4 دقائق قراءة

وسط صمت النظام: اجتثاث “مجموعة فلحوط” التابعة للأمن العسكري في السويداء

غالبية من جرى أسرهم في عملية اجتثاث مجموعة راجي فلحوط سيتم تسليمهم لإدارة الأمن الجنائي التابع للنظام، شريطة أن لا يشملهم أي عفو.


27 يوليو 2022

باريس- مع سيطرة حركة رجال الكرامة بمشاركة مجموعات محلية “درزية” على المقر الرئيسي لحركة قوات الفجر في بلدة عتيل بريف محافظة السويداء، اليوم الأربعاء، طويت صفحة واحدة من أكبر الميليشيات المدعومة من النظام السوري وإيران في المحافظة الواقعة جنوب سوريا.

بعد اشتباكات لليوم الثاني على التوالي، تمكنت القوات المهاجمة من السيطرة على المقرات العسكرية التابعة لـ”قوات الفجر”، المعروفة محلياً باسم “ميليشيا فلحوط”، نسبة لراجي فلحوط قائد الميليشيا، الذي يعمل لصالح فرع الأمن العسكري التابع للنظام، إضافة إلى قتل وأسر عدد من عناصرها. 

وفيما تواردت أنباء عن إلقاء القبض على فلحوط، نفى أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة في حديثه لـ”سوريا على طول” إلقاء القبض عليه، مشيراً إلى أنه “بعد السيطرة على المقر الرئيسي لقوات الفجر وإلقاء القبض على من كان بداخله لم يتم العثور على راجي فلحوط”، متوقعاً أن يكون “هرب أو احتمى بأحد الوجهاء المحليين”.

وتتهم مجموعة فلحوط بالضلوع في تنفيذ عمليات خطف واغتيال في المحافظة الواقعة تحت سيطرة النظام مع وجود استقلالية نسبية لها، إذ يعتمد الأخير على عدة مجموعات محلية، بما فيها “قوات الفجر”، في إسكات الأصوات المناهضة له، وتنفيذ أهداف محددة تصب في مصلحة دمشق وطهران.

ورغم أن النظام لم يتدخل مباشرة في أحداث السويداء الجارية، إلا أن ما حدث مؤخراً يثير مجموعة تساؤلات، من قبيل: كيف سيتعامل النظام مع هذه التطورات، وإلى أي مدى يمكن أن تتطور هذه الأحداث، وكيف ستؤثر على المحافظة ذات الخصوصية “الطائفية”.

بداية القصة

في 23 تموز/ يوليو الحالي، اختطفت “قوات الفجر” جاد حسين الطويل، الذي ينحدر من مدينة شهبا في ريف السويداء، بتهمة ضلوعه في تدبير محاولات اغتيال فلحوط، وتبعيته لحزب اللواء السوري وذراعه العسكرية “قوة مكافحة الإرهاب”، التي جرى استئصالها منتصف حزيران/ يونيو  الماضي.

على خلفية اختطاف الطويل، قطع العشرات من مدينة شهبا طريق دمشق-السويداء، واحتجزوا عدداً من أبناء بلدة عتيل شمال السويداء، مسقط رأس فلحوط، لترد قوات الأخير بالمثل، حيث اختطفت عدداً من أبناء شهبا، وقطعت عدة طرق في المحافظة.

ومع تصاعد التوتر بين الطرفين ، اختطفت مجموعات أهلية أخرى، في 24 من الشهر الحالي، أربعة ضباط من النظام، اثنين منهم برتبة عقيد، رداً على عمليات الخطف العشوائية التي قامت بها مجموعة فلحوط. 

على خلفية ذلك، أفرجت مجموعة فلحوط، في اليوم التالي، عن كافة المختطفين من أبناء مدينة شهبا، باستثناء جاد الطويل، وأعادت فتح الطرق المغلقة، ما أشار إلى أن الأمور تسير باتجاه الحل، خاصة بعد تدخل وجهاء وشخصيات محلية.

لكن في مساء اليوم ذاته، عادت مجموعة فلحوط لاختطاف جمال أجود الطويل، من أبناء مدينة شهبا، على حاجز لها في بلدة عتيل. وتالياً، نشرت عدداً من حواجزها العسكرية، أمس الثلاثاء، في محيط بلدة عتيل، واعتقلت مدنيين من مدينة شهبا.

وعليه، اعتبر أبناء مدينة شهبا اعتداء فلحوط الأخير بمثابة “التحدي”، ما دفعهم إلى “طلب الفزعة عبر مكبرات الصوت في المدينة من أجل ضرب عصابة فلحوط في مقرها الرئيسي ببلدة عتيل وتحرير المختطفين بقوة السلاح لا عبر الواسطات”، كما قال المحلل السياسي سامر سلوم، من أبناء مدينة شهبا والمقيم في لبنان، لـ”سوريا على طول”.

صمت النظام

لم يصدر عن النظام أي موقف ميداني علني تجاه ما يجري في السويداء، بما في ذلك جهاز  الأمن العسكري، الذي تتبع له مجموعة فلحوط، إذ “شهدت المحافظة انكفاء دور الأفرع الأمنية ومقراتها”، كما قال أبو تيمور.

من جهته، توقع الأكاديمي والسياسي المعارض، د. يحيى العريضي، الذي ينحدر من مدينة السويداء، أن يحاول النظام التنصل من الدفاع عن المحسوبين عليه في السويداء “لتبرئة نفسه أمام أهلها”، على أن “يوظف غيرهم بعد عودة الهدوء”، لكن هذه السياسة صارت مكشوفة، وبالتالي مصير أي مجموعة جديدة “لن يكون مختلفاً عن المجموعات التي استخدمها”، في إشارة إلى أنها ستلقى مصيراً مشابهاً لمجموعة فلحوط.

ومن وجهة نظر العريضي، “اليوم أهالي السويداء في أعلى درجات الحرص على أن يكونوا يداً واحدة للتكافل والتعاون وتقرير المصير للخلاص من هكذا ظواهر ومن يقف وراءها ويحركها”.

إلى أين تتجه الأمور؟

دعت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، في نداء لها عبر مكبرات الصوت من مقر الرئاسة الروحية ببلدة قنوات شمال شرق السويداء، أهالي محافظة السويداء للنفير العام، أمس الثلاثاء، داعية إلى التصدي للعصابات المسلحة التي يقودها “الإرهابي راجي فلحوط، والتي عاثت قتلاً وفساداً في المحافظة”، كما ذكرت شبكة السويداء 24، وهي مؤسسة إعلامية محلية.

استجابة  لنداء الهجري “تم حرق وتدمير جميع مقرات عصابة فلحوط، ووقع جميع عناصرها بين قتيل وأسير باستثناء قلة قليلة تمكنوا من الهرب”، وفقاً لأبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة، مؤكداً استمرارهم في “النفير العام وملاحقة أفراد العصابة”.

وأضاف أبو تيمور: “أهدر شيوخ العقل دم أفراد عصابة فلحوط، وكذلك كل من يحاول حمايتهم وإيوائهم”، وعليه الحركة مستمرة في “ملاحقة راجي ومن تبقى من القيادات”، مشيراً إلى أن “القوة العسكرية للعصابة انتهت”.

لكن الحملة التي تشارك فيها حركة رجال الكرامة والمجموعات الأهلية في السويداء لن تتوقف عند القضاء على مجموعة فلحوط، وإنما “هي مستمرة لاجتثاث كل مجموعات الأمن العسكري من المحافظة”، كما قال أبو تيمور.

من جانبه، قال المحلل السياسي سامر سلوم: “بعد الدم في السويداء لن يكون هناك اتفاق مع العصابات، وإنما اتفاق لإنهائها بشكل كامل”، واستنكر سلوم أن توصف أحداث السويداء بـ”الحرب العائلية أو المناطقية بين شهبا وعتيل، وإنما هي معركة بين أهالي السويداء والعصابات المدعومة من أفرع الأمن”.

حتى الآن لا يمكن قراءة مستقبل  أحداث السويداء بدقة، لأن “الأمور تسير باتجاه غير واضح المعالم”، بحسب د. يحيى العريضي معتبراً أن “المستقبل يعتمد على الآلية التي سينتهجها النظام وعلى تحركات بقية العصابات المرتبطة به”. 

وبغض النظر عن رد “الميليشيات الخائنة، وما إذا كانت ستتبع نهج فلحوط”، فإن رد أهالي السويداء “سيكون قوياً بحكم توحدهم”، وفقاً للعريضي، لذلك “لن يتحرك أي فرد أو مجموعة إلا بعد أن تحسب حساب تحركاتها”، خاصة أن “من هاجم قرية عتيل وسليم [أماكن انتشار ميليشيا فلحوط] ليس آل الطويل، إنما أهالي المحافظة ككل”.

وعن مصير راجي فلحوط ومجموعته، أوضح أبو تيمور أن “غالبية من جرى أسرهم بحقهم دعاوى قضائية، لذلك غالباً سيتم تسليمهم لإدارة الأمن الجنائي” التابع للنظام، شريطة “أن لا يشملهم أي عفو، وفي حال تم إخلاء سبيلهم سيتم محاسبة فرع الأمن الجنائي في السويداء”. 

وعليه “لن يتم تسليمهم إلا بعد إتمام عمليات التحقيق، وضغط مشايخ ووجهاء السويداء من أجل ضمان عدم الإفراج عنهم”، بحسب أبو تيمور، مشيراً إلى أن ذلك “لا يشمل راجي فلحوط. من الصعب أن نحدد مصيره، لكن أتوقع أن يتم تصفيته [محلياً] بعد انتهاء التحقيق معه”.

شارك هذا المقال