7 دقائق قراءة

“وعود فارغة”..الاعتقالات المستمرة في درعا بعد المصالحة تفسد الحياة في كنف الحكومة السورية

مدينة درعا في آب، ٢٠١٧. تصوير: محمد أبازيد. بعد توقف […]


17 أكتوبر 2018

مدينة درعا في آب، ٢٠١٧. تصوير: محمد أبازيد.

بعد توقف القتال، أصبح بإمكان أبي محمود مغادرة بيته وعبور معظم الحواجز التي تديرها الحكومة والمنتشرة عبر الطرق التي تربط مدن وقرى شرقي درعا.

لكن الحياة شبه متوقفة بالنسبة للرجل البالغ من العمر ٢٥ عاما، والعاطل عن العمل- فكل شيء متعلق بعملية سياسية مبهمة، لن تنتهي حتى يجري المصالحة مع الحكومة السورية. وحتى ذلك الحين، لا يمكنه التسجيل في الجامعة أو الذهاب إلى معظم مناطق محافظة درعا، ناهيك عن بقية أنحاء سوريا.

وكتب أبو محمود رسالة من مسقط رأسه في درعا التي سيطرت عليها الحكومة حديثا “لا ترجعوا إلى سوريا. لا ترجعوا أبدا”.

وفي تموز الماضي، سيطرت الحكومة السورية على مسقط رأسه إنخل، التي تقع على بعد ٤٠ كم إلى الشمال من مدينة درعا. وعلى عكس الآلاف من سكان درعا الذين رفضوا العيش تحت سيطرة الحكومة وتم إجلاؤهم إلى شمال-غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة، اختار العامل السابق في المجتمع المدني البقاء مع أسرته.

ولكن من أجل البقاء في درعا، توجب على أبي محمود تسوية وضعه مع الحكومة- بزيارة مركز تسجيل قريب لبدء عملية المصالحة التي وصفها المسؤولون السوريون ووسائل الإعلام الرسمية بأنها عملية بسيطة وآمنة للسوريين المتواجدين في مناطق المعارضة السابقة- بما في ذلك مقاتلي المعارضة- ليتم منحهم العفو.

ولكن بالنسبة للكثيرين، لم تكن عملية المصالحة سهلة. وقال أبو محمود لسوريا على طول “أخبروني أنني سأحتاج إلى زيارة أكثر من فرع أمني”، مشيرا إلى شبكة فروع الأمن السورية ومراكز الاحتجاز السورية التي اشتهرت بالاختفاء القسري والتعذيب قبل بدء الحرب بوقت طويل.

“أشعر بالرعب من فكرة الاقتراب من أفرع الأمن- لا أعلم ماذا سيحل بي إذا ذهبت”.

وقال أكثر من ستة من قادة المعارضة السابقين والمقاتلين وسكان درعا لسوريا على طول، أنه بعد ثلاثة أشهر تقريبا من انهيار الجنوب وبداية المصالحة، بدأ خليط التسويات السياسية التي ساهمت في إعادة المنطقة لسيطرة الحكومة ينهار الآن. وتشير تقارير الملاحقات الأمنية والاعتقالات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين وقادة المعارضة السابقين إلى أن الوعود الروسية والسورية بالعفو، والتي شجعت في النهاية الآلاف على البقاء في تلك المناطق، ربما كانت وعودا فارغة.

“لم يتم التمسك بالاتفاقيات”

في حزيران، شنت الحكومة السورية حملة جوية وبرية واسعة النطاق على مواقع المعارضة في كل من محافظتي القنيطرة ودرعا الجنوبيتين، مما أدى إلى أكبر حملة نزوح للسكان خلال الحرب السورية. وتم إخراج ما يقارب ربع مليون مدني من منازلهم. وفر عشرات الآلاف نحو منطقة حدودية قاحلة مع الأردن المجاور، بينما توجه آخرون إلى مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل بحثا عن الأمان.

وتوقع العديد من المراقبين حدوث كارثة إنسانية، قد تكون من أسوأ الكوارث التي شهدتها مرحلة النزاع حتى الآن.

إلا أن القتال انتهى في غضون أسابيع.

 

Embed from Getty Images


الشرطة العسكرية الروسية في مدينة درعا في ١٤ آب. تصوير اندريه بوردولين / AFP.

في البداية، بدت هزيمة المعارضة في الجنوب الغربي مشابهة للانتصارات الحكومية السابقة في الغوطة الشرقية وحلب وأماكن أخرى- حيث استقل آلاف من مقاتلي المعارضة وعناصر الدفاع المدني والناشطين والصحفيين والمدنيين حافلات الإجلاء الحكومية المتجهة إلى الشمال الغربي باتجاه مناطق سيطرة المعارضة سوريا.

لكن عدد الذين تم إجلاؤهم من الجنوب الغربي كان صغيرا نسبيا مقارنة بعمليات الإجلاء في أماكن أخرى، وذلك نتيجة للمفاوضات البراغماتية بين كل من المعارضة والحكومة التي من المحتمل أن تكون قد بدأت قبل انطلاق الحملة لاستعادة درعا. فطبيعة المنطقة، إلى جانب العلاقات الضعيفة للمعارضة الجنوبية مع الفصائل المتشددة في الشمال الغربي، استلزم التوصل إلى حل أكثر تعقيدا من السابق.

وبدلا من ذلك، تفاوضت الحكومة السورية وحلفاؤها الروس مع فصائل المعارضة للسماح لأعداد كبيرة من قادة المعارضة والمقاتلين بالبقاء في الجنوب الغربي، والتوسط في المصالحات واتفاقات وقف إطلاق النار مع فصائل المعارضة وزعمائها- ضمن المدن والبلدات.

وعملت الشرطة العسكرية الروسية كضامن أساسي للمصالحة المحلية وطرف ثالث، لضمان احترام الشروط وتمكن مقاتلي المعارضة السابقين من الانضمام إلى قوة الحماية المحلية التي تدعمها موسكو.

وتفرض الطريقة التي تم استرجاع الجنوب فيها الآن الحقائق على الأرض. حيث تم تفكيك كل من محافظتي درعا والقنيطرة، والسيطرة عليهما بشكل متقطع، مما جعل كل من القوات الموالية للحكومة وحلفاؤها الروس، بالإضافة إلى مقاتلي المعارضة الذين تم التصالح معهم مؤخرا، يتمتعون بدرجات مختلفة من السيطرة.

وقال بشار الزعبي، وهو مفاوض سابق في المعارضة شارك في المحادثات مع الحكومة خلال الصيف، ويقيم الآن في الأردن “لم يتم التمسك بالاتفاقيات بشكل كامل. هناك انتهاكات محدودة، لكنها تحدث مرارا وتكرارا”.

وتعرض أكثر من ستة من قادة المعارضة السابقين للاعتقال في درعا خلال الشهر الماضي، وفقا لتقارير وردت من مواقع إخبارية محلية مؤيدة للمعارضة، في حين أن ٢٠ آخرين من الشبان قد اعتقلوا على يد القوات الموالية للحكومة في جميع أنحاء المحافظة هذا الأسبوع – وهو ما أعطى المصداقية لمخاوف الآلاف من سكان درعا والقنيطرة الذين اختاروا البقاء في جنوب -غرب سوريا.

وفي الوقت ذاته، أوضح المقاتلون الذين وقعوا على المصالحة مع النظام، لسوريا على طول، أنه عندما تم التفاوض على التسوية، تم في وقت لاحق التحقيق مع السكان الذين حاولوا تسوية أوضاعهم، عبر مراكز المصالحة، من قبل محاكم مكافحة الإرهاب أو المخابرات.

وينتظر المقاتلون السابقون مثل أحمد محمد في منازلهم ما سيحدث لاحقا.

وقال المحمد لسوريا على طول “كل هذه الوعود كانت فارغة. الخوف يسيطر على الجميع”، وطلب المحمد استخدام اسم مستعار خوفا من الملاحقة الأمنية من قبل الحكومة.

كيف تمت السيطرة على الجنوب

كانت خريطة النزاع في الجنوب غارقة باللون الأخضر، مما يعكس المساحات الشاسعة التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة والتي كانت جزءا من تحالف الجبهة الجنوبية التابعة للجيش السوري الحر.

ثم اختفت مناطق صغيرة كانت تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة في غرب درعا، بعد أن تقدمت القوات الموالية للحكومة السورية باتجاهها عقب الهجمة الرئيسية في الصيف.

وكانت معظم التسويات التي تم التفاوض عليها، لا سيما في شرق درعا حيث كان تأثير قائد المعارضة أحمد العودة قويا جدا، تضمنت حماية مقاتلي المعارضة والمدنيين من أجهزة الأمن السورية. كان فصيل العودة والذي يحمل اسم  شباب السنة أول من أذعن للمصالحة، وشجع في وقت لاحق الفصائل الأخرى على الانضمام.

 

لكن قادة المعارضة السابقين والمفاوضين قالوا لسوريا على طول، إن الوجود الروسي اقتصر على مواقع على أطراف درعا والقنيطرة. وعند اندلاع أي مشكلة، تتحرك الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة أو البلدة أو القرية قبل العودة إلى القاعدة.

كما أن الميليشيات المدعومة من إيران، بما فيها حزب الله اللبناني، والتي برزت في الهجوم على جنوب -غرب سوريا، تتواجد بشكل قوي في المناطق المنتشرة في الجنوب الغربي.

الفيلق الخامس

كان الفيلق الخامس الجزء المشرق من مشروع المصالحة الحكومية السورية في الجنوب، وهو قوة تطوعية فقط صممت لاستيعاب الشبّان ومقاتلي المعارضة الذين تصالحوا مع النظام في ملحق للجيش السوري مدعوم من روسيا، دون الالتحاق بالجيش مباشرة، حيث يضم الفيلق مقاتلين سابقين في المعارضة فقط.

ووفقا للشروط المعلنة للمفاوضات المغلقة بين فصائل المعارضة والممثلين الروس، فإن الفيلق الخامس لن يكون لديه أي تفاعل يذكر مع الحكومة ولن يشارك في المعارك ضد المعارضة في أماكن أخرى من البلاد. علاوة على ذلك، سيتم إعفاء متطوعي الفيلق من الخدمة العسكرية، ويسمح لهم بالبقاء في الجنوب الغربي كقوات للدفاع عن النفس.

وتم طرح الفكرة في المفاوضات في جنوب غرب البلاد.

وأقنعت الفكرة محمد، وهو مقاتل سابق في أحد فصائل الجيش السوري الحر في محافظة درعا، بالبقاء ووافق في البداية على التخلي عن سلاحه والتصالح مع دمشق.

ولم ينه الشاب البالغ من العمر ٢٣ عاما دراسته الثانوية، ولم يمانع الخدمة الإلزامية المفروضة على جميع الذكور من قبل الحكومة السورية منذ فترة ما قبل الحرب.

ويتوجب على الشبان الذين لم يكملوا خدمتهم العسكرية- مثل المحمد- أن يخدموا في الجيش السوري بعد ستة أشهر من المصالحة أو ينضموا إلى الفيلق الخامس.

إلا أن أخبارا تواردت في أواخر أيلول مفادها أن الروس حلوا الفيلق الخامس، بمعنى أن الخيار الوحيد المتبقي لمحمد وغيره سيكون التجنيد في الجيش السوري واحتمال انضمامه إلى قوات المواجهة التي تقاتل المعارضة في إدلب.

وجاء انهيار الفيلق الخامس، وفقا لمفاوضين سابقين في المعارضة مع الحكومة السورية والوسطاء الروس في ذلك الوقت، بسبب رفض الروس تأييد بند مهم في اتفاق المصالحة: ستبقى القوة الثورية في درعا ولن تشارك في المعارك في الشمال الغربي.

وطلبت الحكومة من متطوعي الفيلق الخامس التوقيع على عقود للانضمام، ثم أمروا المقاتلين السابقين بالسفر إلى إدلب للمشاركة في القتال هناك، بحسب أحد المفاوضين السابقين في المعارضة لسوريا على طول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

وعندما رفض معظم المقاتلين التوجه إلى إدلب، تم حل الفيلق.  

وقال مفاوض المعارضة السابق الزعبي، الذي شارك في محادثات مع الحكومة السورية هذا الصيف “لا يزال الفيلق الخامس موجودا بشكل جزئي، لكن تم إبعاد الذين رفضوا الذهاب إلى إدلب”.

وفي غضون ذلك، قال المفاوضان إن مجموعة صغيرة فقط من المقاتلين من جماعة شباب السنة في درعا التابعة للجيش السوري الحر لا تزال مع المجموعة.

ولا يزال محمد، ٢٣ عاما، المعارض السابق رافضا للقتال. لكن من دون خيار الفيلق الخامس، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب الاعتقال أو الانتقام المحتمل هو الخدمة مباشرة في الجيش السوري.

وقال لسوريا على طول “لقد تمردت، وحاربت للدفاع عن أرضي وعائلتي ضد النظام. إنها مسألة مبدأ- عرفت الناس الذين قتلوا على يد النظام، فكيف يمكنني خيانة دمهم؟”.

وفي الوقت الحالي، يمتلك سكان درعا حوالي ثلاثة أشهر لتسوية وضعهم قبل مواجهة تداعيات قانونية محتملة أو التجنيد الإجباري. وبالرغم من أن بعض أصدقائه التحقوا بالفعل بالخدمة العسكرية- على أمل الانتهاء في أقرب وقت ممكن- ينوي محمد الانتظار حتى اللحظة الأخيرة.

حيث قال “أحاول ألا أفكر في الأمر لأبعد فترة ممكنة”.

 

ساهمت جودي بريجنولا في إعداد هذا التقرير.

 

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال