4 دقائق قراءة

اللاجئون السوريون العائدون إلى بلادهم من تركيا المنكوبة بالزلزال يقاسون مشقة البدء من جديد

عاد آلاف السوريين من تركيا في أعقاب زلزال السادس من شباط/ فبراير، الذي ضرب كلا البلدين. يعتزم العديد منهم العودة قبل حلول الموعد النهائي في أيلول/ سبتمبر، في حين يكابد أولئك الذين فقدوا كل شيء في الكارثة صعوبات يومية للبدء بحياتهم من جديد في سوريا.


4 يونيو 2023

إدلب؛ إسطنبول- منذ أكثر من اثني عشر عاماً، بدأت ميرا المحمد مع زوجها حياتهما في جنوبي تركيا، وكانا عروسين، بعد أن غادرت موطنها في مدينة حماة السورية. في هاتاي عاشا ورزقا بأربعة أطفال، لكن قبل أربعة أشهر هُدم كل شيء.

في السادس من شباط/ فبراير، ضرب زلزال مدمر كلاً من سوريا وتركيا، مخلِّفاً وراءه الخراب والدمار. أسفر الزلزال، الذي بلغت قوته 7.6 درجة على مقياس ريختر، عن مقتل أكثر من 52 ألف شخص في كلا البلدين، من بين القتلى في تركيا حوالي أربعة آلاف لاجئ سوري، من ضمنهم زوج المحمد وابنه، الذي لم يتجاوز العامين من عمره، قضيا نحبهما نتيجة انهيار المبنى الذي تسكن فيه العائلة.

“انهارت حياتي كلها بعد الزلزال”، قالت المحمد، 33 عاماً، لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامتها الحالي في مخيم مجاور لمدينة حارم بريف إدلب.

عندما فقدت كل شيء في تركيا، عادت المحمد بعد أسبوعين من وقوع الزلزال رفقة بناتها الثلاثة الناجيات  إلى حيث يقيم والديها في مخيم بالقرب من مدينة حارم، حيث تعيش مئات العائلات المُهجَّرة. قالت المحمد: “انقلبت حياتنا رأساً على عقب، وأصبحت الحياة بالنسبة لأطفالي لا تطاق، ما كنت أتخيل أننا سنمر بمثل هذا الظرف يوماً”.

بعد الزلزال، سمحت السلطات التركية للسوريين المتمتعين بالحماية المؤقتة، المسجلين والمقيمين في المحافظات العشر المتضررة من الزلزال (كهرمان مرعش، هاتاي، غازي عنتاب، ملاطية، كلس، عثمانية، ديار بكر، أضنة، أديامان، وشانلي أورفا) العودة إلى سوريا مؤقتاً، على أن يعودوا إلى تركيا قبل 15 أيلول/ سبتمبر 2023، حتى لا تُلغى تصاريح إقامتهم المؤقتة.

ومنذ ذلك الحين، عاد أكثر من 56 ألف سوري إلى مناطق شمال غرب سوريا، الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام، بحسب وزير الدفاع  التركي خلوصي أكار.

لكن تصريحات أكار حول العائدين أشارت إليهم على أنهم اختاروا العودة إلى سوريا “طواعية”، في رحلة ذهاب بلا عودة، بينما الحقيقة أن “بعض هؤلاء، الذين بإمكانهم بدء حياة جديدة في تركيا -مالياً- عادوا بالفعل قبل فوات الأوان”، كما قال لـ”سوريا على طول” طه الغازي، الناشط في قضايا حقوق اللاجئين السوريين بتركيا.

“أتمنى أن أعود، لكني غير متأكدة إن كنت أستطيع”، قالت ميرا المحمد، التي تقر بالصعوبات الهائلة للعودة بعد فقدان سكنها وزوجها، الذي كان معيلاً، وهو ما يجعل من العودة “مشقة مضنية”، وفق قولها.

في المقابل، بنات المحمد يعانين من صعوبة التأقلم مع الحياة في سوريا، فجميعهن وُلِدن وترعرعنَ في تركيا وتعلمنَ في مدارسها. أما في حارم، كان عليهن بدء رحلة التعلم من الصفر، نظراً لضعف لغتهن العربية، وهذا أدى أيضاً إلى “تعرضهن للتنمر في المدرسة بسبب حاجز اللغة، فهن يتحدثن التركية، ولأنهنّ يُعتبرن كبيرات على مستواهم الحالي”.

في إدلب، تقيم المحمد وبناتها مع والديها وشقيقاتها الثلاث الكبار. يدير والدها محلاً صغيراً في المخيم، وهو مصدر دخلهم الرئيسي، إلى جانب اعتماد العائلة على المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية.

هناك 2.9 مليون سوري مُهجَّر داخلياً، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يعيش 1.9 مليون منهم في مخيمات النزوح شمال غرب سوريا في ظروف إنسانية قاسية. وفاقم زلزال شباط/ فبراير الظروف الإنسانية الصعبة أصلاً في المنطقة، وأسفر عن نزوح ما لا يقل عن 53 ألف عائلة إضافية.

منذ رجوعها إلى سوريا، تشعر ميرا المحمد كأنها ميتة، قائلة: “لم نكن أغنياء في هاتاي، ولكننا كنا راضين، عندنا منزل وحياة.. الآن فقدنا كل شيء”.

مايا، 11 عاماً، الابنة الكبرى لميرا غير سعيدة بمكان إقامتها الجديد في المخيم. بطلاقةٍ في اللغة التركية، تحدثت عن ذكرياتها مع صديقاتها القدامى في تركيا، المدرسة التي كانت ترتادها مع أخيها الأصغر الذي قُتِل في الزلزال، “أما هنا لا كهرباء، لا مدارس جيدة، لا أصدقاء، لا شيء هنا”، على حد وصفها.

مايا المحمد، 11 عاماً، تنظر من نافذة منزل جدها في مخيمٍ في حارم بريف إدلب. بعد أن وُلِدت وترعرعت في تركيا، اضطرت للانتقال إلى شمال غرب سوريا، بسبب زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023 وهو تحدي صعب عليها. عادت لتبدأ دراستها من الصفر، من الصف الأول الابتدائي، لأنها مهاراتها في القراءة والكتابة بالعربية محدودة، 07/ 05/ 2023، (علي الدالاتي/ سوريا على طول)

“لا مستقبل جيد”

يواجه السوريون، الذين بقوا في تركيا بعد الزلزال، مستقبلاً ضبابياً أيضاً، بعد أن صار وجود 3.6 مليون لاجئ سوري قضية سياسية مفصلية في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة، التي حُسِمت بجولة انتخابية ثانية، في 28 أيار/ مايو، لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان.

تمحورت الوعود الانتخابية لمنافسه كمال كليجدار أوغلو، حول ترحيل اللاجئين السوريين، الذي ضخّم وجودهم زيفاً، وتوعدَّ بإرسال عشرة ملايين لاجئ إلى بلادهم في حال تم انتخابه. في الأيام التي سبقت جولة الإعادة، أغرق أنصار كليجدار الشوارع بلافتات كُتِب عليها: “سيرحل السوريون”.    

بانتصار أردوغان، هدأت قليلاً مخاوف السوريين في تركيا، لكنه تعهد أيضاً بإعادة مليون لاجئ طواعية إلى “منطقةٍ آمنة” خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة في شمال سوريا، وقد وثَّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حالات لمئات السوريين الذين أعادتهم السلطات التركية قسرياً.

تتصاعد وتيرة الخطاب المناهض للاجئين في تركيا، وهو ما أكدَّته دراسة حديثة للأمم المتحدة، يرى فيها 82% من المواطنين الأتراك ضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم. 

في مطلع أيار/ مايو، أي المرحلة التي سبقت الانتخابات، تعرضت مراسلة الجزيرة رقية تشيليك لاعتداء من أحد مؤيدي حزب “الجيد” أثناء تغطيتها المباشرة لأجواء الحملة الانتخابية، على خلفية “تحدثها العربية” في تركيا.

في ظل الانحدار الحاد في الاقتصاد التركي وارتفاع معدلات التضخم، ازدادت تكاليف المعيشة، من قبيل: إيجارات المنازل، وثمن السلع الأساسية، ما أثقل كاهل سكان البلد، أتراك وسوريين. التحديات الاقتصادية أسهمت بتنامي الإحساس بالإحباط وتدني مستوى التسامح لدى بعض المواطنين الأتراك حيال وجود ملايين اللاجئين.  

تشتاق ميرا المحمد لحياتها في تركيا، ولكنها تحب سوريا وتتمنى لو تبقى بكنف والديها وأشقائها، غير أن غايتها تحقيق المستقبل الأفضل لأطفالها، وهذا لا يمكن في سوريا، كما أوضحت قائلة: “سوريا وطني ولا شيء يغير هذه الحقيقة، ولكني متأكدة أنَّه لا يوجد مستقبل جيد لبناتي هنا… أدعو الله أن يأذن لنا بالرحيل إلى مكان أفضل قريباً”.

هذا التقرير نُشِر أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال