قهقهة الأسد في القمة العربية تثير غضب السوريين في المنفى
تبعث صور عودة بشار الأسد إلى قمة جامعة الدول العربية في 19 أيار/ مايو مشاعر الاشمئزاز لدى المهجرين السوريين في المنفى.
24 مايو 2023
أثينا- طيلة ثمانية أعوام، تتحاشى مروة رؤية أي تسجيلاتٍ صوتية أو مرئية لبشار الأسد، غير أن الفيديوهات التي ظهر فيها، يوم الجمعة الماضي، وهو يُحيّي الزعماء العرب في قمة جامعة الدول العربية المنعقدة هذا العام في السعودية، اجتاحت هاتفها المحمول.
“هذه المرة الأولى التي أسمع فيها صوته منذ ثماني سنوات”، قالت السيدة التي لجأت إلى الأردن بعد هروبها من سوريا عام 2013، معتبرة في حديثها لـ”سوريا على طول” أن سماعه كان “أشبه بمأساة داخلية”.
بعد تعليق جامعة الدول العربية عضوية نظام الأسد لقرابة اثني عشر عاماً على خلفية قمع الثورة السورية، أُعيد إلى المنظمة الإقليمية في هذا الشهر، ودُعِي إلى قمتها، التي انعقدت في 19 أيار/ مايو في جدة، تتويجاً لسلسلةٍ من الخطوات الرامية إلى رأب العلاقات مع دمشق، في خطوة اعتُبرت أشبه بالخيانة بالنسبة للسوريين في المنفى.
مع تزايد سرعة خطى التطبيع، تخشى مروة إغفال جرائم نظام الأسد الموثَّقة على مدار سنوات الحرب الاثنتي عشرة من أجل المصالح السياسية، وهي زوجة واحد من آلاف السوريين المختفين قسرياً، فيما أُعدِم شقيقها في إحدى سجون النظام. قالت مستنكرة: “استُقبِل بحفاوة كما لو أنه قائدٌ شرعي محترم… جامعة الدول العربية ليست جامعة للعرب وإنما للقادة، وهي لا تمثلني”.
مشهد احتفاء القادة العرب وترحيبهم بعودة دمشق، لم يصدم عصام، محامي معني بحقوق الإنسان، فرَّ من درعا إلى الأردن، في عام 2013، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “في كل بلدٍ عربي هناك معتقلين سياسيين، وعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية أمرٌ طبيعي”، ولكن كان يجدر بالقادة العرب من باب احترام “كرامة الضحايا السوريين أن يسألوا على الأقل: ما مصير عشرات آلاف المختفين قسرياً؟”.
من جهته، شعر عادل بـ”الهزيمة” عندما رأى التسجيلات المصورة في القمة، وهو لاجئ في كردستان العراق، ينحدر من مدينة اعزاز شمال حلب. عادت به الذاكرة “إلى أصدقائي الذين قُتلوا بالقصف أو ماتوا تحت التعذيب”، قال لـ”سوريا على طول”، مضيفاً “يضحك الأسد كما لو أنَّه شن حرباً على بلدٍ غريب، وليس على شعبه، وكأنه لم يدمر البلد، بمدنها وشعبها”.
آما حسان*، الذي فرَّ من سوريا في عام 2000، بعد زجه في سجون حافظ الأسد والد بشار، في التسعينيات، تثير جهود التطبيع الإقليمية غضبه، لأن “الأسد مسؤول عن قتل ونفي الآلاف. أحرق الأرض ودمرَّ المدن. وهاهم القادة العرب الآن يقومون بالتطبيع رغم الإخفاء القسري، والتغييرات الديموغرافية والتعذيب”، كما ذكر لـ”سوريا على طول”.
من جهته، شعر أنس، الذي تعرض للاعتقال مرتين على يد نظام الأسد، وكان شاهداً على اقتحام الجيش السوري لمنزله في دمشق وقتل أبيه، في عام 2012، “باليأس” وهو يشاهد، من منفاه في ألمانيا، مسؤولي النظام يوزعون الابتسامات في جدة، لكن بالنسبة له: “حتى إن طبَّعوا العلاقات مع النظام السوري، فهذا لا يعني أننا سنُسقط حقنا في إحقاق العدالة والمساءلة”، مشدداً في حديثه لـ”سوريا على طول” على مبدأ “لا سلام بلا عدالة”.
إعادة دمج دمشق في المجال الدبلوماسي الإقليمي، تتجاوز سوريا وشعبها، لأنه “مع وجود كل هذه الفظائع الموثَّقة على مدى ما يزيد عن عقد، ترسل جهود التطبيع هذه إشارةً إلى كل مجرم حرب أنْ بوسعك ارتكاب ما يحلو لك من الفظائع، بالقدر الذي تشاء، ما دمت ستخرج منتصراً فسيستمر العالم [وكأنَّ شيئاً لم يكن]”، بحسب المحلل السياسي والباحث في معهد الشرق الأوسط، إبراهيم الأصيل، وهو معتقل سابق في زنازين النظام السوري.
تتمثل الأولويات الرئيسية التي تدفع بعجلة التطبيع بالنسبة للقادة العرب، ولاسيما في الخليج، في كبح النفوذ الإيراني وإيقاف تدفق الكبتاغون، سوري المنشأ، عبر حدودهم، كما قال الأصيل لـ”سوريا على طول”، معتبراً أنهم “يحاولون إغواء الأسد لإبعاده عن إيران، ولكني أشك حدوث ذلك، لأنَّ الأسد مدين بنجاته لطهران وموسكو”.
“هذا التطبيع هو نتيجة لوجهة نظر المنطقة بأن الولايات المتحدة والغرب ليس لديهم خطة لحسم الأمور في سوريا”، بحسب الأصيل. في ظل الانكفاء الأميركي، اتجهت الصين إلى زيادة نفوذها الدبلوماسي في المنطقة، ونجحت في التوسط لإبرام اتفاقٍ فريد من نوعه يرمي إلى رأب العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في نيسان/ أبريل.
حالما اُعلن عن الاتفاق، ألمحت السعودية إلى عودة الأسد إلى قمة جامعة الدول العربية، كما أعربت سوريا والسعودية عن عزمهما إعادة فتح سفارتيهما. أعلنت تونس ودمشق أيضاً عن نيتهما إعادة البعثات الدبلوماسية بعد عشر سنواتٍ من القطيعة الدبلوماسية.
قد تُشكل إعادة فتح السفارات وإحياء العلاقات مع دمشق ضمن إطار التطبيع الإقليمي الأعم خطراً على السوريين، الذين يعيشون خارج بلادهم. في أيار/ مايو، نشر المركز السوري للعدالة والمساءلة تقريراً يُحلِّل 14,108 مستنداً للسفارة السورية بين عامي 2009 و2012، خلص إلى أنَّ الرقابة التي تقوم بها سفارات دمشق تُهدد السوريين في الخارج، الذين يُنظَر إليهم على أنَّهم معارضون لنظام الأسد.
“وجدنا أنَّ الحكومة السورية تستخدم سفاراتها في الخارج لتراقب وتجمع البيانات عن السوريين”، بحسب محمد العبد الله، المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة، مضيفاً لـ”سوريا على طول”: “بإعادة فتح السفارات، ستجد الحكومة السورية فرصاً جديدة للتجسس على مواطنيها”.
ونبَّه الدول التي تعتزم إعادة فتح سفاراتها أن “تكون على درايةٍ من أنَّها قد تساهم في توسيع شبكة التجسس الدولية لسوريا، والسماح للدولة بقهر وإرغام شعبها أكثر بصرف النظر عن مكان إقامتهم”.
رداً على التطبيع الإقليمي، طرح صانعو القرار الأميركيون في وقت سابق من هذا الشهر قانون مكافحة التطبيع مع الأسد لعام 2023، وهو مشروع قانون يسعى إلى ردع الحكومات عن التطبيع مع دمشق، وتوسيع قوائم عقوبات قانون قيصر الحالية. لكن، رغم أهمية هذه المبادرة، إلا أنها “تحتاج إدارةً لتنفيذها: سَن التشريع شيء، وتنفيذه شيءٌ آخر”، وفقاً للأصيل.
في الواقع، يخشى بعض السوريين أن تستسلم القوى الغربية وتنضم إلى جهود التطبيع أيضاً، وهو ما عبّر عنه عادل بقوله: “نخشى أن يتجاوز التطبيع الحدود الإقليمية ويصبح دولياً”.، لكن “طالما أنَّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ما يزالان ملتزمين بإحقاق العدالة في سوريا، إلى جانب قرار [مجلس الأمن التابع] للأمم المتحدة رقم 2245، فلن يتسنى للدول العربية إعادة إعمار سوريا واعتبارها بلداً آمناً”.
العودة
احتلت مسألة عودة اللاجئين السوريين مركز الصدارة في خطاب التطبيع مع دمشق، في وقت يعاني الكثير من السوريين في المنفى، لاسيما في لبنان وتركيا، من ضغوطٍ متزايدة للعودة إلى مصير ضبابي في بلادهم.
“أُعيد الأسد إلى الجامعة، ولكننا لا نرى أي تغييرات على الأرض فيما يتعلق بحقوق الإنسان. ما تزال سوريا غير آمنة”، كما قالت ناديا هاردمان، الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة “هيومن رايتس ووتش”. في عام 2021، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً يوثِّق الانتهاكات المرتكبة بحق العائدين، بما في ذلك الاضطهاد و التعذيب والقتل خارج نطاق القانون.
“تسهم القضايا الاقتصادية التي يواجهها السكان في تركيا، ولبنان على وجه التحديد، في تحويل الرأي العام ليكون ضد السوريين”، كما أوضح محمد العبد الله.
خلال العامين الماضيين، رحلَّت تركيا قسرياً مئات السوريين، كما شنَّت السلطات اللبنانية حملة ترحيل غير مسبوقة، وأعادت في شهر نيسان/ أبريل وحده أكثر من 600 لاجئ.
“على الرغم من أنَّ العراق والأردن لم ينقلبوا على اللاجئين بالقدر الذي شهدناه في لبنان وتركيا، غير أنَّ هذه الدول ستواجه ضغوطاً متزايدة، كالضغط على الميزانيات وموازنة الخدمات العامة بالتوازي مع الاعتقاد أن سوريا الآن باتت آمنة”، وفقاُ للعبد الله.
ومع استمرار التطبيع، توقع العبدا لله أنَّ “يتراجع الدعم الدولي للدول المستضيفة للاجئين”. كما حذَّرت هاردمان من تغيير محتمل في وجهة تمويل الجهات المانحة، قائلة: “لا نريد أن نرى نقل التمويل من كنف اللاجئين إلى عمليات الإعادة، لأنّها مرحلة سابقة لأوانها”.
في ظل تداعيات التطبيع، وزيادة الضغط على اللاجئين، يرى حسن، الذي لا يملك تصريح إقامةٍ في لبنان، حاله حال 83% من السوريين، أنّ مساحته الآمنة تضيق وتتقلص، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “بالكاد أخرج من بيتي حالياً”، مستذكراً تعرضه، عام 2015، للضرب على يد عناصر حزب الله لتعاطفه مع الثورة السورية.
“أتمنى لو أنهم يعاملوننا كما الحيوانات. هنا في لبنان، يعاملون الحيوانات أفضل مما يعاملون السوريين”، على حد قول حسن، الذي تقدم بطلب لإعادة التوطين في مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأجرى مقابلتين في عام 2018، لكن منذ ذلك الحين لم يسمع رداً.
اليوم، يفكر حسن في الهرب من لبنان بحراً، قائلاً: “لو خيروني بين نظام الأسد والمخاطرة في بحر الموت، لاخترت البحر. أُفضِّل الموت على أن أعود إلى سوريا وأُعتقل”.
بعد فراره من سوريا، أمضى أنس عقداً من الزمن في لبنان كناشط مناصر لحقوق الإنسان. ولكن منذ عدة أشهر، اعتقلته السلطات اللبنانية وأمرت بترحيله بسبب نشاطه. “في لبنان، لا يريدون السوريين الذين يدافعون عن حقوق الإنسان، أولئك الذين يرفعون أصواتهم، وإنما يريدون الذين يعيشون بصمت، فإن أرادوا إعادتهم، لن يكون هناك من يذكرهم”، كما قال. بعد مواجهته خطر الترحيل في لبنان، حصل أنس على فرصة اللجوء في ألمانيا.
عادل، أيضاً توجه بداية إلى لبنان، ومن ثم إلى أربيل بكردستان العراق، في عام 2021، وهناك حصل على إقامةٍ وتصريح عمل. ويشعر أنه هناك بأمانٍ أكبر، حيث “ينطبق القانون بخصوص الجنسية هنا على كل الجنسيات، وليس على السوريين فحسب، لذا فنحن نحظى بنوع من الأمان”.
وأضاف عادل متسائلاً: “نحن أقل تأثراً بالتطبيع من السوريين في مناطق الشرق الأوسط، ولكن هل ستدخل كردستان لعبة التطبيع هذه؟”.
في الأردن، تشعر مروة وعصام أنهما بمأمنٍ من خطر الترحيل. “لا أظن أن الحكومة ستضغط لإعادتنا إلى بلدٍ تكون فيه حياتنا وأماننا مهددين”، قالت مروة، معتبرة أنه ربما يكون “الضغط على السوريين المعتمدين على المساعدات، في حال قطعت عنهم”. أما الآن، فلا تغيّرات تذكر، وإنما حالة ترقب “نحن بانتظار ماذا سيحدث”.
*تم استخدام أسماء مستعارة، لدواعٍ أمنية.
تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين.