6 دقائق قراءة

اغتيال هبة: جريمة تستهدف “المجتمع النسوي” السوري وتكشف ضعف آليات الحماية

ألقت جريمة اغتيال الناشطة هبة حاج عارف بظلالها على الناشطات في مناطق سيطرة الجيش الوطني، شمال غرب سوريا، إذ شعرت العديد منهن بأن مقتلها بمثابة تهديد لهن. "اليوم هبة وغداً نحن"


2 مارس 2024

حلب- في كل مرة “تحدثت فيها ضمن مساحة آمنة في اجتماع أو لقاء مع منظمات المجتمع المدني والحركات والهيئات والتجمعات التي تعمل معها أو تنتسب إليها”، كانت تشتكي الناشطة هبة حاج عارف، 32 عاماً، من “تلقي تهديدات بالقتل والخطف، لكن تلك الجهات لم تقدم لها الحماية الكافية”، كما قالت صديقتها علا الأحمد (اسم مستعار).

“أريد أن أتحدث بما أعرفه عن هبة، لكن لا أريد أن أكون الضحية القادمة”، بهذه العبارة المثيرة للقلق فسرت الأحمد سبب تخفيها تحت اسم مستعار أثناء حديثها مع “سوريا على طول” عن جريمة القتل المروعة، التي طالت إحدى زميلاتها، والمخاطر التي تواجهها النساء الناشطات في المنطقة.

قصة هبة

في 27 شباط/ فبراير، نعت شبكة المرأة السورية عضوتها هبة حاج عارف، التي عثر عليها مقتولة شنقاً داخل منزلها في بلدة بزاعة، القريبة من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني (المعارض) المدعوم من تركيا، وسط حالة من الغموض حول ملابسات الجريمة، والخوف في أوساط المجتمع النسوي السوري في شمال غرب سوريا، خشية أن يكنّ أهدافاً قادمة، بحسب الأحمد.

وأصدرت الحركة النسوية السورية بيان استنكار وإدانة بخصوص مقتل الناشطة حاج عارف، “بعد تعرضها لتهديدات مستمرة من قبل قوى الأمر الواقع“. وطالبت الحركة الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة (المعارضة) التابعة له “بتحمل المسؤولية كاملة عن هذه الجريمة النكراء لكونهما الجهتان المسؤولتان عن حماية من تحت سيطرتهما في شمال غرب سوريا”.

كانت حاج عارف تعيش مع زوجها وطفليها: ماريا (ستة أعوام)، محمد (ثلاثة أعوام)، في بلدة بزاعة، وعملت إلى حين وقوع الجريمة مديرةً لمدرسة الأخوة الابتدائية، التابعة لجمعية “يني آدم” للثقافة والتضامن التعليمية التركية، إلى جانب نشاطها وعضويتها في أكثر من منظمة نسوية، من قبيل: شبكة المرأة السورية، وحدة دعم وتمكين المرأة، الحركة السياسية النسوية، والتحالف السوري الديمقراطي، وهي حاصلة على شهادة جامعية من كلية الحقوق في جامعة حلب.

ونشطت هبة في مجال توعية وتمكين النساء ودعمهنّ “في منطقة يُعرف عنها شدة تحفظها، وتحديدها المسبق لأدوار النساء التي تُستمد من النظرة المجتمعية، بحيث يقتصر دورها على العمل داخل المنزل وفي خدمة العائلة”، وفقاً لصديقتها الأحمد.

وكانت هبة عضوة سابقة في المجلس المحلي لمدينة بزاعة، لكنها استقالت من منصبها قبل عام، بعد أن تعرضت لضغوط من البعض “لأنها تنتمي إلى عائلة بعض أفرادها مؤيدين لنظام الأسد”، كما قالت إحدى زميلاتها، العاملة معها في الشأن العام لـ”سوريا على طول”.

وفي ذلك، قالت الأحمد: “خلال إحدى التظاهرات التي خرجت بالقرب من المجلس المحلي لبزاعة قبل عام، نعتَ أحد المتظاهرين هبة بأنها شبيحة، فردت عليه: أنت الشبيح”، ومنذ ذلك الوقت “توالت التهديدات ضدها”.

كذلك، مارس أعضاء في المجلس المحلي ضغطاً على هبة “بهدف إجبارها على ترك عملها في المجلس من دون سبب واضح، ما دفعها إلى الاستقالة اتقاءً للشر والخطر”، وفقاً لزميلتها العاملة في الشأن العام، قائلة بأسى: “لكن الخطر لم يتوقف”.

وأشارت زميلتها، التي فضلت عدم ذكر اسمها نظراً لحساسية الوضع، أن “آخر مرة تحدثت فيها هبة عن التهديدات، كانت قبل أسبوع من وقوع الجريمة، عندما كشفت للمقربين منها عن تهديدات حديثة وصلتها لم تعطي تفاصيلها، ولكن قالت بأنها تعتزم نقل مكان سكنها”.

في أكثر من مرة نسبت هبة التهديدات التي تصلها إلى فرقة الحمزة (الحمزات)، التابعة للجيش الوطني المدعوم من أنقرة، بحسب زميلتها. الفصيل مُتهم بارتكاب العديد من الانتهاكات في مناطق تواجده بريف حلب الشمالي، من قبيل اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته وجنينهما، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

رداً على ذلك، نفى مصدر خاص من فرقة الحمزة صلتهم بالجريمة، وادعى أن حادثة القتل وقعت “نتيجة مشاكل عشائرية”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ومن جهتها، نشرت مديرية أمن الباب بياناً قالت أنها اعتقلت أشخاصاً مشتبه بتورطهم في الحادثة، نافية عدم وجود أي صلة لهم بالفصائل العسكرية، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة تجاه البيان.

مع انتشار خبر مقتل هبة “شنقاً”، أشيعت شكوك بأن الضحية أقدمت على الانتحار، لكن “المعلومات الأولية لتقرير الطبابة الشرعية يفيد بتعرض الضحية للخنق قبل تعليقها، وهذا يؤكد أن ادعاءات انتحارها باطلة”، كما قالت إحدى قريباتها لـ”سوريا على طول”.

التداعيات على المجتمع النسوي

ألقت الجريمة بظلالها على الناشطين والناشطات في مناطق سيطرة الجيش الوطني، شمال غرب سوريا، إذ شعرت العديد من الناشطات اللواتي تحدثن لـ”سوريا على طول” بأن مقتل هبة بمثابة تهديد لهن أيضاً، وحاولنَ عدم الخوض بالحادثة أو الإدلاء باقتضاب لوسائل الإعلام.

وما يزيد من مخاوف الناشطات في المنطقة، أن “الضغوطات التي مورست على هبة أوصلتها في العديد من المرات لمرحلة الانهيار والبكاء الشديد”، وعند طلبها المناصرة من الجهات المنتسبة إليها أو التي تعمل معها “كان الدعم عبارة عن الإصغاء لها، ودعم قراراتها في الابتعاد عن مصادر الخطر”، وفقاً لصديقتها علا الأحمد، ما يعني أن أي دعم للناشطات من دون تدخل السلطات في المنطقة لن يحد من المخاطر التي تحدق بهنّ.

ولمعرفة آليات الحماية التي تنتهجها التجمعات النسوية في حال تعرض أعضائهن للتهديد، أوضحت ثلاث جهات، طلبن من “سوريا على طول” عدم الكشف عنهنّ خشية تعريض أعضائهن للخطر، أن دعمهن يقتصر على الحشد والمناصرة، ولا تتوفر لهم خطط  طوارئ أو آليات حماية.

وقالت إحدى الجهات أنها بدأت بالتفكير في الجهات التي يجب التواصل معها بعد الجريمة، “لتطوير سياسة حماية فعالة، ومن ثم إعادة النظر بكل الحالات التي تواصلت معهن سابقاً بخصوص تهديدات مشابهة”.

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 268 حادثة اعتداء وترهيب استهدفت النساء من قبل أطراف النزاع في شمال شرق سوريا وغربها، في الفترة الممتدة بين آذار/ مارس 2020 و آذار/ مارس 2024، “على خلفية أنشطتهن وتأدية مهامهن ضمن المجالات الخدمية والإنسانية، والسياسية والإعلامية، والأنشطة الموجهة للنساء”، بحسب بيان الإدانة الصادر عن الشبكة في أعقاب الجريمة.

وتسببت تلك الانتهاكات بـ”تعرض النساء لمخاطر جسدية ونفسية هائلة”، كما دفعت العديد منهنّ إلى “ترك مناطقهن أو إيقاف عملهن أو التقليل والحد من أنشطتهن أو الهروب والنزوح والسفر نحو مناطق أخرى”، وفقاً للشبكة.

“هبة، ومن قبلها كثير من الناشطات اللاتي لم تظهر قصصهن للرأي العام، هن ضحايا أفكار وأجندات لا تقبل ولا تؤمن بدور المرأة في صنع القرار”، كما قالت ناشطة نسوية لـ”سوريا على طول”، طلبت عدم الكشف عن اسمها خوفاً على حياتها.

منذ مقتل هبة تعيش الناشطة “حالة من الفوضى”، وتراودها العديد من الأسئلة من قبيل: “هل لدينا كناشطات أو عاملات في مجال المرأة حماية كافية؟، وفي حال تلقينا تهديداً من هي الجهات التي يمكننا التوجه إليها؟”.

ورغم “الخوف الذي زرعته جريمة مقتل هبة في نفوسنا، إلا أنها لفتت نظرنا إلى ضرورة التكاتف في مثل هذه الأوقات وإيصال رسائل للرأي العام للحدّ من هذه الجرائم وسنّ قوانين رادعة لكل جهة تحاول احتقار دور المرأة أو عملها”، بحسب الناشطة، التي تقيم في ريف حلب الشمالي.

جاءت جريمة قتل هبة في وقت “تجاوزت المرأة نفق التهميش الذي فرضه المجتمع، وصارت تنشط في الشأن العام وتعمل، وتبدي رأيها، وتدافع عن حقوقها”، فكان توقيت الجريمة بمثابة “رسالة لإسكات النساء، وإبعادهنّ مجدداً عن المشهد العام”، كما قالت إسلام تادفي (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”.

تلقت تادفي العديد من التهديدات، على خلفية نشاطها في مجال التمكين السياسي، “لذلك أبتعدت عن هذا المجال رغم شغفي به، ومؤخراً كنت أفكر بالعودة إلى نشاطي، لكن مقتل هبة أعاد الخوف الذي تجاوزته بصعوبة”، على حد قولها.

من وجهة نظر تادفي، يسعى “المجرم” من فعلته إلى “إسكاتنا وإعادتنا إلى نفق التهميش”، لأن “قتل هبة في وسط منزلها رسالة واضحة لإسكات النساء وإبعادهنّ عن أي نشاط”.

وكذلك، بعد “جريمة بزاعة” سيشهد شمال غرب سوريا “تراجعاً كبيراً بخصوص تمثيل المرأة في المناصب القيادية، لا سيما السياسية”، قالت ناشطة حقوقية في نقاش نسوي على إحدى المجموعات المغلقة، لتردّ أخرى: “هي رسالة واضحة لتقييد عمل المرأة وتسلط المجتمع الذكوري”.  

من ناحية أخرى، تدفع الجرائم بحق النساء العاملات في الشأن العام الأهالي إلى “تهميش بناتهن، وحجبهن عن المشاركة في الشأن العام، وهذا التهميش عفوي وغير مقصود، خوفاً عليهنّ من أن يقعن ضحايا اعتداء جسدي أو نفسي، لا سيما في ظل غياب الرادع”، قالت الإعلامية رهف عوض لـ”سوريا على طول”.

وشددت عوض على أن “إفلات قاتل هبة من العقاب يعني أن التهديد سيطال العديد من الناشطات”، قائلة: “اليوم هبة وغداً نحن”.

“كانت هبة شعلة من النشاط، ومُحبّة للحياة، وقبل ساعات من انتشار خبر الجريمة شاركت مع إحدى الجهات التي تعمل معها مادة علمية كانت تسعى إلى المشاركة بها أثناء تسييرها لجلسة حوارية لمجموعة من النساء”، لكن يد “القاتل” كانت أسرع إليها، بحسب إحدى زميلاتها.

شارك هذا المقال