5 دقائق قراءة

هيئة تحرير الشام تقمع مظاهرات إدلب بيد وتقدم تنازلات بالأخرى

بينما يواصل المتظاهرون في شمال غرب سوريا احتجاجاتهم مطالبين بإسقاط قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، تقدم الهيئة التنازلات بيد، وتقمع الاحتجاجات باليد الأخرى. 


إدلب/بريستول- هاجمت القوى الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام المتظاهرين الذين خرجوا في مدن وبلدات محافظة إدلب شمال غرب سوريا، يوم الجمعة، المطالبين بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.

في مدينتي بنش، وجسر الشغور بمحافظة إدلب، ضرب عناصر القوى الأمنية المتظاهرين بالهراوات، وأطلقوا الغاز المسيل للدموع، وواجهوا المحتجين بالمدرعات والرصاص الحي لتفريق جموعهم، وفقاً لمنشورات ومقاطع فيديو متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي. رداً على ذلك، ألقى المتظاهرون الحجارة، وأسفرت المواجهات عن إصابة العديد من المتظاهرين، إلى جانب عدد من عناصر هيئة تحرير الشام. 

نشرت الهيئة في وقت سابق  قواتها الامنية وأقامت نقاط تفتيش وحواجز على الطرق، لمنع المتظاهرين في البلدات خارج مدينة إدلب، عاصمة المحافظة، من الوصول إليها للخروج في مظاهرة مركزية، حسبما ذكرت وسائل إعلام سورية نقلا عن مصادر محلية.

كان عبد الرحمن طالب، 30 عاماً، الذي ينحدر من محافظة اللاذقية والمقيم في إدلب منذ عام 2011، مشاركاً في مظاهرة يوم الجمعة في جسر الشغور، وهو من المواظبين على الخروج في المظاهرات المناهضة لهيئة تحرير الشام منذ اندلاعها في شباط/ فبراير عندما قتل شخص في سجون الهيئة.

قبل عام، اعتقلت الهيئة عبد القادر الحكيم، وهو عنصر في “جيش الأحرار”، وبعد ضغوط من جماعته، اعترفت هيئة تحرير الشام بمقتله، مطلع العام الحالي، وكشفت مكان دفن جثمانه في غرب إدلب، حسبما ذكر فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة، مشيراً إلى أن “الفصيل أرسل قافلة عسكرية إلى هناك، وانتشل جثمة الرجل المتحللة وأخذها إلى منزل عائلته”.

“تبين أنَّه تعرض للتعذيب… وهذا أجَّج الكثير من المشاعر السيئة في المنطقة. في اليوم التالي خرجنا للاحتجاج”، قال طالب لـ”سوريا على طول”.

منذ ذلك الحين، تخرج مظاهرات ضد الهيئة في كل جمعة، يشارك فيها الرجال والنساء من كل الأعمار بالعشرات والمئات وأحياناً الآلاف، في مدن إدلب، بنش، جسر الشغور، إضافة إلى دارة عزة والأتارب بمحافظة حلب، وكلها مناطق خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام.

تنوعت مطالب المتظاهرين وشملت دعواتهم إنهاء الانتهاكات في سجون هيئة تحرير الشام، والإفراج عن المعتقلين، والإصلاحات الاقتصادية والسياسية، وكان أعلاها سقفاً المطالبة باستقالة الجولاني.

أظهرت أعمال العنف، في يوم الجمعة، جانباً واحداً من نهج مزدوج تبنته هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، التي تدعمها للتعامل مع الحراك، تمثلت بتقديم التنازلات بيد، والقمع باليد الأخرى عبر الهجمات والاعتقالات.

القمع

في 15 أيار/ مايو، أصدر الجولاني إنذاراً للمتظاهرين، يُعلمهم أنَّ مطالبهم “انحرفت عن مسارها الحقيقي”، مضيفا أن الهيئة “ستتخذ إجراءات” ضد أي شخص يسبب اضطرابات أو يحمل السلاح. وجاء تصريحه بعد خطاب ألقاه وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، خاطب فيه المتظاهرين مهدداًبالضرب بيد من حديد“.

وجاءت هذه التصريحات بعد يوم واحد من هجوم قوات هيئة تحرير الشام على اعتصام في مدينة إدلب، حيث أظهر مقطع فيديو عناصر مسلحين ملثمين يطرحون المتظاهرين أرضاً ويضربونهم بالعصي.

تعرض المتظاهرون للاعتداءات في عدة مرات، وأحياناً على يد مسلحين يرتدون ملابس مدنية، كما ظهر في بعض مقاطع الفيديو التي تم تداولها يوم الجمعة، وفق ما ذكر عبد الغني، مضيفاً أن “مجموعات الأمن تضايق الناس وتضربهم وتستهدف سياراتهم. كما لاحظنا استهداف العاملين في مجال الإعلام”.

وأصدرت رابطة الإعلاميين السوريين بياناً في 15 أيار/مايو أدانت فيه الاعتداءات والمضايقات بحق العاملين في المجال الإعلامي “خلال الأحداث الأخيرة في إدلب… من قبل بعض العناصر الأمنية وأشخاص يُفترض أنهم معروفون لدى السلطات المسيطرة على المنطقة”.  

في الخامس من أيار/ مايو، تعرض طالب للاعتداء من قبل قوات الأمن التابعة للهيئة في أريحا إثر ذهابه مع عدة أشخاص آخرين إلى مركز للشرطة للمطالبة بالإفراج عن شخص محتجز لدى الفصيل. وذكر في مقطع فيديو نُشِر على فيسبوك آنذاك، أنّ نحو 17 عنصر ضربوه بقبضاتهم وأخمص بنادقهم بعد رفضه المغادرة.

في حين قادت الاحتجاجات بالمجمل جماعات المجتمع المدني السلمية، إلا أنه تم اختراق بعضها من قبل مجموعات لها أهدافها الخاصة، مثل حزب التحرير.

وفي ذلك، قال عبد الغني: “الحراك المناهض لهيئة تحرير الشام غير منظم … وهذا سهلَّ على [حزب التحرير] دخول الحراك بأجندته الخاصة… كما تم تصعيد الأمور من قبل مسؤولين سابقين في حكومة هيئة تحرير الشام، ربما لتحقيق مكاسب شخصية”، وفقاً له.

اقتيد أعضاء حزب التحرير، وهو حزب سياسي إسلامي معارض لهيئة تحرير الشام، وألقي القبض عليهم جماعياً من قبل هيئة تحرير الشام، الفصيل المتشدد، في أواخر العام الماضي.

الإصلاحات

في آذار/ مارس، وافقت هيئة تحرير الشام على عدد من الإصلاحات، أي بعد أسابيع من الاحتجاجات، وشملت هذه التدابير إصدار عفو عام عن سجناء معينين، وتشكيل مديرية أمن عام جديدة، واعدةً  بإجراء انتخابات لمجلس الشورى العام، وتخفيض رسوم البناء.

اعتُمِدت الإصلاحات “من أجل تأسيس مرحلة جديدة” في المنطقة، كما قال جمال الشحود، مدير العلاقات العامة في رئاسة مجلس الوزراء في حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، لـ”سوريا على طول”.

ولفت الشحود إلى أنَّ مديرية الأمن العام الجديدة “ستؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على الأمن والسلامة في المنطقة”، موضحاً أن “تركيزها الأكبر سيكون على محاربة خلايا النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية وكل ما قد يخل بالأمن العام”.

وقال إن الوزارة بدأت في الاجتماع مع عائلات المعتقلين للاستماع إلى مخاوفهم، وتقوم  بعقد ورش عمل مع المجتمع المدني، بهدف “إعادة تفعيل المجالس المحلية”.

وقال عصام الخليف، رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشورى العام، إن اللجنة تشكلت بعد مناقشات مع نشطاء وقادة محليين، مبيناً أنَّ “مهمة اللجنة هي انتخاب ممثلين مستحقين لمجلس الشورى العام عبر انتخابات نزيهة وبشفافية تامة”.

تعمل المديرية الجديدة على إعداد قانون انتخابي، وتهدف إلى تنصيب ممثل واحد عن كل 35 ألف شخص، بحسب ما ذكر الخليف، لافتاً إلى أنَّه “يمكن للجميع التصويت واختيار ممثليهم مباشرة”.

مطالب لم تتحقق

لم تتمكن الإصلاحات من تهدئة غضب المحتجين. و قال زاهر أبو حسن، 34 عاماً، صحفي وناشط  في إدلب، إن المعتقلين الذين أفرجت عنهم هيئة تحرير الشام “ليسوا هم المعتقلين الذين طالبنا بهم”. إضافة إلى هذا “يطالب الحراك بالكشف عن مصير المفقودين، لكنهم لم يبينوا ذلك”. 

“لجأت السلطات إلى الالتفاف على مطالب المتظاهرين والتحايل عليها”، قال عبد الغني من الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مشيراً إلى أنهم “أفرجوا عن معتقلين مدانين بقضايا جنائية، لكنهم لم يفرجوا عن أي شخص ذي صلة بالحراك”. كما قامت الهيئة بالإفراج أيضاً عن العديد من أعضاء حزب التحرير، بحسب ما ذكر.

باستمرار تطفو إلى العلن  تقارير عن الاعتقال التعسفي والتعذيب والانتهاكات المرتكبة في زنازين هيئة تحرير الشام. هذا وقد أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره المملكة المتحدة عن إعدام ما لا يقل عن 13 شخصاً تحت التعذيب منذ بداية عام 2024.

اعتقلت هيئة تحرير الشام تسعة أشخاص تعسفياً، في آذار/ مارس ، وفقا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأخفت قسرياً 186 شخصا العام الماضي، ما يعني أن أماكن وجودهم وأوضاعهم ما تزال مجهولة، ولم تصدر السلطات أي توثيق رسمي عن حالتهم.

“الجزء الأكثر أهمية في هذا الحراك هو إبقاء الأمل”، بحسب أبو حسن، قائلاً: “تشجع العديد من المتظاهرين بسبب الزخم المستمر للحراك والمكاسب الصغيرة التي تم تحقيقها إلى الآن”. 

“الاحتجاجات هي محاولة لإنهاء الطغيان والاستبداد في المنطقة، بحسب أبو حسن، مضيفاً: “أحيا هذا الحراك الأمل. حتى إن لم تتحقق جميع مطالبنا فإننا نعبر عن رأينا، وهذا بالنسبة لي يمثل انتصاراً للحراك”. 

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال