6 دقائق قراءة

لا لترحيل عطية إلى سوريا: تضامن أردني وسط صمت السوريين خوفاً

أصدرت السلطات الأردنية، في 15 نيسان، قرار ترحيل بحق اللاجئ السوري عطية أبو سالم، الذي اعتقل أثناء تصوير مظاهرة داعمة لغزة، وهو واحد من العديد من السوريين الذين لم تنتشر أخبارهم لأن ذويهم يخشون من التصعيد.


23 أبريل 2024

عمان وباريس- يواجه عطية أبو سالم، اللاجئ السوري في الأردن، خطر الترحيل إلى بلاده، بعد أن اعتقل في التاسع من نيسان/ أبريل مع صديقٍ أردني أثناء تصوير مظاهرة داعمة لفلسطينيي غزة في العاصمة عمّان.

صدر قرار ترحيل أبو سالم، 24 عاماً، وهو طالب في كلية الإعلام بجامعة اليرموك في محافظة إربد شمال الأردن، في 15 نيسان/ أبريل الحالي، وينص القرار، الذي حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه على “إبعاد المذكور أعلاه من أراضي المملكة الأردنية الهاشمية وعدم السماح له بالعودة مستقبلاً إلى المملكة”. لم يشر القرار إلى الجهة التي سيتم ترحيل أبو سالم عليها، لكن سبق أن أقدمت الأردن على ترحيل لاجئين سوريين إلى مخيم الركبان، القريب من قاعدة التنف العسكرية، على حدودها الشمالية مع سوريا.

“لم يُعرض أبو سالم على المدعي العام، ولم توجه له لائحة اتهام”، ومع ذلك صدر القرار بترحيله، بينما أخلي سبيل صديقه الأردني بكفالة “بعد أن تعرض لعدة انتهاكات، من قبيل تفتيش هاتفه وتوقيفه من دون توجيه تهمة”، كما قال المحامي أحمد سواعي، الذي يتابع قضيته، لـ”سوريا على طول”.

ينحدر أبو سالم من محافظة درعا جنوب سوريا، من عائلة معروفة بِمعارضتها للنظام السوري، وقد فرّوا إلى الأردن بعد مقتل والده على يد قوات النظام، في عام 2013، وبترحيله إلى بلاده فإن حياته مهددة بالخطر.

أثناء تفاعل ناشطين حقوقيين وناشطات مع قضية أبو سالم، برزت قصة شاب سوري آخر، وهو وائل العشي، الموقوف لدى السلطات الأردنية والمهدد بالترحيل أيضاً، رغم أنه لم يشارك في المظاهرات، لكن أثناء ملاحقة الأمن لشركائه في السكن على خلفية مشاركتهم في المظاهرات اقتادوه معهم.

“هناك العديد من السوريين الموقوفين” في الأردن على خلفية المظاهرات الداعمة لغزة، لكن لم تنتشر أخبارهم، كما هو حال أبو سالم والعشي، لأن ذويهم “لا يرغبون الحديث عنهم خوفاً من التصعيد، مشددين على ضرورة عدم التدخل بملف أبنائهم”، بحسب المحامي سواعي.

السوريون المحتجزون في الأردن هم من أصل 1500 شخص، غالبيتهم أردنيين، اعتقلتهم السلطات الأردنية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية، الذي نشر في 11 نيسان/ أبريل الحالي. طالبت رينا وهبي -مسؤولة حملات معنية بالأردن في المنظمة- الحكومة الأردنية بـ”الإفراج فوراً عن جميع الذين اعتقلوا تعسفياً”، وضمان حرية المحتجين والنشطاء “في الانتقاد السلمي لسياسات الحكومة تجاه إسرائيل من دون تعريضهم للملاحقة أو الاعتقال العنيف”.

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، يشهد الأردن تظاهرات تضامنية مستمرة، في عدة محافظات ونقاط تظاهر، أهمها وأكثرها حساسية تلك التي تخرج من ساحة مسجد الكالوتي بالقرب من السفارة الإسرائيلية في عمان، ويقابلها حضور أمني كثيف.

في أكثر من مظاهرة فضت قوات الأمن الأردنية المتظاهرين خارج السفارة الإسرائيلية بالقوة، كما أنها فرضت قيوداً إضافية على الاحتجاجات الداعمة لفلسطين، كما نقلت منظمة العفو الدولية عن محامين وناشطين، من قبيل: “حظر حمل العلم الفلسطيني، واللافتات التي تحمل شعارات معينة، وحظرت مشاركة الأطفال دون 18 عاماً، كما منعت استمرار الاحتجاجات بعد منتصف الليل”.

“بعد اعتقال المشاركين في الاحتجاجات يتم تحويلهم إلى الحاكم الإداري الذي يستخدم سلطاته العرفية، ولا يُخلى سبيلهم إلا بدفع كفالة رغم عدم إدانة أيّ منهم بجرم التجمهر غير المشروع، ما يعني أنه تجمهرهم سلمي مشروع”، كما قالت هبة زيادين، الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” لـ”سوريا على طول”.

وبذلك، فإن “التوقيف الإداري هو إجراء غير قانوني، وما نراه هو أن السلطات الأردنية تدوس على الحق في حرية التعبير والتجمهر في محاولة منها لقمع النشاط المتعلق بغزة”، بحسب زيادين، مشددة على أن الشابين السوريين – أبو سالم والعشي- “معرضين للخطر في سوريا”، رغم أن “سوريا ليست آمنة لأي نوع من أنواع إعادة اللاجئين”.

ترحيل أبو سالم “غير قانوني”، لأنه ينتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي العرفي، الذي يحظر على الحكومات إعادة الأشخاص إلى حيث يكون لديهم خوف مبرر من الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الجسيمة.

“وضعنا غير مستقر”

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشعر عليا (اسم مستعار)، 40 عاماً، من إرهاق نفسي شديد، لأنها مع كل خبر قادم من غزة تستذكر الحرب في سوريا، التي “عشتُ تفاصيلها وتابعت أحداثها”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

“لا فرق بين أردني وسوري ومصري أو أي جنسية أخرى، لأن القضية الفلسطينية قضيتنا جميعاً، ويجب علينا التفاعل معها”، بحسب عليا، وهي لاجئة سورية في الأردن، ومع ذلك لم تشارك في أي مظاهرة داعمة لغزة في الأردن.

ترى عليا أن حالها حال غالبية السوريين في الأردن، الذين يفضلون البقاء بعيداً عن المظاهرات “وقد يرجع ذلك إلى أن وضعنا غير مستقر، ولدينا خوف من أي شيء يهدد حياتنا في الأردن، أو نُجبر على العودة إلى سوريا بعدما عشنا الموت ألف مرة حتى ننجو بحياتنا ونخرج منها”، لافتة إلى أن “الخسارات الكبيرة التي تعرض لها السوريون تشكل مصدر خوف أساسي لهم”، إضافة إلى “جهلهم بوجود قوانين تمنعهم من التظاهر أو يسمح لهم”، على حد قولها.

يبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن، المسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، 638,760 نسمة، بحسب آخر تحديث للمفوضية، في 31 آذار/ مارس 2024.

من جهته، استبعد الشاب سامي الشامي (اسم مستعار)، أن يكون هناك تقييداً لحرية اللاجئين دون غيرهم، بما يخص المشاركة في أحداث غزة، قائلاً: “لم أقرأ بياناً واضحاً يمنع السوريين من التظاهر”، مشيراً إلى أنه شارك في مظاهرة واحدة دعماً لغزة، انطلقت من مسجد الكالوتي بعمان في شهر رمضان.

هذا لا ينفي أنه “قد يكون هناك فرق بين الأردني والسوري، بالنسبة لحق التظاهر، وهذا التمييز موجود في أي دولة من دول العالم”، كما قال الشامي لـ”سوريا على طول”.

اعتقال عطية أبو سالم ووائل العشي وغيرهما، تعزز مخاوف السوريين، بما فيهم عليا، من المشاركة بالمظاهرات الداعمة لفلسطينيي غزة، أو التعبير عن آرائهم السياسية في القضايا الإقليمية بحرية.

وفي هذا السياق، قالت ناشطة أردنية مشاركة في حملة “لا لإبعاد عطية أبو سالم” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن “تقييد الحريات، بخصوص دعم غزة، ينطبق على الجميع أردنيين وسوريين، لكن الأردني يُمكن أن يخرج بكفالة ويوضع عند اسمه إشارة منع سفر، بينما السوريين قد يُعاقبوا بالترحيل”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”، طالبة عدم الكشف عن اسمها لدواع أمنية.

الصمت على الانتهاك

بعد اعتقال السلطات الأردنية للشاب عطية أبو سالم، انطلقت حملة إعلامية على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف الضغط على الأردن للتراجع عن قرار ترحيله إلى سوريا، شارك فيها ناشطون وناشطات من الأردن وسوريا.

كان تفاعل السوريين في الأردن مع الحملة خجولاً مقارنة بغيرهم، وسببت صمتهم هو الخوف على حياتهم ومستقبلهم في البلد المضيف.

وكذلك، التزم أهالي السوريين الموقوفين لدى السلطات الأردنية الصمت، وتعاملوا مع ملف أبنائهم “بحذر شديد”، خوفاً على أبنائهم المهددين بالترحيل، وخوفاً من أن يطال الترحيل بقية أفراد العائلة”، كما قالت الناشطة الأردنية المشاركة في حملة أبو سالم.

ربما يكون وراء صمت الأهالي تهديد غير معلن من الأجهزة الأمنية الأردنية، بحسب عمر (اسم مستعار)، لاجئ سوري مقيم في فرنسا، مستشهداً بحادثة اعتقاله في الأردن عندما كان لاجئاً، إذ “هددني الضابط بأن أي تحرك مناصرة أو حديث على الإعلام ستكون نتيجته ترحيلي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه خوفاً على عائلته، التي ما تزال مقيمة في عمان.

خلال السنوات الماضية، نفذت السلطات الأردنية عمليات ترحيل جماعي للاجئين سوريين، بما في ذلك إبعاد جماعي لأسر كبيرة، من دون إعطائهم “فرصة حقيقية للطعن في ترحيلهم، ولم يقيّم الأردن حاجتهم إلى الحماية الدولية”، كما جاء في تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” نُشر في أواخر 2017. لا توجد إحصائيات رسمية عن أعداد السوريين المرحلين من الأردن، لكن “في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2017، رحلت السلطات الأردنية شهريا نحو 400 لاجئ سوري مسجل”، بحسب التقرير.

بغض النظر عن “التهديد بالترحيل”، اعتبر عمر أن التضامن العلني مع عطية أبو سالم وغيره من اللاجئين السوريين الموقوفين في الأردن ضروري، لأن “الأردن يأخذ بعين الاعتبار حملات المناصرة، ويتصرف وفق القوانين الدولية، ويتفهم الضغوطات عليه عندما يكون الاعتقال تعسفياً”.

أيضاً، تعد حملات المناصرة للمعتقلين السوريين في الأردن “دليلاً يثبت اعتقالك. من دون الحملات لا أحد يعرف عنك، إلا بحالة واحدة وهي زيارة الصليب الأحمر لزنزانتك والحصول على معلوماتك”، بحسب عمر. 

“الظلم وقع على الإثنين: عطية أبو سالم وصديقه الأردني”، الذي خرج بكفالة، ومع ذلك يتم “التركيز على قصة عطية بسبب الوضع الأمني والخطر الذي يهدد حياته ما لم يُعطى فرصة بإعادة التوطين في بلد ثالث”، بحسب المحامي سواعي.

وأضاف سواعي: “جميع المعتقلين بمختلف جنسياتهم وقع عليهم الانتهاك، لكن قرار الترحيل هو قرار ظالم، ولا يمكن السكوت عنه”، لذلك “هناك حاجة ملحة للتحرك والضغط من أجل وقف القرار”.

شارك هذا المقال