5 دقائق قراءة

“رحلة شقاء”: التهريب بديل المعابر الرسمية بين الجيش الوطني و”قسد” في منطقة نبع السلام

رغم التشديد -رسمياً- على معابر التهريب بين الجيش الوطني المعارض وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة نبع السلام، إلا حركة التهريب مستمرة، خصوصا تهريب البضائع. إذ يتم دفع رشاوى للحواجز العسكرية المتواجدة على الجانبين


14 يوليو 2021

عمان- بعد ثلاث محاولات فاشلة، نجحت أم أحمد، 65 عاماً، في زيارة ابنتها بمدينة الرقة، شمال شرق سوريا، والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، قادمة من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا.

ورغم أن المسافة التي تفصل بين الأم وابنتها لا تزيد عن 100 كيلومتر، اضطرت أم أحمد إلى قطع مسافة 350 كيلومتراً، بعضها مشياً على الأقدام، وبوقت يزيد خمسة أضعاف عن الوقت الطبيعي المقدّر بنحو ساعتين، لعدم وجود معبر رسمي بين الجانبين.

إلى ما قبل بدء عملية نبع السلام العسكرية، والتي أطلقتها تركيا بمشاركة الجيش الوطني ضد “قسد”، في تشرين الِأول/ أكتوبر 2019، كانت الحركة اعتيادية بين مدينتي الرقة وتل أبيض. لكن بعد سيطرة الجيش الوطني على تل أبيض قُيدت حركة المدنيين إلى أن توقفت نهائياً في آذار/ مارس 2020، لتبدأ معاناة جديدة لسكان هاتين المنطقتين، تتمثل في الاضطرار للتنقل عبر عمليات “التهريب” بما تحمله من مخاطر واستغلال.

رحلة شقاء

بدلاً من السير جنوباً إلى مدينة الرقة، اتجهت أم أحمد عبر حافلة من مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا إلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة شرقاً، ومن ثم واصلت مسيرها جنوباً إلى قرية ريحانية الشرابين بريف رأس العين، لتبدأ بعدها “رحلة الشقاء”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، خاصة وأنها تابعت بعد هذه النقطة “سيراً على الأقدام، لاجتياز ساتر ترابي يفصل مناطق الجيش الوطني عن مناطق قسد”، ولتدخل بذلك قرية عيوة بريف سلوك الجنوبي الشرقي، أول منطقة تخضع لسيطرة “قسد”.

خارطة توضح أماكن بعض المعابر غير الرسمية في منطقة نبع السلام، شمال شرق سوريا، بين الجيش الوطني و"قسد"

خارطة توضح أماكن بعض المعابر غير الرسمية في منطقة نبع السلام، شمال شرق سوريا، بين الجيش الوطني و”قسد”

وقدّرت أم أحمد المسافة المقطوعة مشياً على الأقدام “بنحو خمسة كيلومترات، بمدّة تجاوزت الساعتين، من أصل الرحلة التي استغرقت 10 ساعات منذ مسيرنا من تل أبيض”. مشتكية من “وعورة الطريق والإرهاق الذي أصابنا لأننا اضطررنا إلى حمل امتعتنا بأنفسنا”، بحيث تراجع عدد من النسوة اللواتي كنّ معها في الطريق عن “مواصلة الرحلة خوفاً من صعوبة الطريق ومخاطره”. 

ودفعت أم أحمد مبلغاً مقداره 500 ألف ليرة سورية (157 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف الحالي المقدر بـ3,180 ليرة للدولار). مضيفة أن التكلفة “قد تصل إلى الضعف، إذ يختلف السعر من مهرب إلى آخر، وبحسب الطريق المستخدمة”.

مجبرون على المخاطرة

من سوء حظ المزارع أبو خالد (اسم مستعار)، المقيم في ريف تل أبيض الغربي، أن سيطرة الجيش الوطني على تل أبيض بعد عملية “نبع السلام”، أدت إلى الحيلولة دون وصوله، بشكل منتظم وآمن، إلى أرضه الزراعية في قرية تل السمن الواقعة تحت سيطرة “قسد”.

هذه الظروف أجبرت أبو خالد على ترك أرضه “من دون زراعتها لعدم قدرتي على ذلك”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، فيما لجأ آخرون يعانون الوضع ذاته إلى “تأجير أراضيهم للخروج بأقل الخسائر”.

أيضاً، اضطر المتقدمون لامتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية في مؤسسات النظام التعليمية، والمقيمون أصلاً في تل أبيض إلى اتباع طرق التهريب للوصول إلى مراكز عقد الامتحانات. وقد اعتقلت “قسد” عدداً من الطلبة، الشهر الماضي، أثناء عودتهم مروراً بمناطقها إلى تل أبيض، كما ذكر مصدر لـ”سوريا على طول” طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية، مشيراً إلى أن “ذوي طلبة آخرين فضلوا بقاء أبنائهم في مناطق النظام، ومن وصل منهم إلى مناطق “قسد” أن يبقى فيها، على أن يعود إلى مناطق الجيش الوطني”.

وكان ناشطون من محافظة الرقة تداولوا أخباراً عن إغلاق “قسد” كل المعابر غير الرسمية شمال الرقة، من قبيل التروازية، وعيوة، والشركة، وكنطري، والأصيلم، والجهبل.

وفي رحلة تهريب عكسية، غادر علي العبد الله مدينة الرقة، الشهر الماضي، قاصداً مناطق الجيش الوطني هرباً من التجنيد الإجباري الذي تفرضه “قسد” على الشباب في مناطق سيطرتها. و”لم تكن المشكلة في دفع 100 دولار تكاليف الرحلة”، بالنسبة للعبدالله، كما أنه لم يتخوف من الطريق، بقدر خوفه “من وقوعي بأيدي عناصر قسد وسوقي للتجنيد”.

وتشهد معابر التهريب بين مناطق المعارضة و”قسد” في شمال شرق سوريا، حركة نشطة بعد كل حملة “تجنيد إجباري” تشنها الأخيرة لسوق شباب الرقة إلى الخدمة، ما يضطر “العديد من الشبان إلى مغادرة المنطقة إلى تركيا مروراً بمناطق سيطرة الجيش الوطني”، بحسب العبد الله.

من جانبه، حفر الجيش التركي خندقاً في بعض المناطق الفاصلة بين “قسد” والمعارضة المدعومة منه، لا سيما “في المنطقة الواقعة جنوب تل أبيض وسلوك، بهدف منع حالات العبور”، كما أوضح أحد الأشخاص الذين عبروا المنطقة لـ”سوريا على طول”. هذا بالإضافة إلى تسيير الجيش التركي عربة عسكرية في المنطقة الفاصلة “للحد من عمليات التهريب من وإلى مناطق نفوذه”.

تهريب البضائع

إلى جانب تهريب البشر، تشهد معابر التهريب في محافظة الرقة حركة عبور باتجاهين لعدد من البضائع. وفيما “تعدّ مواد كالإسمنت، وحديد البناء، والسيارات الأوروبية، والسماد، من أهم المواد المهربة من مناطق الجيش الوطني إلى مناطق قسد”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” أحد تجار مدينة الرقة، “تهرّب من مناطق قسد أصناف أخرى، من قبيل المازوت، والأدوية، وأجهزة الطاقة الشمسية”.

وعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة عبور شاحنة إسمنت من مناطق “نبع السلام” إلى مناطق “قسد” في الرقة، نحو 700 دولار أميركي، بحسب التاجر ذاته. تضاف إليها “الرسوم الجمركية التي تدفع رسمياً لأجل عبور الشاحنة من تركيا إلى الأراضي السورية، والمقدرة بنحو 300 دولار”، بحسب مخلص جمركي في بوابة تل أبيض الحدودية.

ورغم التشديد -رسمياً- على معابر التهريب من كلا الطرفين، إلا حركة التهريب مستمرة، خصوصا تهريب البضائع. إذ يتم دفع رشاوى للحواجز العسكرية المتواجدة على الجانبين، كما أكد عدد من التجار الذين تحدثوا إلى “سوريا على طول”.

كل ذلك يشير إلى أهمية وجود معابر رسمية بين الجانبين، على نحو ما هو موجود فعلاً بين مناطق أخرى تخضع للجيش الوطني و”قسد”، من قبيل معبري أم جلود وعون الدادات في منطقة منبج بريف حلب الشرقي.

تعليقاً على ذلك، أوضح الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، يوسف الحمود، لـ”سوريا على طول”، أن “عدم الاستقرار السياسي في شمال شرق سوريا هو السبب الرئيس لعدم فتح معبر رسمي يربط منطقة نبع السلام بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”. مشيراً إلى أن “المفاوضات والمباحثات التي تشهدها المنطقة، كما الاشتباكات التي تحدث بين فترة وأخرى تشير إلى عدم انتهاء معركة نبع السلام، وبالتالي عدم ثبات خريطة السيطرة العسكرية”، وعليه “لا يمكن فتح معبر يربط بين المنطقتين في الوقت الحالي”. 

على الجهة المقابلة أيضاً، اعتبر علي رحمون، عضو الهيئة الرئاسية في مجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، الجناح السياسي لـ”قسد”، أن “المنطقة غير مستقرة، وما تزال الخيارات مفتوحة”. لذلك، كما أضاف لـ”سوريا على طول” لا يمكن “فتح معابر بين الجانبين في هذه المناطق، وسط إمكانية تجدد الاشتباكات”.

وقد نفى المصدران من الجيش الوطني و”مسد” وجود أي مباحثات حالية بين الطرفين بخصوص فتح معابر رسمية بين مناطق سيطرتهما شمال شرق سوريا، ما يعني عدم وجود أفق لإنهاء معاناة المدنيين على الجانبين هناك.

شارك هذا المقال