7 دقائق قراءة

السماء السورية مفتوحة للضربات الإسرائيلية ولكن ماذا عن احتمالات المواجهة؟

تكثف إسرائيل ضرباتها الجوية في سوريا في أعقاب عملية طوفان الأقصى، وهو ما يفتح الباب للتساؤل عن احتمالات المواجهة لدى ما يعرف بـ"محور المقاومة والممانعة".


7 نوفمبر 2023

باريس- بعد شهر على العمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، التي تحولت إلى حرب إبادة بحق الفلسطينيين، رداً على عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها كتائب القسام التابعة لحركة حماس، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما تزال الجبهات السورية مع إسرائيل هادئة نسبياً رغم استهداف الأخيرة عدة نقاط للنظام وميليشياته على الأراضي السورية.

ادعى النظام السوري لعقود أنه يقود محور “المقاومة والممانعة” ضد إسرائيل، متوعداً بالرد، أو محتفظاً بحق الرد حال أي اعتداء، وهو ما لم يحصل رغم القصف الإسرائيلي للأراضي السورية منذ سنوات.

خلال الحرب الحالية، قصفت تل أبيب مطاري دمشق وحلب الدوليين، واستهدفت نقاطاً عسكرية في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، قرب الحدود مع الجولان المحتل، بالتزامن مع توترات محدودة على الحدود، ما ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية توسع العمليات بين الجانبين، لا سيما مع عمليات النقل والتحشيد، التي تقوم بها إيران في سوريا، إلى جانب قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني.

تظهر بيانات جمعتها "سوريا على طول"، خلال الفترة الممتدة بين السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يوم بدء عملية طوفان الأقصى، وحتى الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، 14 عملية قصف إسرائيلي لأهداف سورية.

استهدفت المقاتلات الإسرائيلية مطار حلب الدولي أربع مرات ومطار دمشق الدولي مرتين، في محاولة من تل أبيب لـ"تعطيل عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا"، بحسب ثلاثة خبراء تحدثوا لـ"سوريا على طول". أدى القصف إلى خروج المطاران عن الخدمة بشكل مؤقت، إثر تضرر مدارج الطيران فيهما.

وسجل جنوب سوريا سبع عمليات قصف إسرائيلي، استهدفت نقاط عسكرية لقوات النظام، التي تعد بحسب تعليقات الجيش الإسرائيلي مصادر إطلاق النار باتجاه الأراضي المحتلة. أيضاً يعتقد أن النقاط التي تعرضت لاستهداف وهي: سرية الدبابات قرب قرية الشيخ سعد، تل جموع، اللواء 12، كتيبة الرادار، ومزارع في محيط بلدة تسيل ووادي جملة بريف درعا، وسرية نبع الفوار ومزارع في وادي صيصون بريف القنيطرة، بأنها نقاط تضم خليطاً من قوات النظام والمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.

في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، أي بعد 3 أيام من عملية "طوفان الأقصى"، استهدف الجيش الإسرائيلي بقذائف مدفعية مواقع عسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية بريف درعا والقنيطرة، رداً على قذائف صاروخية خرجت من هذه النقاط باتجاه الجولان المحتل.

تكرر الأمر ذاته في 14 من الشهر ذاته، عندما استهدفت المدفعية الإسرائيلية مزارع في بلدتي تسيل وسحم الجولان بريف درعا الغربي، رداً على إطلاق صواريخ باتجاه الجولان المحتل، وفي كلا المرتين لم تعلن أي جهة من داخل الأراضي السورية مسؤوليتها عن ضرب إسرائيل.

يشير التبادل الناري المحدود إلى أن "القصف الإسرائيلي لدرعا محدود ومحدد، وهو يركز على مصادر النيران"، باستثناء "ضربة واحدة استهدفت اللواء 12، يعتقد أنها ضربت شحنة أسلحة متطورة وصلت اللواء الذي يعد نقطة مهمة للميليشيات الإيرانية وحزب الله"، كما قال قيادي عسكري سابق في المعارضة لـ"سوريا على طول" من مكان إقامته في ريف درعا الغربي. 

ففي وقت متأخر من ليلة 25 تشرين الأول/ أكتوبر، استهدفت مقاتلات حربية إسرائيلية "اللواء 12 مدرعات" في مدينة إزرع وكتيبة الرادار القريبة منه بريف درعا، ما تسبب في حدوث انفجارات متتالية في اللواء ومقتل 18 عنصراً سورياً من قوات النظام، بحسب ما أعلن الأخير. يضم اللواء 12 عدة كتائب دبابات ومشاة ودفاع جوي، كما أنه يضم عدة مستودعات، بعضها مستودعات للأسلحة المتطورة.

لم توقف الضربات الإسرائيلية النشاط المتزايد للمليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، بحسب القيادي، الذي قال: "رصدنا نشاطاً متزايداً للمليشيات الإيرانية في منطقة حوض اليرموك وتل جموع ونقاط أخرى في ريف درعا الغربي والقنيطرة"، مشيراً إلى أن التحركات الإيرانية "تحت غطاء من قوات النظام وبلباس الجيش السوري".

دوافع القصف

تكثف إسرائيل ضرباتها الجوية في سوريا، وهو تكثيف يتزامن مع التوتر العام الحاصل في غزة وارتداداته في المنطقة المحيطة، خاصة مع "تكثيف إيران لعمليات النقل الجوي والبري، ومحاولاتها التحشيد بشكل أكبر ونقل أسلحة وذخائر إلى جنوب سوريا"، كما قال المحلل السياسي والاستراتيجي العميد الركن مصطفى الفرحات.

وأوضح الفرحات لـ"سوريا على طول" أن "هذا التصعيد يختلف عما سبقه خلال الفترات الماضية"، كما أن "كل طرف -إيران، إسرائيل، وأمريكا- يحاول إبراز مواقعه التفاوضية في حال جرت جولات تفاوض".

ويتفق الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، سام هيلر، مع هذا الطرح، معتبراً أن الضربات الإسرائيلية "قد تكون رسائل تحذيرية موجهة لدمشق، لثنيها عن لعب دور أكثر فعالية في الأزمة الدائرة".

لكن، "من الصعب معرفة مدى تأثير تلك الضربات، كون سلوكيات أعضاء المحور [محور المقاومة: لبنان، سوريا، وإيران] سرية"، لذا "لا يمكن التأكد من مزاعم إسرائيل ودقة معلوماتها"، إضافة إلى أن هذه الضربات لم توقف "قصف إسرائيل من جنوب سوريا واستهداف القوى الأميركية في شرق سوريا"، كما قال هيلر لـ"سوريا على طول".

تواجه إسرائيل خطر التصعيد مع لبنان (حزب الله)، لذا فإن "دور سوريا كممر لوجستي يأخذ أهمية جديدة لكلا الجانبين السوري واللبناني، وهو ما يفسر زيادة عدد وتكرار الهجمات الإسرائيلية في سوريا، مثل الاستهدافات المتكررة لمطاري دمشق وحلب"، كما قال الباحث في وكالة أبحاث الدفاع السويدية (FOI) ومؤسسة "سينتوري الأميركية"، أرون لوند، لـ"سوريا على طول"، معتبراً أن "الهجمات الإسرائيلية هو رد فعل، للتأكيد على أن إسرائيل سترد بشدة على إطلاق الصواريخ والهجمات من الأراضي السورية، وهو محاولة لردع التورط السوري في وقت تواجه فيه إسرائيل الكثير من التحديات".

مع ذلك، فإن محاولات إسرائيل وقف شحنات الأسلحة والدعم القادم من إيران إلى سوريا ومن ثم حزب الله "هي لعبة دائمة، تشبه لعبة القط والفأر، حيث يقوم الجانبان باستمرار بابتكار وتجربة طرق جديدة لخداع بعضهما البعض"، لذا فإن "سوريا وإيران يغيران طرقهما باستمرار لكنهما لم يبديا أي ميل لوقف توريد الأسلحة لحزب الله أو كسر تحالفهما، فهم يعتقدون أنه أمر أساسي لأمنهم الخاص"، بحسب لوند.

وأضاف لوند "تعتقد إسرائيل أن مكونات الأسلحة عالية التقنية، مثل الدارات الإلكترونية وأنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS) للطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية، يتم نقلها جواً من إيران إلى سوريا، كجزء من محاولة طهران لتوسيع ترسانة الأسلحة الموجهة بدقة لحزب الله".

منذ مطلع العام الحالي وحتى 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استهدفت إسرائيل الأراضي السورية 43 مرة منها 12 مرة سجلت في أعقاب عملية طوفان الأقصى، في الفترة بين 7 و 25 من الشهر ذاته، توزعت الغارات على نحو: 31 ضربة جوية و12 برية، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 91 هدفاً ما بين مستودعات للأسلحة وذخائر ومقرات ومراكز وآليات، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

بعد الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمطاري دمشق وحلب، الذي تسبب بخروجهما عن الخدمة عدة مرات هذا الشهر، يبدو أن النظام السوري بدأ الاعتماد على قاعدة الشعيرات الجوية، شرقي حمص في البادية السورية، لاستقبال شحنات الأسلحة القادمة من إيران جواً.

ففي 27 تشرين الأول/ أكتوبر، نشر موقع "صوت العاصمة"، المعارض، تسجيلاً مصوراً قال أنه لعملية هبوط طائرة مدنية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في قاعدة الشعيرات الجوية، التي تحمل شحنة من "الأسلحة الدقيقة من طهران إلى سوريا".

ونقل الموقع عن مصادر وصفها بـ"الخاصة"، أن الطائرة التي هبطت في مطار الشعيرات العسكري، "مدنية مخصصة لنقل الركاب"، مضيفاً أن الميليشيات الإيرانية داخل المطار استنفرت "خلال عملية تفريغ الطائرة، وجرى استقدام أكثر من سيارة شحن لنقل الشحنة إلى خارج المطار"، قبل أن يتم نقلها إلى "حزب الله اللبناني عبر منطقة القصير الحدودية مع لبنان".

من جهته، قال العميد الركن مصطفى الفرحات، أن "التسجيل الذي ظهر صحيح"، مشيراً إلى أن "مطار الشعيرات قبل الثورة كان مطار مخصص للطائرات القاذفة، لذلك فهو قادر على استيعاب أي نوع من الطائرات بما فيها المدنية والشحن، لأنه يحوي مهابط طائرات سوخوي، التي تحتاج إلى مدرج بطول 2500 متر للهبوط بأمان"، كما أنه "يقع في منتصف البلاد، وقريب من البادية، والتغطية الجوية للنظام في المنطقة هذه بأفضل حالاتها، لأنها تضم محطات رادار وصواريخ مضادة للطيران".

لا نية للمواجهة

على الأرض، لا تشير التحركات التي تجري على الجبهة السورية مع الجولان المحتل إلى نية النظام السوري وإيران في التورط بمواجهات مباشرة مع إسرائيل، من وجهة نظر قياديان عسكريان في المعارضة السورية يقيمان في درعا.

ومع أن المليشيات الإيرانية وحزب الله يتواجدون إلى جانب النظام السوري في "مواقع وتلال استراتيجية مثل تل الحارة وتل الجموع والتلول الحمر وغيرها، التي يمكنها تحقيق إصابات حقيقية في الداخل الإسرائيلي". إلا أن "القصف الذي خرج من الأراضي السورية عبارة عن قذائف هاون ومدفعية، جميعها سقط في أراضي زراعية في الجولان المحتل ولم يحدث أي أضرار للعدو"، وهو ما يشير، بحسب أبو حسام، قيادي عسكري سابق، إلى "عدم وجود نية لدى النظام وإيران بالتورط في مواجهة مع إسرائيل، إنما الغرض هو استمرار الإدعاء بالممانعة والمقاومة".

تعليقاً على ذلك، توقع اللواء المنشق محمد الحاج علي "بقاء الوضع على ما هو عليه، لأن النظام لا يريد توسعة المواجهات، كونه لا يملك قدرات عسكرية للمواجهة"، بينما ستحاول القوى الإيرانية "إطلاق طلقات لإشعار العالم بأنها من جبهة المقاومة وتساعد حماس".

فيما ذهب أبو عبد الله، القيادي السابق في المعارضة، إلى أن "إيران لديها الكثير من الميليشيات في جنوب سوريا، إضافة إلى ترسانة عسكرية قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي بسهولة، لكنها لا تريد خوض مواجهات مباشرة مع إسرائيل".

"إذا شعرت إسرائيل بالحاجة إلى ردع التدخل السوري بقوة أكبر أو معاقبة الأنشطة السورية التي تجاوزت بعض الخطوط الحمراء الإسرائيلية، فقد نتوقع رؤية ضربات على أهداف حكومية وعسكرية ذات أهمية للنظام. مثل: مسؤولون كبار، قواعد عسكرية، أو بنية تحتية مدنية مثل محطات الطاقة"، بحسب أرون لوند، وقد يسبق ذلك "توجيه ضربات لإضعاف الدفاعات الجوية السورية من أجل زيادة حرية إسرائيل في العمل وإظهار تفوقها كوسيلة لتهديد الحكومة السورية".

وأضاف أن ما يجري الآن "صراع عالي المخاطر لكلا الجانبين"، متوقعاً "المزيد من التصعيد في المستقبل"، على الرغم أنه "من الواضح أن كلا الجانبين ما زالا حريصين على الحفاظ على السيطرة على الوضع وتجنب الانزلاق الفوضوي إلى حرب واسعة النطاق".

ومع أن "التصعيد شبه المنضبط والمحدود ربما يكون هو السيناريو الأكثر ترجيحاً"، إلا أنه "كلما ازداد الأمر سوءاً، زادت مخاطر وقوع حوادث، ومقامرات سيئة، وسوء تقدير، وحتى لو كان الطرفان يعتزمان إبقاء الصراع ضمن حدود معينة، فإن للحرب طريقتها في خلق الفوضى الخاصة بها وجر الأطراف المتحاربة إلى مواقف لم يخططوا لها أو يستعدوا لها"، برأي لوند.

يرتبط توسع الضربات الإسرائيلية لسوريا بتصعيد أعضاء "محور المقاومة" من الأراضي السورية، بحسب سام هيلر، مشيراً إلى أن الهجوم البري للقوات الإسرائيلية على قطاع غزة ورد فعل المحور عليه سيحمل معه تداعيات محتملة على الوضع السوري.

شارك هذا المقال