في حماة، ويعيش حالياً في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المحافظة.

وأوضح صباح “مع جفاف المياه وتعرض أخشاب النواعير للشمس الحارقة بالصيف ولفترات طويلة سيؤدي إلى تلف أخشاب النواعير”.

ومع توقف النواعير وجريان المياه  ظل الماء راكداً وليس هناك دفع للمياه الملوثة أو مياه الصرف التي يحملها النهر في مجراه، مما أدى إلى انتشار “رائحة كريهة” وفق ما قال براء، مراسل محلي.

وتظهر الصور التي زودت بها سوريا على طول انخفاضاً حاداً في مستوى المياه، فيما القمامة تطفو على الماء الراكد العكر.

وسكنت النواعير التي كانت رمزاً أزلياً وأيقونة لمدينة حماة وموقعاً للنزهات والمطاعم ولمة العائلة ومجموعات السياح، التي ما انفكت تبوح بحزنها وحنينها الشاعري بلحن الخشب.

وفي أسفلها بات النهر عفناً وممتلئاً بالنفايات.

وختم صباح لسوريا على طول “تاريخ حماة حافل بالمجازر (…)ورغم الذكريات الجميلة على ضفاف العاصي إلا أن جفافه وتوقف نواعيره لم تعد تهم كثيراً من ثقلت عليه المصائب وفقد أثمن من ذلك بكثير”.

ساهم في التقرير: حسان إدريس

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال