6 دقائق قراءة

اللاجئون السوريون في الأردن يخشون من فقر أشد بعد تخفيض المساعدات

ابتداءً من آب/ أغسطس، سيفقد 120 ألف سوري في مخيمات اللاجئين بـ #الأردن ثلث الدعم المادي الذي يقدمه برنامج الأغذية العالمي التابع لـ #الأمم_المتحدة


28 يوليو 2023

عمان- من المقرر أن يفقد نحو 120 ألف سوري في مخيمي الأزرق والزعتري بالأردن ثلث المساعدات الغذائية التي يتلقونها ابتداء من آب/ أغسطس، إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي عن اضطراره إلى تخفيض قيمة المساعدات التي يقدمها للاجئين في المخيمات بنحو 35% بسبب نقص التمويل. 

قال العديد من الأهالي في كلا المخيمين لـ”سوريا على طول” أنَّهم يكابدون الأمرين من أجل تأمين احتياجاتهم الأساسية، من قبل إقرار تخفيضات المساعدات، فماذا يمكن أن يفعلوا الشهر القادم لتحصيل الغذاء. كان برنامج الأغذية العالمي يقدم   للسوريين في المخيمات مساعدة غذائية شهرية، بقيمة 23 دينار أردني (32 دولاراً أميركياً) للفرد الواحد، ستنخفض إلى  15 دينار (21 دولاراً).

وتأتي هذه الخطوة من ضمن سلسلة من التخفيضات في المساعدات الدولية المقدَّمة للاجئين في الأردن وفي جميع أنحاء المنطقة. في عام 2022، خفَّض برنامج الأغذية العالمي قيمة المساعدات، التي يقدّمها للسوريين في الأردن المقيمين خارج المخيمات. وتقلص الدعم الموجه للسوريين تدريجياً في السنوات الأخيرة مع فشل الجهود الرامية لجمع التمويل.

تم تمديد خطة الاستجابة الأردنية ، التي تقدم المساعدات للاجئين السوريين في الأردن لعام 2023، غير أنَّها تعاني من عجزٍ يزيد عن 1.5 مليار، أي ما يعادل 66% من الميزانية المطلوبة. وذكرت منظمة أوكسفام، اتحاد دولي للمنظمات الخيرية يهدف إلى الحد من الفقر في العالم، في السنة الماضية، أنَّ نقص التمويل يزيد اللاجئين ضعفاً

وقال مكتب برنامج الأغذية العالمي في الأردن لـ”سوريا على طول” أنَّ 56% من العائلات في مخيمي الأزرق والزعتري يعانون من تدهور وضع الأمن الغذائي، بدرجة تتراوح بين المتوسط والحاد. أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظل أزمة غلاء المعيشة عالمياً وزيادة التضخم المالي عقب الغزو الروسي لأوكرانيا،  العام الماضي، إلى الحد من القوة الشرائية لدخل قاطني المخيمات.

وقال مكتب برنامج الأغذية العالمي في الأردن أنَّ خفض المساعدات ناجمٌ عن “أزمة تمويل غير مسبوقة”، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة “تسلط الضوء على التحديات المُلحة التي يواجهها البرنامج لتقديم الدعم الحيوي للاجئين المستضعفين في الأردن وسط تدني حجم التمويل إلى مؤشرٍ خطر”. 

رسالة نصية موجهة من برنامج الأغذية العالمي للسوريين الذين يعيشون داخل المخيمات الأردنية، في تموز/ يوليو تُعلِمهم بخفض  قيمة المساعدات الغذائية من 23 دينار(32 دولاراً) إلى 15 دينار (21 دولاراً) ابتداء من آب/ أغسطس. (زهرة غريب الضاهر/ سوريا على طول)

الخشية من تأثير خفض المساعدات

عائشة (اسم مستعار)، 40 عاماً، تعيش في مخيم الزعتري منذ عام  2013، عندما فرّت مع ابنتها من محافظة درعا، جنوب سوريا. شعرت هي وغيرها بـ”استياء كبير” عندما وصلت رسالة خفض المساعدات في هذا الشهر،  كما قالت لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن “هناك أشخاص لا يستطيعون العيش من دون هذا الدعم”.

عائشة، التي طلبت حجب هويتها، هي المعيلة الوحيدة لابنتها ذات الـ14 عاماً، ولطالما كانت تؤثر ابنتها على نفسها، وتُقلل من كمية طعامها لأجل أن تغذي طفلتها، لكن بعد التخفيض “سيصلنا ثلاثين دينار” في الشهر، وهو مبلغ “لا يكفينا، سأضطر إلى الاكتفاء بوجبة واحدة” يومياً، قائلة: “هي طفلة، ويجب أن أدعمها، وأطعمها لتكبر”.

تعمل عائشة مع منظمة إنسانية في الزعتري، وتتقاضى لقاء عملها مبلغاً يتراوح بين 120 و130 ديناراً (170 و183 دولاراً) شهرياً، وهو مبلغ “يساعدني”، ولكن “لا يمكنني أن أتخيل كيف يتدبر الناس حياتهم من دون دخل مالي”.

قبل أن تبدأ في وظيفتها الحالية، كانت بلا عمل لمدة عام ونصف، خلالها تراكمت ديون كبيرة عليها، مع قرب انتهاء عقدها، بعد شهرين، عبرت عائشة عن قلقها بشأن تأمين الطعام وسداد ديونها، قائلة: “لا أعرف حقيقة ماذا أفعل بشأن ديوني”. 

المساعدة الغذائية هي الدخل الوحيد الذي يتلقاه العديد من قاطني مخيمي الأزرق والزعتري، حيث تتم المصادقة على عمليات الشراء بيومترياً، أي يُعتمد الدفع عن المشتريات عبر نظام بصمة العين منذ عام 2016. ونظراً لاقتصار المساعدة التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي على مشتريات السوبر ماركت فقط، يضطر بعض الأشخاص إلى بيع جزء من مشتريات المواد الغذائية لشراء مواد غير غذائية كالملابس والأحذية. فيما يعتمد العديد على الدعم المالي المرسل من أفراد العائلة الذين يعيشون في الخارج أو العمل بشكل رسمي أو غير رسمي من أجل تغطية نفقاتهم.

بيع المواد الغذائية لشراء مواد غير غذائية هو أمر شائع في الزعتري، بحسب عائشة، قائلة: “تخيل شخصاً يمشي حافياً ولا يستطيع أن يأكل أيضاً. عليهم أن يقللوا من طعامهم لشراء الأشياء التي يحتاجونها”.

كان محمد نزال،  28 عاماً، يعيش في الزعتري إلى أن حصل على تصريحٍ بمغادرته قبل عامين، ويعمل الآن كمصمم داخلي في عمان. ما يزال خمسة من أفراد عائلته يعيشون في المخيم في شمال الأردن، أصغرهم شقيقه ذو العامين.

يدعم نزال عائلته قدر المستطاع، ولكنه قلق بشأن خفض الدعم الغذائي، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “لاشك أنه سيؤثر عليهم… سيضطرون إلى تقليص المواد الغذائية التي يشترونها”.

تعيش زهرة غريب الضاهر، 36 عاماً، في مخيم الأزرق مع عائلتها منذ أن فرّوا من الاقتتال الدائر في محافظة حلب في نيسان/ أبريل 2016. لديها وزوجها ثمانية أطفال: أصغرهم طفلة في الشهر الرابع وأكبرهم في الخامسة عشرة.

إقرار تقليص المساعدات جعلها تشعر باليأس، لأن “الدعم أصلاً لم يكن يكفي لتغطية نفقاتنا الشهرية”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، متسائلة “من يستطيع أن يعيش على مبلغ 15 دينار شهرياً؟”. 

وأضافت الضاهر: “ما يحدث على الأرض هنا يدمي القلب”، مشيرة إلى أنه “لا يوجد دعم هنا لأي شيء غير الطعام، وعلى الناس تحمل ذلك. الناس يشحذون من جيرانهم”. 

رجل يصعد على دراجة هوائية بعد شراء الخبز من مركزٍ تابع لبرنامج الأغذية العالمي في مخيم الزعتري، 13/ 01/ 2023، (يونس الحركي/ سوريا على طول)

خطر الاستغلال

قال مكتب برنامج الأغذية العالمي في الأردن لـ”سوريا على طول” أنه “قلق جداً من أن تقليص الدعم سوف يثقل كاهل العائلات اللاجئة الضعيفة”، مشيراً إلى أن العديد من العائلات قد تلجأ إلى “استراتيجيات سلبية للتكيف مع الوضع”، مثل: عمالة الأطفال، زواج القاصرات، الأعمال المهينة، والتسول.  

تعليقاً على ذلك، أكدت الضاهر وجود أطفال في مخيم الأزرق يعملون لإعالة أهاليهم، كما أن “بعض الناس يذهبون للعمل خارج المخيم و يصطحبون أطفالهم للعمل معهم، وخاصة في الصيف”، يعملون في المزارع مقابل دينار واحد (1.40 دولار) في الساعة لكل فرد، بحسب قولها، لافتة إلى أن حجم الاحتياجات سيكون أكبر ابتداء من الشهر القادم.

تأخذ الكثير من العائلات هذا القرار على مضض، ولكن “الناس تريد أن تعيش” بحسب الضاهر. أكثر من 2% من أطفال مخيم الزعتري منخرطون في العمل، وفقاً للتقرير الأحدث الذي أجراه المسح الوطني لعمالة الأطفال في عام  2016، بينما لا توجد بيانات مسجلة عن مخيم الأزرق، الذي تم افتتاحه قبل سنتين من إعداد التقرير. 

بدوره، قال مشعل الفايز، الناطق الرسمي باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن لـ”سوريا على طول” أنَّ المفوضية تشعر بالقلق إزاء زيادة حجم المخاطر التي يواجهها اللاجئون بسبب خفض المساعدات، التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي، مشيراً إلى أن اللاجئين قد يضطرون إلى “اتخاذ تدابير متطرفة، مثل زواج القاصرات أو إخراج الأطفال من المدارس لتشغيلهم”.

“تقليص المساعدات قد يفاقم أزمة تكاليف المعيشة التي يتكبدها ]اللاجئون] منذ العام الماضي، والتي ما تزال تفاقم مستويات ضعف اللاجئين” بحسب الفايز، مشدداً على أن “استمرار الدعم الدولي أمر في غاية الأهمية لحماية اللاجئين من المخاطر المحتملة التي تهدد حياتهم”.

مناشدات من أجل إعادة التوطين لا العودة

يتمثل أمل عائشة والضاهر الوحيد في إعادة التوطين إلى بلد ثالث. ماذا سيحدث إن كان التوطين غير ممكن، هو ما تخشاه الضاهر، قائلةً “بدأت الناس تتساءل ماذا سيفعلون بنا في المستقبل.. الجميع خائفون من الإعادة القسرية إلى سوريا”.  

ذات المخاوف تتوجس منها عائشة، قائلة: “الوضع في سوريا ليس آمناً فعلياً” متمنية “لو هناك مزيداً من عمليات إعادة التوطين… أنا دائماً أناجي ربي: كل ما أريده أن أسافر”.

أدى الإعلان عن استئناف الحوار السياسي الرسمي بين سوريا والأردن في وقت سابق من هذا العام، بالإضافة إلى موجة التطبيع الإقليمية بين الدول العربية والأسد، إلى زيادة مخاوف اللاجئين، وخشيتهم من احتمال إجبارهم على العودة.

من بين المخاطر الأخرى التي قد يواجهها العائدون إلى سوريا الاضطهاد بسبب افتراض صلتهم بجماعات المعارضة. كما يُكلَف السوريون الذكور، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاما بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، التي يمكن أن تطول إلى أجل غير مسمى، وقد شبهتها وزارة الخارجية الأمريكية بأعمال السخرة.

وفي حين أن هواجس العودة القسرية ما تزال تتردد في مخيلة الكثيرين، يتعين على السوريين في مخيمي الأزرق والزعتري التعامل مع مخاوف أكثر إلحاحاً ابتداءً من الشهر المقبل. قالت الضاهر: “أنا مسؤولة عن خمسة صبيان وثلاث بنات… لا أريد أن أراهم مضطهدين. كما أنني لا أستطيع أن أعطيهم نصف حقوقهم؛ لأنني غير قادرة على تأمين احتياجاتهم”.

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور   

شارك هذا المقال