7 دقائق قراءة

يوم في دمشق: ابتسامة مرهقة وحواجز تكبل الحياة

تبدو حدائق دمشق وأحياؤها والعديد من مقاهيها هذه الأيام مليئة […]


5 أكتوبر 2015

تبدو حدائق دمشق وأحياؤها والعديد من مقاهيها هذه الأيام مليئة بالخوف والفقر والتعب وبلا أمن ولا أمان، حيث تنتشر في الأجواء أصوات القذائف وإطلاق النار في جنازات جنود النظام الذين قتلوا في الحرب.

وقال عبدالرحمن الشامي، دمشقيّ في التاسعة والعشرين من العمر، وعضو في تجمع شرق دمشق، لغالية مخللاتي، مراسلة سوريا على طول، “عندما تمشي في شوارع دمشق، أصبحت الابتسامة مكبلة بأثقال الحياة اليومية”.

وأضاف أن انتشار الحواجز العسكرية يربك الحياة اليومية في دمشق، حيث يقدر عدد الحواجز في العاصمة بثلاثمائة حاجز عسكري تنتشر فيها، عدا عن “الحواجز الطيارة” التي يمكن أن تنتشر في أي مكان وفي أي وقت.

ومع الخسارات المتتالية للنظام، أصبح الجنود على الحواجز، يشعرون باقتراب نهايتهم. وبحسب الشامي، أصبح تعامل الجنود مع المدنيين أكثر حدة فهم يميلون إلى اعتقال ومضايقة المارة من خوفهم.

ويقول الشامي “يمكنك سماع الجنود وهم على الحواجز يتحدثون عن فقدان أصدقائهم على الجبهات أو خسارة أحد أقربائهم في المعارك الجارية في سوريا”.

مع تدهور العملة السورية، الذي أدى إلى تراجع متوسط رواتب الموظفين إلى نحو 70$، كيف يستطيع أهالي دمشق التأقلم مع الأسعار شبه الخيالية، وتأمين قوت يومهم؟

أدى الانهيار الاقتصادي الحالي إلى ظهور الانقسام والتباعد المادي بين المواطنين إلى فئات ثلاث؛ فئة الأغنياء من مالكي المعامل والشركات الذين لم يتأثروا بالظروف الحالية وهم بالأصل من أعوان النظام وأتباعه الذين يطيلون في عمره ومن أهم تجار الحرب.

أما الفئة الثانية فهي من الطبقة المخملية وأصحاب الأعمال الحرة، التي لم تتأثر بالحرب الحالية، حيث تنتشر أعمالهم في  المناطق الهادئة (المزة والمالكي وأبو رمانة ومشروع دمر) وحتى في دمشق القديمة ومناطق أخرى في العاصمة والساحل، وكلا الفئتين مواليتين بالطبيعة لمصالحهما التي تلتقي بمصالح النظام في إظهار استقرار النظام، وأنه يتحكم بالأمن وخاصة في العاصمة.

في حين تشمل الفئة الثالثة السكان المحليين بما فيهم كلًا من موظفي القطاعين العام والخاص، وما يسمى بصغار الكسبة وذوي المهن الخدمية والمرتبطة بحاجات السكان مباشرة، والمهجرين والمضيق عليهم سواء بالسكن أو بالعمل، ومن يعيشون على المساعدات من الجمعيات الخيرية.

فبات حصولهم على قوتهم وشرائهم للحاجيات أمر صعب ومكلف، أدى لاقتصادهم في معيشتهم وتكاليفها لعدم قدرتهم على تأمين ما يلزم من سيولة مادية، فإن معيشة المواطن العادي اليوم لا تتعدى حدود الاقتصاد في شرائه حسب حاجته، كل يوم بيومه مع احتمال ارتفاع الدولار في اليوم التالي مما يؤدي إلى امتناعه من شراء حاجاته وإن كانت ضرورية.

ما هي الحالة النفسية الغالبة اليوم على سكان دمشق، بعد خسارات النظام؟

تختلف الحالة النفسية للمواطنين والسكان تماماً كما تختلف فئاتهم التي تحدثنا عنها في السؤال السابق.

فالفئة الأولى تعلم علم اليقين أن سقوط النظام الذي ينتفعون منه هي مسألة وقت، ولكنها تسعى لإطالة عمره.

وتشترك الفئة الثانية معها في هذا السعي، في حين أن الفئة الثالثة الغالبة عددياً تتطلع كل يوم لساعة الخلاص بالرغم من معرفتها أن هذه الساعة ستمتد فترة طويلة، لذلك تسعى لتأمين ما يسد رمق أبنائها أو تأمين ادخاراً بسيطا يساعدها في قادم الأيام، بالرغم من أن هذا الأمر لا يتيسر إلا لقليل من أبناء هذه الفئة.

في حين أن طائفة أبناء النظام وأتباعه من الطوائف الأخرى يتخبطون مترقبين هذه الساعة وبقلق وخوف مسيطر عليهم.

عند التنقل في مدينة دمشق، كيف هي معاملة الجيش أو عناصر النظام على الحواجز، اذكر لنا مثالا، كيف أثر ذلك على نفسيتك؟

قامت الحواجز والمفارز الأمنية بدمشق مؤخرا بالتدقيق الشديد على السيارات ومضايقة المارة وخاصة من أبناء الريف الدمشقي النازحين للمدينة، كما قامت الأفرع الأمنية بنصب عدة حواجز طيارة داخل العاصمة، بغية ملاحقة المطلوبين سواء للخدمة العسكرية أو الأفرع الأمنية للتضييق على الأهالي والسكان.

مما سبب ضيقا شديدا جراء الازدحام وتوقف الطرق بسبب هذا التدقيق والاستنفار، ويكفي أن يقوم أحد الحواجز في وسط المدينة بإيقاف باص ركاب وتفييش الراكبين ليصل الازدحام إلى أطرافها، في حين تحاول الأغلبية الابتعاد عن هذه الحواجز قدر الإمكان حتى وإن لم يكن لديهم ما يخشونه كطلب تجنيد أو ملاحقة أمنية، والسير على الأقدام تحاشيا من الوقوف على الحواجز.

أما كمثال: قام أحد حواجز العاصمة بأنزالي من احد وسائل المواصلات، وإيقافي لمدة أربع ساعات دون معرفة السبب، وبعد ساعتين عندما سألت أحد العناصر لماذا انتظر؟ قام بشتمي وإهانتي وطلب عدم التدخل في ما لا يعنيني، وعلى وشك ان يقوم بضربي، وبعد انتظاري 4 ساعات واقفاً جاء الضابط وسأل عن سبب وقوفي، واخيراً تم التدقيق على هويتي ان كنت مطلوبا أم لا، وظهر سبب ايقافي لمدة 4 ساعات فقط لانتظار قدوم الضابط المناوب.

وبالتأكيد شعرت بالذل والإهانة، والقلق الذي أصابني حول ما سينتظرني، فتم شتمي وايقافي 4 ساعات فقط لانتظار الضابط دون تهمة أو سبب.
بعد خسارات النظام في الآونة الأخيرة، كيف باتت معنويات ونفسية عناصر النظام على الحواجز؟ هل لاحظت شيئا غريبا، وهل التغير في معنويات الجيش وعناصر النظام أدى إلى اختلاف في سلوك ومعاملة العناصر مع المدنيين على الحواجز؟

أصبح استنفار الحواجز في دمشق على غير المعتاد من ناحية التفتيش الدقيق والمضايقة  والتفشش بالمارة عن الشتائم والتعالي على الأهالي، بالإضافة إلى التعدي بالضرب على المهجرين من المناطق الساخنة والاعتقال الذي يسمى “السخرة” لتدعيم أطراف العاصمة بالدشم والأنفاق والحواجز الإسمنتية.

 ويمكن سماع عناصر الحواجز يتحدثون عن خسارة أصدقائهم في مناطق ساخنة مؤخراً أو عن خسارة أحد أقربائهم في المعارك الجارية، في حين لا تنقطع رشقات الرصاص عن السماع اعتباراً من ظهر كل يوم في أنحاء مختلفة من العاصمة مؤذنة بتشييع القتلى الجدد من جنود النظام في إحدى الجبهات.

وتشتد المعاملة سوءا وشراسة مع المدنيين على الحواجز عند خسارة النظام مدن أو قرى تصب في صالح الثوار، والذي بدوره يدل على تخبط وإحباط كبير في المعنويات وخاصة في الآونة الأخيرة بعد تحرير عدة مدن وقرى من قبل الثوار.

من وجهة نظرك، لماذا هذا التقطيع في أوصال المدينة بوجود حواجز للنظام في قلب العاصمة، ربما لو تُركت حركتها اليومية تسير بشكل طبيعي بلا حواجز لزادت مردودات النظام المادية؟

إن هذا التقطيع سببه خوف النظام من المواطنين، فهؤلاء وعموماً من الفئة الثالثة سواء كانوا من السكان أو من المهجرين يراهم النظام أعداء له سيهبَون لنصرة الثوار الداخلين إليها ومن الواجب إذلالهم وزيادة ضيقهم لدفعهم للخروج منها بل والسفر إلى خارج البلاد.

القدرة الشرائية لليرة السورية باتت ضئيلة جدا عند مقارنتها بالدولار بسبب تدهور العملة، كيف يستطيع المواطن الدخول إلى المطاعم والمقاهي التي تعد من وسائل الرفاهية؟ ومن هي الفئة التي تتوافد إلى المطاعم والمقاهي؟
هنا نعود لفئات المجتمع الحالية، ونرى أنه بمقدور الفئتين الأولى والثانية أن يحصلوا على الترفيه لأنفسهم من خلال توافر المال بين أيديهم، وكذلك الدعم والحماية الحكومية المتمثلة بعناصر الأمن المحيطين بكثير من أبناء هاتين الفئتين، ولا يبالون بأي احداث جارية في البلد.

 أما الفئة الثالثة من الشعب وفي ظل الحصار الخانق للمواطن البسيط لم يبقى له حتى الحدائق، فغالباً ينتشر فيها عناصر الأمن، ولا يستطيع المواطن التنزه مع أبنائه، مما انعكس ضيقاً شديداً يظهر أنه تم تعمده من قبل خبراء النظام الأمنيين والاجتماعيين لزيادة حدة القهر على عموم المواطنين، وأما المطاعم فأصبحت حلماً حتى لأصحاب الرواتب العالية، والمقاهي فارغة إلا من أبناء النظام.

هل الفئة التي تتوافد للمطاعم ووسائل الترفيه والرفاهية تشعر بأمان واستقرار نفسي؟

إن النازحين والمضيق عليهم من كل الجهات الذين يعتمدون بالغالب على المساعدات من الجمعيات والمنظمات الدولية يذهبون إلى الأماكن العامة والحدائق أو المقاهي غير المكلفة سعياً  للترويح عن النفس وضيق المعيشة، إن سنحت لهم الفرصة، كون الحدائق والأماكن العامة أصبحت مكتظة برجال الأمن والجيش، وبالرغم من ذلك تجدهم بضيق وتوتر وخوف دائما يظهر على وجوههم.

أما بالنسبة للفئات المخملية الداعمة للنظام، فتحاول جاهدة أن تظهر أنها باستقرار نفسي ومعيشي عبر المطاعم والملاهي والمراقص، حيث لا تبالي هذه الفئة في الأحداث الجارية في البلد، وعلى مبدأ أن الحرب لن تتوقف عند منعي من دخول المطاعم والتقصير تجاه ممارسة الحياة الكمالية، ومع كل هذه المظاهر ففي الواقع تجدهم في قلق، توتر وتخبط من اقتراب المعركة وسقوط النظام.

كما يقوم النظام جاهداً بتسليط الضوء على هذه المطاعم وتوافد هذه الفئات عليها، سعياً منه لإظهار العاصمة هادئة وإبراز راحة سكانها وأنهم ميسوري الحال.

بعد تصاعد الأحداث الأمنية في دمشق، برأيك هل اعتاد أهالي العاصمة على نمط الحياة شديد القسوة وأصبحت من طباعهم؟ وهل أصبحوا يمارسون الحياة الطبيعية والرفاهية أيضا مع سيطرة القلق والخوف عليهم؟

يحاول الأهالي والسكان الاعتياد على أوضاع الحرب والقسوة، مع مراعاة التوفير وشراء اللوازم الضرورية ويعتمد القسم الأكبر من هذه الفئة على المعونات من قبل الجمعيات الخيرية، محاولة منهم قدر الإمكان الترويح عن النفس، ومحاولة العيش بحياة طبيعية بعيداً كل البعد عن الترف وحياة الرفاهية التي يعيشها فئة الطبقة المخملية المقربة من الأسد وحاشيته، ويبقى القلق والخوف والترقب سيد الموقف أين ما توجهت ظاهراً على كافة الفئات.

هل أثرت الضغوطات النفسية والخوف عند وجود خطر ما على سلوك المدنيين داخل دمشق؟ اذكر لنا مثالا.

أصبح أهالي دمشق والمهجرين إليها مترقبين لكل أمر بخوف وقلق مستمر، وخاصة انتظارهم حملات الدهم والتفتيش اليومية بحثاً عن مطلوبين للأمن أو للخدمة العسكرية، أو ملاحقات النازحين غير المرخصين بسبب مكان إقامتهم، أو السرقات والتحرشات غير الأخلاقية في كل مكان.

ويزداد ذلك الترقب والخوف مع انتشار المليشيات الموالية في كل جادة وحارة من العاصمة، في حين أن وقوع حادث أمني أو عسكري داخل العاصمة والذي تزداد وتيرته يوماً بعد يوم يظهر حالة التوتر التي تعيشها العاصمة بمختلف فئاتها الاجتماعية.

 ونذكر مثالا قريبا حادثة تفجير مبنى الإمداد والتموين التي أدت إلى شل الحركة في شوارع العاصمة سواء من قبل المارة أو السيارات بسبب خوف وذعر المدنيين، بالإضافة إلى مشاهدة البعض يتكلم مع نفسه، وآخرون أصيبوا في أمراض واضطرابات نفسية مما ألزمهم الثبات في منازلهم والخوف من الخروج مهما كان السبب.

وعندما تتجول في شوارع دمشق ترى وجوه الأهالي قاسية، قلقة، وعابسة لا تبتسم لشيء فقد أنهكها الغلاء في كل الاحتياجات والمستلزمات، بالإضافة إلى نظرات تعجب، استفسار أو انتظار المقبل هل ستندلع في دمشق أم ستكون الأمور كما هي عليه؟.

شارك هذا المقال