6 دقائق قراءة

بتجارب فردية: زراعات “غير تقليدية” تثري سلة إدلب

الفراولة والبروكلي والورد الشامي (السلطاني)، أصناف لم تألف إدلب زراعتها قبل 2011، لكن ظروف الحرب أوجدتها بعد أن نقلها اللاجئون من دول الجوار أو من محافظات سورية أخرى.


27 مايو 2024

إدلب- في بلدة بداما بريف جسر الشغورالغربي في محافظة إدلب، تنهمك العاملات بجني ثمار الفراولة (الفريز) المزروعة على مساحة 30 دونماً في أرض رامي صولاق، 38 عاماً، بعد أن استطاع تطوير هذه الزراعة الوافدة على المنطقة، التي بدأها بمساحة عشرة دونمات عام 2022.

جلب رامي زراعة الفراولة من تركيا، بعد نزوحه إلى منطقة يلداغ في ولاية هاتاي التركية، عام 2016، إثر سيطرة النظام على بلدته الواقعة في منطقة جبل التركمان شمال اللاذقية.

وفي مدينة بنش بريف إدلب الشرقي، يسعى وليد حمدان، 45 عاماً، إلى زيادة المساحة المزروعة بنبات البروكلي (القرنبيط الأسود) إلى عشرة دونمات في الموسم القادم، أي في أيلول/ سبتمبر، بعد أن زرع ثمانية دونمات من هذا الصنف في الموسم الماضي.

لا يمكن الحكم على الجدوى الاقتصادية لزراعة البروكلي من موسم واحد، لكن زراعته حققت “ربحاً أعلى وتكلفة أقل” من المزروعات الأخرى كالقرنبيط والملفوف، إذ تبلغ تكلفة زراعة الدونم الواحد 200 دولار، بينما تكلفة زراعة دونم البروكلي لم تتجاوز 50 دولاراً، كما أوضح حمدان لـ”سوريا على طول”.

الفراولة والبروكلي والورد الشامي (السلطاني) والكركم والزعفران وحبة البركة وفستق العبيد والموز أصناف لم تألف إدلب زراعتها قبل 2011، لكن ظروف الحرب أوجدت مثل هذه الزراعات في شمال غرب سوريا، المنطقة الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة، التي يقطنها أكثر من أربعة ملايين نسمة نصفهم نازحون، إذ نقلها اللاجئون من دول الجوار أو من محافظات سورية أخرى، كما قال مزارعون لـ”سوريا على طول”.

“لولا الحرب وظروف النزوح لما تعرفت على زراعة الفريز”، قال صولاق لـ”سوريا على طول”، وقبل ذلك لم يهتم أحد بهذا الصنف في منطقته المعروفة بزراعة الأشجار المثمرة، وخاصة الحمضيات.

وأرجع المهندس الزراعي موسى البكر، المقيم في إدلب، عدم وجود بعض تلك الأصناف في سوريا رغم نجاح زراعتها، إلى غياب التشجيع الحكومي، الذي كان يركز على الزراعات الاستراتيجية كالقمح والحبوب، إضافة إلى الزراعات المنتجة للمواد الخام مثل الشوندر السكري والقطن، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

“هذه المحاصيل ليست من المحاصيل الرئيسية لدى المزارعين” في شمال غرب سوريا. لذلك، لا تتوفر إحصائيات رسمية حول مساحة الأراضي المزروعة بالزراعات غير التقليدية، بحسب تمام الحمود، مدير مديرية زراعة إدلب، التابعة لحكومة الإنقاذ، لافتاً إلى أن مساحاتها لا تشكل رقماً ملحوظاً ضمن 65740 ألف هكتار صالحة للزراعة في إدلب.

وبناء على ذلك، “لا يمكن إعطاء قراءات ونتائج لهذه الزراعات، كونها دخيلة على المنطقة”، كما قال الحمود لـ”سوريا على طول”، وكذلك “لا يمكن معرفة مدى ملاءمتها للمناخ ومقاومتها للأمراض”.

تعليقاً على ذلك، قال المهندس موسى البكر، الذي يقدم برنامجاً مختصاً بالزراعات في إدلب بالتعاون مع شركة “كرييتيف” أنه بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالزعفران في إدلب خمسة دونمات عام 2023، بينما بلغت هذا العام عشرة دونمات، بينما بلغت المساحة المزروعة بالكركم في العام الماضي 500 متراً مربعاً فقط “وكانت ناجحة من حيث الإنتاج والمردود المادي”.

بحكم تجربته، رأى حمدان أن “الأصناف الجديدة يمكن زراعتها في إدلب”، خاصة عندما تتوفر المستلزمات المناسبة والإمكانيات المالية والقدرات البشرية، مشدداً على ضرورة “نشر الثقافة الزراعية الجديدة لتحقيق التنوع في المحاصيل”.

إلى جانب الزراعات الجديدة، دخلت تقنيات زراعية جديدة حملها المزارعون النازحون معهم، لا سيما الوسائل المستخدمة لإنتاج الخضروات الشتوية والباكورية كالبندورة والخيار والكوسا، من قبيل: البيوت والأنفاق البلاستيكية، وهي تقنيات مستخدمة في الساحل السوري وريف حماة، بحسب البكر.

تحديات ما بعد الإنتاج

بدأت قصة وليد حمدان مع زراعة البروكلي عندما زار مدينة غازي عنتاب التركية، في تموز/ يوليو 2023، بغرض العلاج من مرض لم يفصح عنه. أثناء زيارته تجول في الصيدليات الزراعية هناك بحثاً عن بذور يمكن زراعتها بعد عودته، فاشترى ظرفاً لبذار البروكلي بـ100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات ونصف الدولار تقريباً) لتجربة زراعته.

في أيلول/ سبتمبر 2023، زرع حمدان البروكلي في مساحة لا تزيد عن 50 متراً مربعاً في مساكب تكثيفية، بعد أن بحث عن طريقة زراعته عبر الانترنت مع استشارة مهندس زراعي. “تفاجأت بكمية الشتول الكبيرة، فقررت المجازفة وزرع ثمانية دونمات كنت أنوي زراعتها بالبطاطا”، كما قال.

دخلت نبات البروكلي دورة الإنتاج لدى حمدان مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وقدر نسبة النجاح بنحو 80 بالمئة، إذ أنتج الدونم الواحد أكثر من 500 كيلوغرام، لكن المشكلة كانت في تصريف المنتج في الأسواق “لأن البروكلي منتج غريب عن السوق السورية، والسؤال الأول عند الناس ما هذا؟ ويتعجبون من كونه قرنبيط أخضر!”، وفقاً لحمدان.

لتسويق المنتج، وزع حمدان من 200 إلى 300 كيلوغرام من البروكلي في محلات الخضار والفواكه بإدلب “بسعر تشجيعي، بلغ نصف دولار للحبة”، وأرسل كميات إلى أعزاز وجرابلس في ريف حلب الشمالي، وهكذا “تدريجياً بدأ الناس يتقبلون هذا المنتج ويطلبونه”.

بعد نجاح البروكلي، اشترى حمدان هذا العام بذور نبتة جديدة من تركيا بهدف تجربة زراعتها في إدلب، لكنه تحفظ على ذكر اسمها، مكتفياً بالقول: “هي نبتة لم تزرع في سوريا من قبل”.

ومن المزروعات التي أوجدتها ظروف الحرب والنزوح إلى إدلب الورد الجوري (الدمشقي)، بحسب حسام العبد، 35 عاماً، مزارع من بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، مشيراً إلى أنه لم يسمع بزراعة هذا الصنف قبل عام 2018، لولا أن مهجراً من منطقة القلمون بريف دمشق نقل معه مئة عود إلى البلدة وزرعها في مكان نزوحه.

في عام 2021، زرع العبد “الورد الدمشقي” بين أشجار الزيتون على مساحة ثلاثة دونمات، وهي المرة الأولى التي يزرعها، شجعه على ذلك “انخفاض تكاليف زراعتها وعدم تأثيرها على أشجار أرضه، على خلاف المزروعات الأخرى كالخيار والكوسا التي تولد أمراضاً فطرية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن الزراعة الجديدة حققت له مدخولاً إضافياً “من محصول زراعته غير مألوفة في المنطقة”.

المزارع حسام العبد يتفقد الورد الجوري (الدمشقي) في أرضه ببلدة كللي في ريف إدلب الشمالي، 06/ 05/ 2024، (محمود حمزة/ سوريا على طول)

المزارع حسام العبد يتفقد الورد الجوري (الدمشقي) في أرضه ببلدة كللي في ريف إدلب الشمالي، 06/ 05/ 2024، (محمود حمزة/ سوريا على طول)

ولا تحتاج زراعة “الورد الدمشقي” لأي مستلزمات خاصة سوى غرسها في الأرض بعد إنباتها في مشاتل عادية لفترة عام كامل، وفي كانون الأول/ ديسمبر من كل عام يتم تقليمها ليبدأ الإنتاج في أيار/ مايو.

باع العبد الكيلوغرام من الورد، في موسم زراعته الأول، بسعر يتراوح بين أربعة وخمسة دولارات نتيجة الطلب عليها مقابل قلة العرض، ولكن مع انتشار هذه الزراعة وانتشار “الورد” على البسطات وفي محلات الخضراوات في الأسواق انخفض سعر الكيلو إلى نصف دولار في هذا العام.

لم يقدّر العبد نسبة أرباحه من هذه الزراعة، ولكل أي مبلغ يحصل عليه منها جيد بالنسبة له، قائلاً: “استغلال المساحة بين الأشجار أفضل من عدمها وتشكل مورد إضافي”.

في بلدة كللي لوحدها يوجد نحو 400 ألف شتلة عند 30 مزارعاً، تغطي كامل احتياجات السوق المحلي، بحسب العبد، لافتاً إلى أن المنتج يكسد في الأسواق أحياناً “نظراً لعدم وجود معمل تقطير يمكن أن يحوله إلى زيت عطري، ويقتصر استخدام المنتج كمشروب الزهورات بعد تجفيفه أو يصنع منه المربى”. لذلك، لم تتوسع زراعة “الورد الدمشقي” كما هو الحال في أصناف أخرى، بحسب ما أوضح مزارعون لـ”سوريا على طول”.

عموماً، ينقص الزرعات غير التقليدية “حملات تسويقية لتعريف الناس فيها وتوضيح فوائدها”، لا سيما أن البعض لا يعرف بعض هذه الزراعات مثل البروكلي، بحسب موسى البكر.

“تجارب فردية”

يستطيع رامي صولاق بيع إنتاج أرضه من الفراولة المنتجة في السوق المحلي بشكل كامل، كون هذا الصنف من الزراعات الجديدة في المحافظة.

في بداية القطاف، أي بمنتصف نيسان/ أبريل، يزيد الطلب على الفراولة، كونها أول فاكهة تثمر صيفاً، فيصل سعر الكيلوغرام إلى ثلاثة دولارات، بحسب صولاق، ومن ثم ينخفض سعر الكيلو إلى  1.5 أو 2 دولار، عندما تُطرح أصناف أخرى من الفواكه في السوق مثل المشمش والخوخ والدراق.

ينتج الدونم الواحد، في حال نجاح زراعته، خمسة أطنان من الفراولة، بحسب غزارة الشتلات فيه والعناية بها، وتستمر دورة إنتاجه لثلاثة أشهر، كما أوضح صولاق.

رامي صولاق يحمل صندوقين من الفراولة المزروعة في أرضه،  06/ 05/ 2024، (محمود حمزة/ سوريا على طول)

رامي صولاق يحمل صندوقين من الفراولة المزروعة في أرضه،  06/ 05/ 2024، (محمود حمزة/ سوريا على طول)

وقدر صولاق تكلفة الدونم الواحد من 1500 إلى 2000 دولار، تشمل تأمين مياه الري، حيث يتم اسْتجرارها في الغالب عبر الآبار التي تعمل على الكهرباء، إضافة إلى شبكة ري بالتنقيط وغطاء بلاستيكي فوقها، ومبيدات وأسمدة وتعشيب بشكل مستمر، ومع ذلك “أحصل على دخل جيد أكثر من زراعة الأشجار المثمرة”، وفقاً لصولاق، إذ قد تصل عائدات الدونم الواحد إلى 7500 دولار أميركي، حال نجاح الموسم، إذا ما احتسب سعر الكيلو بالقيمة الأقل مقابل إنتاج الدونم الواحد.

ويوفر صولاق ما لا يقل عن 30 فرصة عمل، وتصل أجرة العامل في اليوم الواحد إلى مئتي ليرة تركية (سبعة دولارات تقريباً) مقابل سبع ساعات عمل، “وهي فرص عمل إضافية في سوق العمل بإدلب ولا تحتاج إلى خبرات كبيرة، كالتعشيب والقطاف والتغليف”.

رغم نجاح الزراعات غير التقليدية، حتى الآن، إلا أن بعضها “لا يسد احتياجات السوق المحلي كون المساحة المزروعة قليلة”، لكن من جانب آخر وهو المهم، أنها “لا تؤثر على المحاصيل الاستراتيجية، التي تهتم حكومة الإنقاذ بزراعتها مثل البطاطا والقمح”، وفقاً لتمام الحمود.

وأضاف الحمود: غالبية المساحات المزروعة هي عبارة عن “تجارب فردية يمكن توصيفها بالزراعات البيتية أو الحدائق المنزلية”.

يخطط رامي صولاق سد احتياجات السوق المحلي في شمال غرب سوريا بفاكهة الفراولة، عبر زيادة المساحات المزروعة “ليستطيع كل فرد أكل الفريز [الفراولة] وليس ميسوري الحال فقط”.

شارك هذا المقال