7 دقائق قراءة

لبنان: آلاف السوريين يواجهون الطرد من منازلهم في إطار حملات القمع ضدهم

تم إجلاء مئات السوريين من منازلهم ويترقب الآلاف المصير ذاته في ظل حملة السلطات اللبنانية ضدهم. منذ مطلع 2024 أعيد نحو 1,306 أفراد وعائلات مقارنة بـ 78 في 2023.


16 مايو 2024

جونيه/كوبّا- “نحن تعساء هنا، الحكومة والشعب يكرهوننا”، قال باسل حسين البطوش، 35 عاماً، لـ”سوريا على طول” من شقته بمدينة جونيه الساحلية في لبنان، وهي عبارة عن غرفة صغيرة، الشقوق تخطّ جدرانها، ولا تتسع لعائلته المكونة من ثمانية أفراد، لذا يضطر ثلاثة من أطفاله النوم في أرض المطبخ.

ومع ذلك، يرى في الشقة الخيار الأفضل، بعد أن أخرجته الشرطة البلدية مع عائلته من المنزل، الذي أقاموا فيه لأربع سنوات، في إطار حملة القمع التي تشنها السلطات اللبنانية ضد السوريين، طردت خلالها البلديات في أنحاء البلاد أكثر من ألف سوري، مثل  البطوش، من منازلهم. 

فرَّ البطوش إلى لبنان، عام 2016، قادماً من محافظة إدلب شمال غرب سوريا. في بادئ الأمر، عاش مع زوجته وأطفاله بمدينة زحلة في محافظة البقاع، وهي مدينة بين سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، ومن ثم انتقل إلى مجمع سكني في جونيه.

 في الرابع من نيسان/ أبريل، أصدرت شرطة جونيه الإنذار الآخير بإخلاء المبنى السكني، الذي تسكنه عائلة البطوش، خلال 48 ساعة بذريعة عدم حيازتهم على أوراق إقامة قانونية، وفقاً لمركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، منظمة حقوقية مقرها في بيروت وباريس، لكن حتى من لديهم إقامات قانونية شملتهم عملية الإجلاء “دون وجود استثناءات”، بحسب المركز.

الغالبية العظمى، أي نحو  83 بالمئة، من اللاجئين السوريين في لبنان البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، لا يحملون أوراق إقامة سارية المفعول، وقلة فقط من يحملونها بما فيهم البطوش، إذ حصل عليها من خلال مديره، الذي كفله ليعمل سائق توصيل طلبات في مطعم.

ومع ذلك، عندما جاءت الشرطة في العاشر من نيسان/ أبريل، غادرت عائلة البطوش مع نحو 60 عائلة سورية أخرى تعيش في المجمع، بحسب قوله، لأن المبنى الذي يعيش فيه “غير مسجل” وعليهم جميعاً أن يغادروا، كما قال له ضباط الشرطة.

في مجمع البطوش السكني، كان هناك مبنيين، أحدهما كان يسكنه سوريون فقط بينما يضم الآخر عائلات سورية ولبنانية. وعندما زارت “سوريا على طول” المجمع هذا الشهر، بدا أن أحد المبنيين لم يتم إخلاؤه بالكامل، ورجح البطوش بقاء بعض جيرانه اللبنانيين فيه.

بعد إخلاء مبنى البطوش في  العاشر من نيسان/ أبريل، رُحِلَّ تسعة وعشرين رجلاً إلى سوريا، ولم يُسمع أي أخبار عن بعضهم بعد مرور أسابيع، كما أفادت وكالة أسوشيتد برس  في الثالث من أيار/ مايو، لكن البطوش لم يسمع شخصياً بعمليات الترحيل.

منذ مطلع عام 2024 حتى الآن، رحلَّ لبنان 433 لاجئاً سورياً واعتقل تعسفياً 685 آخرين، وفقاً لأرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مركز وصول لحقوق الإنسان، وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن هذه الأرقام هي للحالات الموثقة فقط، مقدرة أن يكون عدد المرحلين هذا العام بنحو ألف سوري.

كما استأنف لبنان حملة الترويج لـ”العودة الطوعية” للاجئين السوريين. يوم الثلاثاء، الموافق 14 أيار/ مايو الحالي، عبر أكثر من 300 لاجئ الحدود عائدين إلى سوريا في أول قافلة “عودة طوعية” تم تنظيمها منذ عام 2022.

قال باسل حسين البطوش أنَّ شقته الجديدة بحاجة إلى إصلاحات كثيرة لا يستطيع تحمل تكاليفها، 09/  05/ 2024 (هانا ديفيس/سوريا على طول)

قال باسل حسين البطوش أنَّ شقته الجديدة بحاجة إلى إصلاحات كثيرة لا يستطيع تحمل تكاليفها، 09/  05/ 2024 (هانا ديفيس/سوريا على طول)

بقيت عائلتان فقط من العائلات التي أخلت المجمع السكني في جونيه، بحسب البطوش، لافتاً إلى أن مغادرة المنطقة تعني إيجاد عمل جديد، وإعادة تسجيل أطفاله في مدرسة أخرى، لذلك رغم أنَّه يدفع إيجار الشقة المتهالكة ثلاثة أضعاف ما كان يدفعه سابقاً يعتزم البقاء فيها، وهو بالكاد يتدبر أموره، ويكابد الأمرين لتأمين تكاليف الغذاء والدواء والملابس لأطفاله الستة.

“من أكثر التحديات إلحاحاً”

منذ نيسان/ أبريل، عندما تأججت المشاعر المعادية للسوريين في أعقاب مقتل باسكال سليمان، وهو عضو في حزب سياسي مسيحي يميني، أوعزت الحكومة اللبنانية إلى البلديات بتشديد الرقابة على السكان السوريين الموجودين في كنفها. 

اقرأ أكثر: سجناء في بيوتهم: الخوف يلازم السوريين بعد تجدد العنف ضدهم في لبنان

أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية في 30 نيسان/ أبريل أنَّها أوعزت إلى البلديات لإجراء مسح للسوريين وتسجيلهم. كما وجهت إليهم أوامر بمنع تأجير العقارات لغير المسجلين أو المخالفين لنظام الإقامة. 

لم تكتف العديد من البلديات بالأوامر المفروضة، وإنما أصدرت مجموعات خاصة بها من القيود على السوريين، فمنعت التجمعات، وفرضت حظر التجول، وأغلقت المحلات التجارية التي يديرها سوريون، وأجلت السكان السوريين من مساكنهم.

“عمليات الإخلاء حالياً هي واحدة من أكثر التحديات إلحاحاً بالنسبة للاجئين السوريين”، كما قال محمد حسن، مدير مركز وصول لحقوق الإنسان، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن المركز وثق منذ مطلع العام الحالي حتى الآن 1,306 عمليات إجلاء أفراد وعائلات سورية من منازلهم، مقارنة بـ78 حالة إجلاء فقط العام الماضي.

وأضاف حسن: “إن الهجمات التمييزية على أماكن عمل [السوريين] ومناطقهم السكنية غير مسبوقة… في العديد من المناطق، طُلِب من اللاجئين مغادرة المنطقة سواء كانوا [مقيمين] قانونيين أم لا”.

حدثت معظم عمليات الإخلاء الأخيرة في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، واستهدفت السوريين “الأكثروضوحاً للعيان والأكثر انفرادية”، مثل أولئك الذين لديهم عائلات، أو الذين لا يعملون مع أرباب عمل لبنانيين، كما قالت باحثة في معهد أبحاث سينابس، مقره بيروت، لـ”سوريا على طول”، طالبة عدم الكشف عن هويتها بسبب الحساسية الحالية للقضايا المتعلقة بالسوريين في لبنان.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن القيود المفروضة على السوريين فيما يتعلق بالسكن، كانت “طور الإعداد”، حتى قبل حملة القمع الآخيرة، بحسب ما أوضحت الباحثة، مشيرة إلى أن معظم القيود بدأت تترسخ مع الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا عام 2020، “بدأ فرض القيود في المخيمات، ومن ثم شيئاً فشيئاً، بدأت البلديات في وضع قواعد أكثر صرامة على السكان”.

واليوم “في ظل الظروف الحالية، سيتلقى مئات الآلاف من السوريين إنذارات بالإخلاء ما لم يجددوا وثائقهم ويصبحوا “قانونيين”، بحسب حسن من مركز وصول لحقوق الإنسان، مبيناً استحالة ذلك، لأن الأمن العام اللبناني، الجهاز المسؤول عن تنفيذ قوانين الهجرة، لا يجدد وثائق السوريين. 

“قرابة 90 بالمئة من اللاجئين لا يملكون وثائق سارية المفعول، ما يعني أن الغالبية سيواجهون خطر الإخلاء”، وفقاً لحسن.

الخوف من الإجلاء والترحيل

سرى الخوف في أوساط مجتمع زراعي صغير من العائلات السورية بقرية كوبّا اللبنانية في محافظة الشمال، بعد أن جاءت الشرطة البلدية  في صباح 13 أيار/ مايو، وأمهلتهم أسبوعين لمغادرة المكان.

هذه هي المرة الثالثة التي تأتي بها الشرطة إلى أبواب منازل العائلات السورية منذ 25 نيسان/ أبريل. في المرتين السابقتين، سجلوا أسماء السوريين وأوضاعهم القانونية في لبنان، بحسب ما قال الأهالي لـ”سوريا على طول”.

عابد، ابن عبير البالغ من العمر 17 عاماً، يمشي في حقل  بقرية كوبّا  شمال شرقي لبنان، 03/  05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

عابد، ابن عبير البالغ من العمر 17 عاماً، يمشي في حقل  بقرية كوبّا  شمال شرقي لبنان، 03/  05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

 بعد أن قدمت القهوة العربية في منزلها بقرية كوبّا، عبّرت عبير، 43 عاماً، عن الخوف “الشديد” من أن تجبرها الشرطة على الخروج مع عائلتها من المنزل، قائلة: “لا نعلم أين نذهب. ليس لدينا مكان آخر، ومنزلنا في سوريا مدمّر”.

فرَّت عبير من ريف حلب إلى لبنان في عام 2016 مع زوجها وأطفالها الثمانية، وهم يقيمون في كوبّا منذ ثمانية أعوام، حيث يعمل زوجها في زراعة البندورة وغيرها من الخضروات، كما قالت لـ”سوريا على طول”، طالبة ذكر اسمها الأول فقط.

عائلة عبير واحدة من أصل 100 عائلة سورية في قرية كوبّا، كما قالت السيدة، ومعظمهم يقيمون في القرية منذ سنوات. 

 لم  تسجل عائلة عبير في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولا تملك إقامة قانونية،  كونها وصلت إلى لبنان بعد عام 2015، أي عندما توقفت المفوضية عن تسجيل السوريين في البلد بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية.

خلال الشهر الماضي، أصبح الوضع “صارماً وقاسياً جداً”، قالت عبير، مشيرة إلى أن ابنها عابد، البالغ 17 عاماً، توقف عن حضور دروس اللغة الإنجليزية في طرابلس، على بعد نحو 30 دقيقة بالسيارة شمال كوبّا، خشية أن توقفه السلطات، وأضافت: “في هذه الفترة، صرت أخاف. ليس معي أوراق”. 

من أصل 331 لاجئ سوري في لبنان أُجريت مقابلات معهم بين 26 نيسان/ أبريل و3 أيار/ مايو، قال 87 بالمئة منهم أن أمنهم وسلامهم في لبنان “تدهور بشدة” خلال الشهرين الماضيين، وفقاً لموجز سياسات مشترك لمركز وصول لحقوق الإنسان ومجموعات حقوقية دولية أخرى، زُوِدت به سوريا على طول. 

وأعرب 79 بالمئة من المشاركين في الاستبيان عن خوف “شديد” من الترحيل خلال الثلاثة أشهر القادمة، وفي هذا زيادة ملحوظة عن استبيان سابق أُجري بين حزيران/ يونيو وتموز/يوليو عام 2023، وكانت نسبة السوريين الذين أبلغوا عن خوفهم من الترحيل 55 بالمئة.

عابد، 17 عاماً، يُقلِّب صفحات كتابه الإنجليزي في منزله بقرية كوبّا. توقف عن حضور دروس اللغة الإنجليزية في طرابلس المجاورة خشية اعتقاله وترحيله أثناء ذهابه، 03/ 05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

عابد، 17 عاماً، يُقلِّب صفحات كتابه الإنجليزي في منزله بقرية كوبّا. توقف عن حضور دروس اللغة الإنجليزية في طرابلس المجاورة خشية اعتقاله وترحيله أثناء ذهابه، 03/ 05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

جلس عبد الرحمن محمد علي، 41 عاماً، أحد جيران عبير في منزلها لاحتساء فنجان قهوة، وأثناء جلوسه أعرب لـ”سوريا على طول” عن استيائه وإحباطه من القيود المفروضة، بما فيها حظر التجوال الذي فرضته البلدية بنهاية نيسان/أبريل، يُلزم السوريين بالبقاء في المنزل بعد الساعة الثامنة مساءً، قائلاً: “نحن [نعامل] كالدجاج… ألسنا بشر؟ أليس من حقنا أن نخرج ونعود؟ يٌدخلوننا ويُخرجوننا كالدجاج”. 

“أين يريدوننا أن نذهب؟”

عند إجراء “سوريا على طول” المقابلة مع باسل البطوش، في التاسع من أيار/ مايو الحالي، كان هناك حراك مناهض للاجئين في العاصمة اللبنانية.

تجمع مئات من مناصري “التيار الوطني الحر”، حزب مسيحي سياسي لبناني وسط بيروت احتجاجاً على وجود اللاجئين السوريين والصفقة المبرمة مؤخراً مع الاتحاد الأوروبي، التي تشمل حزمة مساعدات للبنان. رفع المتظاهرون شعارات من قبيل: “لبنان للبناني مش لشعب تاني”، “لبنان مش للبيع”، وغيرها من الشعارات المتعصبة للوطن والمعادية للسوريين.  

قال البطوش: “ينظمون احتجاجاً لإجبار السوريين على المغادرة، ولكن إلى أين يريدوننا أن نذهب؟”، لا سيما أن منزل عائلته في إدلب مدمر، ويخشون العودة بسبب القصف والاشتباكات التي تندلع بين فترة وأخرى.

بحثاً عن مخرج، يشرع السوريون برحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى قبرص. انطلق 59 قارباً خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير إلى 17 نيسان/ أبريل، تحمل على متنها 3,191 راكبا من لبنان، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

حاول البطوش الوصول إلى قبرص عبر القارب انطلاقاً من لبنان مرتين: واحدة قبل ثلاثة أشهر، وواحدة في العام الماضي. 

“[نحن] السوريون نريد أن نغادر لبنان، ولكن لا يمكننا الذهاب إلى سوريا”، قال البطوش، مستأنفاً “بنغلادش، سيرلانكا، إثيوبيا…أي بلد ولكن ليس سوريا”.

تم  نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال