4 دقائق قراءة

هيومن رايتس ووتش: دلائل على تورط كبار مسؤولين سوريين وروس بجرائم حرب في إدلب

تلك الاستهدافات "شكلت جرائم حرب على ما يبدو وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية"؛ إذ طالت البنى التحتية المدنية في مناطق لا وجود فيها لأهداف عسكرية


18 أكتوبر 2020

عمان – من خلال توثيق 46 هجوماً نفذته القوات الحكومية السورية والروسية خلال حملتها العسكرية على محافظة إدلب، شمال غرب البلاد، بين نيسان/أبريل 2019 وآذار/مارس 2020، اعتبر تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، يوم الخميس الماضي،  أن تلك الاستهدافات “شكلت جرائم حرب على ما يبدو وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”؛ إذ طالت البنى التحتية المدنية في مناطق لا وجود فيها لأهداف عسكرية واضحة من قبيل ذخائر أو مقاتلين،  مسفرة عن مقتل ما لا يقل عن 224 مدنياً وإصابة 561 آخرين.

كذلك، استخدمت القوات الروسية والسورية الحكومية في هجماتها تلك ذخائر عنقودية وبراميل متفجرة، ما يشكل انتهاكاً للاتفاقات الدولية، نظراً لاتساع نطاق انفجار تلك الأسلحة، وكونها تؤدي إلى استهداف غير محدد.

وتضمن التقرير أسماء عشرة مسؤولين سوريين وروس رفيعي المستوى متورطين في تلك الهجمات، على رأسهم بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلاً من وزيري الدفاع السوري علي عبد الله أيوب، والروسي سيرغيه شويغو.

ولا تعدو الهجمات التي وثقتها “هيومن رايتس ووتش” أن تكون سوى جزء صغير من أصل ما لا يقل عن 882 هجوماً على البنية التحتية المدنية في إدلب خلال الفترة الزمنية ذاتها، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. 

وعلى الرغم من صعوبة التحقق من جرائم الحرب في سوريا، نتيجة تدهور الوضع الأمني هناك، فإنه يظل قضية متناهية الأهمية  لمساءلة الجناة. وتتم حالياً مقاضاة عناصر سابقين في تنظيم “داعش” ومسؤولين أمنيين سوريين سابقين، وهو ما يستند جزئياً إلى شهادات شهود عيان وتقنيات توثيق مماثلة لتلك التي استخدمتها “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الأخير.  

ولتحديد الجهة التي تتحمل المسؤولية عن جرائم الحرب المرتكبة، اعتمدت “هيومن رايتس ووتش” مبدأ “مسؤولية القيادة” الذي يقوم على تجريم المسؤولين العسكريين أو المدنيين الذين كانوا في وضع يسمح لهم بوقف ارتكاب تلك الجرائم، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وبحسب التقرير الأخير للمنظمة، فقد تم تزويد القادة السوريين والروس بأدلة كافية تثبت أن قواتهم المسلحة تنتهك قوانين الحرب، لكنهم “لم يتخذوا أي خطوات فعالة” لوقف تلك الانتهاكات أو معاقبة المسؤولين عنها.

ولطالما اتُهمِت دمشق وموسكو بتعمد معاملة المدنيين السوريين بوحشية في مناطق سيطرة المعارضة، من خلال استهداف المستشفيات والمدارس والأسواق العامة، لجعل حياتهم اليومية غير محتملة. وبحسب المدير التنفيذي لـ”هيومن رايتس ووتش”، كينيث روث: “تبدو الهجمات غير القانونية المتكررة جزءا من استراتيجية عسكرية متعمدة لتدمير البنية التحتية المدنية وطرد السكان، ما يسهل على الحكومة السورية استعادة السيطرة”.

ففي الهجوم على إدلب، كانت القوات الجوية الروسية والسورية تقصف المدنيين والبنية التحتية الحيوية بشكل عشوائي، لإخلاء المناطق المأهولة وتسهيل تقدم القوات البرية، ما أدى إلى تشريد نحو 1.4 مليون نسمة بين نيسان/ابريل 2019 وآذار/مارس 2020.

ومن ضمن الهجمات التي وثقتها “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها، استهداف مستشفى الشامي، في 19 كانون الثاني/يناير 2020، ما أدى إلى تدميره بشكل كامل، وهو المستشفى الوحيد في مدينة أريحا بمحافظة إدلب. إضافة إلى مقتل 14 مدنياً وإصابة 66 آخرين. وفيما زعمت روسيا والنظام استخدام المستشفيات واجهة لإخفاء النشاط الإرهابي، إلا أنه لم يُعثر على أي دليلٍ يثبت صحة تلك المزاعم. 

ووصف أحد سكان مدينة أريحا مستوى اليأس الذي بلغه الناس جراء الاستهدافات العشوائية بالقول: “لم تعد الناس تلجأ إلى الأقبية بحثاً عن الحماية، وإنما صاروا يتوجهون إلى الشوارع وأسطح المباني، ليسهُل على عمال الإنقاذ إيجاد جثثهم”.

مجموعة صور تظهر آثار قصف مدرسة ابتدائية في مدينة أريحا في 5/ 1/ 2020 (هيومن رايتس ووتش)

وبحسب منظمة “الحروب الجوية”، ومقرها لندن، شنت روسيا 39,000 غارة جوية في سوريا منذ العام 2015، لكنها لم تعترف حتى اللحظة بالتسبب بمقتل مدني واحد. 

وقد انخفضت وتيرة الضربات الجوية إلى حد كبير منذ توقيع أنقرة وموسكو اتفاقاً لوقف إطلاق النار في آذار/مارس الماضي لإنهاء عملية درع الربيع التي أطلقتها تركيا ضد قوات النظام السوري في محافظة إدلب. إلا أن ثمة غارات تحدث بين وقت وآخر، آخرها تلك التي نفذها الطيران الروسي يوم الأربعاء الماضي، 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، على جسر الشغور، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة عشر آخرين.

وعلى الرغم من وجود أدلة كثيرة تدين كبار المسؤولين الروس والسوريين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تبدو ضئيلة إمكانية تحقيق المساءلة في المستقبل القريب. فكثيراً ما لجأت روسيا والصين إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالب بالسماح للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا. كما لم يكن لتقارير الأمم المتحدة أي عواقب على المتورطين في جرائم حرب هناك. بل وعوضاً عن مساءلة روسيا على الجرائم التي ارتكبتها في سوريا، تم انتخابها، في 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، لعضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لمدة ثلاث سنوات. 

مع ذلك،  تظل ممكنة محاكمة المتورطين بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية” الذي يتيح للدول إدانة الأفراد بجرائم حرب، بصرف النظر عن موقع ارتكابها. وقد استندت المحاكم الألمانية، على سبيل المثال، إلى هذا المبدأ في محاكمتها للمسؤولين الأمنيين السوريين السابقين أنور رسلان وإياد الغريب.

وفيما تظل رهناً بالتطورات المستقبلية الإجابة عن سؤال ما إذا كانت ستتم مساءلة الأسد وبوتين بموجب الولاية القضائية العالمية، فإن إمكانية المحاكمة مستقبلاً ربما تردع أولئك الذين يصدرون الأوامر ولو بجعلهم “يفكرون مرتين”، وفق روث. 

نُشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال