6 دقائق قراءة

السوريون عالقون في دوامة النزوح مع اقتراب هجوم الحكومة السورية على محافظة إدلب

نازحون سوريون يدخلون كفر لوسين في شمال إدلب، يوم الأحد. […]


نازحون سوريون يدخلون كفر لوسين في شمال إدلب، يوم الأحد. تصوير: عارف وتد/AFP.

عندما ضربت الغارات الجوية التابعة للحكومة بلدة التل جنوب محافظة إدلب، الشهر الماضي، فر أبو عمار الإدلبي وعائلته المكونة من أحد عشر شخصا إلى الحقول.

وتجمعت العائلة تحت صف من الأشجار، إلا أنهم تمكنوا وبعد حلول الظلام- عندما هدأ القصف أخيرا- من الذهاب إلى لمنزل بحثا عن الماء والطعام والبطانيات قبل أن يخرجوا من المنطقة.

وقال أبو عمار لسوريا على طول “كان القصف هستيريا”، وطلب حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

ومنذ ذلك الحين والعائلة تتنقل، ونادراً ما تقيم لأكثر من بضعة أيام في مكان واحد. ويبدو أن القصف يتبعهم أينما ذهبوا- ففي آخر جزء من رحلتهم، من حاس في محافظة إدلب إلى كفر جالس إلى الشمال، قتلت قذيفة عشوائية ابنة أبي عمار وابنة أخته، وتسببت بشلل لابنته الأخرى، بينما كانوا يقودون سياراتهم.

والآن وبعد أن تقطعت بهم السبل في الأراضي الزراعية في مكان ما خارج كفر جالس، ومع عدم وجود “مساعدات أو جمعيات خيرية توزع الطعام لنا”، فإن أبو عمار وعائلته لا يعرفون أين ستكون وجهتهم التالية.

وهذه هي نقطة توقفهم الخامسة منذ فرارهم من المنزل لأول مرة، ومازالت رحلة النزوح مستمرة.

رحلة نزوح أبو عمار منذ بداية شهر آب. صممت الخريطة: جودي بريجنولا.

ووفقا للأمم المتحدة، فر أكثر من ٣٠ ألف شخص من ديارهم منذ بداية الشهر، حيث يبدو أن عمليات القصف من جانب القوات الموالية للحكومة هي تمهيد لهجوم بري وجوي محتمل على المعارضة والجماعات الإسلامية المتشددة في شمال غرب سوريا.

وأصبحت إدلب- التي تشكل موطنا لحوالي ثلاثة ملايين سوري، بما في ذلك حوالي ١,٤مليون نازح- تعرف بـ “أرض الغرق” للمقاتلين والمدنيين الذين تم إجلاؤهم قسريا إلى الشمال، من خلال استراتيجية الحكومة السورية المتمثلة في حصار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وقصفها ومن ثم إفراغها وإجلاء سكانها. غير أن النزوح- الذي غالبا ما يتكرر مع اقتراب القصف وتغير جبهات القتال- هو أيضا واقع بالنسبة للكثير من السوريين الذين يبلغ عددهم حوالي ١,٦مليون نسمة في المحافظة. وبالنسبة للبعض، فإنهم عاشوا على هذا الحال لسنوات.

لكن النزوح المكثف الذي يتوقعه السوريون، يترك علامات استفهام حول مدى جاهزية واستعداد المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية التابعة للمعارضة لمواجهة الهجوم القادم.

“نازحين مرة أخرى”

لم ير عوض القدور منزله منذ خمس سنوات.

بدأت رحلة نزوح القدور وعائلته، وهو في الأصل من اللطامنة من مناطق ريفية جنوب شرق إدلب، منذ عام ٢٠١٣ عندما أجبرهم قصف الحكومة أولا على ترك منزلهم.

وتحدث القدور عن الضربات الجوية المتكررة، بأنك محظوظ بما يكفي لتسمع أخبار الغارة الجوية القادمة على الإنترنت قبل حدوثها وتبحث عن مأوى، أو تكتشف أن هناك غارة جوية عندما تبدأ الصواريخ بالسقوط من حولك.

وتابع قائلا “في تلك اللحظة، تتجمد في مكانك”.

وعلى مدى سنوات النزوح الخمس الماضية، عاش القدور السيناريو ذاته مرارا وتكرارا.

وقال “عندما يهدأ القصف نعود، ثم بعد يوم أو يومين أو أسبوع، يعود النظام ليجعلك تعيش نفس اللحظة من جديد”.

وعلى الرغم من أن العائلات غالبا ما تسلك أقصر الطرق لتحتمي في المناطق الريفية النائية خارج المدن والبلدات والقرى، فإنها تسعى أكثر فأكثر للجوء إلى مخيمات النزوح المنتشرة على طول الحدود التركية.

ومنذ عام ٢٠١١، يعيش مأمون الأدلبي وعائلته في نزوح متكرر بين منزلهم في بلدة كفر عويد، غرب إدلب، ومخيم أطمة، وهو مخيم يضم ١٣٠ ألف شخص في أقصى الزاوية الشمالية من إدلب، بجوار الجدار الذي يرسم الحدود مع تركيا.

وطلب الأدلبي حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

وقال “في كل مرة يهدأ فيها القصف نعود إلى قريتنا. وعندما يشتد، ننزح مرة أخرى”.

وأقامت عائلة الإدلبي خيمة في أطمة منذ عام ٢٠١٣، وكجزء من سكان المخيم، يحصلون على سلة غذاء شهرية. أما بالنسبة إلى مئات العائلات التي نزحت إلى المخيم في الشهر الماضي، بحسب ما قال، فإن الوضع أسوأ بكثير.

وأضاف الإدلبي “لا يوجد شيء لهم، لا سلال، ولا ماء، ولا خيمة”.

مخيم أطمة في أيلول. تصوير: مالك أبو عبيدة لسوريا على طول.

 

الأمم المتحدة: “خطط جاهزة” لهجمة تلوح في الأفق

وفقا للأمم المتحدة، تشكل مخيمات النازحين الرسمية مثل مخيم أطمة موطنا لحوالي نصف عدد النازحين الذين نزحوا بسبب التصعيد الأخير في عمليات القصف التي تشنها الحكومة على جنوب إدلب وشمال حماة المجاورة.

إلا أن إدارة المخيم والوافدين الجدد منقسمون حول مدى جاهزية المخيمات للهجوم الوشيك الذي ستطلقه الحكومة.

ووفقا لبيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA “تم وضع خطط” لدعم أكثر من ٧٠٠ ألف شخص من المتوقع أن ينزحوا بسبب الهجوم القادم.

وأضاف البيان أن المساعدات الإغاثية- بما في ذلك الحصص الغذائية والمأوى والإمدادات الطبية- “تم تجهيزها بالفعل” في إدلب والمناطق المحيطة بها.

وقال ممثلون محليون على الأرض إنهم أيضا يستعدون للتداعيات.

وأبو عبد العزيز هو المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة لشؤون النازحين، التي تعمل تحت مظلة حكومة الإنقاذ السورية، وهي هيئة حاكمة يدعمها التحالف الإسلامي المتشدد “هيئة تحرير الشام”.

ووفقا لأبي عبد العزيز، فإن إدارة المخيمات في شمال إدلب قامت بالفعل بإعداد مخيمات جديدة. وعندما تصل عائلة جديدة إلى مركز الاستقبال في المخيم، يقوم فريق إحصائي بتقييم احتياجاتهم ويعطيهم خيمة مجهزة بالفرش وسلة طعام.

ومع ذلك، اعترف بأن “استجابة المنظمات الإغاثية كانت ضعيفة”.

أطفال أمام خيمة في مخيم أطمة في أيلول. تصوير: مالك أبو عبيدة لسوريا على طول.

وحذر أحمد الأسعد، الناطق باسم إدارة مخيم أطمة، من أن المخيم لا يمتلك القدرة على استيعاب آلاف الأشخاص في حال حدوث هجوم حكومي على نطاق واسع في المحافظة الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وقال لسوريا على طول، يوم الاثنين الماضي “ليس هناك أي استعدادات. لا يوجد ملاجئ جماعية أو بنية تحتية أو صرف صحي”.

ووضح الأسعد أنه عندما تصل عائلات جديدة إلى المخيم، فإن سكان المخيم هم الذين يجمعون لهم الأغطية والفرشات.

وأضاف “الخطة موجودة، لكن لا توجد منظمات داعمة”.

وقال الوافدون الجدد في أطمة أن المساعدات كانت محدودة. وبالنسبة للبعض، فإن ذلك يكفي لجعلهم يفكرون في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الحدود إلى تركيا.

ووصل مصطفى العبدو وعائلته إلى أطمة، الأسبوع الماضي، هربا من قصف طال بلدتهم الجانودية في الركن الشمالي الغربي من المحافظة.

وفي أول يومين بعد وصولهم، نامت العائلة في سيارتها حتى تمكنت إدارة المخيم من العثور على خيمة صغيرة لهم.

وقال العبدو “إنها لا تستحق كلمة خيمة”.

وبسبب تجربة النزوح، بات العبدو يفكر بإخراج عائلته إلى تركيا- وهو أمر سهل إذا ما اقتصر على القول لا الفعل نظرا للمخاطر التي تحف به.

وقال “إن الجيش التركي يطلق النار على الأشخاص الذين يحاولون الاقتراب من الحدود”.

ويمتد على الحدود السورية-التركية، جدار يبلغ طوله ٧٦٤ كم وارتفاعه ٢ م ومجهز بأسلاك شائكة وتكنولوجيا مراقبة عالية التقنية ودوريات حدودية واسعة النطاق بين البلدين، مما يجعل الرحلة إلى تركيا مكلفة وخطيرة.

ولا يوجد الكثير من الخيارات أمام العبدو وعائلته للذهاب إليها.

وختم قائلا “قد تكون الجانودية تحت القصف، لكنها ما زالت أفضل من وضعي في المخيم الآن”. 

 

ساهم كل من مالك أبو عبيدة على أرض الواقع في أطمة، وأيمن الشامي في عمان، في إعداد هذا التقرير.

هذا التقرير جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال