10 دقائق قراءة

الأرامل السوريات في الأردن: معاناة صنعها فقدان “الثبوتيات” وفاقمها الفقد

فاطمة هي واحدة من كثير من النساء السوريات اللاجئات إلى الأردن اللواتي فقدن أزواجهن أثناء الحرب السورية، ويواجهن مشاكل عدة تتعلق بعدم امتلاكهن الوثائق الرسمية، من عقود الزواج وشهادات الوفاة لأزواجهن وبيانات العائلة


3 فبراير 2021

عمّان – برصاصة طائشة أثناء اشتباكات بين فصائل المعارضة وقوات نظام الأسد، في كلية درعا التابعة لجامعة دمشق حيث يدرُس، قضى زوج فاطمة، في كانون الثاني/ يناير 2013، تاركاً وراءه زوجته ذات 21 عاماً، والحامل بطفلهما الثاني.

بعد أيام من ذلك، و”بسبب شدة المعارك التي كانت تعيشها محافظة درعا حينها”، قررت فاطمة، كما روت لـ”سوريا على طول”، الهروب مع أهلها إلى الأردن. لكن لأجل ذلك كان عليها خوض محاولات عدة لإقناع عائلة زوجها بضرورة السماح لها باصطحاب ابنتها البالغة آنذاك قرابة السنة من عمرها.

موافقة عائلة الزوج التي حصلت في النهاية، كانت مشروطة بإعادة الفتاة إلى العائلة حينما تبلغ عمر الثامنة. كما منع والد الزوج فاطمة من أخذ “دفتر العائلة”، مكتفياً بمنحها “صورة” عنه، وهو ما لم يبد مشكلة في نظر فاطمة حينها، لكن ستكتشف الأم الشابة لاحقاً أنه سيكلفها وطفليها الكثير من المشقة.

فاطمة هي واحدة من كثير من النساء السوريات اللاجئات إلى الأردن اللواتي فقدن أزواجهن أثناء الحرب السورية، ويواجهن مشاكل عدة تتعلق بعدم امتلاكهن الوثائق الرسمية، من عقود الزواج وشهادات الوفاة لأزواجهن وبيانات العائلة، بحسب خمس سيدات تحدث إليهن “سوريا على طول” لغرض إنتاج هذا التحقيق؛ إذ لا تتوفر إحصاءات رسمية بهذا الشأن.

صراع الحضانة

قبل سنتين، تعرضت ابنة فاطمة، التي تبلغ تسع سنوات الآن، لمحاولتي خطف في العاصمة عمّان، من قبل شقيق والدها، وفقاً لفاطمة. في المرة الأولى، كما روت “حاول اختطافها من المدرسة، لكن محاولته باءت بالفشل”، فيما تمكن في المرة الثانية من اختطافها من أمام منزلها لساعات. إذ تمكن “الأمن العام” الأردني من إلقاء القبض عليه، وأعيدت الطفلة لوالدتها. لاحقاً، تم الإفراج عن عمّ الطفلة، بعد تنازل والدتها عن الشكوى المقدمة ضده، بفعل “تدخل وساطات عشائرية، تعهد فيها [العمّ] أن لا يقترب من ابنتي أبداً، ومنذ ذلك الحين توقف عن افتعال المشاكل”، بحسب فاطمة.

وعلى الرغم من أن النصوص القانونية السورية والأردنية واضحة في مسألة حضانة الأطفال، إلا أن عدم وجود دراية قانونية لدى بعض الأرامل اللاجئات قد يتسبب لهن بالكثير من المشاكل التي قد تصل حد خسارة أطفالهن، كما حصل مع الأرملة اللاجئة إلى الأردن، يمنى إبراهيم، 36 عاماً، والتي حرمت من أطفالها، بعد خلاف عائلي وقع بينها وبين عائلة زوجها الذي توفي بعد أشهر من وصوله إلى الأردن العام 2012، متأثراً بجراح أصيب بها في سوريا.

إذ على إثر الخلاف، مع بداية العام 2013، غادرت يمنى منزل عائلة زوجها، حيث كانت تقيم، إلى منزل والدها، مصطحبة معها طفلها الرضيع، وتاركة طفليها الآخرين عند جدتهم. لكن بعد نحو أشهر من ذلك علمت الأم بعودة أهل زوجها إلى سوريا مصطحبين معهم طفليها، من دون أن يخبروها بذلك. 

“حاولت استعادة طفلي من خلال الاتصال بعائلة زوجي، لكنهم رفضوا”، كما روت يمنى لـ”سوريا على طول”. لاحقاً “علمت أن جدة الطفلين سافرت بهما إلى ألمانيا حيث يقيم عمهما الأكبر”، وهو ما أدخل الأم في “صدمة نفسية” على حد تعبيرها، لأن وصولها لولديها “أصبح صعباً جداً، كما أن أخاهما الأصغر كبر من دون أن يعرفهما”.

في محاولة لاستعادة لم شمل عائلتها، لجأت يمنى إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عمّان، طالبة ضم ملفها وطفلها الباقي معها لملفات إعادة التوطين في ألمانيا، لأجل أن “ألتقي بطفلي”. كما أجرت الأم، عدة مقابلات لدى منظمة الهجرة الدولية، بغرض إعادة التوطين في ألمانيا. لكن حتى اللحظة لم تحصل على موافقة السفر، و”لا أعلم مصير ملفي”.

وبحسب المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية الأردني، فإن الأم أحق بحضانة ولدها، ضمن شروط، من قبيل أن لا تكون متزوجة بغير محرم من الصغير، إضافة إلى شروط عامة أخرى، تطبق على أي حاضن للطفل، من مثل “أن يكون بالغاً عاقلاً سليماً من الأمراض المعدية الخطيرة أميناً على المحضون قادراً على تربيته وصيانته دينياً وخلقاً وصحة، وأن لا يضيع المحضون عنده لانشغاله عنه وأن لا يسكنه في بيت مبغضيه أو من يؤذيه وأن لا يكون مرتداً”، بحسب الفقرة (أ) من المادة 171 من القانون ذاته.

إثبات الوفاة لأجل “الوصاية”

في العام 2017 أبلغت مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن عائلة فاطمة أنه قد تم اختيار العائلة ضمن برنامج إعادة التوطين في الولايات المتحدة. وخلال المقابلة الأولى، طلب والد فاطمة من موظف المفوضية إدراج ملف فاطمة وطفليها ضمن ملف العائلة حتى يتمكنوا من السفر جميعاً، “كون عائلتي لا تستطيع تركي وحدي وطفلي في الأردن”، وفقاً لفاطمة.

في اليوم ذاته، اتصلت المفوضية بفاطمة تطلب منها “إثباتاً رسمياً بوفاة زوجها، ودفتر عائلة، وموافقة جد الطفلين من جهة الأب على سفرهما”. ونتيجة لعدم امتلاك فاطمة أي أوراق رسمية، اعتذر الموظف عن ضم ملفها إلى ملف عائلتها، وليقرّر والد فاطمة كذلك التخلي عن السفر.

على عكس فاطمة، تمكنت أم محمد، الأرملة اللاجئة من مدينة حمص وسط سوريا، من الحصول على إثبات بوفاة زوجها الذي قضى تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد العام 2013، قبل عام واحد من دخولها وطفليها إلى الأردن.

وقد تمكنت السيدة البالغة 35 عاماً، من الحصول على شهادة وفاة زوجها، من الحكومة السورية من خلال أحد أصدقاء العائلة في مدينة حمص، ما يعني أنه أصبح من السهل عليها الحصول على “حجة وصاية” على طفليها، بعد أن اشترطت منظمة الهجرة الدولية “وجود ورقة وصاية على الطفلين، لإكمال ملف إعادة التوطين الخاص في بلجيكا”، كما قالت لـ”سوريا على طول”. وهو ما تم في يوم واحد من خلال إحدى المحاكم الشرعية في عمّان، بعد أن “طلب مني القاضي إحضار شاهدين يشهدان أمامه بوفاة زوجي وأني أم طفلي ولم اختطفهما”.

وبحسب القانون رقم 4 للأحوال الشخصية السوري، فإن “الوصاية” حق يمنحه القاضي لشخص من أجل مراعاة مصلحة الأطفال. والولي الوصي بعد الأب هو الجد من العصبة أو العم، إلا إذا تقدمت الأم للقاضي الشرعي بطلب للحصول على “وصاية” بغرض إصدار جواز سفر أو حتى السفر بأولادها، أو يمكن أن يعين القاضي وصياً على الطفل من قبله. 

وبحسب الفقرة (3) من المادة 150 من القانون ذاته، فإنه “ليس لأحد الأبوين أن يسافر بولده خارج الجمهورية العربية السورية” أثناء الزوجية أو خلال فترة حضانته، “إلا بإذن الآخر، ما لم تقتضِ المصلحة الفضلى للولد خلاف ذلك، ويعود تقديرها للقاضي بقرار معلل”. أما في حال وفاة الزوج وانتقال الوصاية إلى شخص آخر، فإنه يتوجب على الأم الحصول على وصاية بغرض السفر عبر تنازل الوصي لصالحها، أو من خلال دعوة قضائية ينظر فيها القاضي، تراعى فيها مصلحة الطفل بالدرجة الأولى.

وخلال السنوات الأولى من عمر الثورة التي تدفق خلالها اللاجئون السوريون إلى الأردن، فإن الغالبية العظمى منهم وصلوا إلى البلاد من دون “أوراق ثبوتية”، لاسيما النساء الأرامل وعائلاتهن، من اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب، أو أصبحوا في عداد المفقودين والمختفين قسرياً. لاحقاً، شكل فقدان هذه الأوراق الثبوتية، خصوصاً الأوراق التي تثبت وفاة الزوج، العديد من المشاكل للأرامل وعائلاتهن نظراً لزيادة الحاجة إليها، لاسيما فيما يتعلق بقضايا إعادة التوطين وسفر الأطفال، وكذلك الميراث. 

وقد حاول “سوريا على طول” الاتصال بمنظمة الهجرة الدولية (IOM)-مكتب عمّان، عدة مرات لمعرفة الإجراءات التي يتم اتباعها في الحالات المشابهة، لكن لم يصل أي رد حتى لحظة نشر التقرير.

لكن مصدراً قانونياً يعمل في إحدى المنظمات الدولية التي تقدم خدمات قانونية للاجئين في الأردن، فضل عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، أوضح أنه “في حال كانت الزوجة تملك شهادة وفاة صادرة عن وزارة العدل في سوريا، ومصدقة حسب الأصول من السفارة السورية في عمّان، فإنها تستطيع أن تحصل من المحكمة الأردنية على ورقة وصاية على أطفالها بقصد السفر، بعد أن يتم تصديقها من دائرة قاضي القضاة في الأردن، ومن ثم الخارجية الأردنية”.

في المقابل، تظهر مشكلات قانونية عديدة “عندما تطلب الزوجة مساعدتنا للحصول على وصاية مصدقة والزوج مفقود وليس متوفى”، كما أضاف المصدر لـ”سوريا على طول”، موضحاً أن “الحل في هذه الحالة يكون من خلال قدرة المحامي الذي يعمل في منظمة الهجرة الدولية على إثبات حالة الزوجة الاجتماعية من خلال إدارة الإقامة والحدود الأردنية، عبر الحصول على مشروحات من الأخيرة توضح إن كان هناك تسجيل دخول أو خروج الزوج إلى الأردن”.

الرشى هي الوسيلة في “سوريا الأسد”

لم تستطع هيام العبد الله، اللاجئة المقيمة في عمّان، إثبات وفاة زوجها في السجلات الرسمية السورية، ما حرمها لاحقاً من القيام بـ”إجراءات حصر الإرث”، لتحصيل حقوقها وحقوق أطفالها الثلاثة، كما قالت.

وكان زوج هيام، 32 عاماً، قُتل مطلع العام 2013 في مدينة درعا، بعد ثلاثة أشهر من وصول زوجته وأطفالهما الثلاثة إلى الأردن، أثناء “قتاله مع الثوار، ما يعني أنه إرهابي في نظر النظام السوري”، كما قالت هيام لـ”سوريا على طول”، الأمر الذي شكّل عقبة كبيرة لعائلة العبد الله في محاولة “إصدار شهادة وفاة له”.

إذ بالرغم من محاولة والد زوجها الحصول على شهادة وفاة من مديرية الأحوال المدنية (النفوس) في مدينة درعا عن طريق أحد أصدقائه المحامين، إلا أنه “ما إن بدأت المعاملة تأخذ مجراها قضائياً حتى تم استدعاء المحامي لأحد الأفرع الأمنية، مما اضطره أن يوقف المعاملة”.

ومؤخراً، اتصلت هيام بمحامية تقيم في العاصمة دمشق، لمعرفة ما إذا كان بإمكانها استخراج “إثبات الوفاة” لزوجها. وقد أكدت المحامية إمكانية ذلك مقابل “مبلغ 150 ألف ليرة سورية [49 دولاراً أميركياً، بحسب سعر الصرف البالغ 3,035 ليرة في السوق الموازية]”، وهي ليست رسوم استكمال المعاملة أو أتعاب المحامية، إنما غالبيتها رشى.

وفي بعض الحالات قد يكون دفع الرشوة لأكثر من مرة وأكثر من جهة، كما في تجربة سمية الحمد، التي توفي زوجها بالسرطان في أيار/مايو 2013، بعد أيام من لجوء العائلة للأردن قادمين من محافظة درعا. 

إذ بعد أربع سنوات من الحادثة، توجب على الحمد، 48 عاماً، استخراج شهادة وفاة لزوجها لإتمام عقد قران ابنتها في الأردن، وهو ما تم بشكل سلس كون الوفاة حصلت في الأردن أيضاً. 

تالياً، في العام 2019، اضطرت الحمد للعودة إلى سوريا لإعادة ابنها القاصر معها إلى الأردن، والذي كان قد غادر إلى سوريا وحده من دون علم والدته. وفور وصولها إلى سوريا، كما روت، “ذهبت إلى النفوس [مديرية الأحوال الشخصية] لتثبيت وفاة زوجي. وقد ختم موظف النفوس على دفتر العائلة بوفاته، ومن ثم تحولت القضية للقضاء الشرعي”. هناك “تحدثت لرئيس الديوان في المحكمة الشرعية في دمشق بعد حصولي على شهادة الوفاة بأني أريد الوصاية على أطفالي وهم قصّر، فأجابني بأنه يجب على عم الأطفال الحضور كون الجد متوفى، حتى يتنازل عن الوصاية”. وعندما وصلت القضية إلى القاضي “أخبرته بأن أعمام الأطفال ماتوا تحت القصف، ولم يتبق إلا واحد منهم يقيم في لبنان ولن يقبل بمنح الوصاية لي، فكان رد القاضي برفض طلبي”. لكن مع انتهاء الجلسة، أخبرت إحدى الموظفات العاملات في المحكمة الحمد، بأنها تستطيع مساعدتها لكن “مقابلة رشوة مالية”، كما قالت. وهو ما كان فعلاً، إذ استطاعت الأم الحصول على ورقة وصاية في اليوم نفسه، معلقة:

“في الأردن، يتعامل معك موظفو الحكومة برحمة، لاسيما عندما يعلمون أنني أرملة ومريضة، وقد تعاونوا معي في الكثير من المعاملات بإنسانية واحترام. لكن في سوريا يتعامل الموظفون معك على أساس المال، ادفع وخذ ما تشاء بغض النظر من أنت”.

لكن رغم وجود ورقة تثبت وصايتها على أطفالها، فإن ضابطاً على الجانب السوري من الحدود أوقف الحمد أثناء عبورها وولدها للأردن من خلال معبر جابر-نصيب، زاعماً “أن ورقة الوصاية التي أحملها تتيح لي الوصاية على أملاك أولادي فقط، دون السفر بهم”. لذا اضطرت الحمد إلى الاتصال بعمّ أطفالها الوحيد لتخبره بما حدث. مضيفة: “أرسل لي عبر تطبيق واتساب ورقة كتب عليها اسمه وتوقيعه والتاريخ وموافقته على سفر طفلي”. لكن ذلك، لم يقنع الضابط الذي سمح لها أخيراً بالعبور رفقة ولدها “بعد أن دفعت له رشوة مالية”، كما قالت.

بحسب المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية السوري، فإن الوصاية على الأطفال القصّر “للأب ثم للجد العصبي ولایة على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان القیام بها”، بحيث لا يمكن للأم التصرف بأموال القاصر، وحتى السفر به، من دون موافقة الوصي أو تنازله لها عن الوصاية.

عقدة المساعدات الصحية والإغاثية 

مع اجتياز فاطمة الحدود الأردنية، العام 2013، بدأت تنتابها آلام المخاض، فتم تحويلها إلى إحدى النقاط الطبية في مخيم الزعتري. بعد وضع مولودها، طلبت إدارة المخيم “مني النسخة الأصلية عن دفتر العائلة وأنا لا أملك سوى صورة عنه”، كما قالت، و”بعد نقاشات طويلة أخبرتهم خلالها بخروجي بعد وفاة زوجي بأيام، وأني لا أملك ثبوتيات، تساهلوا معي وتم تسجيل الطفل في بطاقتي”.

وعلى الرغم من تعاون إدارة المخيم في حالة فاطمة، فإن الإجراءات القانونية لتسجيل قيد ولادة للاجئة زوجها متوفى، تتمثل، بحسب ما قال المصدر القانوني، في “إصدار الزوجة حجة وصاية مؤقتة على أطفالها من المحكمة الشرعية للتوثيقات، لا تؤهلها للسفر بهم، وإنما تضمن فقد بقاءهم في كنفها، بقصد رفع دعوى قضائية” لتسجيل قيد الولادة. تالياً “عندما تصل الدعوى إلى منظمتنا، توقع الزوجة على وكالة، ونبدأ نحن بتسيير الإجراءات أمام محكمة صلح الحقوق، ونحصل على قرار بتسجيل قيد ولادة ويتم تنفيذها”.

في هذا السياق، رفضت جمعية الكاريتاس (Caritas)، في العام 2014، استلام طلب أم محمد لمساعدتها في إجراء عملية جراحية لطفلها لإزالة لوزتيه، معللة الرفض بأن “زوجي غير موجود، وهم يحتاجون موافقة الأب لإجراء العمل الجراحي”. وهو ما دفع أم محمد إلى الاتصال بمكتب “المفوضية” في عمّان طلباً للمساعدة. وقد قامت الأخيرة بالتواصل مع الجمعية “وأخبروهم بوفاة زوجي، وعدم وجود أي من أقاربه في الأردن، فوافقت حينها على إجراء العملية”، كما روت أم محمد.

كذلك، وبحسب الأرامل اللواتي تحدث إليهن “سوريا على طول”، فإن

غالبية المنظمات الإنسانية التي تقدم دعماً خاصاً للأرامل السوريات اللاجئات إلى الأردن، تطلب منهن إبراز شهادة وفاة مصدقة لأزواجهن لأجل الحصول على المساعدات المخصصة لهنّ. وفي حالات نادرة تستطيع الأرملة إقناع تلك المنظمات بأهليتها للحصول على المساعدة من دون إثبات.

فبالنسبة لفاطمة التي تعيش مع أهلها في الأردن، فإن عائلتها هي المعيل الوحيد لها. وعندما ذهبت إلى إحدى الجمعيات لتسجيل أطفالها، للاستفادة من المعونات المقدمة للأيتام، “لم يقبلوا تسجيلهم لعدم وجود ما يثبت وفاة أبيهم”، كما قالت. 

وكانت فاطمة طلبت من أهل زوجها مساعدتها في إصدار شهادة الوفاة، إلا أنهم “رفضوا ذلك، بحجة أني حرمتهم من رؤية حفيدتهم بسفرها معي للأردن، خاصة وأنهم لا يستطيعون زيارتها بعد إغلاق المعابر الحدودية”.

وفسّرت هيام سبب إصرار منظمات إنسانية تقدم المساعدة للأرامل على اعتماد إثبات الوفاة الرسمي بأنه نتيجة “كشفها [المنظمات] كذب وتحايل العديد من النساء اللواتي قلن بأنهنّ أرامل، فيما الحقيقة أن أزواجهن لا يزالوا على قيد الحياة، إما في سوريا أو في دول الخليج”. موضحة أن “تلك الإدعاءات الكاذبة للحصول على المساعدة، أثّرت علينا سلباً كأرامل لا نملك أي ثبوتيات، وحرمتنا الاستفادة من أي معونة إغاثية”.

قضايا معقدة وأخرى قابلة للحل

استناداً إلى القضايا القانونية اللاتي يواجهنها، يصنف المصدر القانوني اللاجئات السوريات الأرامل في الأردن إلى أربع فئات. إذ “هناك فئة من النساء اعتقل أزواجهن أو فقدوا في سوريا، ودخلن الأردن وهن حوامل بطفل أنجبنه على الأراضي الأردنية”، لكنهن لا يحملن أوراقاً ثبوتية، و”هنا نعتمد على شهادة الشهود بأن الزوج مفقود من عدة سنوات، وليس ميتاً. وهذه القضايا يتم حلها بنسبة 70 إلى 80%، ونستطيع مساعدة الزوجة”.

أما الفئة الثانية، فتشمل “النساء اللواتي وصلن إلى الأردن والزوج متوفى. وفي هذه الحالة نصل إلى طريق مسدودة. لأننا عندما نذهب إلى المحكمة، ونسجل دعوى إثبات وفاة، تتعرض الدعوى للعديد من الإشكالات ومن ثم يتم إسقاطها، لأن الزوج توفي خارج الأراضي الأردنية”. مضيفاً المصدر: “عندما يكون الزوج مفقوداً تحل المشكلة، لكن إذا كان توفي فهذا صعب وخارج اختصاص المحاكم الأردنية”.

الفئة الثالثة تتعلق بالنساء “اللواتي دخلن إلى الأردن ولا يملكن إثبات زواج بأزواجهن الذين فقدوا في سوريا، أو حتى إثبات طلاق إن كنّ مطلقات. ويتزوجن مرة أخرى في الأردن بعقد شيخ خارج المحكمة”. موضحاً أن “هذه الفئة تحتاج منا عملاً لأشهر”، لأننا “نضطر للمضي بإجراءات تثبيت الزواج الثاني ومن ثم  إثبات نسب الأطفال من الزوج الأول، وبعدها إثبات نسب الأطفال من الزوج الثاني. وهنا أكثر ما يهمنا تثبيت نسب الأطفال، وهذه القضايا يتم حلها بالتدريج قضائياً”.

أما الفئة الرابعة فتشمل نساء يصارعن مع قضايا “دخل فيها التزوير، من قبيل دخول الزوجة باسم مستعار إلى الأردن، أو [في حالة] الزوجة التي دخلت على أنها إحدى بنات أهل الزوج وليست زوجة ابنهم، لتسهيل إجراءات الدخول. والمشكلة الأكبر هنا عندما تتزوج الزوجة مرة ثانية على الأراضي الأردنية وتنجب أطفالاً، ويتم تثبيتهم على اسمها المزور”. لافتاً إلى أن “بعض القضايا من هذا النوع تحول إلى المدعي العام وتطبق عليها عقوبة السجن. وهنا نبقى في انتظار تصويب الأوضاع من الحكومة لمثل هذه الحالات”.

* تم استبدال أسماء المصادر كافة بأخرى مستعارة حرصاً على سلامة أصحابها.

شارك هذا المقال