4 دقائق قراءة

أزمة خبز في الركبان: شبح مجاعة يهدد سكان المخيم المحاصر من النظام

في ظل غياب دور المنظمات الإنسانية في الركبان، وشحّ المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة، وفرض النظام السوري مزيداً من التشديد على عمليات تهريب الطحين، يشهد المخيم الصحراوي أزمة خبز تهدد قاطنيه.


4 فبراير 2021

عمان – بعد انقطاع لأيام، وعن طريق التهريب، دخلت كميات قليلة من الطحين إلى مخيم الركبان، لكنها “غير كافية حتى لتشغيل المخبز الوحيد” في المخيم الصحراوي على الحدود السورية-الأردنية، كما قال أحد السكان لـ”سوريا على طول”، وبما ينذر باستمرار أزمة الخبز وتدهور الوضع المعيشي حد المجاعة.

وعبّر عدد من قاطني المخيم عن قلقهم إزاء النقص غير المسبوق في مادة الطحين خلال الأسبوعين الماضيين، والذي انعكس بدوره على توفر مادة الخبز وارتفاع أسعارها. إذ

يبلغ سعر الربطة في حال توفرها 1,500 ليرة سورية (0.50 دولار أميركي، وفق سعر صرف السوق الموازية، والبالغ 3,085 ليرة للدولار)، بعد أن كانت تباع بـ1000 ليرة (0.33 دولار).

ومنذ ظهوره في العام 2015، شهد الركبان أزمات مستمرة على صعيد نقص الغذاء والدواء. ففيما يمنع نظام الأسد وصول المساعدات الإنسانية إلى الركبان عبر دمشق، إذ دخلت آخر قافلة إغاثة تابعة للأمم المتحدة المخيم في العام 2019، أغلق الأردن حدوده مع المخيم في العام 2016، على خلفية هجوم إرهابي لتنظيم “داعش” استهدف القوات المسلحة الأردنية.

مع ذلك، تعد الأزمة الحالية مختلفة عما سبقها من أزمات، كونها “مرتبطة بأزمة الخبز التي تشهدها مناطق النظام”، كما قال أبو خالد الحمصي، النازح من مدينة القريتين بريف حمص. واصفاً لـ”سوريا على طول” الأزمة الحالية بالـ”مخيفة”.

التهريب شريان حياة المخيم

نتيجة غياب دور المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية في الركبان، وشحّ المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة، يعتمد قاطنو المخيم على المهربين للحصول على المواد الغذائية والطبية. علماً أن المخيم يقع في “منطقة 55” خاضعة للتحالف الدولي لمحاربة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، كما تتواجد فيها قوات تابعة للمعارضة السورية.

لكن على خلفية أزمة الخبز التي تشهدها مناطق سيطرة النظام، فقد فرض الأخير مزيداً من التشديد على عمليات تهريب الطحين. وهو تشديد لا يقتصر على الركبان فقط، إذ دفعت الأزمة حكومة دمشق إلى “منع نقل الطحين المدعوم بين المحافظات السورية الواقعة تحت سيطرة النظام تحت طائلة المسؤولية وفرض غرامات على سائقي الشاحنات”، كما قال الناشط الإعلامي عماد غالي لـ”سوريا على طول”، الأمر الذي “دفع المهربين إلى تجنب إدخال الطحين إلى المخيم، خصوصاً وأنهم يمرون على عدة حواجز للنظام قبل الوصول” إلى الركبان.

وبحسب ما يتناقل قاطنو المخيم، فإن هناك حملة لملاحقة المهربين تم على إثرها إغلاق طريق حمص الواصلة إلى الركبان. وقد تم بالفعل “ضبط سيارة تحمل طحيناً للمخيم” على تلك الطريق، بحسب أبو أحمد (اسم مستعار)، النازح إلى الركبان. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أنه “تم القبض على مهرب من قبل الفرقة الرابعة [التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار]، ولم نعد نعرف عنه شيئاً”.

وكان مدير مؤسسة الحبوب التابعة لحكومة دمشق، يوسف قاسم، اعتبر في تصريح نشرته صحيفة “الوطن” الموالية أن المتاجرة بالطحين “أكثر ربحاً من المتاجرة بالحشيش”. عازياً أزمة الخبز الحالية إلى “استمرار ظاهرة المتاجرة بالدقيق التمويني [المدعوم]”. وبحسب قاسم، يحصل صاحب المخبز على الطحين المدعوم مقابل 40 ليرة (0.013 دولار) للكيلو الواحد، ويبيعه بدوره في السوق السوداء بسعر 1,200 ليرة (0.40 دولار).

لذلك، وفيما يعيش نحو 12 ألف شخص في الركبان، بحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة، تحت رحمة دمشق التي تشدد حصارها على المخيم بين فترة وأخرى، فإنهم يتشاركون اليوم أزمة الخبز مع مناطق النظام، وربما تكون أزمتهم أشد، خاصة وأنه لا حلول غير طرق التهريب.

لا أمل في الأفق

في إطار تكيفهم مع الأوضاع الإنسانية الصعبة، يعتمد قاطنو الركبان على تخزين كميات قليلة من الطحين، خشية انقطاع هذه المادة الأساسية من الأسواق. كما يلجؤون إلى صنع الخبز في بيوتهم الطينية، إضافة إلى اعتمادهم على بدائل من قبيل الأرز والبرغل.

لكن بعد أسبوعين من أزمة الخبز، “تكاد كميات الطحين تنفد من منازلنا”، كما قال مصطفى أبو خليل (اسم مستعار)، الذي كان يخزن 25 كيلو غرام “بغية استخدامها في مثل هذه الأزمة”. في المقابل هناك أشخاص “لا يملكون ثمن كيلوغرام واحد من الطحين”، كما قال لـ”سوريا على طول” .

ورغم كميات الطحين التي تم تهريبها مؤخراً للمخيم، فإن شريحة واسعة من سكانه “لن تستطيع شراءه بسبب غلاء سعره”، كما نبه غالي، كون سعر كيس الطحين وزن 50 كيلو غراماً، يصل اليوم “إلى 80 ألف ليرة [26.5 دولار]” حال وجود.

من جانبه، أقر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن “الوضع الإنساني لقاطني الركبان مقلق للغاية بلا شك”. مضيفاً في رده على استفسارات “سوريا على طول” أن الأمم المتحدة “تواصل إشراك الأطراف لوضع حلول دائمة بشأن أولئك الذين ما يزالون يعيشون في الركبان. وتواصل [المنظمة] مطالبة جميع الأطراف بضمان وصول آمن ومستدام ولاتعترضه عوائق إلى أولئك الذين يعيشون في الركبان، كما جميع الأشخاص على امتداد الأراضي السورية”.

كذلك، أكدت منظمة اليونيسيف، التي أشرفت على إدخال شحنات المساعدات السابقة إلى المخيم، لـ”سوريا على طول” على “وجود مفاوضات جارية لتوصيل المساعدات إلى الركبان وغيرها من المناطق التي يصعب الوصول إليها في سوريا”. لكن أحد الأشخاص المتبرعين بشكل فردي للمخيم منذ سنوات، والمطلع على الجهود الدولية بشأن الركبان، شكك في وصول مساعدات للمخيم قريباً؛ إذ “مضت سنتان من عمل [وكالات الأمم المتحدة] على هذا الأمر”، كما قال لـ”سوريا على طول” مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته.  

يعزز ذلك حالة الإحباط السائدة في الركبان، حتى على مستوى “الإدارة المدنية” في المخيم، والتي تقف عاجزة عن تقديم أي خدمات للسكان، التي “فقدت الأمل في الأمم المتحدة”، بحسب تعبير مسؤول في هذه الإدارة تحدث إلى “سوريا على طول”، طالباً عدم ذكر اسمه. إذ “أتواصل يومياً مع مكتبهم في دمشق، وكذلك مكتبهم في عمان، لكن الرد بأنه لا يمكن الوصول إلى الركبان”، كما أضاف.

إزاء ذلك، يسعى سكان الركبان إلى شراء المواد الغذائية والطحين خصوصاً، ويتطلعون إلى الحصول عليه حتى من خارج الحدود. إذ “لا حل لأزمة الطحين إلا بتأمينه من مصدر ثانٍ، قد يكون الأردن مثلاً”، بحسب المسؤول في الإدارة المدنية. مستدركاً بالقول: “المشكلة أن السلطات الأردنية تمنع دخول المساعدات إلى المخيم”.

ويظل أن توفير المواد الغذائية والطبية ليصار إلى شرائها من سكان المخيم قد يكون حلاً لعدد محدود من المقتدرين مالياً. لكن “ماذا عن الأغلبية التي ليس لديها مال، وتعيش من قلة الموت؟”، تساءل مصطفى أبو خليل.

شارك هذا المقال