5 دقائق قراءة

وثائقيات السينما السورية المستقلة: ترسيخ لذاكرة الثورة و إحدى أساليب كسب المناصرة لها

برزت أفلام وثائقية أنتجها رواد منتمون للثورة، أدوا من خلالها دور المؤرخ الذي استعاض عن القلم بعدسة الكاميرا، راصداً من خلالها ما يجري على الأرض بالصوت والصورة، ناقلين إلى العالم معاناة السوريين في مواجهة بطش الأسد وحلفائه


4 أبريل 2021

عمان- منذ البدايات الأولى لانطلاق الثورة السورية، صارعت المنظومة الإعلامية التابعة لنظام بشار الأسد وحلفائه لإلصاق تهمة الإرهاب بالشعب السوري الثائر، وبالتالي تقديم عنفه ضد المطالبين بالحرية باعتباره “حرباً ضد الإرهاب”، في محاولة منها لكسب تعاطف المجتمع الدولي. 

في هذا السياق سخّر النظام المؤسسة العامة للسينما لإنتاج أفلام وثائقية وسواها، تصوّر الحرب على السوريين على أنها دفاع عن الوطن ضد “الجماعات المسلحة”، من قبيل فيلمي لآخر العمر والحبل السري اللذين عرضا العام 2020، ومطر حمص العام 2017. 

على الجهة المقابلة، برزت أفلام وثائقية أنتجها رواد منتمون للثورة، أدوا من خلالها دور المؤرخ الذي استعاض عن القلم بعدسة الكاميرا، راصداً من خلالها ما يجري على الأرض بالصوت والصورة، ناقلين إلى العالم معاناة السوريين في مواجهة بطش الأسد وحلفائه، من خلال عرض تلك الأفلام في مهرجانات عالمية. بل ورُشّح بعضها وفاز بجوائز هي الأرفع عالمياً، أبرزها فيلم “من أجل سما” الذي رصد مأساة أحياء مدينة حلب الشرقية خلال حصار النظام لها العام، من خلال حياة مخرجة الفيلم الناشطة السورية وعد الخطيب وزوجها وابنتها “سما”. إذ حصد الفيلم جائزة الـ”بافتا” كأفضل فيلم وثائقي في العام 2020، كما ترشح لجائزة الأوسكار في العام ذاته.

كما رُشح في العام 2020 أيضاً فيلم “الكهف” لجائزة الأوسكار. وهو يرصد بطولات أطباء الغوطة الشرقية خلال حصار النظام لها العام 2018. وقد منح “مجلس أوروبا” في 15 كانون الثاني/يناير 2020 جائزة راؤول فالنبيرغ لبطلة “الكهف” طبيبة الأطفال السورية أماني بللور، لدورها في مجال العمل الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان.

ثورة الحرية وإبداع

بعد الثورة، تحولت السينما المنتجة في مناطق سيطرة نظام الأسد إلى “مسخّرة لتبرير قتل النظام للسوريين، وتصوير ما حصل في سوريا على أنه تمرد شعبي مسلح مدعوم من الخارج، عبر عرض أفلام صوّرت على أنقاض المدن التي دمرها”، كما يقول الكاتب السوري المقيم في السويد كمال الحسون، لـ”سوريا على طول”. في المقابل، وصلت الأفلام التي جسدت أحداث الثورة إلى العالمية. 

هذا التباين يفسره محمد ملص، الممثل المسرحي والمخرج السينمائي المقيم في فرنسا، والذي أنتج رفقة أخيه أحمد العديد من المسرحيات والأفلام التي تحاكي الوضع السوري داخلاً وخارجاً، وحصدت عدة جوائز، بأنه “نستطيع أن نلمس الصدق بشكل أكبر في الأفلام الوثائقية التي أنتجت في مناطق المعارضة، ونرى بوضوح حجم الخطر الكبير على حياة المصور”، بينما في المقابل “نجد أن منتجي الأفلام على الضفة الأخرى التابعة للنظام يصورون أفلامهم بأريحية تامة في مدن أصبحت كمدن الأشباح، معتمدين رواية النظام في الطرح، وتصوير البلد على أنها سويسرا بعد دحر الإرهاب منها”. 

أيضاً، فإن انتشار الأفلام المعارضة عالميا هو “أمر منطقي”، برأي ملص، كون “أغلب الأفلام السينمائية التي طرحها مؤيدو النظام تتبع الفكر البعثي ابتداء من فكرة النص وحتى إنتاجه بالكامل”، بينما “السينما في الأساس هي فن صادق، فإذا ابتدأت بالكذب كيف ستحصد اهتماماً بما تقدمه؟”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”. 

يؤكد على ذلك عروة الأحمد، المخرج المسرحي السوري المقيم في فرنسا حالياً وصانع أفلام وثائقية غطت تجارب السوريين في الاعتقال وركوب البحر طالبين اللجوء الإنساني. إذ إن “الشرط الأول لوجود سينما حقيقية في سوريا هو أن يكون هناك حرية في الطرح من حيث النص والفكرة”، كما يوضح لـ”سوريا على طول”. معتبراً ذلك سبب تفوق “السينما المستقلة”. إذ إن خضوع السينما في مناطق النظام لرقابة مؤسسات الأخير، “يجعل منها سينما محدودة الأفق، بينما السينما المستقلة بلا أفق لأنها لا تخضع للرقابة وتلامس الواقع السوري الحقيقي من دون قيود”.

إعلاء الحقيقة وحمايتها

مهمة الفن “صعبة”، برأي ملص، كونه “سلاحاً للتغيير والتأثير على المدى البعيد وليس القريب”، وذلك “بطرح مشكلة على الجمهور وتوجيه رسائل إليهم، والسعي لمحاولة التأثير. لكن الأشخاص الذين يحملون فكرا متحجراً ومغلقاً كالذين أيدوا بشار الأسد سواء في الداخل أو الخارج، و كذّبوا أعينهم، لن يصدقوا عين السينما”. 

مع ذلك، لاحظ ملص، كما يقول، تأثير الفن على رأي الشارع في أوروبا. إذ “من خلال عرضنا أنا وأخي عدة مسرحيات تجسد واقع اللجوء السوري في بلدان أوروبا، لمسنا حجم الاهتمام والتعاطف معنا من الجمهور”. يضاف إلى ذلك اليابان، حيث “يربطون المشاهد التي حصلت مع السوريين خلال الثورة بما حصل في اليابان بسبب قنبلة هيروشيما”.

الرأي ذاته يشدد عليه الأحمد بأن “السينما وخاصة الأفلام الوثائقية، كان لها دور في التأثير على الرأي العام الدولي سياسياً واجتماعياً، لاسيما التي وصلت منها إلى أهم المهرجانات العالمية، إذ ساهمت بشكل أو بآخر في نشر صورة أكثر واقعية عما يجري في سوريا”. 

يعزز ذلك مناقشة الجمهور الأوروبي حول العرض المسرحي، كما يفعل الأخوان ملص، والغاية الأسمى من ذلك “أن يروا أن السوري مثلي أنا وأخي، قد تعلم لغة البلد المضيف وبدأ يقدم أعمال مسرح وسينما، وأن السوريين ليسوا دواعش وليسوا مؤيدين لبشار الأسد، وبرغم الكارثة التي حلت علينا لا نزال شعباً يحب الحياة”.

من جانب آخر، أسهمت الأفلام السورية في حماية الحقيقة التي وثقها ناشطون سوريين بعدساتهم منذ لحظات الثورة الأولى، بحيث صارت القضية السورية من “أوسع القضايا توثيقاً وأكثرها أدلة”، كما يلفت مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني.

لكن مع حذف قناة “يوتيوب”، العام 2017، ما يقارب نصف مليون مقطع مسجل يوثق جرائم حرب في سوريا، بحجة أنها تنتهك سياسة الموقع وتبث محتوى عنيفاً، فإن “الأفلام الوثائقية التي وصلت لجماهير عالمية عبر المهرجانات استطاعت جمع كم كبير من الأدلة والتوثيقات في مرحلة تحضيرها”، وبحيث يمكن، كما يضيف عبد الغني لـ”سوريا على طول”، “استخدام المقاطع التصويرية والتسجيلية الخام التي صوّرت لإنتاج الفيلم كل منها على حدة قبل أن يتم إنتاجها أو التعديل عليها”. مؤكداً أن هذا بالضرورة “مهم جدا لنا بالاعتماد عليها والاستفادة منها في إصدار تقارير حقوقية تتم مشاركتها مع هيئات أممية، خاصة تلك التي توثق انتهاكات النظام السوري”، والتي تبنت مثلاً الأفلام التي “وثقت مجزرة الكيماوي في الغوطة، وقصف المستشفيات في عدة مناطق تتبع للمعارضة، كدليل توثيقي واضح على جرائم النظام”.

ولذلك، فإن من المهم جداً، بحسب عبد الغني، أن تراعي تلك الأفلام “الشفافية والدقة والموضوعية وعدم التغيير من الحقائق”، كما أنه من المهم في صناعة الأفلام الوثائقية “وجود شخص حقوقي لمنع التشكيك والطعن بمحتواها”.

مهمة لا تنتهي

فيما كانت مهمة الفنان السوري مع بداية اندلاع الثورة “حشد الناس للخروج في تظاهرات لنصرة ثورتنا اليتيمة ضد النظام”، بحسب ملص، فقد تحولت مهمته بعد ذلك إلى دعم “الانتفاضة أيضاً ضد داعش، وحلفاء النظام؛ روسيا وإيران وحزب الله، الذين شاركوا في وأد هذه الثورة ونهب البلد”. 

وكون الاستمرار في التوثيق السينمائي والتلفزيوني للواقع هو “أقصى ما نستطيع فعله كفنانين في الوقت الحالي، فنحن محكومون بالأمل والعمل” كما يضيف ملص. و”إن لم نقدر على تغيير رؤى العالم حول حقيقة قضيتنا في الوقت الحالي، نكون على الأقل قد وثقنا ما حدث في سوريا للأجيال المقبلة، كي لا يأتي يوم يقال فيه إن الربيع العربي هو سبب ما آلت إليه الأمور، وأن الحكام أشراف وشعوبهم مجرمة”.

لكن “صانع الأفلام السوري في المهجر عندما يأخذ على عاتقه اليوم صنع مشروع سينمائي مستقل يرصد جزءاً من الحقيقة السورية، يجد صعوبة في الإنتاج لعدم توفر دعم لا يحمل أجندات سياسية”، كما يلفت الأحمد، ما يبرز أهمية دعم جهود الفنانين وصانعي الأفلام في المرحلة الحالية ليقدموا ما لديهم من سينما مستقلة “لا تتبع أي أجندات”، كما يشدد.

ومؤخراً أنهى الحسون كتابة مسلسله الدرامي البوليسي “على قيد أوروبا” الذي يحضر له “منذ سنوات”، كما يقول. وهو “يسلط الضوء على حياة عدة عائلات سورية وصلت إلى أوروبا، وكيفية تعاطي [أفرادها] مع الوضع في سوريا بعد خروجهم منها بظروف مختلفة”.

والجديد في العمل الذي يشارك فيه فنانون سوريون يقيمون في أوروبا والولايات المتحدة، مثل عبد الحكيم قطيفان ومكسيم خليل وماهر صليبي وسوسن أرشيد وغيرهم، أنه “سيتطرق للمعارك التي حصلت في محافظة إدلب ومعاناة الأهالي هناك من الحملات العسكرية”، كما يضيف الحسون، وبحيث يتم تصوير بعض المشاهد “في الداخل السوري وما تبقى سيصوّر في عدة بلدان أوروبية”.

شارك هذا المقال