6 دقائق قراءة

الحرب في سوريا تترك بصمتها على الخيول العربية الأصيلة وأنسابها مهددة بالضياع

يدرب حمزة  الإدلبي خيوله على أن تكون جاهزة للركوب في […]


25 ديسمبر 2016

يدرب حمزة  الإدلبي خيوله على أن تكون جاهزة للركوب في أية لحظة.

قبل عام واحد، فر الإدلبي من قريته في ريف إدلب الجنوبي بعد دمار منزله جراء غارة جوية.

وعند حديث مراسلة سوريا على طول، ديما الدمشقي معه، قال الإدلبي، الاسم المستعار لمدرب الخيول ” لولا محبتي وولعي بالخيل لما تركتها معي في هذه الظروف الصعبة”.

وبدلا من ذلك، أخذ الإدلبي خيوله الخمسة المتبقية- حيث سرقت بقية الخيول، وبعضها الآخر قتل بسبب الضربات الجوية- واستقر في بلدة مجاورة في المحافظة الشمالية الغربية الخاضعة لسيطرة الثوار.

والإدلبي هو جزء من مجموعة كبيرة من مربي الخيول العربية من ريف إدلب وحلب. كما أن تربية الخيول العربية الأصيلة، والمعروفة بإطارها الاجتماعي القوي، تعود لأجيال سابقة في قبيلته.

وعلى الرغم من الصعوبات المالية للنزوح وقصف النظام في ريف إدلب، يقول مربي الخيول، البالغ من العمر 26 عاما، أنه يحاول الحفاظ على إرث عائلته المعروفة بتربية الخيول العربية.

سباق في بطولة عام 2006 للمنظمة العالمية للجواد العربي (الواهو) في سوريا. تصوير:WAHO

ومع عدم وجود الإسطبلات يبقي الإدلبي خيوله داخل الغرف في منزله، ويقوم بتدريبها في فناء صغير.

وقال مربي الخيول “الآن هي سجينة الغرف خوفاً من الشظايا(…) ولا أعرف هل أستطيع أن أبقى معهم صابراً، أم أن شراسة الحرب ستجبرني على بيعها من أجل تأمين لقمة العيش”.

بعد دخول الحرب في سوريا عامها السادس، ما مدى المعاناة التي واجهتك خلال الحرب في تربية الخيول؟

يعاني مربوا الخيول العربية الأصيلة في ريفي حلب وإدلب من غلاء الأسعار والعلف وفقدان الدواء الخاص بالخيول من فيتامينات إلى أدوية إسعافية مع قلة الوارد المالي لأصحابها، فأنا مثلاً قبل الحرب كنت أطعم خيولي الشعير والنخالة والتبن، وبسبب صعوبة الوضع الاقتصادي أصبحت أطعمهم التبن وقليلا من النخالة، كما أن كل الخيول بالعادة تصاب بالطفيليات بسبب المرعى والعلف، وتحتاج كل 3 شهور لدواء قاتل للطفيليات والدود، ونحن بحاجة ماسة لهذا الدواء إلا أنه مفقود، وإن وجد فإن سعره يتراوح بين الثلاثة آلاف والخمسة آلاف ليرة سورية.

كما أن مربي الخيل يعانون من مشكلة الأوراق الثبوتية التي تبين أن الخيول التي يملكونها هي خيول عربية أصيلة، حيث كان أصحاب الخيول يستفيدون من خدمات شعبة التسجيل الخاصة لدى الدولة في السابق، حيث يتوجه المالك فور ولادة المهر لإستخراج بطاقة نسب بعد تقديم الثبوتيات اللازمة، وهي تاريخ الولادة، واسم الفرس الأم، ورسنها.

هل تواصلتم مع المنظمة العربية العالمية للجواد العربيWAHO والتي تهدف إلى الحفاظ على الخيل وتحسين نقاء الدم للخيول العربية، بعد خروج قراكم عن سيطرة النظام ودخولها تحت سيطرة المعارضة؟

كانت منظمة الواهو هي المسؤولة عن تسجيل الخيل وختمها تحت إشراف وزارة الزراعة عند النظام، حيث كانت تأتينا اللجان المختصة التابعة للمنظمة وتأخد عينة من دم الخيل لتحديد وتسجيل نسبه، ثم يقومون بوشم تاريخ تولده ورقمه، وهو بمثابة الهوية له لأجل حفظ نسبه، وهذا ما يسمى بختم المنظمة.

أما الآن وقد خرجت مناطقنا عن سيطرة النظام انقطع التواصل بيننا وبين المنظمة، ونحن نتسائل لماذا لا تقوم هذه المنظمة بختم الخيول في المناطق التابعة للمعارضة؟ لا أحد يمنعها من الدخول لمناطقنا، أليست هذه مسؤوليتها، ونحن بدورنا نحملها المسؤولية عن ضياع نسب الخيول، كما أننا نعتبر أن الغرب لم يقدم لنا سوى التنظير.

أما موظفوا النظام التابعين لوزارة الزراعة، فلا يستطيعون دخول مناطق المعارضة لاحتمالين، الأول أن وزارة الزراعة التابعة للنظام تمنعهم من دخول مناطق المعارضة، والاحتمال الثاني أنهم يخافون من الخطف.

كم تمتلك من الخيول العربية الأصيلة، وكم خيل مسجلة لديك عند منظمة الواهو، ما هي البدائل التي تلجؤون إليها للحفاظ على أنساب الخيول المولودة حديثاً؟

أمتلك خمسة من الخيول، أعمارهم خمسة عشر سنة، عشر سنوات، ثلاث سنوات، سنة، ونصف سنة، خُتم منها اثنان بختم منظمة الواهو، والثلاث غير المسجلة لايضيع نسبها عندي لأنها على نسب أمها وأمها لا تزال عندي، ولكن في حال بعتها، فانتقال ملكيتها من شخص لآخر سوف يضيع نسبها.

وقد يلجأ بعض أصحاب الخيول إلى أشخاص من ذوي الخبرة في مجال الأنساب فيشهدون عليها، وهذه أحد الطرق القديمة في حفظ الأنساب.

فرضت ظروف الحرب عليكم فوضى عارمة، وفقدان الأمان، ما هي الصعوبات التي تواجهونها حالياً؟

للأسف ضاعت الكثير من الخيول في فوضى الحرب، فمنها من قتلتها الطائرات المجرمة، ومنها من سلبتها داعش باسم الدين، وأخرى سرقت وقام الذين سرقوها بالمتاجرة بها إلى تركيا ويتراوح سعرها من ألفين دولار إلى عشرين ألف دولار حسب مواصفاتها، ونسوا الملكية لمن تعود ونسوا أنها خيول الأجداد، فالخيل العربي لا يقدر بثمن.

وكما أن الوضع الأمني سيء للغاية، فالقصف يهدد حياتنا وحياة خيولنا بالموت من جهة، واللصوص يهددونا بسرقة الخيول من جهةٍ أخرى، ولا يوجد دعم علف لا من وزارة الزراعة التابعة للنظام ولا من الزراعة الحرة، وكل ما يهمني الآن تأمين العلف والمكان المناسب لحمايتها من القصف. ولولا محبتي وولعي بالخيل لما تركتها معي في هذه الظروف الصعبة، نزحت من قريتي واصطحبتها معي، لا أعرف هل أستطيع أن أبقى معهم صابراً، أم أن شراسة الحرب ستجبرني على بيعها من أجل تأمين لقمة العيش.

تأخذ تربية الخيول من مالك ووقتك وجهدك الكثير، ما هو سر تعلقك بالخيول رغم الظروف الصعبة التي تعيشها؟

نحن عرب عشائر، وتربية الخيل متوارثة عندنا من زمن أجدادنا، فالخيول العربية الأصيلة رمز من رموز الحضارة العربية، وتتميز بوجهها الصبوح المشرق كإشراق الصباح، وهي عند العرب مثل العرض، فالعربي إذا سبيت فرسه كأنما سبيت زوجته، وأنا أعشقها ولا أفارقها، ولا يمكن أن أتخلى عنها بسهولة.

هل طالبتم المجالس المحلية بالدعم؟

أصحاب الخيول طالبوا في الآونة الأخيرة بإنشاء جمعية خاصة لدعمنا، وفعلا استجابوا لمطالبنا و أسسوا جمعية الفجر للخيول العربية، أنا لم أسجل بها حتى الآن لأنني لا أعرف مدى مصداقيتها، ولكنها فكرة جيدة وأعتقد أنها ستكون ناجحة.

يهمني من الجمعية تأمين العلف للخيول، وتشكيل لجنة تعمل على تسجيل الخيول في منظمة الواهو.

في ظل القصف المستمر عليكم  بأسلحة متنوعة، ما وضع الاسطبلات، وكيف تؤمن الخيول من القصف؟

لا يوجد عندي اسطبلات مناسبة لتربية الخيول، فقياسات الغرفة النظامية للخيل 3×4 متر مربع، لكن ظروف اللجوء فرضت عليي أن أسكنها في غرف عادية، واعتماداً على خبرتي الجيدة في تربية الخيول، أستطيع تدبير أمور الخيل بالإمكانيات المتاحة لدي.

أما بالنسبة للقصف فأنا أخاف عليها كثيراً، ولكن لا أستطيع أن أخبئها دائما في الغرف، فهي بحاجة ماسة لأشعة الشمس، هناك فكرة وضع السواتر الترابية لتأمين الحماية لها من القصف، إلا أن الوضع الاقتصادي سيء بسبب الحرب، وكوني نازح وبمثابة ضيف عند أصحاب الأرض، فنحن مهددون بالنزوح مرة أخرى، كل هذا يقف عائقا أمامي في وضع سواتر أمان. أما الآن فهي سجينة الغرف خوفاً من الشظايا.

هل تروض الخيول المولودة حديثاً، وما فائدة ترويضها في زمن الحرب؟

يبدأ ترويض الذكر في عمر السنتين، والأنثى في عمر السنة والنصف، ففي هذا العمر تبدأ المحاكاة العقلية للجواد، والترويض يتم بالبداية بتعليم الحصان على اللجام، وهو بمثابة المكابح بالنسبة للسيارة، وبعدها يتم وضع السرج على ظهر الجواد، فإذا كان الجواد شرس الطباع نضعه في أرض ترابية عميقة من أجل أن نجهده، سابقاً قبل النزوح كانت الخيول معتادة أن تجري في ملعب واسع براحتها، أما الآن فأعمل على ترويضهم في حوش قريب من الغرف، مساحته 20×20متر مربع تكمن أهمية ترويض الخيول من أجل الفرار بهم أثناء القصف خارج القرية، أو ليكونوا جاهزين للركوب أثناء النزوح.

الحصان العربي من سلالات الخيول الخفيفة في العالم، وتمتاز بالصبر والدقة والسرعة، وتمتلك عظاما قوية ودما عربيا أصيلا، لذلك تعتبر من الخيول الأكثر حضورا حاليا في سباقات ركوب الخيل، ونظمت مؤخراً مهرجانات للخيول العربية الأصيلة تضمنها سباقات سرعة في ريف إدلب؟ كيف تم التنظيم، وهل هناك داعمين ماليين له، وما فائدته للخيل و الخيالة؟

السباقات أهم ميزة للخيول، ففيها يتم فحص قدرتها على التحمل وسرعتها، وهذه المنافسات تميز الخيول الحاملة لمورثات السرعة، فيعمد صاحبها على تدريبها وتطوير سرعتها سنة بعد سنة، وعندما نحدد الفرس الرابحة و الحصان الرابح، نزاوجهم مع بعضهم، من أجل أن نحصل على جيل جديد من الخيول القوية والسريعة.

ويقوم بتنظيم السباقات بعض الخيالة المهتمين بتربية الخيول، وينظم في كل أسبوع سباق، ولكن للأسف لا يوجد جهة داعمة لتشجيع و تكريم الفائزين، فالمشاركون يتكلفون أجور نقل الخيول وما تحتاجه من فيتامينات وزيادة في العلف، فالخيول المدربة تحتاج لغذاء خاص ومتكامل.

كما أن السباقات ُترفه عنا وتخفف من ضغط الحرب، وتنشط حركة بيع و شراء الأحصنة عندما يتعرف الراغبون في الشراء على الخيول الجيدة.

ترجمة: سما محمد وفاطمة عاشور.

شارك هذا المقال