6 دقائق قراءة

2021: عام إعادة الأطفال الأجانب في شمال شرق سوريا لبلادهم؟

منذ العام 2016، تعاني النساء الأجنبيات وأطفالهن في المخيمات مأزقاً قانونياً. وقد ساهمت عدة عوامل في تزايد الضغط لإيجاد مخرج لهن من الوضع الذي يعشنه.


بقلم ليز موفة

8 مارس 2021

عمان- قبل أيام، أعلنت عشر نساء فرنسيات دخولهن إضراباً عن الطعام احتجاجاً على احتجازهن إلى أجل غير معلوم في مخيمات بشمال شرق سوريا. “لم يعد بوسعهن احتمال معاناة أطفالهن في المخيمات على مرأى أعينهن”، قال المحامون المعنيون بقضايا هؤلاء النساء اللواتي طالبن بإعادتهن مع أطفالهن إلى فرنسا للمثول أمام القضاء هناك.

وباستثناء السوريين والعراقيين، يوجد نحو 11,000 من المواطنين الأجانب المرتبطين بتنظيم “داعش” محتجزين في مخيمات بمناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد وتدير شؤونها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. ويقيم غالبية المواطنين الأجانب، أو قرابة 9,000 شخص، في مخيم الهول. فيما يقبع البقية في مخيم “الروج”، الأصغر وذو الحراسة المشددة. وكلا المخيمين يقعان في محافظة الحسكة قريباً من الحدود مع تركيا والعراق.

أيضاً، يعيش قرابة 27,500 طفل أجنبي (من ضمنهم عراقيون) في هذه المخيمات، 90% منهم دون سن الثانية عشرة. وحتى الآن تمت إعادة أقل من ألف طفل فقط إلى أوطانهم. وفي 28 شباط/فبراير الماضي، ناشدت اليونيسيف إعادة جميع الأطفال في المخيمات عقب وفاة ثلاثة منهم إثر حريقٍ اندلع في مخيم الهول. 

مع تزايد الضغط لتغيير الوضع الراهن، هل يكون 2021 هو عام اتخاذ الخطوات الحاسمة لإعادة هؤلاء الأطفال، وما هي حال الجهود القانونية الجارية لتحقيق ذلك؟

ضرورة ملحة

منذ العام 2016، تعاني النساء الأجنبيات وأطفالهن في المخيمات مأزقاً قانونياً. وقد ساهمت عدة عوامل في تزايد الضغط لإيجاد مخرج لهن من الوضع الذي يعشنه. 

إذ ما تزال النساء اللواتي يؤيدن “داعش” في المخيمات يمثلن تحدياً أمنياً للسلطات المحلية التي تواجه بين الحين والآخر نشاطاً لخلايا التنظيم النائمة، كما الصراع الداخلي المستعر بين أنصار داعش “المتشددين” وأولئك الذين يريدون الخروج من التنظيم. وفي العام 2020، قُتل 33 شخصاً على الأقل داخل مخيم الهول، وكانت في معظمها اغتيالات نسبت إلى “داعش”. كما قتل في كانون الثاني/يناير الماضي وحده عشرون آخرون.  

يُضاف إلى ذلك وقوع المخيمات قريباً من خطوط التماس مع مناطق النفوذ التركي في المنطقة. وخلال عملية نبع السلام، خريف 2019، برزت مخاوف فقدان الحكومات الغربية إمكانية الوصول لمواطنيها المحتجزين هناك. وأثناء العملية، فرّ ما لا يقل عن 750  من المرتبطين بـ”داعش” الموجودين في مخيم عين عيسى المغلق حالياً. ولا تزال الدول الأجنبية تواجه احتمال اشتعال الوضع المتوتر في المنطقة، إذ يبدو أن تركيا مستعدة لاستئناف هجومها هناك.

بالتوازي مع ذلك، تواجه الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ضغوطاً لإطلاق سراح العائلات السورية المحتجزة في المخيمات. ومنذ آذار/مارس 2020، أفرجت الإدارة الذاتية عن أكثر من دفعة بعد حصولها على ضمانات من وجهاء العشائر في المنطقة، كما أعلنت عزمها الإفراج عن جميع السوريين في مخيم الهول. وليبدو أن الوقت قد حان لتقرير مصير المعتقلين الأجانب. 

فوق ذلك كله، جاءت جائحة كوفيد-19 لتفاقم الوضع الإنساني المتردي في المخيمات، والتي يموت الأطفال فيها جراء سوء التغذية والمضاعفات الطبية. وهو ما يعني زيادة التكلفة السياسية للوضع المقيت هناك، كما العبء المالي المترتب على إدارة المخيمات.

إمكانية محاكمة مؤيدي “داعش” الأجانب في سوريا

تُحجِم كثير من الدول عن تحمل مسؤولية مواطنيها المتهمين بتأييد “داعش”، محاججة بأنه تنبغي محاكمة هؤلاء من قبل السلطات المحلية حيث ارتكبوا جرائمهم. 

“مقاتلو داعش هم نساء ورجال اختاروا الانضمام [للتنظيم] واختاروا القتال في مناطق حرب. وعليه، تجب مقاضاتهم في أقرب مكانٍ ممكن لموقع ارتكابهم لجرائمهم”، بحسب ما ذكر مصدر دبلوماسي في الحكومة الفرنسية لـ”سوريا على طول”. مضيفاً: أن “أولويتنا على الدوام تتمثل في محاربة الإفلات من العقاب عن الجرائم المرتكبة؛ فهي من جهة مسألة أمن، ومن جهة أخرى مسألة تحقيق العدالة لضحايا [المجرمين]”. 

وكانت قسد تحدثت “عن خطة لمقاضاة النساء [المرتبطات بالتنظيم] محلياً“، وفق ما ذكرت ليتا تايلر، المديرة المشتركة لقسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش، خلال جلسة نقاش بعنوان “أتباع داعش المحتجزون في مخيمات سوريا وسياسات الدول تجاه النساء والأطفال”، والتي نظمها معهد بولان لابتكارات السلام، في جنيف، في 26 شباط/فبراير الماضي. لكن هذا، وفقاً لتايلر، يثير تساؤلات عن مدى قانونية هذا الإجراء أصلاً، نظراً إلى أن الإدارة الذاتية ليست دولة، وما إذا كانت هذه المحاكمات ستمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان أم لا. مضيفة أن ثمة دول “لا تعتزم دعم المحاكمات على المستوى المحلي، ناهيك عن [التوجه لمعالجة] الوضع الإنساني في المخيمات”، بحيث “يبدو أنّ الدول قانعة جداً بإحالة هذه  القضية إلى أطراف أخرى”.

مبررات الدول الأجنبية رفض استعادة مواطنيها

يبدو أن استعادة المواطنين من قبل دولهم هو الحل المباشر الوحيد لإنهاء محنة الأطفال في مخيمات شمال شرق سوريا. لكن الاستجابة السياسية بهذا الشأن تختلف من دولة لأخرى.

إذ “منذ العام 2017، استأثرت أوزبكستان وكوسوفو وروسيا وكازاخستان بـ85% من عمليات الإعادة إلى الوطن”، بحسب ما ذكرت ساولي ميكتيبباييفا من مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، في جلسة النقاش التي نظمها معهد بولان.

كما استعادت الولايات المتحدة الأميركية أيضاً جميع مواطنيها تقريباً. في حين رفضت معظم الدول الأوروبية الالتزام باستعادة أعداد كبيرة من حملة جنسيتها، خشية إثارة رد فعل سياسي عنيف إذا أعادت النساء المواليات لتنظيم “داعش”، إضافة إلى ما ذكرته هذه الدول عن مخاوف أمنية نتيجة ذلك.

ومن ثم، عمدت بعض الدول إلى استعادة مواطنيها على أساس فردي؛ وشمل ذلك غالباً أطفالاً أيتام أو غير مصحوبين بذويهم. وهي سياسة تفرض قيوداً على عمليات الاستعادة، إذ يُطلب من الأمهات حرفياً التخلي عن أطفالهن ليُعادوا إلى أوطانهم. 

هكذا، نشأت مجموعات تضم عائلات ذات صلة بالمحتجزين شمال شرق سوريا، تعمل على تغيير الرأي العام والسياسة في هذا الصدد. من بين هذه المجموعات: “أسر ضد التطرف العنيف” في كندا، و”أعيدوا الأطفال إلى الوطن” في السويد، و”مجموعة العائلات المتحدة” الفرنسية، و”أمهات أوروبا” البلجيكية، و”أسر تريني للإعادة إلى الوطن والاندماج” التي تسعى لاستعادة حوالي مئة شخص من مواطني ترينيداد وتوباغو. كما تم إنشاء مجموعة دولية جديدة تسمى “عائلات من أجل الإعادة إلى الوطن” في أواخر العام 2020. فيما تتولى منظمات دولية معروفة، مثل هيومن رايتس ووتش وأنقذوا الأطفال، جهود المناصرة الدولية.

هل يمكن إلزام الدول استعادة مواطنيها؟

بين حين وآخر، تفضي جهود الهيئات والمنظمات السابقة أُكلها. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، قضت المحكمة الإدارية العليا في برلين-براندنبورغ بأن ألمانيا ملزمة بإعادة أم مع أطفالها. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعادت ألمانيا وفنلندا ثلاثة وعشرين من مواطنيهما، بينهم بالغون.

إلا أنّ بعض الدول تحاجج بأن مسألة الإعادة إلى الوطن أمر خارج عن سيطرتها، بسبب الصعوبات الأمنية أو العقبات اللوجستية أو غياب العلاقات الدبلوماسية مع السلطات في شمال شرق سوريا. وبحسب المصدر الدبلوماسي الفرنسي، فإن “فرنسا غير مسؤولة عن السيطرة على هذه المناطق. الوضع الحالي يجعل عمليات الاستعادة في منتهى الصعوبة”.

رداً على ذلك، نقل بعض العائلات النقاش إلى المجال القانوني الدولي.

ففي أيار/مايو 2019، رفعت عائلة فرنسية قضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، هي الأولى من نوعها بهذا الشأن ضد دولة عضو في مجلس أوروبا. وتدرس المحكمة الآن تقرير ما إذا كانت السلطة القضائية في فرنسا، ومقدرة الأخيرة على تنفيذ التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان، تمتدان إلى المواطنين الفرنسيين المحتجزين في الخارج. 

ورغم أن قرارات المحكمة ليست ملزمة للدول، فإن “صدور قرار مؤاتٍ من المحكمة سيشكل خطوة مهمة للمضي قدماً”، كما قالت شارلوت مانشيني، إحدى المحاميات المدافعات عن العائلات المعنية، لـ”سوريا على طول”. وهذا من شأنه أن يضيف ضغطاً إعلامياً وسياسياً على الدول الأوروبية الأخرى لإعادة مواطنيها.

كذلك، في آذار/مارس 2019، تم تقديم قضيتين تشملان أسراً فرنسية أمام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلنت اللجنة أن التحقيق في ما قد يشكل انتهاكاً لالتزامات فرنسا بموجب الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال يقع ضمن اختصاصها. ومن المتوقع أن تخرج اللجنة بنتائج خلال الأشهر المقبلة.

ويعني إعلان اللجنة اختصاصها إقراراً بالولاية القضائية الخارجية لدولة غربية على رعاياها في المخيمات، ما يسلط الضوء على “الالتزام الإيجابي [للدول] بحماية الحقوق الإنسانية للأطفال من رعاياها الموجودين في المخيمات السورية، رغم حقيقة أن هذه المخيمات تقع تحت سيطرة مجموعة مسلحة غير معترف بها كدولة”، بحسب مانشيني. 

وفيما هناك إقرار بمبدأ الولاية القضائية الإقليمية، فإنّ إقرار الولاية القضائية خارج حدود الإقليم يجب أن يرتكز على عدة عوامل. ومن ضمن المعايير التي استندت إليها اللجنة في قرارها قبول الاختصاص هو المقدرة التي تمتلكها فرنسا إلى حد ما على حماية حقوق مواطنيها في المخيمات السورية، لاسيما وأن الإدارة الذاتية أعربت عن استعدادها تيسير عمليات الإعادة إلى الوطن للأجانب.

ووفقاً للمصدر الدبلوماسي الفرنسي، فإنه “إذا سنحت فرصة استعادة القاصرين، سنعيدهم”. مضيفاً أنّ بلاده استعادت 35 طفلاً من المخيمات في شمال شرق سوريا حتى الآن.

 ورغم أن توصيات لجنة حقوق الطفل غير ملزمة للدول الأطراف في الاتفاقية، فإنه “على المستوى السياسي [إذا ثبتت إدانة فرنسا]، سيجعل مسوغات الدولة رفضها استعادة مواطنيها تتلاشى”، برأي مانشيني.

أما في حال خلصت اللجنة إلى قرارات لا تؤيد موقف العائلات مقدمة الشكوى، فإنه يمكن لهذه الأخيرة عرض قضاياهم على لجان أخرى تابعة للأمم المتحدة، بحسب مانشيني، “بما في ذلك لجنة حقوق الإنسان أو لجنة مناهضة التعذيب. لكني أشك في أن تصدر لجنة حقوق الإنسان قراراً مناقضاً [لقرار لجنة حقوق الطفل].”

تم نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال