10 دقائق قراءة

المواطن يدفع ثمن “حرب تسعير” الأدوية بين وزارة الصحة السورية والمصنعين المحليين

يشهد قطاع الأدوية في سوريا حالة من عدم الاستقرار وفقدان الأدوية، رغم ارتفاع عدد المعامل عما كان عليه قبل عام 2011. لكن تضارب المصالح بين وزارة الصحة وأصحاب بعض المعامل الدوائية بخصوص "التسعير" يدفع المعامل إلى وقف التوريد.


5 فبراير 2024

السويداء، طرطوس- تطل الطفلة سارة، ذات السبعة أعوام، من نافذة منزلها في السويداء جنوب سوريا، لتنظر إلى زميلاتها وزملائها التلاميذ، وهم يعبرون الشارع باتجاه المدرسة، بينما حُرمت من مرافقتهم/ـن بسبب المضاعفات التي ألمت بقدميها بعدما تعرضتا لجروح، لأنها مصابة بداء السكري.

بعد ولادتها، اكتشفت عائلة سارة أن ابنتهم مصابة بداء “السكري” من النوع الأول، الذي يعتمد على الأنسولين من أجل ضبط مستوى السكر في الدم، و تستدعي حالتها استخدام نوعين من الأنسولين يومياً، الأول سريع التأثير، والثاني طويل المدى، لكن بسبب أزمة فقدان الدواء في السويداء لم تحصل على الجرعات المطلوبة بشكل منتظم منذ شهرين تقريباً، ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية.

تبذل سمية، والدة سارة، “مجهوداً كبيراً من أجل تأمين الأنسولين”، لكن أحياناً لا يمكنها تأمينه، وفي أحيان أخرى “يتوفر ولكن بزيادة تصل إلى ضعفين عن سعره الطبيعي”، على حد قولها.

شهرياً، تحتاج سارة أربعة أقلام أنسولين من كل نوع، ويبلغ سعر القلم الواحد من الأنسولين السريع 82 ألف ليرة سورية (5.60 دولار أمريكي، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14,575 ليرة للدولار)، بينما يبلغ سعر القلم من الأنسولين البطيء 50 ألف ليرة (3.45 دولاراً)، أي أن إجمالي ثمن الأنسولين شهرياً يتجاوز النصف مليون ليرة (36 دولاراً)، هذا إن استطاعت تأمينه بشكل منتظم.

داء السكري “مرض مزمن يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للأنسولين الذي ينتجه”، بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، وإذا لم يتم ضبط السكر في الدم لفترات طويلة قد يتسبب بـ”الإضرار الخطير في العديد من أجهزة الجسم، ولا سيما الأعصاب والأوعية الدموية”.

وتشير التقديرات إلى تجاوز نسبة انتشار داء السكري في سوريا 18 بالمئة، كما أوضحت رئيسة رابطة الغدد الصم في نقابة الأطباء، ريم مراد، في آذار/ مارس 2023، مشيرة إلى أن هذه النسبة من ضمن النسب العالمية.

يشهد قطاع الأدوية في سوريا، البلد الذي يعاني من ويلات الحرب منذ ثلاثة عشر عاماً، حالة من عدم الاستقرار وفقدان الأدوية، رغم زيادة معامل الأدوية المحلية بنسبة 23%، في عام 2018، عما كانت عليه قبل عام 2011، إذ ارتفع عدد المعامل من 58 معملاً إلى 73 معملاً “قيد الإنتاج الفعلي”.

تتمثل المشكلة في تضارب المصالح بين وزارة الصحة وأصحاب بعض المعامل الدوائية، التي تطالب الوزارة برفع أسعار الأدوية في النشرات الرسمية، ما أدى إلى فقدان العديد من زمر الأدوية منذ عام 2021.

خلال عام 2023، رفعت وزارة الصحة أسعار الأدوية ثلاث مرات، آخرها في كانون الأول/ ديسمبر بنسبة تراوحت بين 70 و100 بالمئة، بعد أن رفعت أسعار 13,503 صنفاً دوائياً، في آب/ أغسطس من العام ذاته، بنسبة 50 بالمئة، وفي مطلع العام ذاته رفعت الأسعار بنسبة تراوحت بين 70 و100 بالمئة.

أجرى الصحفيان، خلال إعداد هذه المادة  مقارنة بين أسعار ثلاثة أنواع من الأدوية الخاصة بمرضى السكري وارتفاع ضغط الدم، منذ بداية عام 2023 وحتى نهايته. بلغ سعر قلم الأنسولين في محافظة طرطوس الساحلية، في 17كانون الثاني/ يناير 2023، نحو 55 ألف ليرة (8.25 دولاراً بحسب سعر الصرف آنذاك البالغ 6675 ليرة للدولار)، وارتفع سعره في شهر 11تشرين الثاني إلى 190 ألف ليرة (13,80 دولاراً بحسب سعر الصرف آنذاك البالغ 13750 ليرة للدولار)، وقفز سعر الصنف ذاته بعد شهر  إلى 250 ألف ليرة (17.65 دولاراً)، عندما بلغ سعر الصرف 14,150 ليرة للدولار.

أما سعر دواء “فالزرتان”، الذي يوصف لمرضى ضغط الدم، كان سعره في مطلع عام 2023 حوالي 6800 ليرة (دولاراً واحداً تقريباً)، بينما بلغ سعره في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 13500 ليرة (0.98 سنتاً)، وفي كانون الأول/ ديسمبر ارتفع سعره إلى 22500 ليرة (1,59 دولاراً)، وفقاً للصيدلاني.

ربما لا يختلف أسعار بعض الأدوية إذا ما احتسبت قيمتها بالدولار الأمريكي، لكن سعرها بالليرة السورية يرهق جيب المواطن، الذي يستلم راتبه بعملته الوطنية، التي خسرت أكثر من 99 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار مقارنة عما كانت عليه قبل عام 2011، وبذلك انخفضت قيمة راتب الموظف الجامعي بالدولار، على سبيل المثال، من مئتي دولار إلى خمسة عشر دولار فقط.

رحلة البحث عن دواء

تختزل نظرات منال حالة الصدمة والقلق التي تعصف بأصحاب الأمراض المزمنة وذويهم في مناطق سيطرة الحكومة السورية. تعاني منال، 42 عاماً، من مرض ضغط الدم منذ 15 عاماً، “كانت أسعار الأدوية معقولة حينها” عدا عن أنها متوفرة، لكنها اليوم تعيش “صراعاً يومياً لتأمين الدواء”، كما قالت لمعدّي التقرير.

تعمل منال معلمة في مدرسة حكومية، بريف السويداء، براتب شهري مقداره 167 ألف ليرة (11.45 دولاراً)، تدفع منها 27 ألف ليرة (1.85 دولاراً) لتأمين الدواء، الذي لا يمكنها العيش من دونه. وتشكل قيمة الدواء رقماً صعباً بالنسبة للمرضى في سوريا، في وقت يعيش أكثر من 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر.

صار شبح تأمين الدواء يطارد منال، خاصة بعد توقف المستوصف في منطقتها عن تأمين الأدوية الخاصة بأصحاب الأمراض المزمنة، ليحملها عبء البحث عن الدواء في صيدليات المدينة في “رحلة طويلة من البحث والتوتر”، كما عبرت عنها منال. 

تحمل منال وصفة طبية مكتوبة على ورقة صغيرة، وتجول على الصيدليات الأقرب إليها ومن ثم الأبعد بحثاً عن الدواء، مشيرة إلى أن “الوضع أصبح صعباً للغاية، إذا وجدت الدواء في الصيدليات يكون سعره مرتفعاً بشكل لا يطاق”.

مرض ضغط الدم هو مرض شائع، يحدث عند حصول ضغط مستمر على جدران الشرايين وعلى مدى طويل، ويمكن أن يتسبب بمشاكل خطيرة، من قبيل: السكتة الدماغية، والقصور الكلوي.

وفي هذا السياق، قال الصيدلاني عماد من مدينة السويداء: “يأتي المرضى إلى الصيدليات على أمل أن يجدوا ما يحتاجونه، لكن الواقع يخذلهم دائماً”، مشيراً إلى أن “أزمة الدواء ليست أزمة مرضى فقط”.

تنقل عماد بين الرفوف ليعطي أمثلة حية على أزمة الأدوية المفقودة، قائلاً: “أدوية الأمراض المزمنة مثل مرض الإيدز، وهو نفسه يعطى لمرضى التهاب الكبد، بخاخ الربو، أدوية الصرع، وفيتامين دال الذي يعطى كعلاج لمرضى الكلى، هذه أدوية المريض بحاجة ماسة لها وغالباً تنقطع، وعند وجودها تكون أسعارها عالية جداً”، واصفاً ما يحدث بأنه “تلاعب بصحة المريض مادياً وصحياً”.

أقرَ المجلس العلمي للصناعات الدوائية، في أواخر أيلول/ سبتمبر 2023، بنقص الأدوية، كما جاء على لسان أحد أعضائه، محمد نبيل القصير، مشيراً في حديثه لصحيفة الوطن أن “بعض المعامل انتهت لديها المواد الأولية ولم تستورد أخرى نتيجة ارتفاع الأسعار، إضافة إلى عوامل أخرى مثل ارتفاع حوامل الطاقة وخصوصاً الارتفاع الأخير للمحروقات ما سبب تكاليف إضافية لأصحاب المعامل”.

أزمة التسعير

مع أن المواطن هو الحلقة الأضعف في أزمة الأدوية التي تعصف في البلاد، إلا أن تعديلات الأسعار الدورية تضع الصيدلاني عماد وأمثاله من العاملين في القطاع الدوائي “وفي وضع لا نحسد عليه”، مشيراً إلى أن رفع الأسعار مرتبط بتدهور قيمة الليرة السورية، التي سجلت 6,575 ليرة للدولار في مطلع عام 2023، وانتهت بحوالي 14150 ليرة للدولار في أواخر كانون الأول/ ديسمبر من نفس العام.

رفعت الحكومة السورية، في آب/ أغسطس 2023، رواتب العسكريين والمدنيين بنسبة 100 بالمئة، لكن تدهور الليرة إلى حد غير مسبوق، خلال العامين الماضيين مقارنة بالأعوام السابقة، أدى إلى تضخم أكبر ودفع المواطن إلى الهاوية.

من جهتها، تحاول وزارة الصحة السورية إلزام معامل الأدوية السورية بتسعيرة لا تناسب أصحاب المعامل، ما يدفعهم إلى وقف توريد إنتاجهم إلى مستودعات الأدوية، في محاولة للضغط على وزارة الصحة، التي رضخت لمطالبهم مرات عدة.

قبل ثلاثة أعوام أعلنت وزارة الصحة السورية على لسان وزيرها، حسن الغباش، عن وجود 96 معملاً للأدوية في سوريا، يغطون 93 بالمئة من حاجة سوريا، وقد تم التحقق من هذا الرقم من المكتب المركزي للإحصاء،.

وبحسب أرقام من المكتب، زاد عدد معامل الأدوية في سوريا، 24 معملاً مرخصاً في عام 2021 مقارنة بعام 2021، ولم يحدث المكتب أرقامه في الثلاث سنوات الأخيرة. عند مراجعته اكتفى بالأرقام المنشورة فقط، وهي وفق الجدول المرفق:

معامل الادوية المرخصة بين عامي 2011 – 2021 في سوريا (المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية)، بحسب  المكتب المركزي للإحصاء 

تتوفر الأدوية في سوريا إما عن طريق الاستيراد أو تصنيعها محلياً، ويمكن للمستوردين تسعير الدواء بموجب الأسعار الذي استورد فيه، شريطة الالتزام باتباع نشرة أسعار صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، بحسب نشرة المصرف المركزي حيث يبلغ الدولار الواحد 12,562 ليرة، وهو أقل من سعر الصرف في السوق السوداء بحدود ألفي ليرة.

لكن، حتى نيسان/ أبريل 2021، كان سعر صرف الدولار في المصرف المركزي نصف قيمته في السوق السوداء، إذ فيما بلغ سعر صرف الدولار 3590 ليرة، كان سعر “المركزي” مثبتاً عند 1256 ليرة للدولار، وهو السعر الذي كانت تشتري فيه معامل الأدوية موادها الأولية من الخارج.

لكن مع اقتراب سعر صرف المركزي من السوق السوداء، فقدت معامل الأدوية فارق السعر، وهو أحد أسباب ضغوطها على حكومة دمشق لتعديل أسعار النشرة الدوائية. في آب/ أغسطس 2023 صدر المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2023، الذي يقضي بإعفاء مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية الداخلة بصناعة الأدوية البشرية من الرسوم الجمركية.

بالنسبة للأدوية المحلية، تقدم المعامل التكلفة لوزارة الصحة، وبدورها تقوم اللجنة الدوائية العليا بتسعير الأدوية، ومن ثم يصدر تعميم من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى نقابة صيادلة سوريا المركزية تحدد فيه اسم المستحضر ومعلوماته وسعره للمستهلك بالليرة السورية، كما هو مبين في النموذج أدناه.

وفي هذا السياق، قالت الدكتورة الصيدلانية ميرا (اسم مستعار)، التي تعمل في قسم المبيعات بأحد معامل الأدوية بمحافظة طرطوس أن “الوزارة تصدر تعميمات دورية بأسعار الأدوية، ويتم احتساب سعر الدواء بناء على سعر صرف الدولار”، لكن “في كثير من الأحيان يصبح سعر المبيع الوارد في التعميم أقل من سعر تكلفة الإنتاج والتخزين”، بسبب تدني سعر صرف الليرة، وهو ما يدفع أصحاب المعامل إلى “تخفيف الإنتاج ريثما يصدر تعميم عن الوزارة برفع الأسعار”.

خيار خفض الإنتاج، يزيد من معاناة المرضى، لا سيما أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يكابدون أصلاً من تدني مستوى المعيشة، ولا يمكنهم العيش من دون دواء، ما يضطرهم إلى البحث عن الأدوية في السوق السوداء وشرائها بأسعار تفوق السعر الرسمي.

تعليقاً على ذلك، أشارت الخبيرة الاقتصادية ديمة (اسم مستعار)، إلى أن القطاع الدوائي يعاني من أزمة في السياسات الرسمية “تكمن في عدم تحقيق التوازن بين توفير الأدوية وتحديد أسعار، ليكون الحال إما توفير الأدوية بأسعار أغلى، أو عدم توفرها”.

ويتجلى عدم التوازن في نقطتين، بحسب ديمة، الأولى: “يُعتبر تسعير الأدوية بأقل سعر ممكن هو الهدف الذي تصدح به الأجهزة الرسمية، لكن تسعير الأدوية بأقل تكلفة يكون دون مراعاة للتكلفة الفعلية للإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى عدم  قدرة الشركات الدوائية على الاستمرار في الإنتاج وتوفير الأدوية”.

والثانية: “منع التعامل بالعملات الأجنبية يضع المعامل في وضع صعب من ناحية التصنيع والتسعير، خاصة مع تدهور الليرة السورية”، وبذلك “تتحمل الأجهزة الرسمية، كامل المسؤولية في الأزمة الدوائية الحاصلة من فقدان الأدوية والاضطرابات التي تحدث في تسعيرها”، من وجهة نظرها.

وهنا لا يمكن إغفال دور العقوبات الاقتصادية الغربية والأمريكية على سوريا في التأثير على القطاع الصحي، رغم أنه غير مستهدف مباشرة بالعقوبات، إلا أنه تأثر بشكل مباشر وغير مباشر، كون العقوبات عرقلت تموين السوق السورية بالمواد الأولية، ودفعت ببعض الشركات المتعددة الجنسيات (العالمية) عن التعامل مع الشركات السورية.

يدفع أمجد، 10 سنوات، الذي يعاني من شلل دماغي مع صرع، ثمن أزمة توفر الأدوية وتسعيرها، إذ يحتاج الطفل، المقيم في مدينة طرطوس، غرب سوريا، إلى ثلاث علب دواء (Valproic acid) شهرياً، ويبلغ سعر العلبة الواحدة 15 ألف ليرة (1.03 دولار)، وفق التسعيرة الرسمية، كما ذكرت والدته.

لكن المشكلة أن الدواء فُقد ثلاث مرات في عام 2023، بينما كان متوفراً في السوق السوداء بأكثر من خمس أضعاف سعره، بحسب أم أمجد، مشيرة إلى أنه وصل سعر ثلاث علب إلى 240 ألف ليرة (16.5 دولار)، بواقع 80 ألف ليرة للعلبة، بينما راتبها الشهري 250 ألف ليرة (17.15 دولار)، ما دفعها إلى تقليل الجرعة اليومية من ثلاث حبّات يومياً إلى حبتين، رغم معرفتها بأن ذلك “يزيد من معاناة ابني”.

سوء الإنتاج

كما أسلفت الدكتورة الصيدلانية ميرا، تقابل المعامل تعميمات وزارة الصحة بإيقاف إنتاج الدواء، إذا كان السعر المحدد لا يتناسب مع الجهة المصنعة، لكن هذه ليست الطريقة الوحيدة التي تتبعها المعامل، وإنما تلجأ في أحيان أخرى إلى “التلاعب بالمادة الفعالة لزيادة أرباحها في حرب التسعير مع وزارة الصحة”، بحسب قولها.

المادة الفعالة (API)، وهو المكون الصيدلاني النشط والعنصر الأكثر أهمية في الدواء، لأن هذه المادة فقط لها خصائص علاجية. وبهذه المادة تتمايز جودة الأدوية، ويتضح الفرق بين الأدوية المستوردة والوطنية، لا سيما في أدوية الالتهاب، بحسب شهادات خاصة من أطباء.

الطبيب سالم، 42 عاماً، الذي يعمل في قسم الإسعاف بأحد مستشفيات طرطوس، قال: “عند التأكد من حالة التهابية بالاستناد إلى التقارير الطبية والتحاليل المُجرَاة، ننصح بأدوية تحتوي على مادة فعالة تسمى Amoxicillin (أموكسيسيلين)، تنتج المعامل المحلية هذا النوع بسعر 23 ألف ليرة سورية للعبوة (1.58 دولاراً)، لكن المادة الفعالة تكون أقل في الأدوية المصنعة محلياً مقارنة بالمنتج الأجنبي Augmentin (أوغمانتين) الذي يحتوي على تركيبة مماثلة للأموكسيسيلين، ويصل سعره إلى 58 ألف ليرة (4 دولارات)، لذلك قد يكون خياراً أفضل للمريض.

أجرى الصحفيان استبياناً شمل عشرة أطباء وصيادلة في محافظتي السويداء وطرطوس لمعرفة تباين حجم المادة الفعالة في العقاقير الطبية بين المصانع المحلية، وشملت العينة الأدوية العصبية، أدوية الالتهاب، أدوية فقر الدم، وبعض الأدوية المثبطة للمناعة.

وأشارت نتائج الاستبيان إلى أن 30 بالمئة من الأدوية محلية الصنع لا تعطي الفائدة المطلوبة، بينما 50 بالمئة منها تظهر فعالية قليلة، ما يفرض ضرورة زيادة الجرعة لتحقيق النتائج المأمولة، و20 بالمئة فقط من الأدوية المحلية جيدة وفعاليتها مقبولة.

وعليه، فإن المواطن يدفع ثمن “حرب التسعير” إما بفقدان الدواء والبحث عنه بأضعاف سعره، أو بالحصول على دواء محلي الصنع لا فائدة منه، لذلك “هناك حاجة ملحة لتحسين جودة وفعالية الأدوية محلية الصنع، لا سيما التي توصف للعلاج العصبي ومكافحة الالتهاب وعلاج فقر الدم”، كما قال أحد الصيادلة شريطة عدم الكشف عن اسمه.

وفي الوقت الذي يشهد السوق المحلي انقطاع العديد من الأدوية، تصدر المعامل السورية الأدوية المحلية المرخصة لـ18 دولة، كما أوضحت الدكتورة رانيا شفه، مديرة الرقابة والبحوث الدوائية في وزارة الصحة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. يظهر ذلك التناقض الحكومي في الاستجابة لأزمة الدواء المحلية.

وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية قد أوقفت في نيسان/ أبريل 2020، أي بالتزامن مع تفشي وباء كورونا، تصدير بعض الأدوية، من قبيل: إيزيترومايسين وسيتامول وخافضات الحرارة المماثلة، بموجب القرار رقم 294، لكنها طوته بموجب القرار 821، الصادر في عام 2022، رغم الحاجة الماسة للأدوية محلياً.

حاول الصحفيان إجراء مقابلات صحفية مع مسؤولين في وزارتي الصحة والاقتصاد للحصول على رد بخصوص أزمة الدواء وتصديره خارج سوريا، لكن الوزارتين التزمتا بعدم التعليق والرجوع للبيانات الرسمية الصادرة عنهما.

من جهتها، قالت الخبيرة الاقتصادية ديمة أن الجهات المسؤولة عن تصدير الدولة، سواء جهات حكومية أو أصحاب المعامل، لا تحتكم إلى حاجة السوق المحلية فقط، وإنما تهدف إلى قدرة الدولة على تحصيل القطع الأجنبي، وهذا يعزز ميزان التجارة وميزان المدفوعات.

وبينما تخوض معامل الأدوية “حرب تسعير” مع وزارة الصحة، تشعر أم أمجد أنها وحيدة في مواجهة الظروف وفي رحلة البحث عن دواء لابنها، الذي يعاني من الصرع”، مشيرة إلى أن بعض الجمعيات الخيرية كانت بمثابة “نقطة ضوء في حياتي، لكنها بدأت تقلص خدماتها هي الأخرى تجاه المرضى”.

هذه المادة واحدة من ست مواد أُعدت ضمن برنامج تدريبي على الصحافة الاستقصائية العابرة لمناطق النفوذ المختلفة في سوريا

شارك هذا المقال