5 دقائق قراءة

هجوم تنظيم “داعش” على الحسكة: رسائل تحذير من عودة مرتقبة

كان هجوم تنظيم داعش على الحسكة بمثابة اختبارٍ لخصمه ومعرفة ردة فعل قسد، وقد كشف التنظيم من خلاله عدم قدرة قسد على إحباط الهجوم من دون مشاركة القوات الأميركية وإسنادها، وهو إشارة إلى مرحلة جديدة للتنظيم في سوريا


3 فبراير 2022

باريس- في عملية عسكرية “غير مسبوقة”، منذ هزيمته في آذار/ مارس 2019، شنّ تنظيم داعش، في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، هجوماً على سجن الصناعة في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، وهو أحد أكبر السجون الذي تحتجز فيها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) قياديين في التنظيم وعناصر سابقين في صفوفه.

وفي 31 كانون الثاني/ يناير الماضي أعلنت “قسد” انتهاء عمليتها العسكرية ضد تنظيم داعش، التي نفذتها بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بحصيلة 121 قتيلاً من عناصرها والعاملين في السجن، و374 عنصراً من التنظيم، إضافة إلى أربعة مدنيين.

وعدا عن أن تداعيات هجوم تنظيم داعش العسكرية ما زالت مستمرة، حيث تواصل “قسد” عمليات البحث في مناطق سيطرتها عن سجناء فارّين من السجن المعروف أيضاً باسم “سجن غويران” نسبة للحي الذي يقع فيه، فإن هجوماً بهذا الحجم والتنظيم يثير تساؤلات عن استراتيجية التنظيم القادمة في سوريا، ومدى قدرته على تكرار مثل هذه العمليات في عموم سوريا والعراق.

“العملية رقم واحد”

رغم إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هزيمة “داعش”، في العام 2019، إلا أن التنظيم لم يتوقف عن تنفيذ عملياتٍ ضد خصومه في سوريا والعراق، غير أنها اقتصرت على “حرب الاستنزاف” أو “حرب العصابات”، ويطلق على هذه الاستراتيجية، وفق إيديولوجية التنظيمات الجهادية بـ”جهاد المستضعفين أو جهاد النكاية”، ويقتصر هدفها على إلحاق الخسائر بالخصوم من دون السيطرة على مساحات جغرافية.

ويعدّ هجوم سجن الصناعة الأقوى، منذ هزيمة التنظيم، الذي “نجح في سحب مئات المعتقلين بينهم أمراء [قادة] كبار”، كما قال أحمد الرمضان، مدير فرات بوست، وهي مؤسسة إعلامية محلية تغطي مناطق شرق سوريا، واصفاً الهجوم في حديثه لـ”سوريا على طول” بأنه: “العملية رقم واحد منذ خسارة التنظيم معركته الكبرى”.

الأهم من ذلك، وفقاً للكاتب السوري المعارض أحمد أبازيد، أن الهجوم “جاء بعد انهيار التنظيم المركزي ومقتل معظم قياداته على يد التحالف الدولي”. يتفق مع ذلك الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن التنظيم لجأ بعد هزيمته، ومقتل قائده السابق أبو بكر البغدادي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إلى “إعادة هيكلة بيته الداخلي، ووضع قيادة جديدة بزعامة عبد الله قرداش، المعروف بأبي إبراهيم الهاشمي”.

تلك الظروف، دفعت التنظيم إلى التخلي عن “استراتيجية السيطرة المكانية، ما أفقده مشروعه السياسي”، وأجبره على “التحول إلى نهج العصابات والاستنزاف”، بحسب أبو هنية، بحيث “اقتصد في استخدام القوة، من خلال الاعتماد على التكتيكات العسكرية غير المكلفة، التي تعتمد على العبوات الناسفة، والاغتيالات. وعمليات القنص، ونصب الكمائن”، كذلك “كان مقتصداً في استخدام استراتيجيته العسكرية الأساسية، التي تعتمد على الانتحاريين و الانغماسيين والاقتحامات”، كما قال.

نهج جديد

أظهرت العملية الأخيرة في مدينة الحسكة إمكانية تنفيذ تنظيم داعش “عمليات عسكرية منظمة وكبيرة من دون التواصل المباشر بين الخلايا”، إذ اعتمد في إبلاغ عناصره داخل سجون “قسد” على إصداراته المرئية التي تحدثت عن “كسر الأسوار”، بحسب الكاتب أبو زيد، معتبراً أن ذلك يظهر “تحول داعش إلى جماعة تدافع عن هويتها وأفرادها بغض النظر عن التواصل التنظيمي المباشر”.

كذلك، يحاكي هجوم تنظيم داعش الأخير نهجه الذي كان يستخدمه قبل هزيمته في العام 2019، من حيث “استخدام المفخخات والعمليات الانتحارية والاقتحام والانغماسيين”، وفقاً لأبو هنية، في إشارة إلى “تطور التنظيم”، وقدرته مجدداً على تنفيذ “عمليات معقدة ومركبة شبيهة بتلك التي نفذها قبل سيطرته على الموصل والرقة عامي 2012 و 2013، حينما تبنى ما يسمى حملة هدم الأسوار”، التي تمكن عبرها تهريب عناصره من السجون.

ورأى أبو هنية أن “مايجري اليوم يعيدنا إلى تلك الفترة التي شهدت صعود قوة التنظيم”، حيث “تمكن التنظيم حينها من تحرير عدد كبير من مقاتليه في سجني أبو غريب والتاجي بالعراق، من بينهم القيادي أبو عبد الرحمن البيلاوي، الذي خطط لعملية اقتحام الموصل”.

وأبدى أبو هنية تخوفه من تكرار ما حدث بأفغانستان، في آذار/مارس الماضي،  عندما “تمكن من تحرير ألف عنصر في سجن ننجرهار في خراسان، ليعيد بعدها بناء التنظيم هناك”، ما يعني “أن عودة العمليات المركبة والمعقدة للتنظيم في سوريا مؤشر على عودته واستعادة قوته”.

لماذا سجن الصناعة؟

وزعت “قسد” قادة التنظيم وعناصره المعتقلين على تسعة سجون في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، لكن سجن الصناعة هو أكبر السجون وأهمها، إذ يبلغ عدد المحتجزين فيه حوالي 3,000 سجيناً، بينهم قياديين، بالإضافة إلى 700 طفلٍ لهم ارتباط بالتنظيم.

ويقع السجن في خاصرة ضعيفة في الأحياء الجنوبية لمدينة الحسكة، “ما يتيح الفرصة لعناصر داعش التي نفذت الهجوم التسلل إلى الأحياء المجاورة للسجن”، وهو ما حصل في الهجوم الأخير، “على عكس المواقع الجغرافية للسجون الأخرى، حيث يصعب على التنظيم تنفيذ هجوم عليها، كسجن قامشلو [القامشلي] والشدادي”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” الصحفي نور الدين عمر، المقيم في محافظة الحسكة.

بدوره، اعتبر الناطق الرسمي باسم قوات الشمال الديمقراطي التابعة لـ”قسد”، محمود حبيب، أن سجن الصناعة يكتسب أهمية خاصة بالنسبة لتنظيم “داعش”، كونه يقع “في قلب المنطقة التي تحتوي قيادات قسد والتحالف، وهذا يعد خرقاً كبيراً”.

أيضاً، فإن الغاية من الهجوم، كما قال حبيب لـ”سوريا على طول” هو “تخليص قياداته ومقاتليه الذين كان لهم دور بارز في صنعه وقوته من السجن قبل أن يتم نقلهم إلى سجون أخرى”، مشيراً إلى أنه “كان من المقرر في غضون شهر أن يتم نقل قادة التنظيم إلى سجن جديد تتوفر فيه معايير أمنية أعلى”. وكانت “قسد” حذرت أكثر من مرة من افتقار السجن لوسائل مراقبة، ما يتيح للسجناء فرصة التنظيم الذاتي.

كذلك، بحسب حبيب، فإن “اتصال المدينة بمناطق شاسعة تتصل بالبادية يسهل عملية الهروب ويصعب عملية الملاحقة”، إلى جانب  “موقع التنظيم في منطقة مكتظة بالسكان أتاح إمكانية استغلال المدنيين كدروع بشرية، كما حصل فعلاً”.

وفي الوقت الذي أعلنت “قسد” إحباط هجوم تنظيم “داعش” واستسلام نحو 3500 عنصراً، ما يزال مصير بعض من سجناء التنظيم غير معروف، فيما تشير تصريحات التنظيم إلى “تمكن مئات المعتقلين من الفرار، ما يعني أنهم سيصبحون وقوداً مستقبلاً”، بحسب أبو هنية.

ماذا بعد الهجوم؟

كان هجوم تنظيم داعش على الحسكة بمثابة “اختبارٍ لخصمه ومعرفة ردة فعل قسد”، وقد كشف التنظيم من خلاله “عدم قدرة قسد على إحباط الهجوم من دون مشاركة القوات الأميركية وإسنادها”، بحسب حسن أبو هنية، الذي استبعد “أن يغير التنظيم استراتيجية العصابات والاستنزاف الحالية”، مرجحاً أن يحاول التنظيم “السيطرة المؤقتة ثم الانسحاب”، وأن “يجمع بين التكتيكات العسكرية غير المكلفة التي اعتمد عليها خلال السنوات الماضية مع هذه الهجمات المركبة والمعقدة”.

وحذّر هنية من أن “تراجع الاهتمام بداعش والإرهاب العابر للحدود، إضافة إلى تداعيات كورونا الصحية والمالية ومواجهة الإرهاب الداخلي والمناخ يزيد من خطورة التنظيم وينذر باستمرارية خطورته”، لافتاً إلى أن “غياب الحوكمة الصحيحة والحل سياسي، مع وجود فساد وفقر وبطالة هي أسباب موضوعية لاحتمالية عودة التنظيم. قد لا يكون ذلك خلال سنة ولكن ربما خلال السنتين القادمتين”. 

من جانبه، توقع أحمد أبازيد تنفيذ التنظيم عمليات أخرى داخل المدن التي تسيطر عليها “قسد” على وجه الخصوص، خاصة أنه “اختبر في العملية الأخيرة إمكانية الانتقال من حرب الصحراء إلى حرب المدن من جديد”. 

يتفق مع ذلك الصحفي نور الدين عمر، الذي توقع أن تستهدف عمليات تنظيم داعش القادمة “قوات قسد، وقوى الأمن الداخلي، والإدارة الذاتية، بالإضافة إلى السجون ومراكز احتجاز عناصره”، لكن لن تكون العمليات بحجم هجوم سجن الصناعة “الذي كلفه الكثير من عناصره وخلاياه في المنطقة”.

رداً على ذلك، استبعد الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي، محمود حبيب، تنفيذ التنظيم عمليات أخرى بهذا الحجم في المدى المنظور “بعد الهزيمة التي مني بها”.

شارك هذا المقال