6 دقائق قراءة

هل يقطف النظام السوري ثمار حملة الفصائل المحلية ضد “العصابات” في السويداء؟

في الوقت الذي تواصل فصائل السويداء حملتها العسكرية، يتحرك النظام لفرض تسويات جديدة في المحافظة، عبر مشايخ العقل وزعامات دينية واجتماعية، تفضي إلى التحاق شباب السويداء بالخدمة العسكرية


8 أكتوبر 2022

باريس- في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أعلنت الفصائل المحلية في السويداء استئناف حملتها العسكرية ضد من وصفتهم بـ”العصابات” المرتبطة بالنظام السوري، مستهدفة هذه المرة مجموعة مهند ورامي مزهر المتواجدة داخل المدينة.

اتهمت الفصائل في بيانها “عصابة مزهر” بأنها ذات “سجل حافل بالقتل والخطف والدعارة”، بالتعاون مع ضباط فاسدين، إضافة إلى تورطهم في “الترويج للممنوعات”، مهددة من يحاول توفير الحماية لهم بـ”التعامل معه على أنه واحد منهم”.

يتزعم مهند ورامي مزهر، إحدى العصابات التابعة للأمن العسكري، كما أنهما ارتبطا بمجموعة “قوات الفجر”، بقيادة راجي فلحوط، التي قضي عليها بداية الحملة العسكرية، في تموز/ يوليو الماضي، ضد المجموعات التابعة للنظام السوري في المحافظة ذات الغالبية “الدرزية”.

وفي الوقت الذي تواصل فصائل السويداء حملتها العسكرية، تحرك النظام لفرض تسويات جديدة في المحافظة، عبر مشايخ العقل وزعامات دينية واجتماعية، تفضي إلى التحاق شباب السويداء بالخدمة العسكرية.

غطاء اجتماعي ديني 

كان من المقرر انطلاق العملية العسكرية خلال 48 ساعة من الإعلان عنها، ومع حلول الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر انقضت المدة ولم تبدأ العملية، لكن “العملية قادمة”، كما أكد مرهج الجرماني، قائد لواء الجبل، أحد الفصائل العسكرية المشاركة، مرجعاً في حديثه لـ”سوريا على طول” تأخر بدء العملية إلى “أسباب عسكرية داخلية، وبهدف استنفاد جميع الحلول السلمية”.

وأوضح الجرماني، أن المهلة التي حددتها الفصائل “بمثابة تشريع العمل العسكري اجتماعياً، بمعنى أن يكون المجتمع على علم بها”، وفي الوقت نفسه أن تُعطى الفصائل “فرصة للتراجع والرضوخ لمطالبنا قبل وقوع الدم”، بحسب قوله.

ويتوجب على رامي ومهند “تسليم نفسيهما للتحقيق، وتسليم الأسلحة والسيارات، وقطع العلاقات بالعصابات، لتفادي العمل العسكري”، إضافة إلى “الجلي”، أي “الخروج من سوريا نهائياً، وهي عقوبة استخدمها أجدادنا بدل قتل الشخص الذي ارتكب خطأ كبيراً”، وفق الجرماني.

من جهتها، لم تصدر حركة رجال الكرامة، الفصيل العسكري الأكبر في السويداء، والذي شارك في العمليات السابقة ضد مجموعتي راجي فلحوط وسليم حميد، أي بيان بشأن العملية العسكرية المرتقبة في “قلب مدينة السويداء”.

وعزا أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة، عدم تدخل الحركة في العملية المرتقبة لعدم وجود “غطاء ديني اجتماعي عائلي”، معتبراً أن تجاهل ذلك سوف يؤدي إلى “أزمة كبيرة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وشدد على “أهمية الغطاء الاجتماعي والتفويض من الأهالي بخصوص إطلاق الحملة في المدينة”، لأن “أي عملية عسكرية قد ينتج عنها ضحايا مدنيين وأضرار مادية في الممتلكات الخاصة، وفي حال عدم وجود تضامن اجتماعي قد يكون هناك ردات فعل سلبية”.

اقرأ المزيد: ما بعد “فلحوط”: استمرار حذر لـ”هبّة” السويداء ضد “العصابات”

يعزز مخاوف “رجال الكرامة”، البيان الذي صدر في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر، عن “قادة فصائل مدينة السويداء”، المعروفين بـ”تجمع أبناء المدينة”، توعدوا فيه استخدام القوة ضد الفصائل التي وجهت مهلة لمهند ورامي مزهر، بذريعة أن المطلوبين “أعلنا التوبة”، وأن عائلة آل مزهر أكدوا أن عدداً من أبنائهم الذين أخطأوا “أعلنوا توبتهم أمام العائلة، وسلموا سلاحهم لمجلس العائلة”، وأنهم “تحت الحق، جاهزون لدفعه في حال أثبت أي طرف ذلك”.

وبدوره، اعتبر الأمير لؤي الأطرش، وهو من سلالة الزعيم الوطني الدرزي سلطان باشا الأطرش، في بيان صادر عن دار عرى، وهي واحدة من مراكز صنع القرار في السويداء، أن التحرك المسلح في مدينة السويداء “خطير على أرواح الأبرياء”، داعياً “الدولة” لأخذ دورها في “محاسبة الخارجين عن القانون”.

نفى مرهج الجرماني صحة البيان الصادر عن “فصائل المدينة”، معتبراً أن “عائلات المدينة لا تنشر هكذا بيان، ولو صدر عنها لوضعت اسمها على البيان”، لكن “مهند ورامي يحاولان خداعنا بهكذا بيان”، بحسب الجرماني، إذ لو كان البيان صحيحاً كانت عائلة الجرماني من الموقعين عليه “لأننا من عائلات المدينة، وأول من سكن فيها”.

واستدرك الجرماني: “لو صدر بيان حقيقي عن عائلات المدينة يطالب بوقف الحملة، فإننا سنلتزم بذلك”، مؤكداً أنهم لن يدخلوا مكاناً “من دون موافقة أهله”.

انقسام في مشيخة العقل؟

يلعب التوزع الاجتماعي والجغرافي لمشايخ العقل: الشيخ حكمت الهجري، الشيخ حمود الحناوي، والشيخ يوسف جربوع، دوراً رئيساً في تشكيل الغطاء الديني والاجتماعي الذي تبحث عنه فصائل السويداء.

لكن، فيما انحاز الشيخ الهجري إلى الفصائل المشاركة في العملية العسكرية وحاضنتها الشعبية، اتخذ الشيخان الحناوي وجربوع موقفاً أقرب للنظام السوري. هذا التباين يزيد من صعوبة الحصول على التفويض من أهالي المحافظة. 

وظهر هذا الانقسام جلياً، حينما دعا الشيخ الهجري فصائل السويداء للقضاء على مجموعات الأمن العسكري في المحافظة، ما اعتبر أنه تفويض ديني للفصائل، بينما لم يتبنَ الشيخين الحناوي وجربوع الموقف ذاته رغم أنهما في نفس المؤسسة الدينية “مشيخة العقل”.

وفي حادثة أخرى، لم يحضر الشيخ الهجري اجتماع مسؤولين أمنيين من النظام السوري مع زعامات اجتماعية ودينية بما فيهم الحناوي وجربوع، الذي جرى بمدينة السويداء، في 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، لبحث الملف الأمني والوضع المعيشي.

تعليقاً على ذلك، عزا أبو تيمور موقف الهجري المخالف للشيخين الآخرين إلى “تواجد عصابات راجي فلحوط وسليم حميد في منطقة قنوات وعتيل التابعتين دينياً واجتماعياً لدار الشيخ حكمت الهجري”، وهو ما يفسر إعلانه “النفير العام بعد أن جمع عدداً من الوجهاء، وأصدروا بياناً بمثابة تفويض ديني، وأنهم من يتحمل الأخطاء التي  تقع أثناء العمل العسكري، من ضحايا أبرياء أو تضرر أملاك خاصة”.

أما بالنسبة لمدينة السويداء، يعتبر الشيخ يوسف جربوع، الذي اتخذ موقفاً أقرب للنظام، المرجعية الأولى فيها، ناهيك عن أن لها “خصوصيتها”، لذلك “عندما لا تتجاوب مشيخة العقل مع مطلب الشعب، فإن أي عمل عسكري فيها قد يؤدي إلى نتائج غير إيجابية، وفق أبو تيمور.

تعليقاً على ذلك، استند مرهج الجرماني إلى بيان الشيخ حكمت الهجري الأول، الذي أصدره بداية الحملة، قائلاً: “نحن لدينا توجيه من الرئيس الروحي الشيخ حكمت، بالقضاء على العصابات كافة، وحتى إن لم تهدر العائلة دمهم فالجبل هدر دمهم”.

ماذا يريد النظام؟

في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، افتتح النظام السوري مركزاً للتسوية في مدينة السويداء، بعد شهرين من إغلاق المركز السابق في صالة السابع من نيسان، ولا تختلف التسوية في المركز الجديد عن التسويات السابقة، التي انطلقت مطلع العام الماضي، برعاية روسية.

تشمل التسوية الجديدة، الفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية، والمطلوبين على خلفية قضايا أمنية، ويستثنى منها المطلوبين على خلفية إدعاءات شخصية. ولا تشترط التسوية الجديدة تسليم السلاح.

بعد إتمام عملية التسوية، يُعطى الشخص مهلة مدتها ستة أشهر، في حال كان متخلفاً أو فاراً من الخدمة العسكرية، ويتوجب عليه تسليم نفسه بعد انتهاء المهلة، وأداء الخدمة العسكرية، كما ذكرت شبكة السويداء 24، التي تعنى بتغطية أخبار المحافظة.

وجاءت هذه التسوية بناء على الاجتماع الذي جمع وفداً أمنياً من النظام مع فعاليات دينية واجتماعية من المحافظة في أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان على رأس وفد النظام وزير الداخلية اللواء محمد رحمون، واللواء حسام لوقا، مدير إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة).

قدم وفد النظام حلولاً للملف الأمني في المحافظة، تتمثل في بسط سلطة الدولة، عبر تفعيل دور الضابطة العدلية من أجهزة الشرطة والأمن الجنائي، ونشر نقاط تفتيش، وتعزيز دور القضاء، وافتتاح مركز للتسوية، بحسب ما نقلت وكالة السويداء 24 عن اللواء لوقا، الذي أكد صعوبة الوصول إلى الأمن والأمان “من دون سحب السلاح غير المرخص، وتفكيك المجموعات المسلحة وضبط السيارات غير النظامية”.

رداً على ذلك، استبعد أبو تيمور، من الجناح الإعلامي لـ”رجال الكرامة” أن يكون في إجراء التسوية حل لتحسين الوضع الأمني، مشدداً على ضرورة “تحسين الوضع المعيشي وتأمين أساسيات عيش المواطن قبل طرح الحلول الأمنية الفارغة”، واتهم النظام بمواصلة استخدام الحلول الأمنية التي تعامل معها منذ عام 2011.

وبدوره، اعتبر مرهج الجرماني أن الاجتماع جاء “على خلفية انتصارنا على عصابات الدولة، إذ كان يخطط سحب السلاح من الشباب [عناصر الفصائل المحلية] وسوقهم بالقوة إلى الخدمة العسكرية”، إضافة إلى سعيه إلى إيجاد شخص يحكم السويداء “بالقوة”، من قبيل راجي فلحوط، “لكنه فشل”، بحسب قوله.

وأضاف الجرماني: “عندما طالب الأهالي في الاجتماع بتحسين الوضع المعيشي وإدخال المحروقات للمحافظة، رد الوفد بوجوب الالتحاق في الخدمة العسكرية لتحرير آبار النفط من يد الأميركان”، وبدلاً من كف أيدي أجهزته الأمنية عن المحافظة نقل ملف السويداء من اللواء كفاح ملحم، رئيس الأمن العسكري إلى يد اللواء حسام لوقا، رئيس أمن الدولة “ولا يختلف الشخصان عن بعضهما”، بحسب الجرماني.

وفي سياق ضغطه على المحافظة “خفض النظام مخصصات البنزين للمحافظة، ويحاول رفع سعر المواد الغذائية القادمة إليها”، وفق الجرماني، ساعياً إلى “إشغالنا بتأمين المعيشة ليتفرغ إلى إعادة هيكلة عصاباته من جديد”.

تحركات النظام الأخيرة في السويداء تكشف الفجوة الكبيرة بينه وبين أهالي المحافظة، إذ إن الحديث عن “الملف الأمني” يعني بالنسبة للأهالي “تحقيق الأمن والأمان”، كما قال أبو خلدون (اسم مستعار)، 63 عاماً، لـ”سوريا على طول”، لكن “ما يقوم به النظام هو القمع”.

وأضاف أبو خلدون، وهو مدرس متقاعد من سكان السويداء، أن “العصابات التي عاثت فساداً في السويداء، تحمل بطاقات أمنية صادرة عن النظام، وتعمل بموافقته”، معتبراً أن “الوضع الأمني تحسّن بعد القضاء على عصابة فلحوط وسليم”.

شارك هذا المقال