8 دقائق قراءة

الاتفاق الأوروبي اللبناني يشعل حملة تصعيد ضد اللاجئين السوريين

أثارت حزمة مساعدات، بقيمة مليار يورو، مقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى لبنان للحد من الهجرة، ضجة في البلد وحملة قمع ضد اللاجئين السوريين، ما أثار مخاوف عند مناصري حقوق الإنسان من أنها ستدفع إلى مزيد من الهجرة.


23 مايو 2024

بيروت- أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو مقدمة إلى لبنان، بهدف الحد من الهجرة غير النظامية، ما أعطى الضوء الأخضر لحملة “غير مسبوقة” ضد اللاجئين السوريين في البلد المطل على البحر المتوسط، بحسب مناصرين لحقوق الإنسان، محذرين من أن الضغط المتزايد وعمليات ترحيل اللاجئين ستدفع المزيد للمخاطرة بحياتهم للوصول إلى أوروبا.

في الثاني من أيار/ مايو، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن تقديم الاتحاد الأوروبي مساعدة مالية للبنان بقيمة مليار يورو حتى عام 2027، تتضمن 736 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين و”الفئات الضعيفة” الأخرى في لبنان، و200 مليون يورو لمساندة الأجهزة الأمنية اللبنانية في ضبط حدودها والحد من الهجرة.

في الثامن من أيار/ مايو، وفي غضون أقل من أسبوع على إعلان “فون دير لاين” عن المساعدة، أعلنت المديرية العامة للأمن العام في لبنان -الجهة المسؤولة عن إنفاذ قوانين الهجرة- عن حملة على مستوى البلاد لإنهاء الوجود السوري “غير الشرعي” للمقيمين على أراضيها من دون أوراق إقامة، علماً أن عدم حيازة معظم السوريين في لبنان على أوراق إقامة قانونية سببه إجراءات التجديد الصارمة.

أوعزت المديرية العامة للأمن العام بإغلاق المؤسسات أو المحال “المخالفة” التي يديرها أو يستثمرها سوريون، وطلبت من المواطنين اللبنانيين عدم “تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن” لسوريين من دون أوراق إقامة، إضافة إلى توجيهات أخرى. كما استأنف لبنان حملة “العودة الطوعية” التي نظمها سابقاً، وسط إدانة جماعات حقوق الإنسان لهذه الإجراءات. 

“أثارت زيارة فون دير لاين حملة كراهية غير مسبوقة ضد السوريين، لم يشهدها لبنان على مدار 12 عاماً”، كما قال وديع الأسمر، رئيس شبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان والمركز اللبناني لحقوق الإنسان (CLDH) لـ سوريا على طول.

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين على مستوى العالم، بالنسبة للفرد الواحد والكثافة في الكيلومتر المربع.  تقدر الحكومة أن نحو 1.5 مليون لاجئ سوري  يقيمون في البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 5.2 مليون نسمة تقريباً.

كان التوتر والعداء تجاه اللاجئين السوريين في لبنان متأجج أصلاً بعد اغتيال باسكال سليمان، عضو في حزب مسيحي يميني، في نيسان/ أبريل الماضي، لكن إدراج المساعدات الأوربية للسوريين في حزمة المساعدات المعلن عنها أثار ضجة في أوساط العديد من الأحزاب السياسية اللبنانية، التي قالت أن الاتحاد الأوروبي “يدفع رشوة” إلى لبنان لإبقاء السوريين غير المرغوب فيهم”.

اقرأ أكثر: سجناء في بيوتهم: الخوف يلازم السوريين بعد تجدد العنف ضدهم في لبنان

“مدفوعة بمخاوف انتخابية”

زيارة “فون دير لاين” ذات المستوى الرفيع والإعلان الصحفي عن أحدث حزمة المساعدات، لا تختلف كثيراً عمَّا قدَّمه الاتحاد الأوروبي للبنان في السنوات السابقة، بحسب الأسمر، الذي له تواصل مع صناع سياسات ومسؤولين أوروبيين.

منذ عام 2011، ضخَّ الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاثة مليارات يورو في لبنان، وكان هذا التمويل موجهاً بشكل رئيسي لمواجهة تداعيات الأزمة السورية. غير أن الفارق الوحيد الملحوظ في إعلان المساعدات الأوروبية، المعلن عنها في الثاني من أيار/ مايو، أنه يشير إلى التزام صريح بتعزيز الأجهزة الأمنية في لبنان لوقف الهجرة، وفقاً للأسمر.

تركيز رئيسة المفوضية الأوروبية على الهجرة في الإعلان ينمّ عن مخاوف سياسية داخل الاتحاد الأوروبي. الهجرة هي قضية مركزية في الانتخابات الأوروبية القادمة المزمع إجراؤها في السادس من حزيران/ يونيو، التي تسعى فيها “فون دير لاين” إلى الفوز بالرئاسة لولاية ثانية.

“غالباً ما يُشار إلى الهجرة كإحدى أولويات المقترعين في الانتخابات، فلاشك أن فون دير لاين لديها حافز لتحقيق أجندة الاتحاد الأوروبي”، بحسب لوكاس راش، متخصص في مواضيع الهجرة في ميزريور (Misereor)، منظمة ألمانية غير حكومية تعمل في التعاون الإنمائي. 

“بصرف النظر عن مدى نف هذه الاتفاقيات، فهي طريقة للإشارة إلى أننا نهتم بهذه القضايا”، أضاف راش، الذي درس مسارات الهجرة إلى أوروبا.

وقبل الانتخابات أيضاً، اعتمد المجلس الأوروبي في 14 أيار/ مايو، تعديلاً تاريخياً لسياساته في الهجرة واللجوء، سيفضي إلى تشديد إجراءات ضبط الحدود وضمان تقاسم الأعباء بين الدول الأعضاء. ويرى النقاد إن الاتفاق يهدف إلى إبعاد الناس عن أوروبا وينتهك حقوق اللاجئين في طلب اللجوء.

“اتفاقية الاتحاد الأوروبي ولبنان هي سياسة مدفوعة بمخاوف انتخابية في الفترة التي تسبق الانتخابات. إنها منفصلة كلياً عن الواقع القاسي على الأرض [في لبنان]”، كما قال ويليام ستايس، مسؤول سياسات الشرق الأوسط في منظمة المجتمع المدني 11.11.11 و مقرها بلجيكا لـ”سوريا على طول”.

و”أعطت زيارة فون دير لاين الضوء الأخضر لتصعيد ضخم لم يسبق له مثيل [ضد السوريين]، وتبعها على الفور إعلان من الأمن العام يضع مئات آلاف الأشخاص في خطر الترحيل الوشيك.”، بحسب ستايس.

الدفع نحو الهجرة

انتقد ستايس ضخ الاتحاد الأوروبي الموارد إلى أحد أكثر الجهات دفعاً للسوريين إلى الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، وهي القوات الأمنية اللبنانية.

في عام 2023، رحلَّ الجيش اللبناني آلاف السوريين إلى سوريا منتهكاً القانون اللبناني والتزاماته الحقوقية الدولية التي تعهَّد بهاد. في عام 2024، تم ترحيل أكثر من 1000 سوري حتى الآن، بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان، منظمة حقوقية مقرها في بيروت وباريس. 

وبذلك، هم لا يعملون على تقليل عدد المهاجرين وإنما يسوقون آلاف السوريين الآخرين، من خلال التهديد بالترحيل، إلى المخاطرة بحياتهم للهروب وصولاً إلى أوروبا. 

حذَّرت خمس منظمات حقوقية دولية، بما في ذلك مركز وصول لحقوق الإنسان، في موجز سياسي مشترك حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه، من أنَّ “تقديم الدعم المالي للأجهزة الأمنية اللبنانية تحت ستار” إدارة الهجرة “والهدف المعلن هو الحد من حركات الهجرة إلى أوروبا، يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد السوريين الذين يحاولون الوصول إلى شواطئ أوروبا، والمزيد من اللاجئين الذين يغرقون في البحر الأبيض المتوسط وتكثيف أنشطة شبكات التهريب”.   

اقرأ أكثر: موت في طريق النجاة: آلاف السوريون يبحرون إلى قبرص وسط مساعي الأخيرة للحد من الهجرة

أجرت المنظمات الحقوقية الخمس، بين 26 نيسان/أبريل والثالث من أيار/ مايو، مقابلات مع 331 لاجئاً سورياً في لبنان، أشار 88 بالمئة منهم إلى أن الوضع الأمني المتدهور للاجئين السوريين وزيادة عمليات الترحيل أثَّرا على قرارهم بمغادرة لبنان إلى أوروبا.

“في النهاية، أي سياسة أو اتفاقية لا تنجح في التوصل إلى نوع من المقايضة مع الحكومة اللبنانية لوقف عمليات الترحيل القسري مصيرها الفشل”، بحسب ستايس.

“لا يمكنني أن أعيش في لبنان أو سوريا”

الخوف من الترحيل إلى سوريا وتشديد السلطات اللبنانية الخناق على اللاجئين في الأشهر الأخيرة، لم يترك أمام عبد الرحمن محمد علي، 41 عاماً، أي خيار آخر سوى محاولة مغادرة لبنان بالقارب مع زوجته وأطفاله الخمسة، كما قال.

“لا يمكنني أن أعيش في لبنان أو سوريا. في لبنان للأسف، لا مستقبل لأطفالي، ولا أمان في سوريا”، قال علي، الذي فرَّ من ريف حلب إلى لبنان في عام  2014، لـ”سوريا على طول”.

عبد الرحمن محمد علي، 41 عاما، يعرض محادثة واتساب بينه وبين مهرب يعلن عن رحلات إلى أوروبا، 03/ 05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

عبد الرحمن محمد علي، 41 عاما، يعرض محادثة واتساب بينه وبين مهرب يعلن عن رحلات إلى أوروبا، 03/ 05/ 2024 (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، داهم عناصر الأمن العام منزل علي فجراً، واقتادوه إلى الحدود اللبنانية السورية. بقي في حلب ما ينيف عن شهر إلى أن وجد مُهرِّبا دفع له 300 دولار ليعيده إلى لبنان بشكل غير قانوني، بحسب قوله.

أجرى مركز وصول مقابلات مع 299 من السوريين الُمرَّحلين في العام الماضي، الذين عاد معظمهم مرة أخرى إلى لبنان عبر التهريب، كما قال محمد حسن، المدير التنفيذي للمركز لـ”سوريا على طول”، وانقطعت أخبار بعض المرَّحلين بمجرد وصولهم إلى سوريا، وهناك مخاوف لدى مركز وصول لحقوق الإنسان من “تعرضهم للاعتقال أو ما هو أسوأ”.

“يلاحظ مركز وصول لحقوق الإنسان تكرار نفس النمط في عام 2024، ما يظهر عدم فعالية وعدم استدامة سياسة الترحيل القسري”، كما أضاف حسن.

منذ عودته إلى لبنان في الثاني من كانون الثاني/ يناير، حاول علي أربع مرات التوجه إلى قبرص بالقارب، منفقاً 5200 دولار، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل إما بسبب أمواج البحر العاتية، أو لعطل المركب، أو إرجاع الجيش اللبناني للقارب، وكل هذا لم يثنه عن المحاولة فيما بعد.

في الأسبوع الماضي، أخطرت الشرطة البلدية السوريين الموجودين في قرية كوبّا بضرورة مغادرة منازلهم في غضون 15 يوماً. خشية الترحيل إلى سوريا مجدداً، يعتزم علي ركوب البحر في غضون أيام، للمرة الخامسة، ولكن باتجاه إيطاليا.

اقرأ أكثر: لبنان: آلاف السوريين يواجهون الطرد من منازلهم في إطار حملات القمع ضدهم

“لا تغير هذه الاتفاقيات شيئاً من عزيمة الناس على الخروج من وضع مزري يعيشونه”، قال راش، مضيفاً: “سيعثر الناس على طرق جديدة، إن أغلقت الحدود أو فرضت إجراءات أصعب على العبور، والطرق الجديدة غالباً ستكون أصعب وأخطر وأكثر تكلفة”.

اتفاقات خطيرة

تكاد تكون صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان نسخة طبق الأصل عن اتفاقيات الهجرة الأخيرة، التي تهدف إلى مساندة قوى الأمن في دول أخرى للحد من الهجرة، مثال ذلك الاتفاقيات التي أجريت مؤخراً مع مصر وتونس وموريتانيا، وقد انتُقِدت هذه الاتفاقيات لأنها غضت الطرف عن الأسباب الجذرية للهجرة وحماية حقوق الإنسان.

“هذه كلها اتفاقيات خطيرة، ستؤدي إلى تزايد العنف ضد اللاجئين، وإلى تزايد الهجرة غير النظامية نحو أوروبا”، قال ستايس.

في عام 2016، مع توافد أعداد متزايدة من السوريين إلى أوروبا، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقاً تاريخياً مع تركيا لتقييد عدد طالبي اللجوء. ووضع الاتفاق نموذجاً لاتفاقيات الاتحاد الأوروبي المستقبلية، يعهد إلى الدول المجاورة مسؤولية إدارة الهجرة الأوروبية.

وأشار ستايس إلى أن اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تركيا أدت “في أحسن أحوالها” إلى تقليص عدد مرات العبور غير النظامية إلى أوروبا على المدى القصير، إلا أنها لم تنجح في توفير أي نوع من الحلول طويلة الأمد للاجئين السوريين في تركيا. وهو ما تجلى في “العدد المهول” للسوريين الذين حاولوا الوصول إلى أوروبا عبر طريق شرق البحر الأبيض المتوسط من تركيا في عام 2023.

“تكاد تكون حقيقة مجربة ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية، مثل انعدام الأمان في الدول المضيفة والترحيل القسري، عاجلاً أو آجلاً سيحاول الناس [الهجرة] مجدداً لأنك لا تترك أمامهم خياراً آخر”، قال ستايس. 

“حلول مستدامة”

من أجل الوصول إلى اتفاق أكثر استدامة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، اقترح ستايس أن يشمل الاتفاق موافقة من لبنان على وقف عمليات الترحيل القسري وتوفير المزيد من تصاريح الإقامة القانونية والعمل للسوريين. ومقابل ذلك، يزيد الاتحاد الأوروبي من دعمه المالي وتكثيف جهود إعادة التوطين ومبادرات التعاون الاقتصادي، كما أضاف.

ورأى السوريون الذين أجريت مقابلات معهم من أجل الموجز السياسي للمنظمات، التي حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه، أنَّ زيادة فرص إعادة التوطين، وتعزيز الحماية، وتوفير المزيد من السبل للحصول على الإقامة القانونية وتصاريح العمل في لبنان، جميعها تعتبر من الأولويات في أي اتفاق أوروبي.

على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أُعيد توطين 100,984 لاجئ فقط من لبنان إلى دول ثالثة، بحسب أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في عام 2023، أُعيد توطين 2,800 سوري فقط في الاتحاد الأوروبي من لبنان، وفقاً لمنظمة اللاجئين الدولية.

في الوقت نفسه، تراجع التمويل المقدَّم إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان باستمرار: من تمويل يغطي 68 بالمئة من الاحتياجات في عام 2018 إلى تمويل لا يغطي سوى 39 بالمئة من الاحتياجات بنهاية عام 2023.

دعا محمد حسن، مدير مركز وصول، الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تركيز الاهتمام على معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن والخطر في سوريا، مشدداً على أن “العائق الرئيسي الذي يحول دون عودة السوريين هو النظام السياسي والأمني الحالي والمجموعات المسلحة الأخرى”، وحذر من أن تكون أوروبا قد “تخلت عن تطلعات السوريين نحو دولة ديمقراطية”.

وختم حسن “لاشك أن المساعدة الإنسانية ضرورية جداً، ولكن من دون تخفيف الأسباب الكامنة وراء الهجرة،  لن تكون المساعدات المالية والاتفاقيات مع الدول الإقليمية الرامية إلى ضبط الحدود حلولاً دائمة”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال