5 دقائق قراءة

والد من الرقة بعد إعدام طفله: أتوق للانتقام من تنظيم الدولة وأنتظر العودة للمدينة

حين استولى تنظيم الدولة على مدينة الرقة، موطن عبدالسلام في […]


8 يونيو 2017

حين استولى تنظيم الدولة على مدينة الرقة، موطن عبدالسلام في عام 2014، كان سائق التكسي ذي الستين عاماً، يعيش بسلام مع زوجته وأولاده الأربعة، ثلاثة فتيات وصبي.

اليوم، بات مقيماً في مخيم عيسى للنازحين على بعد 50 كم شمال موطنه، يراقب المعارك من بعيد وينتظر العودة، وبقي ثلاثة من أولاده على قيد الحياة ولن يغادر خيمته حتى طرد تنظيم الدولة من الرقة، وفق ما قال لـ محمد عبد الستار ابراهيم، مراسل سوريا على طول.

ففي وقت سابق من هذه السنة، اقتحم عناصر تنظيم الدوله منزله. واعتقلوا ابنه الأصغر، جاسم، 13عاماً، ولم تلمحه العائلة بعد ذلك.

واتهم جاسم بالمثلية الجنسية، وهذا ما علمه والده بعد أسبوع من اعتقاله. وظل يحاول عبدالسلام على مدى شهر ليصل لابنه ليراه، ولكن دون جدوى.

ويعلم عبد السلام أن التهم ضد ابنه كانت زوراً ولفقها أمير في تنظيم الدولة في المدينة كان يبغي الزواج بإحدى بناته بالإكراه.

وبالنهاية، يتابع عبد السلام سرد حكاية ابنه، والذي كان قد اعتقل وضرب في مرات متعددة لارتدائه الجينز أو كنزة نصف كم، تم احتجازه لأسابيع ليقتل بعدها رمياً من الطابق الثالث لإحدى الأبنية السكنية.

وبعد الجنازة، عانى عبد السلام من أزمة قلبية نتيجة الضغط والقهر. وبعد ذلك بفترة وجيزة، دفع الأب مئات الدولارات لمهرب ليتسلل به وعائلته خارج مدينة الرقة في نيسان.

وقال عبد السلام إن قصص الفقدان واللوعة تسكن في كل مكان وفي كل قلب في ذلك المخيم البعيد، الذي بات يسميه موطناً.

وختم “المصابون مثل مصيبتي هم كثر، أينما تلتف في المخيم تجد شخصاً مكلوماً حزيناً وله قصة موجعة”.

ما الذي حدث مع ابنك؟
تم القبض على ابني يوم الأحد الساعة 9 مساءً وعرفنا بعد أسبوع أنهم وجهوا له تهمة المثلية الجنسية حاولت أن ألتقي به ولكنهم قالوا لي ممنوع الزيارة. لمدة 25 يوما وأنا أحاول الوصول إلى ابني دون جدوى.

ومن ثم أتى عناصر من داعش إلىَ وأخبروني أن ابني هرب من السجن وهم يضحكون، ولكنهم كانوا يكذبون لأنهم كانوا في تلك اللحظة (وفق ما علمت لاحقاً) قد قاموا بقتله. قاموا برمي ابني من الطابق الثالث على الأرض.

نازحون من مدينة الرقة في مخيم عين عيسى في 3 حزيران 2017. حقوق نشر الصورة لـ .Delil Souleiman/AFP

قلت أنهم قتلوا ابنك بتهمة المثلية الجنسية،هل كان هذا مفاجئاً لك؟ وهل تعرف من وراء قتل ابنك؟

التهمة افتراء على ابني، لأنهم خطفوه من المنزل الساعة 9 مساءً أمام أعيننا، أحد الأمراء وهو من تونس والذي يدعي الإمارة كان يريد الزواج من ابنتي رغماً عنا، مارس علينا ضغوطات شديدة، اعتقلو ابني قبل هذه المرة، ولكني أنا كنت أرفض أن أزوج ابنتي لهؤلاء المجرمين. كلهم من التوانسة والسعوديين والأتراك ومن عدة بلدان إذا أرادوا الزواج من أي فتاة فسيفعلون ذلك بالإكراه وقوة السلاح.

كان عناصر التنظيم جميعهم ملثمين ولا أعرف أي أحد منهم، ولو أني عرفت أي مجرم منهم سأقوم بنفسي بالانتقام؛ لا برفع قضية لأنهم قتلوا ابني الوحيد عمره 13 سنة.

هلا حدثتنا عن جاسم أكثر، ووصفت شخصيته؟

ابني كان في الصف السابع وكان من المتفوقين، توقف عن الدراسة بعد الدمار الذي حل ببلدنا، وبعد دخول داعش، كانت الكارثة أكبر لأنهم ضد التعليم والعلم، يأخذون الأطفال ويعلموهم حمل السلاح ويبثون فيهم أفكاراً ضد الإنسانية والبشرية، فأصبحنا نخبئ أطفالنا في المنازل خوفاً عليهم، تم جلد ابني في أحد المرات لأنه كان يرتدي بنطال جينز بحجة إنه لبس الكفار، وفي أحد المرات تم الاعتداء عليه بالضرب لأنه كان يرتدي كنزة بنصف كم. ابني كان من الأطفال الذين يخافون كثيراً، أتذكر عندما كان يحل الظلام كان يهرب إلى المنزل من الخوف.

ما الذي حدث بعد أن علمت بإعدامه؟

قاموا بتسليمي جثة ابني، دفنت ابني وفتحت بيتاً للعزاء، ومن شدة الفاجعة حدث معي احتشاء قلبي (جلطة)، ذهبت لمكتب طبي وطبعاً المكتب تابع لداعش، وبعد الفحص أكد الأطباء أن حالتي خطيرة ولا يتوفر علاج أو جهاز القسطرة القلبية في مدينة الرقة، ويجب الخروج من الرقة بأسرع وقت، وبموجب تقارير الأطباء وافقوا على خروجي أعطوني إذن سفر للعلاج (على أن أترك عائلتي ورائي، وأعود خلال عشرين يوماً).

وبعد مقتل ابني والموافقة على خروجي، (لم أخرج وحيداً وإنما) عملت على أن أخرج بناتي معي، لأنهن إذا بقين فلن يسلمن منهم، وإذا تزوجت ابنتي بالإكراه. فهذا زنا تحت مسمى زواج، لأن الشرع يتطلب موافقة الأهل والبنت.
دفعت 200 ألف ليرة سورية لإخراج بناتي وزوجتي معي، وهو كل ما أملك. هناك مهربون يخاطرون بحياتهم، يقومون بتوصيل الناس إلى أٌقرب نقطة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو يأخذونهم إلى طريق بري صحراوي. وغادرت الرقة في نيسان.

قبل أن تغادر كيف كانت طبيعة الحركة في المدينة؟ هل يستطيع المدنيين التحرك بسهولة؟ أو أن هناك حواجز لداعش ومراقبة في شتى الأنحاء؟

الناس تحبس أنفسها في المنازل، لا تعرف من أي بالوعة يخرج لك داعشي وكيف خرج، يختار الأماكن المظلمة ليتوارى عن الأنظار ويراقب ليعتقل أي أحد يمشي بالشارع أو يصادر (ما يحمله)، ودائماً تهمهم جاهزة.

قبل أن تحدث تلك الجريمة بحق ابنك، هل شهدت إعدامات أخرى في مدينة الرقة؟ وكيف كنت تنظر لهذه الممارسات من قبل؟

أنا عامل سيارة سوزوكي صغيرة، في أحد المرات أثناء ذهابي إلى منطقة عند دوار يسمونه دوار النعيمة، وجدت تجمعا كبيرا للناس وازدحاما، ترجلت من السيارة وذهبت لأعرف ما الذي حصل، وإذا بهم يقومون بنحر ثلاثة شباب حتى قاموا بفصل الرأس عن الجسد، كان منظرا محزنا ومؤثرا للغاية، ولو كنت أعلم من البداية ما كنت توقفت أبداً، هؤلاء تنظيم السفاحين، عندهم ذبح الإنسان مثل ذبح الدجاج، تكفيرون مجرمون، فصلوا دينا على مزاجهم وعلى هواهم، ويتكلمون بالإسلام وكأن أهل الرقة ليسوا بمسلمين! الإسلام برئ منهم.

الآن أنت متطوع في مخيم عين عيسى للنازحين؟ لماذا اخترت ذلك؟

اخترت التطوع لخدمة الناس وكعمل صالح أهبه إلى روح ابني، نحن أناس بسطاء لا توجد لنا مشاكل مع أي احد، وليس لي عداوة مع أي تنظيم او تشكيل أو أي حزب، روتين حياتنا العمل والمنزل فقط، ولكن حدثت المصيبة مع قدوم هذا التنظيم الذي يقوم بقتل الناس بأبشع طرق، الله ينتقم منهم. وأنا الآن أعيش مع زوجتي وبناتي الثلاثة في المخيم بخيمة على المعونات التي تقدمها المنظمات. أنا سأبقى في المخيم. وحين يتم تحرير الرقة سأعود إليها إن شاء الله.

كيف هي عائلتك بعد هذه التجربة الصعبة؟ هل تتلقون أي دعم لتجاوز هذه المأساة؟ هل تستطيع أن تحدث أناس أخريين عن قصتك؟

المصابون مثل مصيبتي هم كثر، أينما تلتف في المخيم تجد شخصاً مكلوماً حزيناً وله قصة موجعة، هناك الكثير ممن أعدم ابنائهم أو أقربائهم أو نسائهم… إلخ، عندما دخل هذا التنظيم التكفيري إلى مدينتنا أصبح يقتلنا على أدنى وأبسط سبب، يحكمون ويفسرون الدين على مزاجهم، على أي كلمة يتهموننا بالكفر، وإذا حاولنا مناقشتهم ومحاورتهم، تهمتها القصاص عندهم بتهمة المحاججة.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال