6 دقائق قراءة

“صيف قاسٍ” ينتظرهم: مخيمات إدلب أمام كارثة صحية بعد توقف مشاريع الإصحاح

يعاني سكان 194 مخيماً قي محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، من انتشار القمامة، ويتخوفون من مكرهة صحية صيفاً، بعد توقف ثلاث منظمات إنسانية عن تقديم مشاريع الإصحاح.


إدلب- بعد رحلة علاج دامت نحو شهرين، تعافى طفلا طه المحمد، نازح في مخيم حي الجامعة بمدينة إدلب، شمال غربي سوريا، من إصابتهما بطفح جلدي (الجرب)، لكن مع عودة أحدهما إلى مدرسة المخيم، وهي عبارة عن خيمة، لا يستبعد الأب أن تنتقل العدوى لأفراد عائلته، في ظل “وجود أطفال مصابين بالمرض بشكل دائم هذه الفترة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

أصيب الطفلان، البالغان أربع سنوات وست سنوات، بـ”الجرب” بعد شهرين من توقف منظمات إنسانية عن تنفيذ مشاريع الإصحاح في مخيمات شمال غربي سوريا، التي يندرج تحتها أعمال الصرف الصحي وترحيل النفايات وتأمين المياه والتوعية الصحية وتوزيع سلال النظافة، وكان المخيم الذي تقطنه العائلة واحداً من المخيمات التي توقفت عنها هذه المشاريع.

في مطلع 2024، توقفت ثلاث منظمات إنسانية في شمال غربي سوريا عن تقديم مشاريع الإصحاح للنازحين في المخيمات، وهي منظمة إحسان ومنظمة بناء المدعومَتين من منظمة اليونيسيف، وكلاهما تخدم 162 مخيماً، كما توقفت منظمة “وطن” المدعومة من منظمة الهجرة الدولية (IOM)، التي تخدم 32 مخيماً، ليكون مجموع المخيمات التي توقفت عنها خدمة الإصحاح والمياه، 194 مخيماً يقطنها نحو 200 ألف نسمة.

يبلغ عدد المخيمات الكلّي في إدلب 1633 مخيماً، بحسب احصائية نشرها فريق “منسقو استجابة سوريا” في الرابع من كانون الثاني/ يناير 2023.

وإلى جانب ذلك، توقفت خدمات الإصحاح بشكل جزئي من أربع منظمات إنسانية أخرى، وهي: هيئة الاغاثة الانسانية (IYD) و”سيريا ريليف”، ومنظمة عطاء، والهلال الأحمر التركي، منذ بداية العام الحالي. 

منذ ذلك الحين، تعاني المخيمات التي توقفت عنها خدمات الإصحاح كلياً، وعددها 194 مخيماً، من انتشار القمامة، وامتلاء الجور الفنية بمياه الصرف الصحي، إضافة إلى نقص حاد في مياه الشرب.

“في الغالب تجد القمامة منتشرة بطول عشرة أمتار 10 أمتار عن الحاويات”، وصف سيار حسن شهاب، 54 عاماً، مدير مخيم حي الجامعة في مدينة إدلب والنازح من ريف حماه، حال المخيم الذي يديره، مشيراً إلى أن الأمر “يزيد سوءاً بعد أن يقوم النباشون بتمزيق الأكياس لاستخراج ما يمكن تدويره، ما يؤدي إلى تبعثرها على الطرقات وتفوح منها الروائح الكريهة وسط محاولات غير ناجعة لمنعهم”.

وبحسب “منسقو استجابة سوريا” فإن معدلات الاستجابة الإنسانية من قبل المنظمات الإنسانية العاملة في شمال غربي سوريا انخفضت بنسبة  47 بالمئة، وبنسبة 39.79 بالمئة في المخيمات على وجه الخصوص، خلال عام 2023، مع استمرار الانخفاض نتيجة تزايد الاحتياجات الإنسانية في المنطقة وضعف عمليات التمويل.

انتشار الأوبئة

سجل مخيم حي الجامعة على غرار بقية المخيمات، التي توقفت عنها مشاريع الإصحاح، حالات جرب وقمل بين قاطنيه، وفقاً لما أكده مدير المخيم، مشيراً أن حالات الجرب المتطورة لا يمكن علاجها داخل المخيم، وإنما يتم ذلك في المستوصف القريب من المخيم أو في مستشفيات إدلب.

من جانبه، حذر الطبيب رياض المحمد أخصائي الصحّة العامة من تراكم النفايات والقمامة وتأخر ترحيلها إلى المكبّات الخاصة، إذ يؤدي تراكمها إلى تكاثر الجراثيم والحشرات والقوارض المسببة للأمراض الجلدية كالجرب وحمى الضنك (عدوى فيروسية ينقلها البعوض إلى البشر وتسبب آلاماً جسيمة) والأوبئة كالكوليرا، والمشاكل المعوية كالإسهال والتيفوئيد والتسمم الغذائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. 

بحثاً عن حلول، قد يضطر بعض النازحين إلى حرق النفايات للتخلص من الروائح الكريهة المنبعثة منها، لكن هذا بدوره يفضي إلى مخاطر أخرى تتمثل في “أمراض الصدر وسرطان الرئة”، كما قال الطبيب.

طه المحمد يضع النفايات بالقرب من خيمته في مخيم الجامعة بمدينة إدلب، وتظهر في الصورة بقايا نفايات تم التخلص منها بالحرق، 21/ 04/ 2024، (عبد المجيد القرح/ سوريا على طول)

طه المحمد يضع النفايات بالقرب من خيمته في مخيم الجامعة بمدينة إدلب، وتظهر في الصورة بقايا نفايات تم التخلص منها بالحرق، 21/ 04/ 2024، (عبد المجيد القرح/ سوريا على طول)

وخلال  العام الحالي، سجلت مخيمات شمال غربي سوريا ازدياداً في الأمراض الجلدية، فأكثر من 23% من إجمالي المخيمات في المنطقة، تحوي بين سكانها مصابين بأمراض جلدية، بسبب انتشار الحشرات واستخدامات المياه.

قبل توقفها عن الدعم، كانت منظمة إحسان تدعم مخيم حي الجامعة و36 مخيماً آخر، إذ كانت تقوم سيارات متخصصة تابعة لها بترحيل القمامة كل يومين أو ثلاثة من مخيم حي الجامعة، الذي يأوي 354 عائلة، أو ما يقارب 1950 فرداً، إلى جانب شفط الحفر الفنية وتأمين نحو 35 ليتراً من المياه  يومياً  لكل فرد، بما يصل لأكثر 6800 ليتر وهي كمية كانت “كافية للغسيل والشرب”، بحسب مدير المخيم.

حالياً يقوم قاطنو مخيم حي الجامعة وباقي المخيمات التي انقطع عنها الدعم، بتعبئة خزاناتهم على نفقتهم الخاصة، ويتراوح سعر تعبئة كل خزان سعة خمسة براميل (خمسة آلاف لتر) بين 50 إلى 60 ليرة تركية (دولاران تقريباً).

وإلى جانب تكلفة تعبئة المياه التي ترهق جيوب سكان المخيمات، الذين يستهلكون كميات أكبر في الصيف، قد يترتب على استخدام هذه المياه للشرب “مخاطر صحية”، خاصة أن “مصادرها مجهولة وليست معقمة”، بحسب مدير المخيم.

لكن “ما باليد حيلة”، بالنسبة لطه المحمد وغيره من سكان المخيم، كما قال. يجد النازحون أنفسهم مجبرين على استخدام تلك المياه في الشرب والطبخ والغسيل، في ظل عجزهم عن شراء المياه المعدنية المعبأة.

“أدى توقف تأمين المياه إلى تقلص عدد مرات استحمام الأطفال”، قال المحمد، الأب لأربعة أطفال، مشيراً إلى أن نقص المياه يدفع بعض العائلات إلى استحمام أطفالها مرة كل أسبوع، وتوقع أن يكون “هذا الصيف قاسٍ للغاية. الناس لا تملك ثمن الخبز لأطفالها، فكيف لها بشراء المياه!”.

ومنذ توقف منظمة “بناء” عن دعم مخيم “الريفين”، شمالي إدلب، تحاول سهيلة جمعة الضاهر، 25 عاماً، تقليل كميات المياه المستهلكة قدر الإمكان، لدرجة تستخدم مياه غسل الصحون والأواني في شطف المكان أمام خيمتها، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وأيضاً، قلصت الضاهر من مرات استحمام أطفالها الثلاثة، أكبرهم خمسة أعوام وأصغرهم سبعة أشهر، إلى مرة كل يومين، بعدما اعتادت على تحميمهم مرتين يومياً في الصيف، ما أدى إلى “إصابتهم جميعاً بحبوب التحسس من قلة الاستحمام”، بحسب قولها. 

وتشكو هي الأخرى من “الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات المتراكمة”، لا سيما أن هناك حاوية قريبة من خيمتها، مشيرة إلى “ازدياد أعداد القوارض والحشرات والنمل” بعد توقف منظمة “بناء” عن ترحيل القمامة.

حمل قاطنو مخيم “الريفين” على عاتقهم ترحيل القمامة وشفط الجور الفنية الممتلئة بسيارات خاصة وعلى عاتقهم، كما قال مدير  المخيم  حسن الصطوف لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن وزارة التنمية المحلية التابعة لحكومة الإنقاذ، التي تعمل على التنسيق بين المنظمات العاملة في المخيمات، أرسلت لهم سيارة لترحيل القمامة مرة واحدة فقط منذ بداية العام الحالي. 

لا مبررات

كانت منظمة إحسان، التي عملت على دعم مخيم الجامعة منذ بداية تشكيله، عام 2019، تقدم خدمات الإصحاح للمخيم، وتغطي نفقات مشروعها من منحة مقدمة من اليونيسيف والأمم المتحدة منذ عام 2018، ومع انتهائها “لم يقوموا بتجديدها، من دون تقديم أي مبررات”، قال عقبة عبد الكريم، المنسق الميداني في منظمة إحسان لـ”سوريا على طول”.

“الإصحاح من أهم المشاريع المقدمة للمخيمات، لأنها تهتم بكل تفاصيل النظافة”، بحسب عبد الكريم، وهي تشمل توفير مياه شرب معقمة، وترحيل القمامة بشكل منتظم، وبناء دورات مياه وشفط مياه الصرف من الجور الفنية، وتوزيع سلال نظافة، بالإضافة إلى وجود فريق توعية صحية يعمل على شرح مفاهيم النظافة الشخصية لقاطني المخيمات.

وشدد المنسق الميداني عبد الكريم على أنه لا يمكن لأي جهة في إدلب تحمّل أعباء تقديم خدمات الإصحاح والمياه للمخيمات “بسبب التكاليف الباهظة لهذه المشاريع”.

وفي هذا السياق، قال فراس كردوش، مسؤول العلاقات العامة في وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة الإنقاذ أن شركة البيئة النظيفة (e clean)، العاملة في محافظة إدلب، لا تستطيع تحمل الأعباء بشكل دائم بسبب حجم التكلفة وازدياد عدد المخيمات التي يتم رفع الدعم عنها بشكل مستمر.

ورغم ذلك “قامت الشركة بالتشارك مع وزارة التنمية والشؤون الإنسانية بإطلاق حملة بيئة نظيفة استهدفنا خلال رمضان 188 مخيماً توقف عنها الدعم”، كما أوضح كردوش لـ”سوريا على طول”.

إذ استمر الحال على هذا المنوال قد يضطر النازحون لمغادرة مخيم حي الجامعة، بحسب طه المحمد، ويتفق معه عبد الكريم، الذي اعتبر أن توقف دعم مشاريع المياه والإصحاح (Wash) هو بمثابة إنهاء تكتل المخيمات المنظمة، وهذا ينذر بـ”توجه قاطني المخيمات إلى السكن العشوائي والابتعاد عن التجمعات المنظمة”.

ولا يمكن لقاطني المخيمات المتضررة الانتقال إلى مخيمات مخدمّة، لأن الأخيرة “لا تتسع لأي زيادة في عدد الخدمات”، بحسب كردوش.

عندما أصيب طفلا طه المحمد بـ”الجرب”، تكلف بمبلغ 100 ليرة تركية (ثلاثة دولارات تقريباً) لعلاجهما، إذ اقتصر العلاج على ثمن أدوية ومراهم، لكن مع فيضان الجور الفنية بالمياه العادمة، وتكدس النفايات وتبعثرها في أرجاء المخيم، يخشى المحمد أن يصاب أحد أفراد عائلته “بأمراض لا تسعفني قدرتي المادية على علاجها”، قائلاً: “نحن لا نملك ثمن الطعام أصلاً حتى نؤمن ثمن العلاج”.

شارك هذا المقال