6 دقائق قراءة

أهمية سوريا وتأثرها بانتقال حرب الظل بين إسرائيل وإيران إلى العلن

رغم تراجع التكهنات بإمكانية نشوب حرب بين إيران وإسرائيل، عقب التصعيد غير المسبوق مطلع الشهر الحالي، يبدو أن خطر تجدد الصراع ما زال قائماً، وما تزال سوريا محط أنظار باعتبارها ساحة معركة رئيسية بين الطرفين.


26 أبريل 2024

مرسيليا- لطالما كانت سوريا ساحة معركة رئيسية في حرب الظل بين إيران وإسرائيل، لكن منذ  السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عندما شنت حركة حماس المدعومة من طهران هجومها البري على إسرائيل من غزة وأطلقت الأخيرة عدوانها على القطاع المحاصر، تضاعفت الهجمات من الأراضي السورية وإليها، عدداً ونطاقاً جغرافياً.

في سوريا، تسببت الضربة الإسرائيلية، مطلع نيسان/ أبريل الحالي، التي أدت إلى مقتل كبار القادة العسكريين الإيرانيين في قنصلية طهران بدمشق، بتصعيد غير مسبوق بين تل أبيب وطهران. وصل البلدان إلى أعلى مستوى من المواجهة المباشرة حتى الآن، و تجاوزت إيران “الخط الأحمر” عندما أطلقت بمشاركة وكلائها الإقليميين وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيَّرة على إسرائيل في 18 نيسان/أبريل رداً على مقتل قادتها. 

حملت الأيام التالية دلائل على محاولة طهران وتل أبيب تجنب التصعيد على مستوى المنطقة. حدَّت إسرائيل من ضرباتها  في 21 إبريل/نيسان على إيران وسوريا، تحت ضغط الولايات المتحدة عليها لتخفيف الرد.  و لم تُعر إيران بعدها أهمية للرد. غير أن خطر تجدد الصراع ما يزال قائماً، وربما تكون سوريا في قلب المشهد حال وقوع أي تصعيد مستقبلي.

دور سوريا

كانت سوريا “ميداناً مفتوحاً” لإسرائيل، على حد وصف حنين غدار، باحثة في زمالة فريدمان بمعهد واشنطن ، قائلة لـ”سوريا على طول”: “يشعرون أنَّهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون”. تضرب إسرائيل منذ سنوات شخصيات إيرانية وميليشيات مدعومة من طهران، إلى جانب استهداف البنى التحتية في سوريا دون أي ردّ إيراني رادع.

بخلاف سوريا، في لبنان ما يزال  هناك “خطوط حمراء غير معلنة بين حزب الله [المدعوم من إيران] وإسرائيل”، بحسب غدار، قائلة: “في لبنان، سوف يستمرون على هذا الوضع الحالي مع بعض التصعيد اعتماداً على ما يفعله حزب الله”.

خلال الأشهر الستة الماضية، تصاعد مستوى الصراع بين تل أبيب وحزب الله في الحدود الجنوبية للبنان، لكن تم حصره بالمجمل بالقصف عبر الحدود. وفي الوقت ذاته، ركزت إسرائيل على اغتيال قادة حزب الله وحماس عبر غارات جوية تنفذها في لبنان . 

ومع ذلك، تتوقع غدار أن تبقى سوريا ساحة الحرب الرئيسية بين إسرائيل وإيران، مشيرة إلى أن “سوريا مختلفة، ولطالما كانت تاريخياً مختلفة”.

حزب الله هو “الدرع الواقي” لإيران، وهو بمثابة “بوليصة تأمين” لا تعتزم إيران استخدامها سوى إن تم تهديدها بشكل مباشر. في رد إيران على قصف قنصليتها، المواجهة الأكثر مباشرة حتى الآن بين طهران وتل أبيب، شُنت الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة من سوريا ودول أخرى ولكن ليس لبنان. وصفت غدار هذا بـ “الخيار الاستراتيجي”، لأن إيران تريد أن “تبقى لبنان في مأمن من حرب شاملة”. 

وكذلك ذهب تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إلى أن سوريا يجب أن تبقى محط الأنظار، رغم أن سوريا وليس لبنان هي العمق الإقليمي الذي تسعى إيران إلى حمايته.

“تشعر إيران أن هناك الكثير من المخاطر في سوريا” بحسب ليستر. وفي حين شنت تل أبيب أكثر من 50 غارة جوية قاتلة وعالية الدقة على الأراضي السورية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، جاء رد الوكلاء المدعومين من طهران بقصف أقل شدة، قصف رمزي إلى حد كبير، على مرتفعات الجولان المحتلة، ولم يسفر عن وقوع إصابات.

تتمتع إسرائيل في سوريا بأكبر قدر من “حرية المناورة” وضرب الأصول الإيرانية، من وجهة نظر ليستر، وبدورها ترى إيران أن “نفوذها الإقليمي وسيطرتها” في البلد أمر ضروري. امتد نفوذ إيران وصار متجذراً لدرجة أن نظام الأسد حول سوريا إلى دولة تحت الوصاية (دولة تخضع اقتصاديا أو سياسيا أو عسكريا لدولة أخرى أقوى في الشؤون الدولية)

وبخلاف لبنان، تمتلك إيران قوات برية على الأراضي السورية، بالإضافة إلى مجموعة من القوات التي تسيطر عليها بالوكالة، كما أن سوريا هي “المحور الأساسي” لطرق الإمداد الإقليمية الإيرانية التي تربط إيران والعراق ولبنان، بحسب ليستر. 

وخلص ليستر إلى أنَّه “إذا كان هناك جبهة لا يمكن أن يخاطر الإيرانيون بخسارتها، فهي الجبهة السورية”. 

التصعيد المتزايد

يرى حايد حايد، باحث زميل في معهد “تشاتام هاوس”، أنَّ هناك “تصعيداً واضحاً” بين إسرائيل وإيران يتجسد في سوريا. 

مع تطور الحرب في سوريا، كانت دمشق تعتمد بازدياد على مساندة طهران، وكان نفوذ الأخيرة يتعاظم في سوريا، وهو ما انتبهت إليه إسرائيل. حاولت إسرائيل في بادئ الأمر أن تحد من إمداد “الأسلحة المنقولة عبر سوريا إلى حزب الله في لبنان”، كما أوضح حايد. ورداً على ذلك “زادت إيران نفوذها داخل سوريا وحاولت تصنيع الأسلحة محلياً. 

تواردت الأنباء عن استخدام إيران المنشآت العسكرية السورية لتصنيع الطائرات المسيرة وغيرها من الأسلحة لوكلائها. صُدِّر بعضها إلى حزب الله في لبنان، وأعطي نظام الأسد بعضها لمحاربة قوات المعارضة في شمال غرب سوريا.

مع توسع النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، انتقلت إسرائيل إلى نهجها الحالي المتمثل بـ”الاستهداف المباشر للمنشآت الإيرانية… والقضاء على قادة إيران”، قال حايد. وهذا يعني “خروجاً كبيراً عن قواعد الاشتباك التقليدية”، التي كانت تعتبر حزب الله والقوى الوكيلة الأخرى أهدافاً رئيسية لإسرائيل.

يرى المحللون الثلاثة أنَّ تصعيد إسرائيل الأخير على الأرض السورية هو تصعيد غير مسبوق. مادام الصراع بين طهران و تل أبيب يغلي على نار هادئة، ستبقى سوريا مسرح الأحداث، إذ أنَّ ما يحدث بين الخصمين هناك، سينطوي على تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها.

“منع الحروب [المعلنة] من الخروج عن السيطرة أشد صعوبة من حروب الظل، التي تحتوي على العديد من الخطوط الحمراء غير المعلنة”، قال ليستر. ولكن عند تجاوز الخطوط الحمراء “لا يمكن التنبؤ” بمسار الصراع بالوكالة.

في الوقت الحالي، يبدو أن إسرائيل وإيران تجنبتا الحرب المفتوحة. عندما تبادلت طهران وتل أبيب استهداف أراضي بعضهما، لم ترد أنباء عن وجود إصابات، وأشارت إيران إلى أنها لا تعتزم مزيداً من الرد.

إذا قررت إسرائيل وإيران الاستمرار بخفض التصعيد، “سيرجع الوضع على الأرض إلى ما هو عليه حالياً  في سوريا، وهو غير هادئ تماماً”، بحسب غدار، لكن هذا لا ينفي أن شبح تجدد التصعيد ما زال قائماً.

كانت الضربة في دمشق دراماتيكية (مفاجئة وملفتة للنظر)، وما يزال بوسع إسرائيل القيام بالمزيد ضد إيران في سوريا، بحسب ليستر، مشيراً إلى أن أحد الدروس، التي خلصت إليها تل أبيب من هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هو أن سياسة “جز العشب” غير كافية، والتي تعني الحد من النشاط الإيراني بدلاً من اجتثاثه، على غرار السياسة المتبعة مع حماس في غزة قبل  حرب الإبادة الحالية.

يفسر هذا التغيير “استعداد إسرائيل المتزايد إلى إلحاق خسائر أكبر وقتل مزيد من عناصر الحرس الثوري الإيراني مباشرة، وضرب مستودعات ذخيرة أكبر، وحتى قصف منشآت مشتركة مع النظام السوري”، كما ذكر ليستر. وقد يعني ذلك أيضاً زيادة استهداف المساكن الآمنة التابعة للحرس الثوري في المناطق الحضرية مثل حلب أو السيدة زينب في ضواحي دمشق، حيث يوجد فيلق القدس، وفقاً له.

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قُتِل مدنيون في عدة غارات إسرائيلية على الأراضي السورية، بحسب مصادر مفتوحة.

في 29 آذار/ مارس، أسفرت غارات جوية إسرائيلية قرب مطار حلب عن مقتل 36 جندياً سورياً، إضافة إلى مقتل مدنيين.

“من الصعب تحديد سقف لمثل هذا التصعيد”، بحسب حايد. يمكن لإسرائيل أن تسبب “المزيد من الضرر للمنشآت السورية والسوريين عموماً”.       

حرائق أكبر

استبعد جميع المحللون أن تؤدي زيادة الخسائر في صفوف الجنود والمدنيين السوريين إلى جر النظام السوري إلى المعركة. حتى الآن، يتجنب نظام الأسد الرد المباشر على ضربات إسرائيل على أراضيه. 

ولا يعتقد ليستر أن هذا سيتغير، ما لم “تفعل إسرائيل شيئا على الأراضي السورية يجبره [النظام] على التغيير”. وفقاً لمصادر مقربة من إيران، عارض الأسد الهجمات الإيرانية من الأراضي السورية، خشية الانتقام منه ومن نظامه. وتكهن حايد بأن النظام السوري قد يلعب دوراً وراء الكواليس للحد من عدد الهجمات من الأراضي السورية، حتى لو لم يتمكن من وقفها بالكامل. 

ومع ذلك، يمكن للجهات الفاعلة الأخرى أن تزيد من مستويات الصراع في سوريا. منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، انتهز كل من النظام السوري وتركيا الفرصة للقصف على مناطق المعارضة في شمال غربي البلاد، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمالها الشرقي، بحسب حايد: “استغل النظام  تركيز العالم على غزة لزيادة هجماته على شمال غرب سوريا”.

في الشمال الشرقي، يمكن أن تؤدي الهجمات المتزايدة من قبل القوات المدعومة إيرانياً على القواعد الأميركية إلى “جرّ الولايات المتحدة إلى الرد بشكل أكثر عدوانية”، بحسب ليستر. بعد أن هدأت  الهجمات لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، أطلق وكلاء إيران،  في 21 من الشهر الحالي، صواريخ على القواعد العسكرية الأميركية في شمال شرق سوريا والعراق. 

ورأى ليستر وحايد أن القصف المدعوم من إيران يمكن أن يؤدي بدوره إلى جر “قسد”، المدعومة من واشنطن، إلى تجديد الصراع في دير الزور، إذ شاركت القوات المدعومة إيرانياً في هجمات العشائر العربية ضدها. شهد العام الماضي “مستوى أكبر بكثير من استثمارات الحرس الثوري الإيراني” في الشمال الشرقي وشرق سوريا على طول خطوط السيطرة مع “قسد”، بحسب ليستر.  

في حين يبدو أن مخاطر المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل قد تراجعت في الوقت الحالي، إلا أنَّ سوريا ما تزال موقعاً رئيسياً للنزاع وأرض مهيئة لاندلاع شرارة أخرى.  

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال