4 دقائق قراءة

ريف حلب الشمالي: قتال مستعر وحدود مغلقة ومهجرون يعيشون بين نزوح ونزوح

أكثر من مئة ألف سوري مهجر محتجزون حاليا، دون مساعدات، […]


21 أبريل 2016

أكثر من مئة ألف سوري مهجر محتجزون حاليا، دون مساعدات، في الجيب الثوري شمال حلب على طول الحدود التركية المغلقة، بعد هجوم لقوات سوريا الديمقراطية تزامن مع هجوم لتنظيم الدولة شرد ثلاثين ألفا من الأهالي المهجرين أصلا، في الأسبوع الماضي.

وعجّت المخيمات المؤقتة المرصوفة على طول الحدود بالنازحين، حتى فاقوا سعتها مما اضطر الوافدين الجدد إلى “النوم في العراء. وانتشروا على الشريط الحدودي وبين شجر الزيتون والحدائق”، وفق وصف علاء أبو عمر، عضو في مكتب أعزاز الإعلامي، لسوريا على طول، والذي  جاء ليتفقد أحوال النازحين الذين هربوا من توغل داعش في مخيماتهم، الأسبوع الماضي.

وتوافد السوريون إلى ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة الثوار، وذلك لأن الحكومة التركية كانت بين الفينة والأخرى تتيح للنازحين السوريين أن يدخلوا أراضيها عبر الحدود. ولكن أنقرة أغلقت معبر باب السلامة الحدودي في ريف حلب الشمالي منذ أكثر من سنة، وما يزال عدد الأهالي في ازدياد أملا في أن يؤذن لهم بالعبور.

وحال التوزع العشوائي والمبعثر لحركة النزوح الجديدة دون وصول المساعدات؛ “فالنازحون انتشروا بأماكن غير معروفة للمنظمات، وربما لا تستطيع الوصول إليها، حتى أنها غير معروفة لأبناء المنطقة نفسها”، وفق ما ذكر أبو عمر، مضيفا “هناك الكثير من المخيمات العشوائية، وما من أحدٍ يقدم لهم شيئاً”.

ويمتد الجزء الشمالي من الجيب الثوري قرابة 24 كم من الشرق إلى الغرب على طول الحدود السورية التركية، وينتهي طرفه الجنوبي على بعد 30 كم شمال مدينة حلب. وهي منطقة تحكمها فصائل الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية على مدى السنتين الماضيتين.   

في شباط الماضي، تمكنت قوات النظام شمال حلب من فك حصار  الثوار لبلدتي نبل والزهراء ذاتي الغلبية الشيعية الذي كاد يبلغ الأربع سنوات، وهذا التقدم الخاطف للنظام فصل الثوار في ريف حلب الشمالي على طول الحدود التركية عن أقرانهم في مدينة حلب وما حولها، وريف حلب الجنوبي وإدلب.

ومع عزل الجيب الثوري، بدأت قوات سوريا الديمقراطية تزحف ببطء من الشرق إلى الغرب.

بين طرفي كماشة

على الطرف الشرقي من الجيب، وضع تنظيم الدولة يده على ثلاثة مخيمات للنازحين أثناء تقدمه في الأسبوع الماضي، مما دفع نحو ثلاثين ألف سوري لترك خيمهم والهروب إلى أقصى الشمال والشرق خلال 24 ساعة فقط، وفق تقرير نشرته هيومن رايتس وتش، الثلاثاء. واستعاد الثوار المنطقة ذاتها في أواخر الأسبوع الماضي، ولكن الاقتتال  ظل مستمرا مع غياب المدنيين والناس هناك.   

وقصف تنظيم الدولة “أكدة” أحد المخيمات الثلاثة، في يوم الثلاثاء، وأحرق عشرات الخيم فيه، وفق ما ذكرت الجزيرة. وبعدئذ داهم مقاتلو التننظيم المخيم وأطلقوا الرصاص على من فيه وأصابوا الكثير من الأهالي بينما فرت مئات العائلات إلى الشمال الغربي باتجاه الحدود.

وعاد أهالي المخيم المهجرين أصلاً، لرحلة النزوح ثانية. ونزح محمد وهو أحد أهالي ريف حلب الشمالي من مدينة تل رفعت مع عائلته، منذ عدة شهور مضت بعد غارة جوية  للنظام دمرت منزله، وحطوا رحالهم على بعد 20 كم إلى الشمال الغربي، في مخيم أكدة، حيث يحتشد ألاف النازحين السوريين وكل ما يفصلهم عن الحدود التركية 2 كم.

وتحدث محمد إلى أبو عمر، أثناء زيارته التفقدية للنازحين في ريف حلب الشمالي، حيث الكثير من مشردي مخيم أكدة يبيتون في العراء. وأعاد أبو عمر سرد حكاية محمد لسوريا على طول.

يقول محمد “استيقظنا صباحاً على صوت مفخخة لتنظيم داعش بالقرب من مخيمنا. تطايرت خيمنا بعد أن قصفت منازلنا. وماهي إلا لحظات حتى وجدنا تنظيم الدولة داخل المخيم يطلق الرصاص مطالباً بإفراغ المخيم”.

وفي الوقت نفسه، كانت قوات سورية الديمقراطية، وغالبيتها من قوات حماية الشعب، تهاجم الطرف الغربي للجيب الثوري في ريف حلب الشمالي، منذ بداية شباط لتجتاح أراض أكثر”.

ورغم ما حققته من تقدم سابق، فإن قوات سورية الديمقراطية توقفت عن التقدم فجأة، ولكنها استمرت في مناوشاتها وقصفها لمواقع للثوار داخل الجيب الثوري.

وقال أبو عمر “الناس لم تعد تعلم اين تذهب؟. كل الاماكن أصبحت خطيرة وفي مرمى النيران”.

 

بقايا خيام نازحي مخيم أكدة بعد هجوم الخميس الماضي. حقوق نشر الصورة لـمكتب أعزاز الإعلامي

إلى أين المفر؟

مع تقدم قوتين منفصلتين من جهتين مختلفتين، وارتباك المنظمات الإغاثية أمام حجم موجة النزوح التي اكتسحت المنطقة عشوائيا، لم يبق للبعض خيار سوى محاولة التسلل عبر الحدود المشددة الحراسة إلى تركيا.

وبثت أم محمود، التي نزحت من ديارها في ريف حلب الجنوبي منذ سبعة شهور مضت لتحتمي في أكدة، شكواها لأبو عمر. وقالت “لم يعد هناك مكان آمن، حتى المخيمات لم تسلم من تنظيم الدولة الى أين نذهب؟ الحدود مغلقة في وجهنا ونموت قنصاً إذا حاولنا الدخول تهريبا، ومن الغرب قوات سوريا الديمقراطية ومن الشرق تنظيم الدولة.”

واستكملت أنقرة نحو ثلث الجدار الأمني المخطط أن يمتد 911 كم على طول الحدود مع سوريا، وفق ما ذكرت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية في بداية هذا الشهر.

ومن المتوقع، بحسب الوكالة، الانتهاء من بناء الجدار في العام المقبل، ويبلغ عرض الجدار متران وارتفاعه ثلاثة أمتار، وهو مصنوع من وحدات خرسانية مقاومة للصواريخ تزن الواحدة سبعة أطنان.

كما سيتم تزويد الشريط الحدودي بالأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة والأضواء الكاشفة. وإنشاء نقاط تفتيش كل 50 مترا، وستتمركز قوات الأمن هناك لتوفير المراقبة على مدار 24 ساعة.

إلى ذلك، دعت هيومن رايتس وتش، الخميس الماضي، تركيا إلى  الكف عن إطلاق النار على المدنيين السوريين الذين يفرون من القتال، وأن تسمح لهم فورا بعبور الحدود لالتماس الحماية، وذلك في تقرير نشرته عن الأزمة الإنسانية في ريف حلب الشمالي.

وقال جيري سيمبسون، كبير الباحثين في شؤون اللاجئين في هيومن رايتس وتش “العالم بأجمعه يتحدث عن محاربة تنظيم الدولة، ومع ذلك فإن أولئك الأكثر تهديدا في أن يكونوا ضحايا انتهاكاته الشنيعة، محتجزون في الطرف الخطأ وراء جدار الخرسان”.

“إلى أين المفر هذه المرة؟”، “إلى أين نذهب؟”، هذه هي العبارات والأسئلة التي ما يزال يرددها المهجرون للمرة الثانية، على مسمع أبو  عمر دون جواب.

 

ترجمة : فاطمة عاشور

شارك هذا المقال