11 دقائق قراءة

“الاستجابة الحقيقية”: الزلزال يكشف أهمية دور منظمات الإغاثة السورية في ظل عجز الأمم المتحدة

تكشف الاستجابة الدولية البطيئة في شمال غرب سوريا، بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير، عن أهمية دور عمال الإغاثة في كل من تركيا وسوريا، الذين يتسابقون للاستجابة رغم أنهم أنفسهم متأثرين بالكارثة التي حصدت أرواح الآلاف.


16 فبراير 2023

باريس- من خيمتين في مرآب سيارات بمدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، ينسق 15 عضواً من فريق منظمة سند الجهود الإغاثية في شمال غرب سوريا المنكوب. يعملون بداخلهما كتفاً إلى كتف، على جهازي حاسب محمول أو ثلاثة ومكتب.

في السادس من شباط/ فبراير، تضرر مكتب سند، منظمة مستقلة تدعم ذوي الإعاقة السوريين في كلا البلدين منذ عام 2013، وكذلك منازل موظفيها إثر أقوى زلزال ضرب المنطقة منذ أكثر من قرن. خرج بعضهم من المدينة، بينما نام آخرون في صالات الأفراح والمساجد، أو في الشوارع، وهم الآن في خيام.

وخسرت سند عضو مجلس إدارتها، إياد خطّاب، الذي توفي مع زوجته وأطفاله ووالديه، تحت أنقاض منزلهم في مدينة أنطاكية، ونجا من الزلزال الفريق الميداني في سوريا، البالغ عدده 50 موظفاً، لكن “كان هناك حركة نزوح”، لأولئك الذين نزح العديد منهم أصلاً في وقت سابق، كما قال رئيس مجلس إدارة المنظمة، سعيد النحاس، لـ”سوريا على طول”.

في الأيام التالية للكارثة، تركزت جهود الفريق، الذي قرر البقاء في عنتاب، والعديد من زملائهم في سوريا، على تقديم الاستجابة الطارئة، من قبيل تأمين الاحتياجات الأساسية للناجين من الزلزال، وتقديم الدعم اللوجستي لعمليات الإنقاذ.

“بصفتنا منظمة إنسانية، فإن مساعدة الناس في الظروف الصعبة تقع على عاتقنا”، بحسب النحاس، وأضاف: “تحمّل السوريون خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية ما لا يحتمل، ولا طاقة لهم أكثر من ذلك، فإذا بوقوع كارثة الزلزال!”.

منذ عام 2013، صار الجنوب التركي مركز إدارة عمليات الاستجابة الإنسانية العابرة للحدود في شمال غرب سوريا. من مكاتبها في غازي عنتاب، هاتاي، أنطاكية، وهم من ضمن المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال، دعمت مجموعة من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة، وخططت العمل في شمال غرب سوريا، الواقع تحت سيطرة المعارضة.

منذ عام 2017، كانت معظم المنظمات غير الحكومية العاملة، هي منظمات إنسانية سورية، بعد أن أغلقت أنقرة معظم مكاتب منظمات الإغاثة الأميركية والأوروبية. 

إذا كان جسم العمليات الإنسانية العابرة للحدود في شمال غرب سوريا، فرأسها في جنوب تركيا، إذ تنسّق الفرق في تركيا عمليات الشراء واللوجيستيات، بالتعاون مع الزملاء في داخل سوريا، من أجل إدخال مستلزمات عبر الحدود أو شراء البضائع محلياً وتوزيعها ميدانياً، فيما تستقبل مستشفيات تركيا الجرحى والمرضى؛ لتخفيف الضغط عن مستشفيات إدلب وحلب، التي تعاني من نقص حاد في الكوادر والمستلزمات والمعدات بسبب انخفاض التمويل الدولي

لم يتسبب زلزال السادس من شباط/ فبراير بهدم المباني ومقتل أكثر من 30 ألف شخصاً فحسب، وإنما ألقى بنظام المساعدات على جانبي الحدود في حالة من الفوضى. قُتل وجُرح ونزح وفقد موظفون في كل من تركيا وسوريا، وتضررت المكاتب وأُخليت، بينما تحول بعض المكاتب، غير المتضررة، إلى مراكز إيواء مؤقتة للذين تُركوا بلا مأوى.

على مدى أكثر من أسبوع، وقف عمال الإغاثة المتخصصين بالشأن السوري في تركيا إلى جانب أقرانهم في سوريا، يتسابقون في الاستجابة للكارثة، رغم  أن تأثير الزلزال طالهم أنفسهم: نزوح جماعي، فقدان الزملاء والأصدقاء وأفراد العائلة، وصدمات جديدة تستدعي ذكرياتهم القديمة عن القصف داخل سوريا.

وبينما يعملون على مدار الساعة، يتشاركون أحاسيس القهر والعجز مما يشاهدونه من الفشل في إيصال معدات الإنقاذ والمساعدات إلى سوريا عبر الحدود، في الأيام الأولى الحاسمة التي تلت وقوع الزلزال، عندما كانت عقارب الزمن تتخطى الوقت الذهبي لانتشال آلاف المدفونين تحت الأنقاض. خلال الأيام الأخيرة، شاركت المنظمات السورية في كل من تركيا وسوريا بشكل كبير في إدانة الاستجابة البطيئة للأمم المتحدة والضغط عليها للتصرف بأي وسيلة ممكنة.

“نحن مستنزفون”

كانت منظمة البوصلة السورية، مقرها تركيا، تعمل من غازي عنتاب وهاتاي، وهي إحدى البرامج الخمسة للمنتدى السوري، اتحاد من منظمات الإغاثة والمجتمع المدني. في السادس من شباط/ فبراير فقدوا الاتصال بأكثر من 80٪ “من كادر المنتدى المكوّن من 780 موظف في كلا البلدين”، كما قال حسان جنيدي، المدير التنفيذي للبوصلة، وحتى الآن غير قادرين على التواصل مع العديد من موظفيهم، ومعرفة مواقعهم. بلغت نسبة النزوح في تركيا 50% وفي سوريا 40%.  

كما غيرها من المنظمات غير الحكومية الأخرى، تعمل منظمة البوصلة حالياً من مدينة تركية أخرى، لكنها استأنفت عملياتها في سوريا، بعد يوم واحد من الزلزال، بـ60% فقط من كادرها. “إنقاذ الأرواح أولويتنا الأساسية”، قال جنيدي بعد أيام قليلة من الكارثة، لكن “نحن مُستنزَفون ومستودعاتنا على وشك النفاد”.

من جهته، قال محمد الجندلي، المؤسس والمدير التنفيذي السابق لهيئة الإغاثة الإنسانية (IYD)، أن جميع موظفيها في تركيا نجوا من الزلزال، وقتل ثلاثة في سوريا، كما فقد عشرة موظفين أفراداً من عائلاتهم، منهم “أحد موظفينا، بينما كان يساعد الآخرين دون أن تغفو عينه، باذلاً قصارى جهده لمد يد العون للناس المنكوبة، وجد أربعة من أقربائه تحت أنقاض أحد المباني المنهارة، وهناك الكثير من القصص”، على حد قوله.

كان الجندلي في غازي عنتاب لحظة حدوث الزلزال، وبقي هناك عدة أيام قبل أن يغادرها مع عائلته إلى إسطنبول، في التاسع من شباط/ فبراير، وكانت تلك الليلة هي الأولى التي ينام فيها ستة ساعات متواصلة بعد الكارثة. غادر المدينة المنكوبة لكن صدمة الزلزال لم تغادره.

خرج الجندلي مع عائلته من منزلهم صِفر اليدين، لذا فور وصولهم إلى إسطنبول توجهوا إلى أحد مراكز التسوق لشراء بعض الملابس. كان في المصعد مع ابنته وزوجة ابنه، “عندما توقف فجأة صارتا تصرخان بشكل هستيري، ظناً منهما أنّه المصعد وقع، أو أنَّ هناك زلزالاُ ضرب إسطنبول. يمكنك أن تتخيل حالتهم النفسية، رغم أننا على بعد أكثر من 1000 كيلو متر” بحسب قوله.

بعد الزلزال، أمضى عبد الرحمن عرعور، مسؤول المناصرة والاتصالات في تحالف المنظمات السورية غير الحكومية، مظلة تجمع أكثر من 22 منظمة مقرها في غازي عنتاب، ثلاثة أيام نائماً في سيارته لعدم وجود مراكز إيواء كافية، قبل أن يذهب إلى أنقرة.

“لا نعلم إن كنا نعيش كابوساً أو واقعاً”، قال عرعور لـ”سوريا على طول”، واصفاً الوضع بـ”المزري جداً، سواءً في تركيا أو سوريا”.

خلال 48 ساعة من وقوع الزلزال، عمل موظفو العديد من المنظمات العابرة للحدود، التي تستهدف الداخل السوري، من سياراتهم وخيامهم في غازي عنتاب أو مدن تركية أخرى، دفعهم إلى ذلك “الواجب الملقى على عاتقنا”، بحسب الجندلي، إذ “لا يمكننا أن نخذل عائلاتنا وأصدقائنا، وأهل بلدنا في هذه المحنة”.

استجابة “بطيئة”

كان الواقع الإنساني في شمال غرب سوريا في حال يرثى لها، من قبل حدوث الزلزال المدمر، ووصلت الاحتياجات إلى مستويات قياسية، لاسيما بعد انخفاض التمويل مؤخراً. في عام 2022، انخفض دعم القطاع الصحي وحده أكثر من 40%، ما أدى إلى إغلاق العديد من المستشفيات. 

وفقاً لتقييم أجرته الأمم المتحدة في عام 2022، هناك نحو 3.4 مليون نسمة في شمال غرب سوريا، منهم 2.8 مليون نازح بحاجة  إلى “مساعدات إنسانية منتظمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية”، في منطقة يعيش 97% من سكانها تحت خط الفقر.

ومما فاقم الأمور سوءاً، “تعطل” سلاسل الإمداد إلى شمال غرب سوريا بعد السادس من شباط/ فبراير، وصعوبة إجراء التحويلات النقدية، كما قال الدكتور محمد كتوب، الخبير في مجال المناصرة للاستجابة الإنسانية وحماية عمال الإغاثة، الذي عمل سابقاً مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، في غازي عنتاب، وهي واحدة من أكبر الجهات الإنسانية الفاعلة في شمال غرب سوريا.

عمدت المنظمات الإغاثية إلى تخزين إمدادات إضافية داخل سوريا، في نهاية عام 2022، خشية عدم تجديد قرار مجلس الأمن الدولي، الذي يخوِّل إيصال المساعدات من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، بحسب الجندلي، لكن عندما جُدد القرار “لم تُرسل إمدادات جديدة” وتضاءل المخزون.

تأثرت عملية إيصال المساعدات عبر باب الهوى، الذي يصل بين لواء اسكندرون التركي ومحافظة إدلب السورية، لعدة أيام جراء الزلزال، لأن الطرق المؤدية إلى المعبر تضررت أو أغلقت من الجانبين، وفقاً للأمم المتحدة. 

لكن، في صباح اليوم الثاني لحدوث الزلزال، أعلن المسؤولون عن إدارة معبر باب الهوى، من الجانب السوري، أن المعبر ما يزال “مفتوحاً أمام الحركة الإغاثية والإنسانية لمن أراد مساعدة أهلنا المنكوبين”، كما دخلت جثامين المئات من ضحايا الزلزال من تركيا من المعبر قبل دخول أول شحنة مساعدات أممية.

في شمال غرب سوريا، لم يتم تأمين سوى 5% من احتياجات البحث والإنقاذ خلال 48 ساعة الأولى من الزلزال، نتيجة نقص الآليات والكوادر، وفقاً للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).

عندما دخلت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة، مؤلفة من ست شاحنات، في التاسع من شباط/ فبراير، أي بعد ثلاثة أيام على الزلزال، كانت الفترة الذهبية لانتشال الناجين من تحت الأنقاض قد انقضت، ناهيك عن أن المساعدات لم تتضمن فرق الإنقاذ والبحث والمعدات، وهي أهم احتياجات المناطق المنكوبة. ذكرت مصادر محلية أنّ قافلة المساعدات تلك كانت مُجدّولة أصلاً قبل الزلزال، ولم تأت استجابةً للكارثة التي حلت.

“يقع اللوم الكبير على منظمات الأمم المتحدة، على المجتمع الدولي”، قال نحاس من منظمة سند، لأن “الاستجابة الدولية كانت بطيئة جداً جداً”، في الأيام الأولى الأكثر أهمية.

حاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق من متحدث باسم الأمم المتحدة، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر هذا التقرير.

رسم علم الأمم المتحدة مقلوباً رأساً على عقب وملطخاً بالدماء على أنقاض أحد المباني المدمرة في مدينة سرمدا بريف إدلب، 11/ 02/ 2023 (IYD)

المساعدات والسياسة

في التاسع من شباط/ فبراير، اتجه مارتن غريفيث، منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ إلى تركيا للقاء المجتمعات المنكوبة على جانبي الحدود. في البداية، رفضت منظمات الإغاثة السورية احتجاجاَ على استجابة الأمم المتحدة، كما قالت مصادر مطلعة على المناقشات لـ”سوريا على طول”.

في نهاية المطاف، وافقت ثماني منظمات سورية على الاجتماع مع غريفيث بغازي عنتاب، في 12 شباط/ فبراير. وخلال الاجتماع المغلق، طالبت المنظمات السورية الأمين العام للأمم المتحدة “بالرجوع إلى أحكام القانون الدولي الإنساني المعمول بها، التي تنطبق على الواقع السوري، إذ يمكن تقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود بموجب تفويض من الأمانة العامة للأمم المتحدة”، وفقاً لنقاط الحوار التي طرحتها المنظمات وحصلت عليها “سوريا على طول”.

يجب ألا تكون إمكانية وصول الأمم المتحدة عبر الحدود خاضعةً لقرار مجلس الأمن، هذا ناقش به بعض الخبراء القانونيين لسنوات، إذ “لا يوجد عائق قانوني أمام إجراء الأمم المتحدة عمليات إنسانية عبر الحدود مباشرةً، ودعم المنظمات غير الحكومية لإجرائها أيضاً”، كما جاء في بيان قانوني مشترك لعام 2014.

كان بإمكان الأمم المتحدة استخدام أياً من المعابر الحدودية العاملة من أجل تحقيق أكبر تدفقٍ ممكن للإمدادات ومعدات الإنقاذ في غضون الـ 24 ساعة الأولى من وقوع الزلزال، كما جاء على لسان مناصرين، مثل الدكتور كتوب وعدد من المنظمات غير الحكومية العابرة للحدود، معتبرين أنه كان بإمكان الأمم المتحدة، بما ينسجم مع القانون، استخدام المعابر الحدودية التي لم تتضرر وبقيت مفتوحة أمام الحركة التجارية، من قبيل معبر باب الهوى.

بعد اجتماعه بالمنظمات الإغاثية في 12 شباط/ فبراير، نشر غريفيث  تغريدة على تويتر، قال فيها: “لقد خذلنا الأهالي في شمال غربي سوريا، إنهم مُحقون في شعورهم بأن العالم تخلى عنهم. بحثاً عن مساعدات دولية لم تأت (…)، واجبنا والتزامنا الآن هو تصحيح هذا الفشل بأسرع ما يمكن”.

في 14 شباط/ فبراير، بعد يوم من الحصول على موافقة بشار الأسد، بفتحهما لثلاثة أشهر، بدأت الأمم المتحدة استخدام معابر إضافية، باب السلامة والراعي، اللذين يفضيان إلى مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب. 

ودعا الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، في حديثه إلى الصحافة بعد اجتماعٍ مجلس الأمن، في 13 شباط/ فبراير، إلى السماح بمرور المساعدات عبر المعابر الإضافية “دون أي عقباتٍ على الإطلاق”. وإذا حدث غير ذلك، يتعين على مجلس الأمن “النظر في إجراءات الفصل السابع”، بحسب قوله. يخوِّل الفصل السابع المجلس باتخاذ تدابير “للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما” بما في ذلك “العمل جواً، براً، أو بحراً”، وفقاً للمادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة. 

“هذا تصريحٌ متأخرٌ جداً، ولا يعني شيئاً ولا يُنقذ روحاً”، قال كتوب، كونه جاء بعد “ثمانية أيامٍ من الزلزال دون معداتٍ طبية، واثني عشر عاماً من الحرب، شهدت 200 ضربة كيماوي وآلاف المعذبين حتى الموت”.

إدخال المساعدات عبر خطوط التماس يثير جدلاً 

في السنوات الأخيرة، بعد تقليص عدد المعابر الحدودية المخوّلة من مجلس الأمن، بإيصال المساعدات الدولية من أربعة معابر إلى معبرٍ واحد، سعت الأمم المتحدة إلى رفد المساعدات العابرة للحدود بمساعدات قادمة خبر خطوط التماس من مناطق سيطرة النظام.

منذ زلزال السادس من شباط/ فبراير، أعربت وزارة الخارجية الأميركية أيضاً عن دعمها لإيصال المساعدات الإنسانية “بشتى الطرق”، بما في ذلك خطوط التماس، مع الإحاطة علماً أن “قوافل المساعدات عبر خطوط التماس من مناطق سيطرة النظام إلى شمال غربي سوريا لم تكن منتظمة، حتى قبل وقوع الزلزال، بسبب العراقيل اللوجستية والأمنية“، كما ذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لعنب بلدي، منظمة إعلامية سورية.

تثير المساعدات عبر خطوط التماس جدلاً واسعاً، بسبب تلاعب النظام بمساعدات الأمم المتحدة مراراً وتكراراً على مدى العقد الماضي، لغاياتٍ سياسية، وحيلولته دون وصول المساعدات الإنسانية، خاصة إلى المناطق المحاصرة، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، التي يصعب الوصول إليها، وآخرها شمال غرب سوريا. ناهيك عن أن النظام عجز عن تقديم الاستجابة اللازمة في المناطق المنكوبة الخاضعة لسيطرته، مثل اللاذقية.

في 11 شباط/ فبراير الحالي، رفع ناشطون، في وقفة احتجاجية بمدينة سرمدا، لافتات منددة بخذلان الأمم المتحدة، ورافضة للمساعدات الإنسانية القادمة من مناطق النظام عبر خطوط التماس. كُتب على إحدى اللافتات “إلى الأمم المتحدة لا نقبل أن يكون شريان حياتنا من خلال قاتلنا”.

وحتى الآن، رفضت تركيا، الضامن لمناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، مساعي الأمم المتحدة في إرسال قوافل مساعدات عبر خطوط التماس من دمشق إلى سرمدا بريف إدلب، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، كما قال متحدث باسم الأمم المتحدة، في 12 شباط/ فبراير، لموقع “صوت أميركا”.

“لن نسمح للنظام استغلال الوضع للتظاهر بالمساعدة”، قال مصدر من هيئة تحرير الشام لـ”صوت أميركا”، مُصِّراً على أنّ الهيئة لن تقبل المساعدات الإنسانية إلا عبر تركيا.

وقفة احتجاجية ضد الأمم المتحدة، في مدينة سرمدا بريف إدلب، 13/ 02/ 202 (IYD)

من جانبه، أوقف النظام السوري العديد من قوافل المساعدات القادمة عبر خطوط التماس من شمال شرق سوريا، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، إلى مناطق سيطرته، مطالبا بجزء من المساعدات مقابل السماح بعبورها.

أيضاً، رفضت قوات المعارضة المدعومة من تركيا إدخال المساعدات القادمة من مناطق “قسد”، غير أنها رحّبت بدخولها، في 12 شباط/ فبراير، بعد عدة أيام من المفاوضات. أصدرت الحكومة السورية المؤقتة تصريحاً صحفياً يرحب بدخول قوافل المساعدات المقدّمة من عشائر شمال شرق سوريا، في تلميح إلى السماح بدخول القوافل عبر خطوط التماس، ما لم تأتِ كمساعدات رسمية من الإدارة الذاتية لهذه المناطق. في اليوم التالي،  بدأت القوافل بدخول الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة، عبر معبر أم جلود.

رغم التأكيد على مدى أهمية إرسال المساعدات عبر خطوط التماس، في أعقاب الزلزال، لابدَّ أن تظل عمليات إيصال المساعدات عبر الحدود هي محور التركيز، لأنها “أسرع طريقة تاريخياً لإيصال المساعدات إلى من هم بأمس الحاجة إليها”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، لين هيكتور، المتحدثة باسم منظمة “ميرسي كور”، إحدى أكبر المنظمات غير الحكومية العاملة في شمال غرب سوريا.

وأضافت “نناشد كل الأطراف أن يعطوا الأولوية لاحتياجات السوريين على السياسة وعلى أي اعتباراتٍ أخرى، وضمان إيصال المساعدات من دون قيود”.

“الاستجابة الحقيقية”

في اجتماع 12 فبراير/ شباط مع غريفيث، في غازي عنتاب، طالب ممثلو المنظمات السورية الأمم المتحدة بـ”زيادة الأموال المخصصة للمنظمات غير الحكومية السورية ومدّتها إلى حدٍ كبير”، بحسب نقاط الحوار المطروحة، التي حصلت عليها “سوريا على طول”. ودعوا إلى “تسريع أجندة توطين الاستجابة” عبر توجيهها من خلال الجهات الإنسانية السورية الفاعلة، بدلاً من منظمات الإغاثة الدولية. 

صار التوجه نحو “توطين الاستجابة” نزعةً متنامية في السنوات الأخيرة، مع تحول منظمات الإغاثة مثل “ميرسي كور” إلى التركيز حصرياً على العمل مع الشركاء المحليين، 12 منظمة في المجمل، وفقاً لهكتور. 

أشارت دراسة أجريت في عام 2016 إلى أن المنظمات السورية تتفوق على غيرها، بما تملكه من “إمكانية اتخاذ إجراءات إنسانية أكثر ملاءمة واستدامة وفعاليةً”، مقارنةَ بالجهات الدولية العاملة في الإغاثة، إذ إن “الجهات المحلية هي أول من يهب للمساعدة، وتستمر في تقديم الدعم على المستوى الطويل”.

تجلت هذه الديناميكية خلال الأسبوع الأول من حدوث الزلزال المدمر، الذي ضرب سوريا وتركيا، بحسب جنيدي، المدير التنفيذي للبوصلة. احتشدت المنظمات السورية في كلا البلدين وسارعت لتلبية احتياجات المجتمع، في الوقت الذي بدت فيه الجهات الدولية الفاعلة في حالة شلل، لذلك “لابدَّ من التأكيد على دور المنظمات المحلية، ولابدَّ من إعادة الأمور إلى نصابها في قرارٍ قادم لمجلس الأمن”، بحسب قوله.

وشدّد جنيدي على مسألة غياب وكالات الأمم المتحدة والعديد من المنظمات غير الحكومية الدولية وتقاعسهم عن الاستجابة للزلزال في شمال غرب سوريا، معتبراً أنهم يضيفون أعباءً إضافية وتكاليف أخرى غير مباشرة. وبالتالي، لا يبقى للمنظمات المحلية سوى الفتات من التمويل. 

في نهاية المطاف، “توطين الاستجابة” خطوة “مهمة لتطوير كفاءة المنظمات غير الحكومية المحلية والموظفين العاملين فيها، الذين سيستمرون في الاستجابة بعد أي أزمة”، وفقاً لجنيدي، وقد يسهم تمكين المنظمات غير الحكومية المحلية في تقوية المجتمع المدني لصد أي تدخل وتحويل مسار المساعدات من قبل نظام الأسد ومنظمات الإغاثة المرتبطة به، في حال كثّفت الأمم المتحدة عمليات إيصال المساعدات عبر خطوط التماس أو اقتصرت عليها في شمال غرب سوريا.

وأضاف جنيدي: “من خلال الاستجابة للزلزال، اتضح أنّ الاستجابة الحقيقية تأتي من المنظمات المحلية العاملة في الميدان”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

صدر هذا التقرير بدعم مالي من المؤسسة الأوروبية من أجل الديمقراطية (EED)، وتتحمل “سوريا على طول” وحدها مسؤولية ما جاء فيه

شارك هذا المقال