6 دقائق قراءة

السوريون في تركيا.. ترحيل تعسّفي إلى بلد غير آمن!

عمان- "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" شطر بيت من الشعر يختصر قصة اللاجئ السوري عمرو دعبول. إذ بدلاً من اجتماعه مع عائلته في بلجيكا، بعد رحلة -مفترضة- محفوفة بالمخاطر في "قارب مطاطي" من السواحل التركية إلى اليونانية، انتهى مشواره في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.


21 يوليو 2019

عمان- “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن” شطر بيت من الشعر يختصر قصة اللاجئ السوري عمرو دعبول. إذ بدلاً من اجتماعه مع عائلته في بلجيكا، بعد رحلة -مفترضة- محفوفة بالمخاطر في “قارب مطاطي” من السواحل التركية إلى اليونانية، انتهى مشواره في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.

دعبول (27 عاماً) واحدٌ من مئات السوريين الذين تم ترحيلهم من الأراضي التركية إلى مناطق المعارضة السورية شمال غرب البلاد، في إطار حملة ضد “العمالة غير القانونية” في تركيا، طالت شرائح عدّة من السوريين.

وكان دعبول على متن قارب مطاطي قبالة السواحل اليونانية عندما أبلغ خفر السواحل اليوناني نظيره التركي عن القارب الذي “كاد يغرق بعد تعطل محركه”، فألقي القبض على جميع ركابه وإعادتهم إلى تركيا.

وبعد أن قضى أياماً في سجن “آيدن” التركي، تم ترحيل دعبول وأربعين سورياً آخرين حاولوا الهجرة إلى أوروبا بطريق غير شرعية، إلى محافظة إدلب، في منتصف تموز/ يوليو الحالي. وقد تم ذلك بعدما أجبروا “تحت التهديد على توقيع أوراق العودة [الطوعية] إلى سوريا” بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.

ورغم أنه أودع السجن تحت مسمى “توقيف إداري”؛ أي إنه “موقوف وليس سجيناً”، ويحمل بطاقة حماية مؤقتة (كيملك) صادرة عن ولاية غازي عنتاب، إلا أن ذلك لم يجنبه مصير الانضمام إلى “ضحايا الترحيل” الذي شرعت الحكومة التركية بتنفيذه بشكل واسع منذ الأسبوع الماضي.

تركيا، منذ اندلاع الثورة السورية، في ربيع 2011، كانت أحد أهم ممرات العبور إلى أوربا، ورغم إلقاء خفر السواحل التركي على مهاجرين غير شرعيين، إلا أن “الترحيل إلى بلادهم لم يكن موجوداً، وما يحصل حالياً من عمليات ترحيل مخالف للقوانين، ولسياسة تركيا القديمة” بسحب دعبول.

وكان ناشطون سوريون تداولوا خبراً صادراً عن “منبر الجمعيات السورية في تركيا”، أمس السبت، مفاده وقف الحكومة التركية حملتها ضد اللاجئين السوريين. الأمر الذي نفاه “المنبر” على صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك”، مؤكداً أن “الحملة مستمرة”، ومطالباً السوريين “بتصحيح أوضاعهم القانونية والانتقال إلى مدن تركية يسمح للسوريين فيها بإصدار كيملك جديد”.

من جهته، وعد ياسين أقطاي، مستشار حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، أمس السبت، بإجراء مشاورات مع القيادات السورية في مدينة إسطنبول، لإيجاد حلّ لأزمة اللاجئين. مضيفاً في الوقت ذاته أن “عدد اللاجئين السوريين زاد في إسطنبول، وهم يمارسون أعمالهم بشكل عشوائي بات واضحاً للشعب التركي، خاصة بعد زيادة نسبة البطالة بين الأتراك، ما جعلهم يوجّهون اتهامات للاجئين السوريين”.

أحياء خاوية

تبدو أحياء اسطنبول التي عرفت، حتى أيام قليلة، اكتظاظاً بالسوريين، خالية من المشاة، كما أغلق بعض محالها أبوابه، بما يكاد يشبه حظر تجول فرض على هذه الأحياء من قوات الأمن، بحسب وصف مواطنين سوريين مقيمين في اسطنبول، تحدثا إلى سوريا على طول” شريطة عدم الإفصاح عن اسميهما. 

فـ”سوق مالطا المعروف بكثرة السوريين، ونزلة الأمنيات أيضاً، عادة ما تكونان مزدحمتان في ساعات الذروة، غير أن الحركة فيهما على غير العادة”. إذ لزم “السوريون منازلهم خوفاً من أن تطالهم الحملة الأمنية”، كما ذكرا.

امرأة تسير في سوق مالطا بإسطنبول، 20/7/2019، (ناشطون)

وقال عبد الله الحسن (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية: “في أماكن تجمع السوريين تكاد الحركة لا تتجاوز 50 بالمائة عما كانت عليه. والرهاب من الحملة تسلل إلى غير المخالفين أيضاً، بسبب ما يتم تداوله من أخبار عن ترحيل سوريين يُفترض أن يحميهم القانون من الترحيل”.

وذكر أبو شادي الحلبي، من مكان إقامته في إسطنبول، لـ”سوريا على طول”، أنه “تم إلقاء القبض على ابني من مكان عمله في أسنيورت، وكان يُفترض أن يتم ترحيله إلى مدينة قيصري. لكن فوجئنا باتصاله بنا يخبرنا بأنه في إدلب”.

الحلبي وجميع أفراد عائلته (أبناء وأحفاد) يحملون بطاقة “الكيملك” من إسطنبول، باستثناء ابنه الذي تم ترحيله إلى سوريا “دون إعطائه مهلة أو إنصافه بتطبيق القانون التركي”، كما قال. مضيفاً: “أخبرنا ابني أنه ألقي القبض عليه في أسنيورت، فتوجهت إلى مكان اصطفاف باص الموقوفين، وناشدت عناصر الأمن تركه. فوعدوني بأنهم سينقلونه إلى قيصري، وبإمكانه العودة إلينا مجدداً بموجب إذن سفر رسمي”. لكن “بعد 48 ساعة من انقطاع الاتصال بيننا، أخبرنا بأنه وصل إلى سوريا، بعد إجباره على التوقيع بموافقة الترحيل إلى [هناك]”.

سيدتان سوريتان تقفان بجانب إحدى حافلات الترحيل، 20/7/2019، (ناشطون)

تصاعد في الانتهاكات

في المركب الذي كاد يغرق قبالة السواحل اليونانية، كان من بين المهاجرين مواطن سوري مسيحي قادمٌ من لبنان إلى تركيا بهدف العبور إلى أوروبا.

ورغم أنه لم يسبق له زيارة سوريا، ولا يوجد له أقارب فيها، فقد تم ترحيله إلى إدلب بعد إيداعه سجن “آيدن”، بحسب ما ذكر دعبول. مشيراً إلى أن “علامات الخوف على الرجل كانت [جلية]، لا سيما وأنه لا يعرّف ما قد يحلّ به [في إدلب]” التي تمارس فيها هيئة تحرير الشام، بحسب روايات متعددة، ضغوطاً على المسيحيين، كما شهدت هذا الشهر جريمة قتل، راحت ضحيتها امرأة مسنّة مسيحية من أهالي بلدة “اليعقوبية” في ريف المحافظة الغربي.

أما في حالة أبو عمار الشامي (40 عاماً)، فقد ألقي القبض عليه، كما روى لـ”سوريا على طول”، أثناء تجوله في شارع “ميماتي” باسطنبول لعدم حيازته على بطاقة “الكيملك”.

وكما روى الشامي، وهو مهجّر من جنوب دمشق منتصف العام الماضي، لـ”سوريا على طول”، فقد “أخبرتهم أن زوجتي وأولادي في إسطنبول ولا معيل لهم، وأنني على موعد للحصول على كيملك من بورصة بعد شهر. لكنهم رفضوا إطلاق سراحي”. وبعد ساعات تم الطلب منه توقيع ورقة لا يعرف ما مضمونها “قالوا أنها إجراء روتيني”.

تالياً، تم تسليمه ومن معه من الموقوفين للجندرما التركية (الجيش)، الذين قاموا بدورهم بمصادرة هواتفهم المحمولة ومرافقتهم، وهم مكبلو الأيدي، إلى الحدود السورية. 

حالياً، يبحث الشامي، الذي كان قد وصل تركيا قبل ثمانية أشهر لقاء 3000 دولار أميركي دفعها للمهربين، عن أي طريقة تعيد لمّ شمله مع عائلته. وكما قال: “لا أعرف من نسأل وما هي الطريقة التي تمكنني من الاجتماع بهم مجدداً”.

ونشر ناشطون سوريون صوراً تظهر شباباً مقيدي الأيدي قالوا إنها للاجئين سوريين. فيما تبدو صورة أخرى تجسيداً لقصّة أبو شادي الحلبي وابنه، إذ أوصد باب الحافلة، فحال بين سيدة سورية وقريب لها من “المرحّلين إلى بلادهم”.

الناشط الحقوقي بسام الأحمد اعتبر في حديث إلى “سوريا على طول”، أن “الانتهاكات ليست جديدة، خاصة إذا ما أشرنا إلى انتهاكات [حرس] الحدود، [وأفضت إلى] مقتل عشرات [اللاجئين] برصاص “الجندرما”، كما تم ضرب مئات الأشخاص وتعذيبهم وإرجاعهم [إلى سوريا]”. مشيراً إلى أن “الصمت عن الانتهاكات سابقاً كان لأغراض سياسية، خاصة من المنظمات السورية العاملة على الأراضي التركية، أما اليوم فإن الأمور خرجت عن السيطرة”.

وشهدت تركيا مؤخراً جملة من الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين، منها ما يتعلق بإعادة عدد منهم إلى مناطق سورية خطرة بذريعة أنها آمنة، كما هي حال إدلب التي تشهد حملة عسكرية كبيرة من قبل قوات الحكومة السورية وحلفائها الروس، غالباً بعد إجبار اللاجئين السوريين المرحلين على توقيع أوراق تُظهر أنهم أردوا العودة الطوعية إلى منطقة تصعيد عسكري. وهذا لا يعطي شرعية قانونية للأتراك، بل يبقى هكذا ترحيل “تعسفياً”، كما قال الأحمد.

وتحذّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر من مخاطر الإعادة المبكرة إلى الوطن، في المناطق غير المستقرة، أو في المناطق التي دمرت فيها البنى الأساسية. 

في هذا السياق، لفت الأحمد إلى أن “القانون الدولي الخاص بحقوق اللاجئين يُلزم الدول بعدم ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم قسراً، سواء وقعت الدولة [على الاتفاقات الدولية الخاصة بهذا الشأن] أم لم توقع”. معتبراً أن من “حق تركيا حفظ حقوقها وتنظيم بلادها، لكن ما لا يمكن قبوله [هو] الترحيل بطرق تعسفية، والتعامل بمزاجية مع المخالفين”.

وبعد أسبوعٍ قاسٍ على السوريين في إسطنبول، خصصت دائرة الهجرة التركية، بالتنسيق مع منبر الجمعيات السورية في تركيا، رابطاً لجمع معلومات عن الأشخاص الذين تم ترحيلهم إلى سوريا ويحملون “كيملك” من إسطنبول أو أي ولاية أخرى. لكن لا يُعرف حتى اللحظة فيما إذا كانت الحكومة التركية ستعمل على إعادة “المرحّلين تعسفياً” أم لا.

شارك هذا المقال