6 دقائق قراءة

“مهرب الفرحة”: إذا لم نقدم نحن المساعدة لأهلنا فمن سيفعل ذلك؟

مهرب الفرحة، أو عمو الألعاب كما يسميه الأطفال. رامي أدهم، […]


بقلم سما محمد

4 أكتوبر 2016

مهرب الفرحة، أو عمو الألعاب كما يسميه الأطفال.

رامي أدهم، 44 عاما، أب لستة أطفال، يعيش في فنلندا، كان يعمل كمهندس بناء مختص بمشاريع تحت الماء، عندما اندلعت الثورة في بلده سوريا في مطلع عام 2011.

وقال رامي أدهم، ابن مدينة حلب، لكنه ومنذ عام 1989انتقل للعيش في فنلندا، لمراسلة سوريا على طول، سما محمد “بقيت عاما كاملا أشاهد الأحداث”.

وفي عام 2012، بعد أن وصل القتال مدينته حلب، قرر أدهم الذهاب إلى سوريا، وسحب ما ادخره من نقود لبدء عمل خيري من أجل الأطفال السوريين. وكانت الخطة الأولية شراء الأدوية والمستلزمات الأساسية الأخرى، وتسليمها بشكل شخصي إلى مخيمات اللاجئين خارج حلب.

ولكن في الوقت الذي استعد أدهم لرحلته إلى سوريا، اقتربت منه ابنته ياسمين، وأعطته حقيبة تضم ألعابها وقالت له “بابا خذ هذه الألعاب للأولاد الصغار”.

وقال أدهم “قلت بنفسي أنها بادرة طيبة من طفلة صغيرة”. وذهب إلى بلده وكان لديه مايقارب الـ100 لعبة.

وبعد أربع سنوات، ذهب أدهم إلى سوريا أكثر من عشر مرات، وأسس (الرابطة السورية الفنلدية) (SSY)، التي ترعى الأيتام وتعمل على بناء مدارس قريبة من الحدود التركية “حيث تكون آمنة وبعيدة عن القصف المستمر”.

رامي أدهم، “مهرب الألعاب في حلب” يقدم الألعاب للأطفال في محافظة حلب. (جميع الصور تعود لـ رامي أدهم).

وبالاعتماد حصرا على التبرعات الفردية، وصل حجم تبرعات صفحة الرابطة السورية الفنلندية GoFundMe، إلى سبعين ألف دولار تقريبا، خلال الشهر الماضي.

الآن، باتت رحلات “مهرب الألعاب”، الخطيرة إلى سوريا، أمرا حيويا بالنسبة للأطفال الذين لا يزالون محاصرين في مناطق النزاع، خاصة في مدينته حلب، التي يقول أدهم انه لم يعد بإمكانه زيارتها بسبب حصار النظام لها.

وخلال الأسبوع الماضي، قتل نحو 100 طفل، شرق حلب الخاضعة لسيطرة الثوار، بسبب قصف النظام والقصف الروسي بعد فشل اتفاقية وقف إطلاق النار في المنطقة، حسب ماورد في بيان لليونيسف على الإنترنت.

ووسط الضربات الجوية المكثفة، يذهب الكثير من الأطفال في شرق حلب، الآن إلى المدارس الواقعة في أقبية تحت الأرض، كما لم يبق في النصف الشرقي من المدينة سوى 12 طبيبا يعالجون الناس هناك.

من جهته، قال نائب المدير التنفيذي لليونيسيف جستن فورسيث، في البيان، إن “أطفال حلب يعيشون كابوسا تحت الحصار”.

وفي حديثه مع سوريا على طول، يقول أدهم أنه يقوم بواجبه الخاص لخدمة الأطفال الذين كانوا ضحية الحرب في بلده، متسائلا “إذا لم نقدم نحن المساعدة لأهلنا، فمن سيفعل ذلك؟”.

ماذا كنت تعمل قبل اندلاع الثورة في سوريا؟

كنت أعمل مهندس بناء مختص بمشاريع تحت الماء، ولدي عمل آخر تاجر في شركة استيراد وتصدير، وهو عملي قبل الثورة، أما الآن أعمالي متوقفة بسبب الثورة. اهتمامي الآن يتركز على الحملة التي أقوم بها ونسيت تماما حياتي الخاصة وعملي الخاص. وهبت وقتي بأكمله للمشروع الذي أقوم به في سوريا، خاصة وأن المشروع كبر وتوسع، أصبحنا فريقا كاملا، وأسسنا رابطة (الرابطة السورية الفنلدية).

   والفريق مكون من متطوعين سوريين وفنلنديين، قسم يعمل في فنلندا وقسم آخر في سوريا.

  الشغل بدأ مني أنا شخصيا وتوسع لدرجة لم يعد بإمكاني القيام به لوحدي، فقمنا بتوزيع المهام.

   كما أنني الوحيد في الفريق الذي يستطيع الذهاب إلى سوريا لتنفيذ الخطط، لأن البقية

  لايستطيعون دخول البلد.

رامي أدهم، 44 عاما، يحمل أكياس المساعدات في حلب عبر الحدود السورية التركية.

لماذا قررت العودة إلى سوريا؟

بدأت الفكرة منذ 4 سنوات ونصف أي في عام 2012. كنت في فنلندا عند اندلاع الثورة، بقيت عاما كاملا أشاهد الأحداث، كنت أرغب بمساعدة أهالي بلدي، كان هناك نازحين بالآلاف، وكان لدي مدخرات شخصية، فكرت بالتبرع بها والعمل بيدي دون اللجوء إلى مؤسسة خيرية أو أي جهة أخرى. سافرت إلى تركيا ودخلت سوريا.

كان بحوزتي 5 آلاف دولار، لكن هذا المبلغ الذي يعتبر قليلا، كان له وقع ومفعول كبير، (حسيت إنو خرب الدنيا بالمخيمات، وعمل كتير إشيا حلوة).

من أين جاءت فكرة إدخال الألعاب للإطفال؟

أهم شيء، ابنتي ياسمين أحضرت لي كيس ألعاب كبير وقالت لي: بابا خذ هذه الألعاب للأولاد الصغار، وكان عندي تقريبا مئة لعبة. وكانوا بوزن 30 كيلوغراما، وقلت بنفسي أنها بادرة طيبة من طفلة صغيرة.

هل عارضت عائلتك فكرة ذهابك إلى سوريا؟

عندما أخبرت عائلتي أنني قررت الذهاب إلى سوريا، على الفور خاف الجميع وقالوا: بابا هنيك في حرب، وكذلك زوجتي، لكنني أخبرت أطفالي أن هناك الكثير من الأطفال مثلهم فقدوا بيوتهم وأهاليهم وبحاجة مساعدة. أنا شخص عنيد (واللي براسي بدي ساويه) أحاول قدر الإمكان ألا أذكر مخاوف ومخاطر ما يحدث هناك، أحاول فقط تذكير عائلتي أن العمل مهم جدا هناك.

ولولا وجودنا على الأرض بسوريا سيكون هناك الكثير من الأمور الصعبة على الأيتام، أحاول تلطيف الجو وأخبر أولادي أني ذاهب لتوزيع الألعاب. هكذا أخلق لديهم إحساس أنني ذاهب إلى احتفالية بسوريا ولا يعرفون مدى خطورة الوضع هناك. ولكثرة زياراتي لسوريا بدأو يتعودون.

كسوري، لا أستطيع خذلان أهلي هناك. رامي أدهم يوزع الطعام في حلب

كيف تصف زيارتك الأولى لسوريا بعد بدء الثورة؟

بعد وصولي إلى سوريا، أمضيت ثلاثة أيام في البكاء، بسبب ما شاهدته. وبعد أن انتهينا من توزيع المساعدات  والأساسيات (وشغل عالأرض) أخبرتهم أنني أحضرت ألعابا، استغربوا كثيرا (إنو جاي توزع العاب) فأخبرتهم أن هذه الألعاب من ابنتي.

بدأت بتوزيع الألعاب، تجمع الأطفال، وكانت فرحتهم لا توصف.

كل شيئ قمنا به في البداية يعتبر لا شيء مقارنة بضحكة الأطفال عند توزيع الألعاب، وهذا الشيء ترك في نفسي أثرا كبيرا.

وفور رجوعي نشرت بوست على الفيسبوك (اللي عندو ألعاب يجبلي ياها). بدأ كل أصحابي يحضرون لي الألعاب، أكياس ممتلئة بالألعاب، بدأت أرتب أمور نزولي مرة أخرى للبلد. ونشرت بين أصحابي انني سأذهب إلى سوريا  بعد شهرين، بدأ الناس بالتفاعل أكثر فأكثر، جمعت تبرعات تقدر بـ8000 يورو. وأخذت معي تقريبا 200 او 300 لعبة.

كل شهرين أسافر إلى سوريا، والأرقام اختلفت من 5000 أصبحوا 50000، بنينا مدارس  ونبني الرابعة، نؤمن تكاليف مصاريف المدارس، لدينا مشروع كفالة أيتام، وعائلات مسجلة، تأخذ معونات مستمرة، تقريبا 500 عائلة.

ماهي المناطق التي يغطيها المشروع؟

80 بالمئة في حلب والباقي في ريف حلب. الشعار، بستان القصر، جورة عواد، الصاخور، وكافة المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة الثوار.

كيف تتمكن من الدخول إلى سوريا في ظل مايحدث الآن؟

بالنسبة لدخولي إلى سوريا، الوضع أصبح أصعب، لأن تركيا قررت إغلاق الحدود، وهذا الشيء جعل عملي أصعب، ولم يترك لي أي وسيلة إلا عن طريق المهربين.

ذهبت 12 مرة إلى سوريا بطرق غير تقليدية.

رامي أدهم يوزع الألعاب على أطفال حلب. لاشيء مما قمنا به يقارن بضحكات الأطفال عند توزيع الألعاب

هل هناك أي دعم حكومي أو مؤسساتي للمشروع؟

لا يوجد جهات رسمية تتبرع أبدا، من يتبرع هم أفراد بفنلندا، متعاطفين، لا يوجد لدينا أي دعم حكومي أو مؤسساتي.

سوريا بحاجة لأمم تساعدها ليس فقط مؤسسة، الوضع بسوريا يحتاج لميزانية دولية، ومهما قدمنا وفعلنا نبقى مقصرين أمام ما يحدث، لكن على الأقل نحن كمؤسسة صغيرة نقوم بواجبنا.

أنا كسوري لا أخذل شعبي. الشعب يعلق آماله علينا، وينبغي أن نمد أيدينا لمساعدته (ما بحك جلدك غير ظفرك). إذا لم نقدم نحن أبناء سوريا المساعدة من سيساعد إذا؟ الغرباء، أمريكا؟ ألمانيا؟ روسيا؟ من؟

كما أن وضع الناس والأطفال مأساوي، من بقي في سوريا هم أفقر الناس في سوريا، واكثر الناس بحاجة لدعم.

وضع الأطفال تغير من أول مرة زرت فيها البلد في 2012 إلى الآن. الأطفال فقدوا الأمل بالعالم الخارجي  شيء محزن جدا. يشعرون باليتم. وأنا خائف أن نفقد الأمل بمستقبل سوريا بفقدان هذا الجيل.

هل ساهمت التغطية الإعلامية في الشهور الأخيرة  للمشروع بزيادة التبرعات؟

طبعا التغطية الإعلامية والاهتمام العالمي زاد بنسبة ألف بالمئة. في الفترة الأولى كان الاهتمام محلي فنلندي بالعمل القائمين عليه. أما خلال الشهور الثلاثة الأخيرة أصبح هناك اهتمام دولي من وسائل إعلام عالمية. هذا الشيء طبعا ساهم بشكل إيجابي، الحمد لله، في عملنا وزادت التبرعات.

كما سيتم تصوير وثائقي يتناول المشروع وقصة إدخال الألعاب، هكذا سأتمكن من تأمين دعم أكبر وتغطية قدر أكبر من احتياجات الأهالي من خلال عائدات الفيلم.

ونأمل أن يتقبل الله منا أعمالنا ويرفع هذا البلاء عن شعبنا.

رامي يقف وسط ركام مدينته حلب التي لم يعد بإمكانه زيارتها بسبب الحصار، لكنه لا يزال يحضر التبرعات للأطفال والأهالي.

 

شارك هذا المقال