7 دقائق قراءة

في مرمى النيران: العملية التعليمية لأطفال “خط التماس” في عفرين رهن المتغيرات العسكرية

قصف قرى "خط التماس" في ريف عفرين لا يعرف موعداً والأجواء الأمنية مضطربة، لذلك تجد العائلات نفسها أمام خيارين: إما إرسال أطفالهم إلى المدارس مع ما يكتنفهم من مخاطر أو حرمانهم من التعليم بهدف حمايتهم!


بقلم سلام علي

15 ديسمبر 2023

على بعد نحو 2 كيلومتراً من النقاط العسكرية التركية وفصائل الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم منها، ترسل حنيفة حسن طفليها، أحدهما في الصف الأول والثاني في الصف الثالث، إلى المدرسة، وتبقى في حالة قلق إلى حين عودتهما “خوفاً من القصف الذي ربما يحدث في أي لحظة”.

مع سماع صوت قذيفة أو إطلاق نار، تهرع حنيفة حسن، 31 عاماً، المقيمة في قرية الذوق الكبير (كوندة مازن) بناحية شيراوا جنوب عفرين، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، إلى المدرسة لإعادة طفليها إلى المنزل.

تبقى الأم في حالة توتر مع طفليها لعدة أيام بعد القصف، وتمتنع عن إرسالهما إلى المدرسة “، وإذا سُمع أصوات قصف ليلي “يرفضان الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي”، كما قالت حسن لـ”سوريا على طول”، مستذكرة ما حدث في التاسع من الشهر الحالي، عندما تعرضت ناحية شيراوا للقصف.

منذ سيطرة الجيش الوطني بدعم من أنقرة على منطقة عفرين، في آذار/ مارس 2018، ضمن عملية “غصن الزيتون” ضد وحدات حماية الشعب، انسحبت الأخيرة من المنطقة، وحلّت محلها قوات النظام، لتتحول قرى ناحية شيراوا: الذوق الكبير (كوندة مازن)، التي تسكنها حسن، والبصيلة (صوغانة)، عقيبة، الزيارة، الخربة، برج القاص، أبين (بينه)، كلوته، باشمرا، زرناعيت، مياسة، إلى خط تماس بين قوات النظام السوري والجيش الوطني.

تتعرض القرى لقصف مصدره فصائل المعارضة وتركيا بين فترة وأخرى، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، بينهم مقتل طالبة وإصابة أخرى، وتدمير العديد من المنازل وإحراق أراض زراعية وتضرر مدارس.

القصف الذي لا يعرف موعداً والأجواء الأمنية المضطربة تدفع سكان المنطقة إلى التزام بيوتها، وتضع العائلات أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما إرسال أطفالهم إلى المدارس وسط مخاوف من إصابتهم أو حرمانهم من التعليم بهدف حمايتهم!

تعليم في مرمى النيران

في قرى “خط التماس” بناحية شيراوا جنوبي عفرين، وبلدتي نبل والزهراء في ريف حلب، ذات الغالبية الشيعية، الواقعتين تحت سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية التابعة له، تسير العملية التعليمية وفق المتغيرات العسكرية، فتغلق المدارس أبوابها أثناء القصف، وينقطع الطلبة عن تعليمهم لأيام وأحياناً أسابيع، ويتكرر ذلك عدة مرات خلال العام الدراسي، كما قال معلمون ومعلمات وذوو طلبة في تلك القرى لـ”سوريا على طول”.

يرتاد مدارس قرى “خط التماس” بريف عفرين 1772 طالباً وطالبة، يتلقون تعليمهم على يد 148 معلماً ومعلمة، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من نورا عبدو، مسؤولة في إدارة ناحية شيراوا، التي تشرف على العملية التعليمية وتعتمد مناهج الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

قرى “خط التماس” على تخوم عفرين – 22 حزيران/يونيو 2023 (سوريا على طول)

قرى “خط التماس” على تخوم عفرين – 22 حزيران/يونيو 2023 (سوريا على طول)

وأوضحت عبدو أن بعض المدارس أغلقت أبوابها لمدة شهر تقريباً، منذ بداية العام الدراسي الحالي، الذي بدأ في أيلول/ سبتمبر 2023، بينما مدارس أخرى لنحو أسبوعين، وغيرها لمدة عشرة أيام، وسبب هذا التباين أن “القصف يختلف من قرية إلى أخرى”.

في العام الدراسي 2022-2023، أغلقت المدارس أبوابها لأكثر من 22 يوماً لذات السبب، بحسب الأرقام الرسمية، لكن بعض المدارس توقفت العملية التعليمية لمدة أطول، بحسب المسؤولة، مشيرة إلى أن “إدارة كل مدرسة لها حق اتخاذ قرار إغلاق المدرسة بناء على حالة القصف، لذلك لا يمكن تحديد عدد أيام الفاقد التعليمي بدقة”.

في مدرسة قرية الذوق الكبير (كوندة مازن)، التي يرتادها 250 طالباً وطالبة، ويعمل فيها 16 معلماً ومعلمة، عاش المعلمون والطلبة وذووهم يوماً عصيباً، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما سقطت قذائف بشكل مكثف في محيط القرية أثناء ساعات الدوام المدرسي.

وصفت زلوخ سيدو، 37 عاماً، وهي معلمة للصف السادس في مدرسة القرية، ذلك اليوم بـ”المرعب والمخيف”، قائلة لـ”سوريا على طول”: “كان الصوت قوياً، وعندما سمعه الطلبة بدؤوا بالصراخ”. في أعقاب صوت الانفجار “هرع أولياء الأمور إلى المدرسة لاصطحاب أبنائهم إلى المنزل، وهرعنا نحن أيضاً إلى منازلنا”، بحسب المعلمة.

في اليوم التالي للقصف، لم يحضر إلى المدرسة سوى أربعة طلاب من أصل 250 طالباً، وبعد يومين زاد عدد الحضور، إذ حضر بين 11 و15 طالب من أصل 40 طالب في كل صف، إلى أن عادت الحياة إلى طبيعتها، كما قالت المعلمة، وأكد ذلك عدد من المعلمين الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول”.

منذ بداية العام الدراسي الحالي، أغلقت المدرسة أبوابها ثمانية مرات بسبب القصف، وفي كل مرة يتغيب الطلبة بين ثلاثة أيام وأسبوع “خوفاً من تجدد القصف”، بحسب سيدو.

عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً، في التاسع من الشهر الحالي، عندما كانت “سوريا على طول” تتواصل مع أولياء أمور الطلبة في قرية الذوق الكبير للحديث عن تأثير القصف على تعليم أطفالهم وأمانهم، سُمع في التسجيلات المرسلة عبر تطبيق “واتساب” أصوات سقوط قذائف، يُعتقد أنها كانت تسقط على بلدة نبل بريف حلب، وفقاً للأهالي.

وبناء على أصوات القصف، قررت ليلى حسن بودق، 33 عاماً، التي كانت تتحدث لـ”سوريا على طول” لحظة القصف، عدم إرسال أطفالها إلى المدرسة في اليوم التالي، مضيفة: “هذا حالنا، الوضع سيء للغاية، لا ندري ماذا نفعل”. 

وفي اليوم التالي، قالت منيرة علي، وهي معلمة في قرية باشمرا، الواقعة أيضاً على “خط التماس” أن 40 طالباً وطالبة حضروا إلى المدرسة من أصل 105، بسبب القصف، مشيرة في حديثها لـ”سوريا على طول” إلى أن مدرسة القرية أغلقت أبوابها لمدة 15 يوماً منذ بدء العام الدراسي، لذلك “استمرار التعليم مرهون بوقف عمليات القصف”.

الأطفال ضحايا القصف

في “اليوم العالمي للأطفال الأبرياء ضحايا العدوان”، وهو يوم عالمي من أيام الأمم المتحدة، يصادف الرابع من حزيران/ يونيو، قٌتلت الطالبة زينب حسين إبراهيم، 14 عاماً وأصيب شقيقها بكر، الذي يصغرها بثلاث سنوات، إثر قصف تركي، عام 2021، استهدف منزلها في قرية كلوتة، الواقعة على خط التماس.

وقبلها بعام، ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة بينهم طفلة، عندما تعرضت قرية عقيبة، التابعة لناحية شيراوا، لقصف مصدره القوات التركية وفصائل المعارضة، في 25 شباط/ فبراير 2020. لقي الثلاثة حتفهم بعد انهيار سقف المنزل عليهم.

على وقع القصف المتكرر، قررت هيئة التربية والتعليم في إقليم عفرين، التابعة للإدارة الذاتية، التي تشرف على مدارس قرى شيراوا، بالإضافة إلى مدارس ريف حلب الشمالي التي يتوزع فيها نازحو منطقة عفرين، إغلاق مدرسة قرية صوغانة، قبل أربع سنوات، خوفاً على حياة الأطفال، نظراً لقرب القرية من النقاط التركية ومناطق نفوذ الفصائل المدعومة من أنقرة.

ومنذ إغلاق المدرسة، يضطر الطلبة إلى ارتياد مدارس القرى المجاورة، وهي أيضاً في مرمى النيران التركية والفصائل المدعومة منها.

عدا عن أن القصف قد يحصد أرواح الطلبة في مناطق “خط التماس”، إلا أنه أيضاً يؤثر على الحالة النفسية للطلبة، ويسبب لهم حالة من التوتر وعدم الاتزان، وفقدان التركيز في الدروس لأن تركيزهم منصب على القصف وتداعياته، كما قال عدد من المعلمين الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول”.

وفي ذلك، قالت سيدو أن “كثيراً ما يغادر الطلبة المدرسة إلى بيوتهم تاركين خلفهم حقائبهم المدرسة، ومن ثم يعودوا في اليوم التالي للبحث عنها”.

بالمحصلة، يؤدي الواقع الأمني المتردي في قرى “خط التماس” إلى “تراجع مستوى التعليم، وتأخير إنهاء المقررات الدراسية خلال العام الدراسي”، كما قالت نيروز أحمد، 27 عاماً، وهي زميلة سيدو في مدرسة قرية الذوق الكبير، لكن الأسوأ بالنسبة لها أن تلامس “التداعيات النفسية على الأطفال، وردات فعلهم أثناء سقوط القذائف”.

أضرار بالبنية التحتية

قبل عام، سقطت شظايا قذائف على ساحة مدرسة قرية الذوق الكبير (كوندة مازن)، ما أدى إلى كسر زجاج النوافذ، ووقعت الحادثة أثناء وجود الطلبة في المدرسة، لكن لم يصب أحد منهم بأذى، كما قالت مسؤولة الملف التعليمي في إدارة ناحية شيراو.

كذلك، اخترقت قذيفة جدار المدرسة الثانوية في قرية بينة، وهي من قرى “خط التماس”، قبل عامين، ولحسن الحظ وقعت الحادثة “في الصباح الباكر، أي قبل موعد توافد الأطفال إلى المدرسة”، بحسب المسؤولة، مشيرة إلى تكرار مثل تلك الحوادث، كما حصل في مدرسة قرية باشمرا، عام 2019، عندما تسبب الرصاص وسقوط شظايا قذائف بالقرب منها بحدوث ثقوب في جدران المدرسة.

ثقوب على جدران مدرسة باشمرا بناحية شيراوا التابعة لمنطقة عفرين، تسبب بها الرصاص وشظايا القذائف من جانب المعارضة المدعومة من أنقرة، 10 / 12/ 2023، (سوريا على طول)

ثقوب على جدران مدرسة باشمرا بناحية شيراوا التابعة لمنطقة عفرين، تسبب بها الرصاص وشظايا القذائف من جانب المعارضة المدعومة من أنقرة، 10 / 12/ 2023، (سوريا على طول)

أما قرية برج القاص، لم تتعرض لقصف من أنقرة أو الفصائل المدعومة منها، لكن قربها من نقاط تمركز القوات التركية، التي تقع على بعد كيلومتر واحد، يجعلها في خطر دائم، كما قالت مديرة المدرسة، التي يرتادها 120 طالباُ وطالبة في المرحلة الابتدائية، و230 طالب وطالبة في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

“عند سماع صوت القصف جل ما يدور في تفكيرك أن لا يصاب أحد التلاميذ بمكروه”، قالت فاطمة علي، 20 عاماً، معلمة للصف الثالث في مدرسة برج القاص، مستذكرة صرخات الأطفال وبكائهم عندما تعرضت القرية للقصف، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكيف كانت “عاجزة عن فعل أي شيء”.

حاولت علي “تهدئة التلاميذ والاقتراب منهم وإقناعهم بأن القصف يتركز على أماكن بعيدة”، بحسب قولها لـ”سوريا على طول:، وبعد إرسال الأطفال إلى منازلهم وإغلاق المدرسة “تجدد القصف بوتيرة أعنف”، مشيرة إلى أن المدرسة الابتدائية أغلقت أبوابها أكثر من أسبوعين منذ بدء العام الدراسي بسبب القصف المتبادل.

خوف الكوادر التعليمية من استهداف البنى التحتية وصل حدّ رفض الإدلاء بأي معلومات عن هذا الملف، كما حصل مع إدارة مدرسة في إحدى القرى، رفضت الإدلاء بشهادتها لـ”سوريا على طول”، خشية أن “يؤدي الحديث عن العملية التعليمية ومدرستنا إلى جعلنا هدفاً مباشر للقصف”.

وبينما تستحضر الأمهات قصصاً جميلة لأبنائهن قبل النوم، تحاول حنيفة حسن “تهدئة طفليّ عبثاً، لكنهما يناما خائفين ورافضين الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي خوفاً من القصف”، بحسب قولها.

شارك هذا المقال