4 دقائق قراءة

هل ينجح “مؤتمر بروكسل” في تجاوز أزمة المساعدات الدولية للسوريين في الأردن؟

يحتاج برنامج الأغذية العالمي إلى 72 مليون دولار لتقديم المساعدات الغذائية لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، في النصف الثاني من العام الحالي. وبغير ذلك سيضطر إلى تقليص شريحة مستفيدي الدعم.


21 مارس 2021

عمان – “يؤسفني أن أنقل أخباراً حزينة … أن برنامج الأغذية العالمي في الشهر الرابع من هذا العام سيقوم بقطع المساعدات الغذائية عن ما يزيد عن 190 ألف لاجئ في داخل الأردن وسيستمر هذا القطع بالتزايد حتى شهر ستة [حزيران/يونيو] عندما لا يكون هناك أي نوع من أنواع المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي وهي مساعدات غذائية… ونحن كمفوضية للاجئين لا يتوفر لدينا النقد الكافي لبرنامج المساعدات النقدية لأكثر من منتصف هذا العام”. 

كان ذلك هو التحذير الذي أطلقه الناطق الرسمي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، محمد الحواري، الإثنين الماضي، والذي يعني تحققه المساس بالمتطلبات الاساسية لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري مسجلين في المفوضية. معللاً ذلك، في حديث لبرنامج “العاشرة” على قناة “المملكة” الأردنية، بـ”خلل في التمويل اللازم لبرامج الاستجابة لمتطلبات ديمومة الحياة للاجئين السوريين، إلى جانب غياب الحل السياسي لإنهاء الأزمة، وانعدام الرؤى تجاه عودتهم وإعادة توطينهم في بلدهم”.

من الحافة إلى ما دون خط الفقر

“أخشى أن نستيقظ في أحد الأيام ولا نجد ما نأكله. لدي طفلان كفيفان ولا أستطيع تركهم والخروج للبحث عن عمل”، قالت ولاء قدّاح، اللاجئة السورية المقيمة في عمّان، بقلق واضح. 

ومنذ اجتيازها الحدود الأردنية رفقة أهلها وأطفالها الثلاثة، العام 2013، سعت السيدة قدّاح، 31 عاماً، إلى التعايش مع أعباء جديدة فرضها اللجوء وعمّقتها مسؤولية إعالة أطفالها وحدها بعد طلاقها، بواسطة خدمات منظمات الأمم المتحدة. وهي تعتمد على “الكوبونات” التي يقدمها “الأغذية العالمي” لتأمين حاجات أسرتها من السلع الأساسية، مثل الرز والسكر والزيت. أما حصتها من برنامج “بصمة العين” المستخدم من المفوضية لتقديم المساعدات النقدية للاجئين، وتبلغ 125 ديناراً، فتنفقها على المصاريف الأخرى، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وعشية الإعلان عن تقليص مساعدات “الأغذية العالمي” مع احتمالية توقفها نهائياً، قدرت منظمات الأمم المتحدة وجود أكثر من 80% من اللاجئين السوريين المسجلين في المفوضية في الأردن تحت خط الفقر. كما أن ربع هؤلاء اللاجئين المسجلين والبالغ عددهم أكثر من 660 ألف شخص، يعانون انعدام الأمن الغذائي (الجوع)، و65% على حافة انعدام الأمن الغذائي.

كذلك، كانت حذرت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الأردن، تانيا شابوزيت، في الذكرى العاشرة لاندلاع الحرب في سوريا، 15 آذار/مارس الحالي، مما وصفته بـ”سبل التكيف السلبية” التي لجأت إليها بعض الأسر، لمواجهة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، لاسيما عقب تفشي وباء كورونا وتداعياته الاقتصادية. وهي سبل تشمل، مثلاً “ارتفاع نسب عمالة الأطفال والأميّة والتسول، ولجوء العائلات المتضررة إلى تزويج بناتهن القاصرات، في إطار سعيها للتكيف مع الواقع الجديد”، بحسب مسؤولة الإعلام والاتصال في برنامج الأغذية العالمي في الأردن، دارا المصري، في تصريح لـ”سوريا على طول”.

فمع بداية تفشي فيروس كورونا، تضاعفت أعباء سهى عواد، 37 عاما، اللاجئة من درعا منذ العام 2012، فاضطرت إلى إخراج أكبر أبنائها الذكور من المدرسة، أحمد، 15 عاما، ليلتحق بوظيفة مساعد “بقّال” بأجر شهري يبلغ 160 دينارا، وإلى تزويج إحدى بناتها، 17 عاما، في منتصف العام الماضي.

وتنتظر أم أحمد 160 ديناراً توفرها “الكوبونات”، عبر صرفها نقداً، لتدفع أجرة منزلها في عمّان، فيما يتكفل أحمد وبرنامج بصمة العين بـ155 ديناراً تنفقها على أدوية زوجها الذي يعاني مرضاً نفسياً مزمناً، وحاجات أخرى كالأكل والشرب والمواصلات. 

“خيارات جميعها مرّ، بدنا نعيش” هكذا أجابت سهى عن سؤال “سوريا على طول” حول دوافع زجّها أبنائها القُصّر في سوق العمل ومعترك الحياة الزوجية، وأردفت: “أخشى أن أضطر إلى اتخاذ قرارات أكثر قسوة في الأيام القادمة”.

بانتظار مؤتمر بروكسل؟

قرار تقليص مساعدات برنامج الأغذية العالمي “ليس قطعياً، بحسب المصري، إذ “ما تزال الفرصة متاحة أمام المجتمع الدولي والدول المانحة لتوفير التمويل اللازم، كي يستمر وصول خدمات البرنامج إلى اللاجئين”.

ويحتاج البرنامج إلى 72 مليون دولار لتقديم المساعدات الغذائية لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، في النصف الثاني من العام الحالي. وبغير ذلك سيضطر إلى تقليص شريحة مستفيدي الدعم، كما أضافت المصري. موضحة أن المبالغ المتوفرة حالياً لا تغطي إلا الفئات الأكثر هشاشة، أي نحو 326 ألف لاجئ، حتى تموز/يوليو المقبل.

في الأثناء، تتجه الأنظار إلى مدينة بروكسل، حيث يعقد الاتحاد الأوروبي، يومي 29 و30 آذار/مارس الحالي، مؤتمر المانحين من أجل “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”. ويستعرض المؤتمر في نسخته الخامسة، ضمن قضايا أخرى، دور الجهات الفاعلة الدولية في التمويل الإنساني.

وينتظر اللاجئون السوريون والأردن توسيع قنوات الدعم على الأرض، وترجمة عبارة “الحل السياسي” إلى إجراءات تضمن حماية حق اللاجئ في الحياة والعمل، والتعبير عن الرأي وما يصبون إليه، وتأمين عودة طوعية كريمة آمنة”، كما قال مدير عام مركز “نماء” للدراسات الإستراتيجية، فارس بريزات، لـ”سوريا على طول”.

وأضاف بريزات: “غياب الحل السياسي إلى جانب أزمات مالية معقدة عمقتها جائحة كورونا، أدى إلى إعياء المنظمات الدولية والدول المستضيفة واللاجئين أنفسهم، ما يوجب تحمّل جميع الأطراف المسؤولية، ولا يمكن للأردن وحده أن يتحمل كلفة الأزمة”.

وبحسب دراسة أجرتها “نماء”، يرفض لاجئون سوريون العودة إلى ديارهم، خوفاً من غياب الأمن والاستقرار هناك.

بالتزامن، يواجه الأردن أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أفضت إلى نسبة بطالة غير مسبوقة بلغت 24.7% نهاية العام الماضي. كما يقدر ارتفاع نسبة الفقر المطلق إلى 15.7%. ويتوقع البنك الدولي تجاوز الدين العام الأردني مجموع 50 مليار دولار العام الحالي.

في هذا السياق، قال وزير الدولة الأسبق للشؤون الاقتصادية، يوسف منصور، لـ”سوريا على طول”، إن الحالة الاقتصادية التي يمر فيها الأردن، وانعكاسها على حياة اللاجئين، وسط ارتفاع وتيرة التحذيرات من انعدام الأمن الغذائي لهم، يلزم المجتمع الدولي تقديم مساعدات نقدية مباشرة لخزينة الدولة مقابل استضافتها، تماشياً مع مخرجات مؤتمر لندن الذي عقد في شباط/فبراير 2019، وتضمن تقديم تسهيلات ودعم للأردن بالتزامن مع مزيد من الإدماج للاجئين السوريين. لافتاً إلى أن المساعدات المالية لا تكفي من دون تسهيلات فنية وتشغيلية تقدمها الدول المانحة لنظيرتها المضيفة، مثل فتح الأسواق الأوروبية أمام الصادرات والبضائع الأردنية، وتقديم منح وقروض من دون فوائد للمشاريع الصغيرة، لنزع فتيل قنبلة البطالة المتفشية بين صفوف الأردنيين والسوريين، ودفع عجلة سوق العمل في المملكة.

كما حذر  منصور من انعكاسات قطع “الكوبونات” عن اللاجئين السوريين على الحركة التجارية الأردنية. إذ إن “اللاجئ يصرف الكوبون من السوق المحلية، فيستفيد التجار ويزيد دخل الحكومة، ولكن إذا انقطع فسيتضرر الجميع”.

وبينما تلتقي الدول المستضيفة ومنظمات الأمم المتحدة لتعدّ التزاماتها وأعباءها، وتتلوها على المجتمع الدولي في بروكسل، يجلس هؤلاء الباحثون عن مأوى وغذاء، منتظرين قرارات جديدة، قد تطيل نزف جروحهم، أو تبقيهم على برّ الأمان ولو لحين من الوقت.

شارك هذا المقال