6 دقائق قراءة

هل دول الاتحاد الأوروبي ملزمة بإعادة أطفالها من شمال شرق سوريا؟

"هل أنت إرهابي؟"، تسأل امرأة طفلاً بينما تصوره بكاميرا فيديو، فترتسم الحيرة على ملامحه. ينظر إلى والدته التي تضحك، وليبدو الارتباك على كليهما في مواجهة السؤال كما الظروف التي وجدا نفسيهما فيها


27 يوليو 2020

عمان- “هل أنت إرهابي؟”، تسأل امرأة طفلاً بينما تصوره بكاميرا فيديو، فترتسم الحيرة على ملامحه. ينظر إلى والدته التي تضحك، وليبدو الارتباك على كليهما في مواجهة السؤال كما الظروف التي وجدا نفسيهما فيها، إذ مضت سنة على مكوثهما في مخيم الهول بشمال شرق سوريا.

الصبي الذي يظهر في الفيديو السابق هو واحد من 750 طفلاً من حملة الجنسية الأوروبية/المواطنين الأوروبيين الذين انتهى بهم المطاف مقيمين في المخيمات الواقعة شمال شرق سوريا، وتضم نساء وأطفالاً كانوا يعيشون تحت حكم ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) عند هزيمته. فهؤلاء الأطفال هم أبناء مواطني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي كانوا قد هاجروا مع أسرهم للانضمام للتنظيم، وبعضهم ولد أثناء فترة وجود ذويهم في سوريا.

وتعاني هذه المخيمات أوضاعاً بائسة؛ إذ توفي 371 طفلاً في مخيم الهول وحده السنة الماضية. ورغم مناشدات منظمات إنسانية، مثل “إنقاذ الطفل” و”هيومن رايتس ووتش”، ما تزال دول الاتحاد معارضة لإعادة الأطفال من شمال شرق سوريا. فرغم إعادة كل من السويد وفرنسا والنرويج وألمانيا والدنمارك والمملكة المتحدة عدداً صغيراً من الأطفال الحاملين لجنسياتها، فإن ذلك تم فقط بعد إطلاق أقاربهم حملات إعلامية للضغط على حكومات تلك البلدان.

ففي نيسان/أبريل الماضي، استعادت فرنسا الطفلة “تيمية” بسبب حالتها الصحية الحرجة، بحيث كانت على وشك الموت. لكن باريس لم تستعد أشقاء الطفلة الموجودين أيضاً في شمال شرق سوريا إلا بعد شهرين من استعادة تيمية، فيما لا يزال هناك 270 طفلاً فرنسياً آخرين هناك.

ولفت بياتريس إريكسون، المؤسس المشارك للمنظمة الدولية غير الحكومية “إعادة الأطفال إلى وطنهم”، إلى أن “هناك كارثة إنسانية عظيمة لا أحد يتصرف بشأنها”. وكان إريكسون أسّسّ مع غوركي غلاسر مولر وباتريسيو غالفيز المنظمة، لتقديم المشورة للحكومات والأسر بشأن تيسير إعادة الأطفال من شمال شرق سوريا بأمان.

وقد شارك إريكسون بشكل وثيق في إعادة أحفاد غالفيز من مخيم الهول إلى السويد العام الماضي، وهو يقدم حالياً نصائح للأسر السويدية الأخرى التي تحاول تأمين عودة أحفادها من هناك.

وكما قال إريكسون لـ”سوريا على طول”، فإن “كل ما يحتاجونه هو ورقة عليها ختم ليصطحبوا [الأطفال] معهم. ومنذ عودتهم من سوريا وهم يناشدون الحكومة السويدية يومياً من أجل إعادتهم، لكن الحكومة تجيب بالرفض”.

الالتزامات القانونية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي

في بيان صادر عن اللجنة الفرعية للاتحاد الأوروبي المعنية بحقوق الإنسان، في 26 حزيران/يونيو الماضي، قالت نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ومنسقة حقوق الطفل، إيفا كوباتش، إن أطفال الاتحاد الأوروبي في شمال شرق سوريا “محرومون كلياً من أبسط حقوقهم… كما لو أن العالم لا يراهم”. مضيفة أنه “لا ينبغي تحميل طفل وزر والديه أو أن يرث ذنباً وعقوبةً على أفعالهما”.

قبل ذلك، بنى البرلمان الأوروبي، في كانون الثاني/يناير الماضي، قراراً يدعو فيه الدول الأعضاء إلى إعادة أطفالها من سوريا “من دون مزيد تأخير”، مستشهداً باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والتي تُلزم الدول الموقعة إعطاء الأولوية لحماية الأطفال وسلامتهم. وجاء في القرار أيضاً أن منع الأطفال من العودة إلى وطنهم يجردهم من حقهم في تمثيل أنفسهم؛ إذ إن “الأطفال هم أصحاب حقوق بذاتهم، وبالتالي لا يمكن تقويض هذه الحقوق بجريرة والديهم”. 

ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي لا تعترض صراحة على عودة الأطفال إلى بلادهم، إلا أنها تضع في الواقع الكثير من العوائق التي تحول دون عودتهم. ومن دون موافقة بلدانهم الأصلية، لا تستطيع “الإدارة الذاتية” التي تدير مناطق شمال شرق سوريا والمخيمات فيها السماح بمغادرة الأطفال.

وعزت دول الاتحاد الأوروبي عدم إعادة الأطفال حالياً إلى الوضع الأمني، وغياب العلاقات الدبلوماسية مع الإدارة الذاتية، كما عدم القدرة على تحديد خلفية هؤلاء الاطفال، وفقاً لإريكسون. إلا أن العديد من المصادر التي شاركت بمهمات سابقة لإعادة الأطفال ذكرت لـ”سوريا على طول” أن هذه المخاوف اللوجستية يمكن معالجتها بسهولة إذا ما توافرت الإرادة السياسة.

كذلك، يعارض الرأي العام في معظم دول الاتحاد الأوروبي إعادة أولئك الأطفال. وكما ذكر إريكسون، فإن “ثمة نقاش عام حاد في السويد، حيث يرى كثيرون هناك أن هؤلاء الأطفال هم أبناء إرهابيين، فلا تجب مساعدتهم”. وقد ثبت أن الضغط لإعادة هؤلاء الأطفال ينطوي على مخاطر سياسية، كما تجلى ذلك في النرويج حيث فقدت رئيسة الوزراء شعبيتها لمناصرتها إعادة أم وطفلها من سوريا.

ولتجنب الارتدادات، ارتأت بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل فنلندا، قصر سياسته بهذا الشأن على إعادة الأطفال الأيتام فقط، بدعوى وجوب محاكمة الأمهات محلياً، أي في سوريا، على جرائهمن.

نتيجة لذلك، تعاني أمهات الأطفال في شمال شرق سوريا، وأكثرهن مواطنات أيضاً في دول الاتحاد الأوروبي، معضلة مؤلمة: فإما يتخلين عن أطفالهن ليخرجنهم من حياة المخيمات البائسة، أو يبقينهم معهن بمنعهم من العودة إلى أوروبا. 

وكما قالت الدكتورة آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، لـ”سوريا على طول” يتمثل “مأخذ الأوروبيين على هؤلاء الأمهات في أنهن يستخدمن أطفالهن [لتأمين عودتهن أنفسهن]”، لكن من الإنصاف القول إن قلة قليلة فقط من هؤلاء الأمهات يقبلن التخلي عن أولادهن”. مضيفة: “بعضهن هربن من ظروف عائلية سيئة ولا يردن أن ينشأ أطفالهن على يد أهاليهن”.

وكانت الإدارة الذاتية قد ذكرت سابقاً أنها لن تقبل بفصل الأطفال عن أمهاتهم لدى إعادتهم إلى وطنهم. لكنها أشارت، كما جاء في تصريح لعبد الكريم عمر، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، لمركز روجافا للمعلومات بمدينة القامشلي، في 16 تموز/يوليو الحالي، إلى أن “سياستها ترمي إلى تيسير إعادة الأطفال الأيتام والذين يحتاجون رعاية صحية خاصة لا يمكن تقديمها في شمال شرق سوريا”.

ويبدو أن البرلمان الأوروبي في قراره الصادر في كانون الأول/يناير يمنح الدول الأعضاء هامشاً من الحرية فيما يتعلق بمسألة إبقاء الأم مع طفلها عند إعادته؛ إذ اشترط أن “لا يتم فصل الأطفال عن أهاليهم ضد إرادتهم، ما لم يكن هذا الفصل ضرورياً لمصلحة الطفل الفضلى”. مضيفاً أن إبقاء الأطفال في معسكرات الاحتجاز لا يصب “في مصلحة الطفل الفضلى” هذه.

وقد اعتبرت الدول الأعضاء أنه في حال لم تشأ الأم الانفصال عن أطفالها، فليس من صلاحية الدول فصل العائلة، وبالتالي ليس هناك ما يلزم بالمساعدة باستعادة الأطفال.

وبحسب الدكتورة سبيكهارد، فإن قرار أخذ الأطفال إلى مناطق “داعش” قد يشكل إخلالاً بالمهام المنوطة بالوالدين أو انتهاكاً لها، ويجب أن تكون الدول مُلزمة بالتدخل لحماية سلامة الطفل، على غرار مراكز خدمات حماية الطفل في الولايات المتحدة. وهذا يعني من الناحية النظرية أنه إذا كان اعتراض الأم هو العقبة الوحيدة أمام إعادة الأطفال وإخراجهم من الظروف المروعة في معسكرات الاحتجاز في شمال شرق سوريا، فإن للدولة السلطة القانونية لتعليق حق وصاية الأم وتنحية سلطة الوالدين.

وإلى جانب البعد الإنساني للقضية، قد تنبثق مخاطر أمنية جرّاء ترك الوالدين وأطفالهم يتجرعون قسوة الحياة في شمال شرق سوريا. فمن غير المستبعد أن يسافر هؤلاء الأطفال حالما يكبرون إلى قنصليات دولهم في إربيل بكردستان العراق، ليطالبوا بالجنسية الأوروبية بعد أن تجذرت فيهم أيديولوجيا “داعش” المُستشرية الآن في معسكرات الاحتجاز، وذلك عوضاً عن إعادتهم اليوم وهم أطفال صغار.

“محكمة الرأي العام أهم من محكمة القضاء”

عمد نشطاء وأقارب الأطفال إلى التوجه إلى الإعلام لتعبئة الرأي العام والضغط على حكومات بلادهم من أجل تأمين إعادة أطفال الاتحاد الأوروبي. ووصف إريكسون كيف صمّت الحكومة آذانها عن توسلات غالفيز ومناشدته لإحضار أحفاده إلى السويد إلى أن بدأ بتوثيق رحلته وما يعانيه الأطفال تدهور حالتهم الصحية.

ورغم معارضة غالبية الرأي العام إعادة الأطفال من شمال شرق سوريا، فإن “استخدام باتريسيو [غالفيز] الإعلام للدفاع عن حقوق الأطفال، أثار تعاطف كثير من المواطنين السويديين العاديين الذين أدركوا، أنه “ربما كان هذا حفيدي”، كما قال إريكسون.

وتعكس الطبيعة المؤقتة لسياسة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الخاصة بإعادة أولئك الأطفال، حقيقة أنها سياسة مصممة للاستجابة للحملات الإعلامية الفردية، بدلاً من وجود سياسة ثابتة بهذا الشأن.

مع ذلك، يرى البعض أن التغطية الإعلامية الكافية ستدفع الحكومات إلى اتخاذ مواقف استباقية لحل هذه القضية، بحيث تبادر هذه الحكومات من تلقاء نفسها إلى تسهيل عودة الأطفال إلى أوطانهم. ففي “النهاية سنفوز، لأن موقف الحكومة خاطئ كلياً”، كما قال لـ”سوريا على طول” كلايف ستافورد سميث، المحامي البريطاني-الأميركي في مجال حقوق الإنسان والذي يشارك في مساعي إعادة المواطنين الأوروبيين الموجودين في مخيمات شمال شرق سوريا إلى أوطانهم. معتبراً أنه بترك أولئك النساء والأطفال “يجبر الأوروبيون الإدارة الذاتية على إقامة غوانتانامو أوروبي في شمال شرق سوريا. وهذا غير شرعي، كما كان يقول الأوروبيون دوماً حين قام بذلك الأميركيون”. 

مع أن الالتزامات القانونية قد تبدو واضحة على الورق، فإن الأطفال بغياب مناصرين يدافعون عن قضاياهم لن يستطيعوا رفع دعوى في المحاكم الأوروبية لاستخلاص حقوقهم. وكما ختم سميث: “عندما تملك حقاً قانونياً، يكون السؤال: ما هو السبيل لإنفاذ هذا الحق؟ [في هذه الحالة] محكمة الرأي العام أهم بكثير من محكمة القضاء”.

نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال