5 دقائق قراءة

هيئة تحرير الشام: مستفيدة أم متورطة في استهداف “الجهاديين المهاجرين”؟

عمان- خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين، نفذ "التحالف الدولي للقضاء على داعش"، والذي تقوده الولايات المتحدة، ضربتين استهدفتا مقراً لتنظيم "حراس الدين" ومعسكراً لتنظيم "أنصار التوحيد"، على خلفية معلومات تشير إلى وجود اجتماع لقيادات مجموعات تتبع لـ"تنظيم القاعدة" في المعسكر.


8 سبتمبر 2019

عمان- خلال شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس الماضيين، نفذ “التحالف الدولي للقضاء على داعش”، والذي تقوده الولايات المتحدة، ضربتين استهدفتا مقراً لتنظيم “حراس الدين” ومعسكراً لتنظيم “أنصار التوحيد”، على خلفية معلومات تشير إلى وجود اجتماع لقيادات مجموعات تتبع لـ”تنظيم القاعدة” في المعسكر.

وأول ما يلُفت الانتباه في الضربتين هو أنهما وقعتا في منطقة شمال غرب سوريا التي تكاد تكون، منذ سنوات، حكراً على العمليات العسكرية التي تشنها القوات الحكومية السورية والروسية ضد فصائل المعارضة السورية، والتي بلغت ذروتها خلال الأشهر الماضية. كما تخضع المنطقة ذاتها لتفاهمات أستانة بين روسيا وتركيا، إضافة إلى إيران.

كذلك، تثير الضربة التي استهدفت “أنصار التوحيد” تحديداً في آب/أغسطس الماضي، تساؤلات حول توقيتها ودوافعها. إذ بدت كما لو أنها مساهمة في تعزيز جهود موسكو وأنقرة لتثبيت تفاهمات أستانة، والتي تنص على القضاء على “الجماعات الإرهابية” في منطقة خفض التصعيد شمال غرب سوريا، وضمن ذلك الحديث عن حلّ هيئة تحرير الشام ودمجها في “الجبهة الوطنية للتحرير” المدعومة من تركيا.

وقد استهدفت الضربة الأخيرة اجتماعاً لقيادات في تنظيمات مقربة من “القاعدة”، بما فيها “تحرير الشام”، إلا أن مصدراً إعلامياً مقرباً من الأخيرة، ذكر لـ”سوريا على طول” أن “الهيئة كانت غائبة عن الاجتماع المستهدف”. لافتاً إلى أن القصف استهدف معسكر تدريبياً للمنتسبين الجدد في “أنصار التوحيد”، بينهم قيادات من فصيل “حراس الدين”.

“أنصار التوحيد” كانت تتبع أصلاً تنظيم “جند الأقصى” المدرج على قوائم الإرهاب الأميركية، والذي أعلن انضمامه إلى هيئة تحرير الشام في تشرين الأول/أكتوبر 2016، عقب مواجهات مع حركة أحرار الشام. وقد انشق “أنصار التوحيد” بعد فقدان “جند الأقصى” سيطرتهم على ريف حماة الشمالي في المواجهة مع “أحرار الشام”.

ويتزعّم “أبو دياب سرمين” التنظيم الذي يبلغ تعداد مقاتليه “نحو ألف مقاتل، غالبيتهم العظمى المهاجرين [غير السوريين]”، بحسب المصدر الإعلامي. وكانت هيئة تحرير الشام قد استهدفت التنظيم في إحدى حملاتها الأمنية، واعتقلت قائده الشرعي آنذاك، أبو حكيم الجزراوي.

كبش فداء للاتفاق الروسي- التركي

رغم اعتراض روسيا على الضربة الأميركية التي تم تنفيذها ضمن حدود “منطقة خفض التصعيد” في محافظة إدلب، بدعوى أنها “عرّضت نظام وقف إطلاق النار هناك للخطر”، بحسب تصريحات وزارة الدفاع الروسية، إلا أن الضربة تعزّز من ناحية أخرى الهدف المعلن للضامنين الروسي والتركي بالقضاء على الإرهاب.

ويرى ناشط متخصص في شؤون الجماعات الجهادية في سوريا، مقيم في محافظة إدلب، أن “هذه الضربة، إلى جانب عمليات أخرى، تهدف إلى التخلص من الرافضين للحلول السياسية”. وأن “كل من يقف في وجه “المشروع [الروسي- التركي] ومشروع فتح الطرق الدولية سيتم حلّه بأي طريقة”.

واعتبر المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، أن “الجولاني [قائد هيئة تحرير الشام] يقدّم المهاجرين كبش فداء لحماية كيانه”. مشيراً إلى “المهاجرين” يدركون عزمه “التخلص منهم في حال توصل إلى اتفاق مع تركيا. لذلك عقدوا اجتماعاً عسكريا” تم استهدافه في غارة التحالف الدولي الأخيرة.

وعزز المصدر اتهامه للجولاني بما ثار من شكوك بشأن حادثة أعقبت إعلان تشكيل هيئة تحرير الشام في كانون الثاني/يناير 2017. 

إذ “استقبل الجولاني رسولاً من القاعدة إلى سوريا، يحمل معه خطة مستقبلية للتنظيمات [الجهادية] هناك. ورغم تواري الرسول عن الأنظار لمدة أربعة أشهر، فإنه قتل لحظة خروجه من مخبئه، بغارة من التحالف الدولي”. مضيفاً: “قد يكون الجولاني وراء تسريب معلومات عن القتيل”.

مستقبل الجولاني وكيانه

على عكس ما تعلنه هيئة تحرير الشام بتمسكها بالخيار العسكري ورفض أي حلّ سياسي مطروح، يعتبر مصدر في الهيئة أن “الجولاني اليوم أقرب إلى تركيا من أي يوم مضى”. لافتاً إلى أن الهيئة “موافقة على فتح الطرق”، لاسيما طريقي دمشق-حلب (M5)، واللاذقية-حلب (M4).

على النقيض من ذلك، كما يؤكد المصدر، فإن ما يعرف بـ”المهاجرين”، والذين ينتمي جزء كبير منهم إلى فصائل جهادية أخرى، إنما قريبة في أيديولوجيتها من هيئة تحرير الشام، يرفضون الحلول السياسية، ويصرّون على التقيد بتعليمات قادة “القاعدة” الذي أعلن الجولاني فك الارتباط معه في تموز/يوليو 2016، وتغيير اسم التنظيم من “جبهة النصرة” إلى “جبهة فتح الشام”، وأخيراً “هيئة تحرير الشام”. ولذلك فإن “العلاقات بين الجولاني والمهاجرين تبدّلت منذ إعلانه تغيير اسم جماعته من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام”.

ومنذ ظهور بوادر مرحلة جديدة في شمال غرب سوريا، يحدد ملامحها الضامنان الروسي والتركي، والحديث عن سيناريوهات لمستقبل المنطقة عسكرياً، اتخذت الهيئة مساراً مرناً. إذ كانت أولى المدرعات التركية التي دخلت إلى محافظة إدلب، تحت حماية الهيئة نفسها، ما أدى إلى حدوث انشقاقات عنها من “المهاجرين”، شكّلوا مجموعات خاصة لهم، من بينها “حرّاس الدين”.

في هذا السياق، يمكن النظر إلى ضربات التحالف الدولي ضد تنظيمات “متشددة” في سوريا، باعتبارها مفيدة للجولاني، إذ تقيه من حرب مفتوحة “لاجتثاث المهاجرين، قد تؤدي إلى استنزاف قوته، إضافة إلى كونه غير مستعد لتحمّل آثار غضب قيادة القاعدة”، بحسب المصدر المقرب من الهيئة، والذي لفت إلى أن الطرفين (الجولاني والمهاجرين) يدركان أن “المواجهة حتمية بينهما، ولكنها مؤجلة”.

“المهاجرون” في شمال غرب سوريا

يتوزع الجهاديون غير السوريين (المهاجرين) في شمال غرب سوريا على عدد من المجموعات التي تعمل خارج إدارة هيئة تحرير الشام، لكن من وجود مناطق نفوذ خاصة بها، إذ تنتشر مقارها العسكرية ومراكزها ضمن مناطق الهيئة.

وكان تنظيم “حراس الدين” قد انشق عن الهيئة بعد خلافات داخلية فيها، أدت إلى اعتقال كل من سامي العريدي وأبو جليبيب الأردني (إياد الطوباسي)، قبل أن يفرج عنهما ويشكلا تنظيمهما من عدة مجموعات صغيرة، من مثل جيش الساحل، وجيش الملاحم، وجيش البادية، وسرايا كابل، وكتيبة البتار، وكتيبة أبو بكر الصديق، وكتيبة أبو عبيدة عامر ابن الجراح.

ويبلغ تعداد التنظيم، وفقاً للمصدر المقرب من الهيئة، ما بين 1000 و2000 مقاتل غالبيتهم من غير السوريين، يتركز وجودهم في المناطق المطلة على الساحل غرب سوريا، فيما تتشكل القيادة من العريدي، والطوباسي، وأبو الهمام الشامي، وأبو القاسم الأردني (خالد العاروري)،.

أما تنظيم “جبهة أنصار الدين” وجماعة “أنصار الإسلام” فهما تنظيمان بإمكانات محدودة من حيث العدة والعتاد.

وعلى عكس “حراس الدين”، يشكل المقاتلون السوريون عماد “أنصار الدين” الذي يرأسه أبو عبد الله الفجر، ولا يتجاوز مجموع أعضائه 1000 مقاتل، كانوا عموماً منضوين في هيئة تحرير الشام إلى حين انشقاقهم عنها.

وقد شارك “أنصار الدين” في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، وهي غرفة عمليات عسكرية تم إنشاؤها لصدّ هجوم القوات الحكومية السورية على شمال غرب سوريا.

ومن الجماعات الجهادية في المنطقة أيضاً، جماعة “أنصار الإسلام” التي تعود جذورها إلى كردستان العراق. وقد ظهرت في سوريا العام 2014، وتعدّ الفصيل الأقل عدّة وعتاداً بين الجماعات الجهادية غير السورية، وغالبية عناصرها من السلفيين الأكراد.

ورغم الخلافات، فإن كلاً من “حراس الدين” و”أنصار التوحيد” و”أنصار الإسلام” و”أنصار الدين” تلتقي على “رفض الحل السياسي، والتدخل التركي وأي قوة أخرى” بحسب المصدر المقرب من هيئة تحرير الشام.

شارك هذا المقال