7 دقائق قراءة

250 الف مواطن شمال حمص دون ماء بعد توقف دعم “الوكالة الأمريكية للتنمية”

لم يعد بإمكان أكثر من 250 ألف من سكان ريف […]


25 سبتمبر 2016

لم يعد بإمكان أكثر من 250 ألف من سكان ريف حمص الشمالي، الحصول على الماء، منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، بعد أن توقفت إحدى منظمات الوكالة الأمريكية للتنمية، عن تمويل مجلس محافظة حمص.

وعلقت شركة التطوير الأمريكية “كيمونكس” عملها شمال حمص، في 29 حزيران، بسبب “فقدان الثقة” في مجلس المحافظة، وذلك نظرا “للتقارير الميدانية المتعارضة” وفقا لما قاله المسؤول عن مشروع “كيمونكس”، لسوريا على طول، دون الخوض في تفاصيل أكثر. ويوفر المشروع الذي تبلغ قيمته ما يقارب الـ800 ألف دولار أمريكي، التمويل لتجهيز الدفاع المدني المحلي، وإصلاح خطوط الكهرباء، وغيرها من الأمور.

وتعد منظمة “كيمونكس” الدولية أكبر ممول لمجلس محافظة حمص منذ عام 2014، وهو الهيئة الإدارية المدنية في حمص الحرة ويشرف على الخدمات الإنسانية والطبية والمحلية. وحوصرت مناطق سيطرة الثوار منذ عام 2014 من قبل قوات النظام.

وفي حين يدعي مجلس محافظة حمص أنه لا يتحمل “على الإطلاق أية مسؤولية عن قطع المساعدات”، يعترف مسؤولو المجلس أنهم فقدوا من قبل مصادر أخرى للتمويل، بسبب الفساد الداخلي.

وتتم بعض عقود “كيمونكس” في سوريا في السنوات الاخيرة، بما في ذلك المشروع الموقوف حاليا ومدته عامين، تحت رعاية البرنامج الإقليمي لسوريا، وهي مبادرة قامت بها الوكالة الأمريكية للتنمية تقدم فيها، حسب ماقالت، “المساعدة للكيانات المدنية المعتدلة على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي”.

وقالت الوكالة الأمريكية للتنمية و”كيمونكس”، لسوريا على طول، أنها الآن في الأسبوع الثاني عشر من مراجعة قطع التمويل عن مجلس محافظة حمص. كما أن الجدول الزمني لاستئناف المساعدات لا يزال غير واضح.

اجتماع للمجلس المحلي للرستن. تصوير: الصوت السوري.

وقال مسؤول أمريكي لسوريا على طول أن “المساعدة المعلقة لمجلس محافظة حمص قيد انتظار مراجعة العديد من القضايا والتحديات التشغيلية التي نناقشها حاليا مع قيادة مجلس المحافظة”.

وقال المسؤول عن مشروع “كيمونكس”، ومقره في غازي عنتاب بتركيا، لسوريا على طول، “سنواصل تنفيذ المشاريع في المستقبل القريب، لكننا لا نعرف بالضبط متى ستم ذلك (…) لا أحد يملك إجابة على ذلك”.

وفي حين لا يعد البرنامج الإقليمي لسوريا، وعلى وجه التحديد “كيمونكس”، الممول الوحيد لمجلس محافظة حمص، إلا أنه أكبر الجهات الفردية المانحة، حسب ماقاله العديد من أعضاء المجلس، لسوريا على طول.

وفي الرستن الخاضعة لسيطرة الثوار، والتي كانت مدينة ريفية ثرية، تبعد 20 كم عن مدينة حمص،  توفر “كيمونكس” التمويل طويل الأمد للإعانات التي يحتاجها السكان بشكل أساسي في المدينة المحاصرة، ذات الـ100 ألف  نسمة.

ووفر أحد بنود، العقد المتوقف، التمويل لتوفير المياه، وتمكين مجلس المحافظة من شراء الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه، في جميع أنحاء المدن والبلدات.

وعلى أية حال، منذ توقف التمويل تدفع الأسر في مناطق شمال حمص المعارضة، حوالي 8 آلاف ليرة سورية أي (37.17$) للحصول على الماء شهريا، سواء لشراء الوقود بشكل مستقل أو لشراء المياه من صهاريج المياه المحلية باهظة الثمن.

وكان الراتب الشهري للموظف في المجلس المحلي للرستن، وهو عمل ذو أجر عال في مناطق المعارضة، 40,000 ليرة سورية (حوالي 185.83 $) قبل تعليق المساعدات.

وقال يعرب الدالي صحفي من الرستن، لسوريا على طول “هذا ببساطة غير كاف لتغطية نفقاتهم، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قيمة الليرة السورية في انخفاض، بينما ترتفع التكاليف الأساسية للمعيشة، أضعافا مضاعفة”.

وأدى عامان من القتال العنيف (2012-2014) إلى تدمير وشلل أجزاء كبيرة من البنية التحتية في الرستن. وفي أوائل عام 2014، أكملت قوات النظام الحصار على مناطق شمال حمص. ولم تدخل أي مساعدات إلى المدينة منذ أن أدخل الهلال الأحمر، الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر المواد الغذائية والإمدادات الطبية ومواد معالجة المياه في 28 تموز.

وأشار الدالي إلى أنه في ظل توقف الدعم “وصل مستوى البطالة إلى نسبة 80% في المنطقة” واصفا الوضع بأنه “مأساوي”.

انقطع التمويل بشكل كامل

وفي كانون الثاني عام 2012، شكل تحالف من الجماعات الثورية، الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوى المعارضة، لأداء الكثير من المهام، من بينها تخفيف تحديات توزيع المساعدات عبر الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا.

وفي فترة وجوده، تدرج الائتلاف (كما يطلق عليه اختصارا)  ضمن كيانات وهويات متعددة، من معارضة في المنفى كانت محط السخرية لأخذها أموال غربية وعقدها المؤتمرات في الفنادق التركية من فئة الخمس نجوم، إلى محاولة لإعادة وصفها بمعارضة شاملة تعمل داخل سوريا، ولكن مع ذلك فشلت في تحقيق ضم أكبر الحركات السورية الكردية تحت مظلتها.

وفي آذار عام 2013، أنشأ الائتلاف ما يسمى بالحكومة المؤقتة، التي تشرف على أكثر من 100 من مجالس المحافظات والمجالس المحلية في أجزاء من سوريا التي تسيطر عليها المعارضة. ومن خلال هذه الشبكة من المجالس المنتخبة يضمن الائتلاف وحكومته المؤقتة وصول الخدمات العامة الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي لأهالي تلك المناطق.

ومع تمويل الائتلاف، تمكن مجلس محافظة حمص من إدارة الخدمات العامة في جميع أنحاء الريف الشمالي في المحافظة لمدة عامين. ولكن في عام 2014 “بدأ التمويل في الانخفاض ببطء بسبب قلة الخبرة لدينا في الإدارة المالية”، وفقا لما قاله رئيس مجلس محافظة حمص، أمير عبد القادر، لسوريا على طول.

وأضاف “في نهاية المطاف، قطع التمويل عنا تماما، فمنذ منتصف عام 2014 لم نتلق أي تمويل من الائتلاف أو الحكومة المؤقتة”.

وكان مدير المشروع المحلي للمجلس، شعلان الدالي، مباشرا في كلامه، حيث قال لسوريا على طول، “انظروا، قطعت المعونات (في عام 2014) لأنه كان هناك فساد في مجلس محافظة حمص”.

وعندما طلب منه التعليق، قال متحدث باسم الحكومة المؤقتة أن خطوة تعليق المساعدات أعدت على يد الحكومة السابقة. وقال أحد المسؤولين لسوريا على طول “عليك أن تتحدث مع الحكومة السابقة، إن قطع المساعدات كان قرارهم”.

ولم تنشر حكومة عام 2014 المؤقتة أي بيان رسمي أو حتى إقرارا بإنهاء المساعدات لمجلس محافظة حمص.

وقال رئيس المجلس عبد القادر “لم نر قطرة من المساعدات من الحكومة المؤقتة منذ ذلك الحين”.

في المقابل، بدأت خزينة مجلس المحافظة بالتقلص، وكذلك حال الميزانية وتم اتخاذ تدابير التقشف وصولا الى المستوى المحلي. وتكدست أكوام القمامة، وأصبح الحصول على الكهرباء أمرا نادرا، كما بدأت أسعار الماء بالارتفاع.

وقال عبد القادر “كل ذلك انعكس بصورة سلبية على قدرة المجلس على أداء المهام الموكلة إليه”، مضيفا “فشلنا في تلبية احتياجات مواطنينا”.

وبعد انسحاب الحكومة المؤقتة، ملأ عدد من منظمات الإغاثة الدولية الفراغ.

وأدت “كيمونكس” الدولية المهمة، فمنذ عام 2013، منحت المنظمة التي تتخذ من العاصمة واشنطن مقرا لها، أكثر من 150 مليون دولار، عبر أكثر من 24 من العقود المنفصلة الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية.

وتأتي العديد من عقود “كيمونكس” من مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية للمبادرات الانتقالية (OTI)، وتحديدا البرنامج الإقليمي لسوريا.

وتدفقت مساعدات “كيمونكس” في مجلس المحافظة المضطربة حتى التاسع والعشرين من حزيران.

من جهته، قال المسؤول عن مشروع “كيمونكس” لسوريا على طول، “بدأنا نلاحظ الأخطاء والغموض  في تقارير مجلس محافظة حمص، وخصوصا فيما يتعلق بمشاريع حفر الآبار الخاصة بهم”، كما أن “التقارير التي كانوا يقدمونها لنا لم تكن مطابقة للواقع على الأرض”.

وأضاف مسؤول المشروع “حدث هذا أكثر من مرة، لذلك فقدنا الثقة في المجلس، ولهذا السبب قمنا بقطع المساعدات”.

وللمرة الثانية خلال عامين، فقد مجلس محافظة حمص خط تمويل مهم. وفي حين ينفي المجلس بشدة أي اتهامات بالفساد في عام 2016، إلا أنه يعترف بحالات سوء الإدارة العليا في بعض المشاريع.

وقال شعلان الدالي، لسوريا على طول، “لايتحمل مجلس محافظة حمص على الإطلاق أية مسؤولية عن قطع المساعدات”.

وأضاف “أجرينا تحقيقا موسعا، ولم يكن هناك أي مخالفات مالية على الإطلاق”. وأضاف “بالتأكيد كان هناك بعض الأخطاء في طريقة تنفيذ المشاريع، لكن معظمها كان إداريا، حسابات خاطئة من قبل المهندسين المشرفين على المشاريع”.

وقال عبد القادر، رئيس مجلس محافظة حمص، “هل ارتكبنا بعض الأخطاء؟ نعم، فعلنا. في بعض الأحيان، أوكلنا المشاريع لأشخاص تربطنا بهم علاقات وثيقة وهذا يتعارض مع تعيين الأشخاص المؤهلين للقيام بهذه المشاريع، لكننا دائما نعتقد أن هذه المحاباة كانت في النهاية لخير”.

وقال كل من أعضاء مجلس محافظة حمص أنهم اتخذوا تدابير عديدة بحق المهندسين ومديري المشاريع، في حين وضعوا إجراءات جديدة لرصد وتقييم المشاريع. ويقول المسؤولون انهم لم يتلقوا قرارا نهائيا من “كيمونكس” فيما يتعلق بمستقبل الشراكة مع المنظمة الإغاثية.

وإلى ذلك، قال شعلان الدالي “لقد تواصلنا مع كيمونكس، ومرة ​​أخرى، لمناقشة هذه الإصلاحات، ولكن لم نتلق أي رد نهائي”، مضيفا ان “المدنيين على الأرض هم من تضرروا بشكل أكبر من كل هذا”.

وأثناء مناقشة القضايا مع إدارة مجلس المحافظة، علقت “كيمونكس” كليا العمل على عقدها، مما يؤثر على المستويين الإقليمي والمحلي خلال “عملية المناقشة” الجارية.

وقد تستأنف “كيمونكس” عمليات المساعدات عن طريق تطويق مجلس محافظة حمص.

حيث قال المسؤول عن مشروع “كيمونكس” إنه “في المستقبل القريب، سنبدأ العمل مباشرة مع المجالس المحلية على أرض الواقع، في ريف حمص الشمالي، لتنفيذ هذه المشاريع المشتركة”.

وتم تكليف المجالس المحلية بتنفيذ الخدمات العامة والإنسانية على الأرض، في حين يشرف  مجلس محافظة حمص على توزيع التمويل وإدارة المشاريع.

وفي الأيام الأولى بعد قرار “كيمونكس”، كانت المجالس المحلية شمال حمص قادرة على الاستمرار في تقديم الخدمات العامة، عن طريق الاحتياطيات المالية المتواضعة. كما أن جمعية الأيادي البيضاء الخيرية، ومقرها تركيا، قدمت بديلا مؤقتا لمدة أسبوعين، لشراء الوقود. ومع ذلك، ينتهي هذا التمويل، المقرر لمرة واحدة، يوم الجمعة.

وقال فيصل عز، رئيس المجلس المحلي للرستن، للصوت السوري، أن خزينة المجلس المحلي للرستن لديها حاليا أقل من 25 ألف ليرة سورية (حوالي 116.70$)  لازمة لتغطية جميع تكاليف الخدمات العامة.

وأضاف عز إن “تعليق المساعدات هو أمر معيق للغاية. أصبحنا عاجزين تماما، وبشكل مفاجئ عند صدور هذا القرار، وليس بوسعنا القيام بأي شيء، في الوقت الحالي”.

و”توقف التمويل بشكل كامل، ولا يمكننا أن نوفر الخبز، أو نوفر المياه، وكما أنه لا يمكننا إدارة أي من مشاريعنا بسبب هذا الوضع”، حسب ماقاله رئيس المجلس المحلي.

ونقص تمويل “كيمونكس”، في الرستن، يعني أن المجلس المحلي غير قادر على شراء المازوت، وهو وقود رخيص، يستخدم لتشغيل البنية التحتية للمياه في المدينة.

وقال أبو محمد، مواطن في ريف حمص الشمالي، وأب لخمسة أبناء، للصوت السوري “ليس بمقدورنا شراء الخبز، ونحن غير قادرين على الحصول على المياه من الآبار”.

وأضاف “على أقل تقدير، يتعين على المجلس المحلي أن يتمكن من ضمان الحصول على هاتين المادتين”.

وقال أبو أحمد، مواطن آخر من الرستن، لسوريا على طول، “نحن لا نلوم المجلس المحلي لما حدث، هذه الحالة تقع على عاتق مجلس المحافظة وعدم قدرته على تأمين تمويل المجلس المحلي الذي نحتاجه للخدمات اليومية”.

أما الصحفي يعرب الدالي، فقال لسوريا على طول، “نحن بحاجة إلى إصلاحات شاملة في الرستن”، مضيفا “لكن لسوء الحظ، ليس لدينا دولة آمنة ومستقرة (…) ونحن لا نملك الموارد، والأهم من ذلك، ليس لدينا التمويل”.

وأضاف “كانت الأمور سيئة لبعض الوقت (…) ولكن الآن أصبح الوضع لايحتمل وازدادت الأمور سوءا”.

ترجمة: سما محمد

 

شارك هذا المقال