8 دقائق قراءة

نقص المساعدات يخطف بهجة رمضان وعيد الفطر من سكان مخيم الزعتري

يكابد السوريون في مخيم الزعتري، وهو أكبر مخيم للاجئين السوريين في العالم، لتغطية مصاريفهم في شهر رمضان وعيد الفطر لهذا العام بعد أن خفض برنامج الأغذية العالمي مساعداتهم الغذائية، بنحو الثلث، عمّا كانت عليه في العام الماضي، بسبب نقص التمويل.


6 أبريل 2024

الزعتري- في مخيم الزعتري، يعرض أصحاب المحلات الغذائية تشكيلة واسعة من المواد الخاصة بشهر رمضان المبارك وعيد الفطر، بينما تتدلى الزينة فوق رؤوس المتسوقين من سكان أكبر مخيم للاجئين السوريين، الذي يشترون حاجياتهم لإعداد الموائد الرمضانية أو استعداداً للعيد.

في مطلع نيسان/ أبريل، استلم أهالي الزعتري، البالغ عددهم نحو 80 ألف شخص، مخصصات المساعدات الغذائية الشهرية من برنامج الأغذية العالمي، والمبلغ أقل بكثير مقارنة مما كان عليه في رمضان الماضي، بعد تخفيض المعونة الغذائية  للسوريين في الأردن في تموز/ يوليو 2023 نتيجة نقص التمويل. 

“المبلغ لا يكفي، لا يمكنك أن تشتري فيه شيء”، قال مروان*، رجل في منتصف العمر ينحدر من محافظة درعا، لـ”سوريا على طول” أثناء تسوقه. حالياً يتلقى سكان مخيمي الزعتري والأزرق، أكبر مخيمين للاجئين السوريين في الأردن، مساعدات نقدية مقدارها 15 ديناراً أردنياً (21 دولار) شهرياً للفرد، بينما كانت 23 دينارً (32 دولاراً) قبل التخفيض.

انخفاض المساعدات الغذائية وسوء الأوضاع المعيشية في المخيم خطفت بهجة شهر رمضان المبارك وعيد الفطر من سكان المخيم، المنشغلين بتأمين احتياجاتهم الأساسية.

صار وضع سكان المخيم “أسوأ بعد تخفيض المساعدات” حيث “الناس فقراء، ولا توجد فرص عمل”، بحسب مروان، الذي كان يهمّ بالانضمام إلى طابور المتسوقين، الذين ينتظرون الدفع عبر تقنية مسح حدقة العين الخاصة ببرنامج الأغذية العالمي.

امرأتان سوريتان تشتريان اللحوم من سوبرماركت "سيفوي" في مخيم الزعتري بالأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

امرأتان سوريتان تشتريان اللحوم من سوبرماركت “سيفوي” في مخيم الزعتري بالأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

تضاؤل “شريان الحياة”

“تعد المساعدات النقدية شريان الحياة للاجئين في كل من المخيمات والمجتمعات”، بحسب رولاند شونباور، الناطق باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، مشدداً في حديثه لـ”سوريا على طول” على أن “أهميتها تتجلى في المخيمات على وجه الخصوص، لأن فرص كسب العيش محدودة فيها”.

حالة فتور المانحين حيال الأزمة السورية، التي مرّّ عليها 13 عاماً، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية المتزاحمة وغياب حلول التنمية المستدامة فيما يتعلق بالسوريين في الأردن، تركت المنظمات الإنسانية في موقف لا يحسد عليه من أجل جمع التمويل اللازم لتغطية احتياجات اللاجئين المتزايدة.

يستضيف الأردن ثاني أكبر نسبة من اللاجئين مقارنة بعدد المواطنين فيه. بحلول عام 2024، بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية في الأردن 717 ألف، معظمهم سوريون. ويعيش غالبيتهم خارج مخيمات اللاجئين السوريين الرسمية الثلاثة الموجودة في البلاد. 

تمثل مساعدات برنامج الأغذية العالمي مصدر الدخل الرئيسي بالنسبة للاجئين في المخيمات، لتقرير المفوضية، الذي يغطي الربع الرابع من عام 2023. وسجل التقرير “انخفاضاً كبيراً” في الدخل الشهري للاجئين في المخيمات، وهو ما عزاه إلى تخفيض قيمة المساعدات. 

انخفض متوسط ​​الدخل الشهري في مخيم الزعتري من 287 دينار (405 دولارات) في الربع الثالث من عام 2023، إلى 195 دينار (275 دولاراً) في الربع الرابع. نحو 80 % من سكان الزعتري يعتمدون الآن على أغذية لا يحبّذونها  وتكلفتها أقل، في حين أن نصف السكان يقللون عدد الوجبات التي يتناولونها يومياً، ويحدون من  حصصهم أو يستهلكون كميات أقل حتى يأكل أطفالهم، بحسب المفوضية. 

بالإضافة إلى تخفيض المساعدات الغذائية، أوقفت المفوضية في الشتاء الماضي مساعدتها الشتوية، وهو مبلغ سنوي مقداره 175 دولاراً للاجئين في المخيمات، و100 دولار للاجئين خارجها، للمساهمة في تغطية مصاريف موسم الشتاء، مثل وقود التدفئة والبطانيات والملابس الشتوية، بحسب شونباور. 

وتتوقع وكالة الأمم المتحدة أنها ستضطر أيضاً إلى خفض المساعدات النقدية للاحتياجات الأساسية المخصصة للاجئين المحتاجين الذين يعيشون خارج المخيمات بنسبة 25 % في أيار/ مايو المقبل بسبب نقص التمويل.

بينما تتزايد احتياجات اللاجئين في الأردن بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة “يهوي التمويل المخصص للاجئين أرضاً”، على حد وصف شنوبارو، قائلاً: “نناشد جميع المانحين أن لا ينسوا الأردن، وأن يُوقفوا هذا الانحدار الكبير في حجم التمويل”. 

الركود يضرب “الشام إليزيه”

خارج أبواب سوبر ماركت “السيفوي” في مخيم الزعتري، وضع رجل مسن مجموعتي كوكا كولا ذات الست عبوات على دراجته، كان اشتراهما بـ 9.50 دينار (13.40 دولار) مستخدماً مخصصاته الغذائية، التي لا يمكنه صرفها إلا باستخدام تقنية مسح الحدقة من محلّي سوبر ماركت وأربع مخابز في المخيم، متعاقدة مع برنامج الغذاء العالمي.

قال رعد، الذي يعيش في مخيم الزعتري منذ مغادرة درعا في عام 2013، أنه ينوي بيع كل علبة ذات اللترين بتسعين قرشاً أردنياً (1.27 دولار)، فإن بيعت جميعها، سيحصل على 10.80 ديناراً (15.25 دولاراً) نقداً، يمكنه إنفاقه حيث يحلو له، ويجلب أصنافاً أخرى متوفرة في المحلات غير المعتمدة من برنامج الأغذية العالمي.

رجل سوري يضع خلفه مجموعتي "كوكا كولا" اشتراهما من المساعدات التي يتلقاها من برنامج الغذاء العالمي في مخيم الزعتري، بنية بيعها والاستفادة من ثمنها في مصاريف أخرى، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

رجل سوري يضع خلفه مجموعتي “كوكا كولا” اشتراهما من المساعدات التي يتلقاها من برنامج الغذاء العالمي في مخيم الزعتري، بنية بيعها والاستفادة من ثمنها في مصاريف أخرى، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

منذ افتتاحه في تموز/ يوليو 2012، شهد مخيم الزعتري نشاطات اقتصادية غير رسمية متنوعة، تركزت معظمها على امتداد ثلاثة كيلومترات من المحلات التجارية في شارع “الشام أليزيه”، وهو دمج الاسم الآخر للعاصمة دمشق مع شارع الشانزليزيه الباريسي.

هنا يمكنك أن تجد كل شيء تقريباً من محلات الألبسة والألعاب، إلى محلات الحلاقة والمطاعم. يُفضل الكثير من السوريين التسوق في الشام إليزيه، لأنهم يشعرون بحرية الاختيار، عدا عن أن أسعاره أرخص من محلات السوبرماركت المعتمدة من برنامج الأغذية العالمي. 

ولكن، في اقتصاد يعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات الإنسانية، فإن أي انخفاض طفيف في مستوى الدعم له تأثير هائل. قال أصحاب المحلات الخمسة في شارع “الشام إليزيه”، الذين تحدثت معهم “سوريا على طول” أنَّ وتيرة العمل في شهر رمضان الحالي تراجعت عما كانت عليه في العام الماضي، ويعود ذلك إلى خفض المساعدات.

“رمضان الفائت كان أفضل بكثير”، قال لـ”سوريا على طول” موظف في محل صغير يبيع مواد غذائية متنوعة، وهذا يتفق مع ما قاله صاحب محل أحذية في آخر الطريق، لافتاً إلى أن أرباحه هبطت تدريجياً، وأن ما يجنيه حالياً يساوي نصف ما كان يجنيه قبل عام 2020.

كما شعر رائد، وهو مستهلك، بهذا التغيير، معتبراً أن تقليص مساعدات برنامج الأغذية العالمي جعل “الاقتصاد بطيئاً”.  وأصبح الكثيرون أمثاله يشترون بـ”الدفع الآجل”، إذ إن “الثلاثين ديناراً لم تكن تكفي أصلاً”، على حد قوله.

محل حلويات في شارع "الشام الإليزيه" الحيوي بمخيم الزعتري، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

محل حلويات في شارع “الشام الإليزيه” الحيوي بمخيم الزعتري، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

“لا نعرف ماذا نأكل” 

كان عبء تخفيض المساعدات والانكماش الاقتصادي الذي تبعه أشد وطأة على الفئات الأكثر احتياجاً في مخيم الزعتري. 

دلال اسماعيل عسكر، تسكن في الزعتري منذ خروجها من درعا في عام 2013 رفقة خمسة من أبنائها، ثلاثة معاقين بالغين، وابنتين مراهقتين، بينما يسكن ابنها اسماعيل، 27 عاماً، بجوارها مع عائلته. أما زوجها، عاد مع أحد أبنائهما إلى سوريا، عام 2018، وليس بمقدوره إعالتهم.

في إحدى زوايا كرفانهم الصغير، تخبط علا ابنة دلال الكبرى، 30 عاماً، رأسها بركبتها باستمرار. يتردد صدى صوت الخبطات القوي المنتظم في كل أرجاء الغرفة، وتستلقي رغد، ذات العشرين عاماً، في الزاوية المقابلة بوضعية الجنين. علا ورغد كلتاهما تعانيان من شلل نصفي، بينما ابنها علاء، 26 عاماً، يعاني من إعاقة ذهنية. 

“الوضع كارثي خاصة في رمضان”، على حد وصف السيدة السبعينية، قائلة لـ”سوريا على طول”: “”أحياناً لا نعلم ماذا سنأكل على الإفطار لعدم وجود طعام كافٍ. أحياناً عندما نذهب إلى السوق  ونجد الأسعار مرتفعة جداً نعود بلا شيء”.

عادة، يتقلص حجم وجبات العائلة تدريجياً مع اقتراب نهاية الشهر، لاسيما في الأيام الأخيرة التي تسبق وصول المساعدات. في نهاية شهر آذار/ مارس، كانت مائدتهم على إفطار رمضان عبارة عن أطباق بسيطة كالفول والبطاطا المسلوقة، كما قالت العسكر، ونادراً ما تتناول عائلتها الأصناف غالية الثمن، كاللحوم والفواكه، بحسب قولها.

كانت عسكر تتلقى مساعدات غذائية نقدية من برنامج الأغذية العالمي قدرها 120 ديناراً (169.28 دولاراً) شهرياً عن الأفراد الستة في منزلها. وفي تموز/ يوليو الماضي، انخفض إجمالي المبلغ المخصص إلى 90 ديناراً (126.96 دولاراً)، يضاف هذا المبلغ إلى 28 ديناراً (39.67 دولاراً) شهرياً، تتلقاه من المفوضية لشراء فوط أبنائها البالغين والمواد الصحية وغاز الطهي. يشكل مبلغ برنامج الأغذية العالمي مجمل دخلها. 

في مطلع هذا الشهر، ذهبت عسكر إلى السوبر ماركت بعد شحن بطاقة المساعدات الخاصة بهم، وعندما رأت الكمية القليلة التي استطاعت شراءها ذرفت الدموع لأن “الطعام لن يكفينا الشهر كاملاً”.

دلال اسماعيل عسكر، 70 عاماً، تجلس في كرفانتهم بمخيم الزعتري إلى جانب ابنتها رغد،  20 عاماً، التي تعاني من شلل نصفي، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

دلال اسماعيل عسكر، 70 عاماً، تجلس في كرفانتهم بمخيم الزعتري إلى جانب ابنتها رغد،  20 عاماً، التي تعاني من شلل نصفي، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

يعمل إسماعيل، ابنها المقيم بجوارها، بين الفينة والأخرى في مزارع خارج المخيم، لكن عمله موسمياً، ولا يجني منه سوى خمسة دنانير (سبعة دولارات) يومياً. لا يملك تصريح عمل، لذا فهو يستخدم “إذن مغادرة” للخروج من المخيم والعمل بشكل غير رسمي. 

انخفض عدد تصاريح عمل السوريين في السنوات الأخيرة، الصادرة لأول مرة أو المجددة، بعد صدور اللائحة التنظيمية لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، التي  تُلزم حامليها غير الأردنيين بدفع رسوم شهرية مقدارها 16 ديناراً (23 دولاراً)، وهو يفوق قدرة غالبية السوريين.

يحمل 3,105 لاجئ في مخيم الزعتري تصاريح عمل، بينما يبلغ إجمالي سكان المخيم 80 ألف نسمة، وفقاً لتقديرات مفوضية شؤون اللاجئين.

التكيف السلبي

أمام باب “السيفوي” الذي يعجّ بالناس، يقف تسعة صبية مراهقين في انتظار المتسوقين لمساعدتهم في حمل مشترياتهم إلى منازلهم، مقابل حصولهم على نصف دينار (0.70 سنتاً) لكل نقلة، كما قال أحدهم، الذي يبلغ 18 عاماً من عمره، لافتاً إلى أن معظمهم يعمل لمدة ست ساعات يومياً بهذا العمل، ويحاولون الذهاب إلى المدرسة بين جولات البقالة.  

وحتى قبل تخفيض مساعدات برنامج الأغذية العالمي، كان اللاجئون السوريون في المخيمات يلجؤون باستمرار إلى استراتيجيات التكيف السلبية من أجل إعالة أنفسهم، بما في ذلك عمالة الأطفال، وسحب الأطفال من المدارس، وزواج الأطفال، بحسب البرنامج. 

وفي هذا السياق، قال شونبارو: ” نشهد ارتفاعاً في استراتيجيات التكيف السلبية، وهذا يقلقنا حقيقة”. تثير مخاوفه استدامة المخيمات مع دخول أزمة سوريا عامها الرابع عشر ولا نهاية تلوح في الأفق.  

“الحلول المستدامة غير موجودة… وليس هناك فرصة مباشرة للعودة الآمنة والكريمة إلى سوريا، بينما احتمالات إعادة التوطين محدودة”، وفقاً لشونبارو.

على الرغم من أن إعادة توطين اللاجئين من الأردن وصلت إلى أعلى معدل، العام الماضي منذ عام 2016، إذ أُعيد توطين 10,700 شخص من النساء والرجال والأطفال في  بلد ثالث، لكن هذا العدد هو “نقطة في البحر بالنسبة لاحتياجات إعادة التوطين”، التي تفوق أعداد المغادرين بنحو سبعة أضعاف، بحسب شونبارو.

شارع على أطراف مخيم الزعتري للاجئين السوريين، شمالي الأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

شارع على أطراف مخيم الزعتري للاجئين السوريين، شمالي الأردن، 03 / 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

 بينما وقف الصبية بانتظار الزبائن للخروج من السوبر ماركت، سقطت علبتا كوكا كولا فارغتان من الجيوب الخلفية لصبي عمره  13 عاماً، فانحنى لالتقاطهما قائلاً أنه ينوي بيعهما بـ خمسة قروش، أي سبعة سنتيمات للكيلوغرام الواحد.

قال الصبي أنه الأكبر من بين خمسة إخوة، ولا أحد يعمل في عائلته غيره، ونظراً لأنه “لا يوجد لدينا نقود… أي مبلغ يساعدنا”.

 

* طلبت بعض المصادر عدم ذكر اسمها، لذلك أشارت “سوريا على طول” إليها بأسماء مستعارة.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال