2023 العام “الأسوأ منذ بداية القرن العشرين”: فماذا يحمل عام 2024 للسوريين؟
منذ 13 عاماً يحلم السوريون بعام قادم أفضل من سابقه، لكنهم يصطدمون بأزمات اقتصادية جديدة، كما هو الحال في 2023، الأسوأ منذ بداية القرن العشرين، والذي سجلت فيه الليرة السورية أسعار صرف غير مسبوقة.
28 ديسمبر 2023
باريس- في وداع كل عام، يحلم السوريون، منذ ربيع 2011، بعام قادم أفضل من المنصرم، لكنهم يصطدمون بعام جديد محمل بالمزيد من الأزمات، لا سيما الاقتصادية منها، كما هو حال عام 2023 الذي كان الأسوأ، حيث سجلت الليرة السورية تدهوراً غير مسبوق، فهل يكسر عام 2024 القاعدة أم يزيد من معاناة السوريين في مختلف مناطق النفوذ؟
تعاني مناطق النفوذ الأربع: الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وحكومتي الإنقاذ والسورية المؤقتة (المعارضة) في شمال غربي البلاد، ومناطق نفوذ النظام السوري من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، لكن مناطق الأخير -النظام- هي الأسوأ.
وبينما يحاول النظام السوري ترسيخ نفوذه واستمراريته على حساب قوت السوريين، من دون إصلاحات اقتصادية أو سياسات من شأنها تحسين مستوى المعيشة، فإنه يحاول تحميل المواطن السوري تكاليف معيشية إضافية، من خلال رفع الدعم عن المحروقات ومواد أساسية أخرى، وشرعنة كهرباء الأمبيرات، حتى بلغ الحال بمواطنيه أن فقدوا الأمل ووصلوا حد العجز عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، ما دفع العديد منهم للهجرة، إذ شهدت مناطق نفوذه موجة هجرة جديدة في عام 2023.
العملة الوطنية لا تعادل تكلفة طباعتها
مع نهاية عام 2023، تدهورت قيمة الليرة السورية إلى نحو غير مسبوق، إذ بلغ سعر الصرف في السوق السوداء 14,000 ليرة للدولار الواحد، مقابل 6,180 ليرة للدولار، في كانون الأول/ ديسمبر 2022، و3,620 ليرة للدولار في الشهر ذاته من عام 2021.
خسرت الليرة السورية بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023، ما يقارب 130% من قيمتها في مطلع العام ذاته، بينما خسرت 70% من قيمتها في أواخر عام 2022 مقارنة بمطلعه، و24% في عام 2021.
وبذلك تكون الليرة السورية قد خسرت 99.64% من قيمتها مقابل الدولار مقارنة عمّا كانت عليه قبل عام 2011، بحسب مناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، ومقره تركيا، ما يعني أن "قيمة العملة السورية صارت أقل من تكلفة طباعتها"، كون "تكلفة طباعة الورقة النقدية تتراوح بين 5 سنتات و 15 سنتاً، تتضمن هذه التكلفة ثمن الورق والحبر والتصميم والطباعة وميزات الأمان وغيرها".
أرجع د.كرم شعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، السبب الأساسي لاستمرار انهيار الليرة السورية، إلى ما وصفه "عجز الحكومة السوري عن تنشيط الاقتصاد بما يجذب القطع الأجنبي للداخل"، الذي يعد بنظره "جذر المشكلة".
وبدلاً من إجراء إصلاحات اقتصادية، أقدمت حكومة دمشق على "تغطية التضخم عبر طباعة المزيد من العملة، الذي يعد نفسه إجراءً تضخمياُ"، لاسيما مع قرار دمشق زيادة الرواتب بنسبة 100%، في آب/ أغسطس 2023، الأمر الذي نتج عنه "زيادة العرض من الليرة السورية بعد ضخ المزيد من الكميات منها في السوق، وتالياً تضخم أكبر"، كما قال شعار لـ"سوريا على طول"، مشيراً إلى أن "آخر عامين شهد ضخ الليرة بأرقام غير مسبوقة مقارنة بالسنوات السابقة".
البنك المركزي يطارد السوق السوداء
في منتصف تموز/ يوليو الماضي، لأول مرة يعدل البنك المركزي السوري أسعار صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة إلى حد يقترب فيه من سعر السوق السوداء، إذ بلغ سعر الصرف الرسمي للدولار الواحد 9,900 ليرة مقارنة بـ 11,500 ليرة في السوق الموازية.
وبعد ذلك، صار البنك المركزي يطارد أسعار السوق السوداء باستمرار، حتى وصل سعر الصرف في كانون الأول/ ديسمبر الحالي، إلى 12,500 ليرة في البنك المركزي للدولار الواحد مقارنة بـ 14 ألف ليرة في السوق الموازية.
تشير سياسة البنك المركزي إلى أنه "لا يملك عملة صعبة، وغير قادر على تغطية الطلب في الأسواق من القطع الأجنبي"، بحسب قومان، معتبراً أن تغيير سعر الصرف إلى حد قريب من السوق السوداء "اعتراف ضمني من المركزي بخلوه من العملة الصعبة".
إضافة إلى ذلك، يحاول "المركزي" "محاكرة [منافسة] السوق السوداء على القطع الأجنبي، عبر جذب الحوالات والتحويلات بالعملة الصعبة إلى قنوات المركزي"، بحسب قومان. مشيراً إلى أن بهذه السياسة "غير المركزي سياسته النقدية من التثبيت إلى التعويم الجزئي".
اعتبر شعار أن اقتراب أسعار صرف المركزي من أسعار الصرف في السوق السوداء "سياسة جيدة"، استطاع بموجبها النظام "دفع الكثير من الحوالات والنشاطات الاقتصادية باتجاه السوق الرسمية بدلاً السوداء"، كما أدى إلى توحيد أسعار الصرف المتعددة في البنك المركزي تحت مسمى "نشرة السوق الرسمية، بعدما كان هناك نشرة المصارف ونشرة الحوالات والصيرفة، وهو ما خلق تبسيط للإجراءات النقدية المطبقة بسوريا"، وفقاً له.
ورأى شعار أن "البنك المركزي يُحمّل فوق قدرته"، مشيراً إلى أن "المشكلة الأساسية هي الإدارة الاقتصادية المبنية على احتكار القلة والابتزاز والنهب والسرقة"، وهذا من شأنه "تقليل فرص تحسن الاقتصاد كما يجب"، نظراً لكون "غالبية القادرين على الإنتاج والاندماج في السوق وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد متوجسين من الدخول في السوق خوفاً من سرقة ثروتهم أو فرض خوات من النظام عليهم"، وهو ما ينعكس سلباً على "التعافي الاقتصادي".
لذلك، لا يمكن أن تفلح محاولات البنك المركزي في وقف انهيار الليرة السورية، من دون وجود إرادة حقيقية وخطوات جادة من رأس السلطة، وسيبقى دور المركزي ملاحقة أسعار الصرف في السوق السوداء.
الوضع المعيشي: الأسوأ منذ بداية القرن العشرين
في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، اعترف بشار الأسد، في مقابلة تلفزيونية له على تلفزيون الصين المركزي، أن الأوضاع في سوريا سيئة، قائلاً: "لنكن واضحين هو وضع سيء والمعاناة تزداد"، لكنه حمّل الغرب المسؤولية نظراً لاستمرارها في "خنق" الشعب السوري، على حد وصفه، في إشارة إلى العقوبات الغربية والأميركية على النظام السوري ورموزه.
اعتراف النظام السوري بتردي الحالة الاقتصادية السيئة في سوريا ليس جديداً، إذ سبق قبل أشهر، أن وصف رئيس مجلس الوزراء الحالة الاقتصادية السيئة، لكن تبقى التصريحات من دون تقديم حلول ناجعة لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للسوريين.
في حزيران/ يونيو الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن 9 من كل 10 سوريين يعيشون تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن أكثر من 15 مليون سوري، أي ما يعادل 70% من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
وبحلول أيلول/ سبتمبر الماضي، قفز وسطي تكاليف المعيشية لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد إلى 9.5 مليون ليرة (673 دولار)، بعد أن كان في تموز/ يوليو 6.5 مليون ليرة (460 دولاراً)، وقفز الحد الأدنى من 4.1 مليون ليرة إلى 5.9 مليون ليرة (290 إلى 418 دولاراً). في المقابل، بلغ الحد الأدنى للأجور 185 ألف ليرة (13 دولار)، بحسب جريدة قاسيون، أي أن الحد الأدنى للأجور يغطي 2% من الحد الأدنى لتكاليف المعيشة!.
تعليقاً على ذلك، وصف شعار الوضع المعيشي بأنه "الأسوأ منذ بداية القرن العشرين"، محملاً النظام المسؤولية "نتيجة استمراره بالتغول على النشاطات الاقتصادية المختلفة بما يضمن بقاؤه، إضافة إلى عوامل أخرى، من قبيل: انخفاض المساعدات الإنسانية، وانخفاض النشاطات الاقتصادية الخاصة".
"طالما مقومات الأزمة الاقتصادية متوافرة والأوضاع من سيء إلى أسوأ ستبقى الأسعار في ارتفاع متواصل والليرة في هبوط"، بحسب قومان، قائلاً: "الأوضاع المعيشية هي سيئة جداً، وهذا التوصيف ليس جديداً، فهو الحال منذ عدة سنوات، ولا يمكن تحديد عتبة السوء"، في إشارة إلى أن الأمور قد تذهب إلى الأسوأ في العام القادم.
وأشار قومان إلى أن "المواطن يعيش أغلب الشهر على المساعدات والحوالات المالية من الخارج، في وقت لا يكفيه راتبه لتغطية مصاريف الأسبوع الأول من الشهر، وهو ضمن تصنيفات الأمم المتحدة بالفقر المدقع".
وتسبب تدهور الأوضاع المعيشية ورفع النظام أسعار المحروقات، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، في تحريك احتجاجات شعبية في درعا والسويداء، جنوب سوريا، إلى جانب أصوات معارضة في الساحل السوري، نادت جميعها بإسقاط الأسد، وما تزال مستمرة حتى اليوم في السويداء.
كيف يبدو 2024؟
في وقت يتمنى السوريون أن يحمل عامهم الجديد بوادر انفراج اقتصادي، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2023، انتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة بجميع أنحاء سوريا، اعتباراً من كانون الثاني/ يناير 2024، بسبب نقص التمويل. مع استمرار دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء سوريا عبر "تدخلات طارئة أصغر وموجهة أكثر".
في المقابل، لا يبدو أن هناك ما يشير إلى إمكانية تحسن الظروف الاقتصادية "طالما أن النظام باق في السلطة ويدير اقتصاد البلاد"، من وجهة نظر قومان، لأن "الاقتصاد مرتبط بالمشرّع أو الحكومة التي تتولى إدارة الموارد والثروة".
وبدوره، استبعد شعار وجود مخرج اقتصادي لسوريا في عام 2024 من دون "حل سياسي يضمن يضمن عودة رؤوس الأموال وتنشيط الدورة الاقتصادية والبدء بإعادة الإعمار".
وبما أن "النظام رافض أي تحرك سياسي من شأنه الوصول إلى تسوية سياسية منصفة ينتج عنها رفع العقوبات وعودة رؤوس الأموال ستبقى الأمور متجهة نحو الأسوأ"، بحسب شعار.