12 دقائق قراءة

وعي ناقص: مناهج المرحلة الابتدائية في سوريا تفتقر للمعلومات التي تتناول أزمة المياه القادمة

التيزر: في ظل تغيرات المناخ، وزد عليها الحرب التي حولت المياه إلى سلاح، يبرز إلى الواجهة سؤال: هل يملك أطفال سوريا، وعياً كافياً عن مخاطر الأزمة؟ وهل تتناول مناهجهم الدراسية معلومات من شأنها تكوين وعي بخطورة أزمة المياه على كل الجوانب: الصحية، الزراعية، والاقتصادية؟


20 ديسمبر 2023

بحلول عام 2050، أي العام الذي تصل فيه نسبة العجز المائي في سوريا إلى أكثر من 6 مليار متر مكعب، سيكون طلبة الصف الأول الابتدائي عمرهم 33 عاماً، وهذا يشير إلى ضرورة تسليط الضوء على مؤشرات الأمن المائي السوري، والربط بين الواقع المائي الحالي والوعي عند الأطفال.

 

خارطة توضح المناطق من الأشد (البني) إلى الأقل (الرمادي) تعرضاً لتهديدات الأمن المائي عام 2050 (المصدر: معهد موارد العالم)

خارطة توضح المناطق من الأشد (البني) إلى الأقل (الرمادي) تعرضاً لتهديدات الأمن المائي عام 2050 (المصدر: معهد موارد العالم)

تظهر في الخريطة سوريا والدول العربية من ضمن الأشد تعرضاً لتهديدات الأمن المائي، وبحسب المعلومات التي تداولتها أبحاث نقلاً عن منظمة الفاو، صُنفت سوريا من بين البلدان الأكثر فقراً مائياً منذ عام 2000.

وأشارت دراسة نُشرتها منظمة “Action Against Hunger” الإنسانية الدولية عام 2020، إلى أن مؤشرات الأمان المائي في سوريا تزداد خطورة، حيث يحتاج 15.5مليون سوري إلى المياه الآمنة، على امتداد مناطق السيطرة العسكرية المختلفة: الحكومة السورية، المعارضة، الإدارة الذاتية.

وحذر خبراء المياه والمناخ من أن سوريا سوريا مهددة بجفاف حتمي بحلول عام 2050، إن لم تتخذ السلطات إجراءات صارمة. 

“قبل بدء الأزمة السورية كانت هناك تحديات في إدارة كميات المتاحة في البلاد مع متوسط الاستهلاك في قطاعات الزراعة والصناعة والاستخدام اليومي”، قال الباحث في مجال المناخ والمياه أديب الأسطى، المقيم في دمشق، وزاد الأمر سوءاً بعد أن “تسببت الحرب في تدهور البنية التحتية المائية، وخفضت من إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة والسليمة”.

وأضاف الأسطى في حديثه لمعدّة التقرير: “يعد توفير مياه نظيفة وآمنة للسكان في سورية تحدياً كبيراً، يتطلب تحسين البنية التحتية المائية وإقامة المشاريع الضرورية لتلبية الاحتياجات الأساسية للمياه”.

وفيما اتفق الخبير المائي، تيسير محمد، المقيم من إدلب مع الأسطى، أشار إلى “التغيرات المناخية التي تلوح بمستقبل مائي قاسٍ لسوريا”.

وجاء في دراسة للبنك الدولي، نشرت في نيسان/ أبريل 2023، أنه بنهاية العقد الحالي، ستنخفض كمية المياه المتاحة للفرد سنوياً عن الحد المطلق لشح المياه، البالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً، ووفق التقديرات الواردة في التقرير، فإنه بحلول عام 2050، ستكون هناك حاجة إلى 25 مليار متر مكعب إضافية من المياه سنوياً لتلبية احتياجات المنطقة.

أمام هذه العوامل الطبيعية، وزد عليها الحرب التي حولت المياه إلى سلاح، وتحكم دول المنبع بتدفق المياه إلى دول الممر، كحالة نهر الفرات الذي ينبع من تركيا ويمر في سوريا، يبرز إلى الواجهة سؤال: هل يملك أطفال سوريا، الذين سيكونون في سن الشباب عندما تصل أزمة المياه إلى ذروتها، وعياً كافياً عن مخاطر الأزمة؟ وهل تتناول المناهج الدراسية الحالية، على اختلاف مناطق السيطرة العسكرية، معلومات من شأنها تكوين وعي بخطورة أزمة المياه على كل الجوانب: الصحية، الزراعية، والاقتصادية؟

يكشف هذا التقرير عن تباين إجابات الطلبة والمدرسين عن موضوع المياه وأهميته الأزمات القادمة، من خلال توزيع 60 استبيان على طلبة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، المعارضة، ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية، بحضور أحد الوالدين وخارج أوقات دوام المدرسة، بواقع 20 استبيان لكل منطقة، وعلى 12 مدرس/ـة في المناطق الثلاث، ولقاءات مباشرة مع مسؤولين عن المناهج الدراسية في هذه المناطق.

نموذج عن موافقة خطية حصلت عليها معدتا التقرير قبل إجراء المقابلات مع الأطفال

انتشار الكوليرا

في 11 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، ارتفع عدد الحالات المشتبه بإصابتها بفاشية الكوليرا إلى 186,297، في شمال غرب سوريا، المنطقة الواقعة تحت سيطرة المعارضة ويقطنها نحو ستة ملايين نسمة، بينهم مليوني نازح، بحسب أرقام برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة، التابع لوحدة تنسيق الدعم.

سجلت عدة محافظات سورية تفشياً للكوليرا، منذ أواخر آب/ أغسطس 2022، في بلد يعاني من نقص المياه الصالحة للشرب، والتلوث الناجم عن سوء شبكات الصرف الصحي، وتفتقد مخيمات النازحين فيه لأدنى شروط التعقيم والنظافة. 

ويسهم “تغير أنماط الطقس، المدفوع بالنشاط البشري وحرق الوقود الأحفوري في اندلاع أعداد قياسية من فاشيات الكوليرا”، كما جاء في إحاطة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في الإحاطة الإعلامية التي أدلى بها في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.

التقرير الأسبوعي الصادر عن برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2023

التقرير الأسبوعي الصادر عن برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2023

أصيب الطفل عمر حسون (اسم مستعار)، 11 عاماً، مع كل أفراد عائلته بالكوليرا، في 20 آب/ أغسطس 2023، ولا تعلم العائلة المقيمة في مدينة حارم بريف إدلب أسباب الإصابة، لكن “قد يكون اختلاط المياه الجوفية مع مياه الصرف الصحي، أو سقاية الخضار بالمياه الملوثة من أسباب الإصابة”، كما ذكر والده لمعدة التقرير. 

في بلد يتداعى فيها القطاع الصحي، وتضربها فاشية الكوليرا، “لا تتطرق المناهج في الصفوف الابتدائية إلى آثار التلوث على الصحة، ولا أنواع الأمراض وسبل الوقاية منها”، قال عمر، وهو في الصف السادس الابتدائي، الذي سمع عن الوباء عبر فرق الدفاع المدني السوري، خلال حملات توعية أطلقتها للتعريف بالوباء وسبل الوقاية منه، كما أوضح لمعدة التقرير أثناء اتصالها مع والده.

ولم يحصل الطالب إلا على معلومات “بسيطة جداً حول الوباء وطرق الوقاية منه من المدرسة التي يدرس بها رغم إصابة عدد من زملائه”، بحسب عمر.

ربما تختلف الأطراف العسكرية المسيطرة على امتداد الجغرافية السورية، لكن حال الأطفال لا يختلف بين بقعة جغرافية وأخرى، لا سيما فيما يخص جانب التوعية والتثقيف الصحي.

ورد أحمد (اسم مستعار)، 12 عاماً، يقيم مع عائلته في مناطق سيطرة النظام السوري بمدينة حلب، وهو أيضاً أصيب بـ”الكوليرا”، ونظراً لارتفاع الإصابات في حلب “أرسلت عينة التحليل (المصل) إلى دمشق”، كما قالت أمه، مشيرة إلى أنها لا تعرف كيف انتقلت “الكوليرا” إلى ابنها، لكن “سمعت أن المياه في حلب ملوثة”.

لم يكن لدى ورد “معرفة مسبقة بمخاطر تلوث المياه وأنها قد تؤدي إلى موت الإنسان”، كما قال، وحاله كحال عمر لم يحصل على معلومات كافية عن الوباء، باستثناء “النصائح المتعلقة بغسل الأيادي وتعقيم الخضار والفواكه”.

وصلت تجليات أزمة المياه، بأسبابها المرتبطة بالعوامل الطبيعية أو المتعلقة بالصراع، إلى مستويات مهددة للحياة في شمال شرق سوريا أيضاً؛ حيث شهد عام 2022، إصابة أكثر من 15483 بفاشية الكوليرا، توفي منهم 28 مصاباً.

وفي 24 أيار/ مايو 2023، وبلغ عدد الإصابات في شمال شرق سوريا 35,745 إصابة بحسب آخر إحصائية صادرة عن برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة. حذرت منظمة “العدالة من أجل الحياة”، منظمة حقوقية مستقلة غير حكومية، من أن الواقع الصحي يشير إلى أن أزمة انتشار الوباء قابلة للعودة “في حال لم يتم التعامل على الصعيدين المحلي والدولي مع عوامل تشكله وانتشاره”.

أما في مناطق سيطرة الحكومة السورية، كان آخر تحديث عن عدد الإصابات من وزارة الصحة، في كانون الثاني/ يناير 2023، عندما أعلنت الوزارة عن 1652 إصابة مثبتة بـ”الكوليرا” ووفاة 49 حالة.

معلومات سطحية

أصدر المرصد العالمي للجفاف (GDO) إنذار الجفاف بخصوص شرق سوريا في نيسان/ أبريل 2021، مشيراً إلى أن نسبة الأراضي المزروعة تراجعت بنسبة 53%، ما أدى إلى تأثر الثروة الحيوانية والزراعية، ويهدد الثروات البشرية والاقتصادية أيضاً.

استناداً إلى هذه المعطيات، ولأن الأطفال والطفلات سيكونون في مواجهة عواقب الجفاف عندما تكون أزمة المياه بأوجها، كان لابد من معرفة دور المناهج الدراسية السورية، بكل مناطق النفوذ، في تكوين الوعي حول موضوع أزمة المياه القادمة، وتحليل كيف تناولت هذه المناهج الأزمة المائية، وما إن كان لدى الطلبة وعياً كافياً بالمخاطر المستقبلية للجفاف.

لأجل ذلك، أجرت معدّتا التقرير تحليل المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية من الصف الأول إلى السادس، أي للأعمار من 6 سنوات حتى 12 عاماً، في مناطق الحكومة السورية، الحكومة السورية المؤقتة (المعارض) في شمال غرب سوريا، ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

وأوضحت النتائج إلى أن المناهج التي تناولت موضوع المياه في مناطق سيطرة الحكومة السورية هي: العلوم، اللغة العربية، الدراسات الاجتماعية، والتربية الوجدانية، التي تناولت مواضيع كثيرة من ضمنها الزراعية، وفي مناطق الحكومة المؤقتة: العلوم، القراءة، الدراسات الاجتماعية، والعربية لغتي، أما في مناطق الإدارة الذاتية: المجتمع والحياة والقراءة، العلوم، علوم اجتماعية، واللغة العربية). عدد الدروس المتعلقة بالمياه أو التي تشير إليها بطريقة وأخرى كانت 26 درساً في مناهج الحكومة السورية، و14 درساً في مناطق الحكومة المؤقتة بالتساوي مع مناهج الإدارة الذاتية.

وتظهر المعلومات المرفقة أدناه أبرز المواضيع المرتبطة بالمياه في مناطق النفوذ الثلاث وأشار تحليل كل منهج من المناهج المذكورة آنفاً إلى ما يلي:

المواضيع المتعلقة بالمياه التي تناولتها المناهج السورية من الصف الأول حتى السادس في مناطق سيطرة الحكومة السورية، الإدارة الذاتية والحكومة المؤقتة - المصدر: مسح المناهج المنجز من قبل الصحفيتين المعدتين للتحقيق

المواضيع المتعلقة بالمياه التي تناولتها المناهج السورية من الصف الأول حتى السادس في مناطق سيطرة الحكومة السورية، الإدارة الذاتية والحكومة المؤقتة – المصدر: مسح المناهج المنجز من قبل الصحفيتين المعدتين للتحقيق

ركزت المناهج الثلاث على الجانب المعرفي المتعلق بواقع المياه في سوريا تاريخياً، وتناول الجفاف ومخاطره، ومصادر المياه، فيما أهملت المناهج الثلاثة التأثيرات الاقتصادية والحياتية، وخطورة التغير المناخي وتداعياته على الأمن المائي في الأعوام المقبلة، رغم تزامن تحديثها أو نشرها مع المتغيرات الحاصلة في سوريا.

وعي ناقص!

أشارت دراسة عربية، أعدت للاحتفال باليوم العالمي للمياه في 22 آذار/ مارس 2002، إلى ضرورة تكثيف الحملات لتعبئة الوعي الجماعي، وتحريك الجمهور المتأثر والساسة وغيرهم لتدارك الوضع. وينبغي أن تناقش المناهج الدراسية القضايا الملحة، من قبيل: السلوك السليم والحكيم للماء، معلومات حول قضايا المياه المحلية، الأمن المائي والإدارة المستدامة، التعليم الصحي المتعلق بالمياه، وغيرها من القضايا، بحسب الدراسة.

وبالعودة إلى التحليل الذي أجريناه عن المناهج الدراسية السورية في المناطق الثلاث، نجد أنها تقدم في المرتبة الأولى معارف جغرافية ومعلومات عامة عن البيئة من دون التركيز على خطورة الجفاف والمستجدات المتعلقة بأزمة المياه في سوريا وتأثيراتها على حياة السكان مستقبلاً، ولا حتى الإشارة إلى الموارد المائية المتوفرة في كل منطقة على اختلاف السيطرة العسكرية، أو التحديات التي يواجهها السوريون في الوصول إلى المياه الصالحة للشرب.

استطلعت الصحفيتان رأي 60 طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي بمناطق النفوذ الثلاث، 20 في كل منطقة، وبحسب الاستبيان فإن 54.5% منهم/ـن يرون أن المناهج لا تؤمن لهم/ـن معرفة كافية بمشاكل المياه، وهذا يتوافق مع تحليل المناهج، الذي يشير إلى عدم التركيز على تناقص موارد المياه على سبيل المثال، ومواضيع متعلقة بالتنمية المستدامة وأبرز الحلول المتبعة عالمياً لمواجهة أزمة المياه.

وهنا يبرز السؤال: هل تكفي المعلومات المعرفية والصحية ومواضيع التصحر لتشكيل الوعي على مدى 6 سنوات لطلبة المرحلة الابتدائية اليوم، الذين سيكونون شباب/ـات المستقبل لمواجهة الخطر المائي القادم؟

يظهر الرسم البياني بعض نتائج الاستبيان الموزع على الطلبة:

 

  رسم بياني يوضح جزءاً من إجابات 60 طالب وطالبة شاركوا/ـن في الاستبيان حول تناول المناهج الدراسية في مناطقهم/ـن مشاكل المياه

رسم بياني يوضح جزءاً من إجابات 60 طالب وطالبة شاركوا/ـن في الاستبيان حول تناول المناهج الدراسية في مناطقهم/ـن مشاكل المياه

واحدة من أصل 60 إجابة، قالت أن المعلمة أشارت إلى أزمات وحروب جديدة يمكن أن يتم استخدام المياه بها للتأثير على سوريا، وهي إجابة من طالبة تدرس في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، قالت أن معلمتها طلبت منهنّ التفكير بقرار من شأنه معالجة حروب المياه عندما يتقلدوا في المستقبل مناصب في مراكز صنع القرار.

تتقاطع هذه الإجابة، مع نسب الاستبيان الذي وزع على 12 معلم/ـة،  في مناطق السيطرة المختلفة،  التي تناولها التقرير، إذ إن 24% من المعلمين/ـات قدموا معلومات إضافية تتعلق بالمواضيع المتعلقة بالمياه، واتفق جميع المعلمين والمعلمات على أن الطلبة لا يملكون وعياً كافياً بأزمة المياه ومخاطرها المستقبلية.

وفي الاستبيان الخاص بالطلبة، أشارت معظم الإجابات إلى أن أبرز المواضيع التي درسوها خلال المرحلة الابتدائية تتعلق في: هدر المياه وخطورتها، التصحر وخطورته، أهمية الزراعة ودور المياه فيها، خطورة الجفاف، قلة الأمطار ومخاطرها، وبعض المعلومات المتعلقة بجغرافية المياه في سوريا.

وفيما تذكر الطلبة بعض المعلومات المرتبطة بتأثير المياه على صحة الإنسان، غاب عنهم كلياً ما يتعلق بالحلول الممكنة لمواجهة الأزمات وحروب المياه وتأثيراتها الاقتصادية. غالبية الطلبة اعتبروا أن مشاكل المياه في مناطقهم تتجسد بعدم توفرها، وعزوا ذلك إلى انقطاع الكهرباء، دون الإشارة إلى أسباب أخرى.

وفي هذا السياق، أجاب 44% من المعلمين/ـات بـ(لا) على سؤال: هل تذكر المناهج الدراسية مواضيع متعلقة بمخاطر قلة المياه؟، وأجاب 64% منهم بـ(لا) على سؤال: هل توضح المناهج الدراسية المعلومات المتعلقة بمخاطر قلة المياه والحلول لتجاوزها بشكلٍ كافٍ؟، كما هو موضح في الصورة أدناه.

  رسم بياني يوضح إجابات 12 معلم/ة تمت مشاركة الاستبيان معهم/ن على أسئلة تخص تناول المناهج الدراسية لمشاكل المياه

رسم بياني يوضح إجابات 12 معلم/ة تمت مشاركة الاستبيان معهم/ن على أسئلة تخص تناول المناهج الدراسية لمشاكل المياه

  وأشار المعلمون والمعلمات، الذين شاركوا/ـن في الاستبيان إلى وجود عدة عوامل تعيق تشكيل الوعي المناسب للطلبة حول موضوع أزمة المياه القادمة، منها:

  • المنهاج غير موسع كفاية.
  • دمج أزمة المياه ضمن باقي الأزمات، وعدم تخصيص المساحة الكافية لها، وعدم وجود وسائل ونشاطات تتعلق بمشكلة الجفاف واقتراح حلول لها.
  • عدم إيضاح السياسات الممنهجة ضد الدول، التي تمتلك موارد مائية وتستخدمها كأدوات حرب ضد الدول.
  • عدم السعي لتطوير المناهج، بما يتلاءم مع التغيرات المناخية في العالم.
  • عدم توافر الوسائل التعليمية، المناسبة وقلة حصص التوعية في هذا المجال.
  • التركيز عن المشكلة بشكل موسع، ولكن الحديث عن الحلول يكون مقتضباً في جملة أو جملتين في الدرس الواحد.
  • عدم شعور الطالب بالمسؤولية، لأنه يعتبر نفسه بعيداً عن الأزمة، لأن الجفاف في مخليته في أفريقيا، كما تصوره المناهج، وكأنه بمنأى عنها.
  • نقص الزيارات الميدانية.
  • الاعتماد على وسائل توضيح تقليدية في الكتب المدرسية. 

ما سبق يشير إلى أن الطلبة، الذين تتراوح أعمارهم، بين 35 و42 عاماً عند حلول عام 2050، لن يكونوا جيلاً مؤهلاً للتعامل مع كارثة بحجم خطر الجفاف، لأن مناهجهم الدراسية لم تهيئهم بشكل كافٍ ولم تحرض تفكيرهم على مواجهة الأزمة والبحث عن حلول لها.

الموقف الرسمي

تتشابه المواقف الرسمية في مناطق النفوذ المختلفة بشأن مسألة “الجفاف” كما تشابهت في ضعف مناهجها بشأن التعامل مع المخاطر المستقبلية.

عند عرض الدروس الموجودة في مناهج الإدارة الذاتية ونتائج تحليل المضمون التي توصلنا إليها، على دارشين خليل، عضو لجنة المتابعة والتقييم في مؤسسة إدارة المناهج التابعة للإدارة الذاتية، قال: “لا شك أن أهمية المياه لديمومة الحياة تأتي قبل الطاقة، ومن دون شك يجب أن تتناول مناهجنا الدراسية هذا الموضوع، لكن من زاوية ترشيد المياه ودورها وأهميتها والمحافظة عليها، أما موضوع تناول مشكلة المياه في المرحلتين الابتدائية والإعدادية سابقة لأوانها، ومن الممكن تناولها ضمن مناهجنا في المرحلة الثانوية بما يناسب هذه المرحلة العمرية”.

يتناقض رده مع مع الدراسات النفسية التي تشير إلى أن الوعي يتشكل عند الأطفال في المراحل المبكرة، من عمر 3 سنوات، وكل مرحلة ترتبط بطريقة المعلومات التي تقدم. تشير الأبحاث النفسية والتربوية إلى أن للمدرسة دور كبير في تشكيل الوعي حول موضوع معين، من خلال تحريض خيال الطفل بالأدوات التي يفضلها، مثل أفلام الكرتون المسلسلات وغيرها، أي جملة من وسائل الإيضاح المختلفة، وهذا ما تحدث عنه المعلمون والمعلمات، الذين شاركوا في الاستبيان، عند إجابتهم على السؤال المتعلق بوسائل وأدوات الإيضاح، مؤكدين على ندرة أو انعدام وسائل الإيضاح الحديثة.

وعند عرض نتائج استبيان المعلمين والمعلمات على خليل، قال: “سنحاول تلافي جميع الملاحظات والأخطاء الموجودة في مناهجنا، في عملية التطوير التي نقوم بها، بما فيها كتاب المجتمع والحياة ليراعي موضوع المياه حسب ما تراه اللجان القائمة مناسباً كمادة علمية”.

من جهته، قال عمار م، عضو في هيئة المناهج التابعة للحكومة السورية المؤقتة، أنه لم يتم تغيير المناهج منذ عام 2013، معتبراً أن المعلومات التي تحتويها كانت مناسبة للسنوات السابقة، مقراً أنها “لم تعد مناسبة اليوم”. من وجهة نظره “فترة تعديل المناهج يجب أن تتراوح بين سبع وعشر سنوات”، ما يعني أن الفترة انقضت من دون تعديل.

وأقر بعدم تضمين مناهج الحكومة المؤقتة تأثيرات الجفاف على البيئة والإنسان والحيوان والصحة العامة، مشيراً إلى أن بناء الوعي حول أزمة المياه في المناطق التي تعتمد مناهجهم تجري بعدة أساليب، منها “تضمين المحتوى المتخصص، الأنشطة العلمية، التدريس التفاعلي، زيارات ميدانية، الأمثلة الحية، والتوعية بالمشاركة”.

لكن الأمثلة التي ذكرها المسؤول في هيئة المناهج بالحكومة المؤقتة لا تنعكس على محتوى المناهج التي تم تحليلها، كما أنها تتعارض مع إجابات المعلمين/ـات الذين تحدثوا عن نقص الأدوات التفاعلية وقلة استخدام المعلومات من خارج المنهاج.

وبدورها، أشارت مشرفة تربوية في وزارة التربية التابعة للحكومة السورية، في سياق دفاعها عن المناهج الدراسية، إلى أن “المناهج عالمياً يتم تعديلها كل خمس سنوات، والمناهج السورية مواكبة للتعديلات بشكل دائم، و يحتوي كل صف أمور متعلقة بالمياه من الأول الابتدائي إلى البكالوريا، كل حسب المرحلة العمرية التي تناسبه”، مؤكدة أن “المناهج السورية تبنى على أساس مواضيع التنمية المستدامة والمواطنة الفاعلة”.

رد المشرفة التربوية، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، لا تتطابق أيضاً مع النتائج التي خلصنا إليها في تحليل المناهج ولا مع إجابات المعلمين والمعلمات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، الذين ردوا على سؤال ملائمة المناهج لمواضيع التنمية المستدامة بالقول أنه غير كافٍ.

وعن تحديد كمية الدروس المتعلقة بالمياه، قالت المشرفة التربوية أن هذا يعتمد على “وثيقة المعايير الوطنية التي تصدر قبل البدء بتأليف المناهج، التي يعاد النظر بها كل خمس سنوات”، وهذا يدل على أن المناهج في مناطق سيطرة النظام بآخر تحديث لم تراعي التغيرات المناخية.

ورداً على عدم تضمين الجانب الاقتصادي في مواضيع أزمة المياه وحروب المياه، قالت: “الموضوع كبير على مستوى فهم طلبة المرحلة الأساسية”، مستدركة: “الوعي عند الطفل ليس مسؤولية المدرسة فقط  وإنما جهد الأهل أيضاً”.

بينما تعنون الصحافة والأبحاث بخطورة الوضع المائي بحلول عام 2050، ويتحدث المجتمع المدني عن أزمات مائية قادمة ستكون سوريا جزءا منها، ويتحدث العالم عن حرب مائية قادمة ناجمة عن التغيرات المناخية الحاصلة في السنوات الأخيرة، وتجري مؤتمرات اليوم تتعلق بهذا الخصوص، يغيب هذا الاهتمام عن المنظومة التعليمية في سوريا.

ويبقى عمر وورد وأقرانهم من الطلبة في سوريا من دون وجود حدّ أدنى من التثقيف الصحي، متروكون من دون خطة تعليمية لمواجهة المخاطر المستقبلية، ولا يعرفون ما إذا كان كأس الماء الذي قد يشربونه قد يؤدي إلى إصابتهم بوباء أم لا.

 

هذه المادة واحدة من ست مواد أُعدت ضمن برنامج تدريبي على الصحافة الاستقصائية العابرة لمناطق النفوذ المختلفة في سوريا

شارك هذا المقال