6 دقائق قراءة

بعد أشهر “دون وثائق” النازحون الفلسطينيون إلى مناطق المعارضة يأملون تحسين شؤونهم المدنية

وتم إجلاء عدة آلاف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين قسراً بالحافلات من ضواحي دمشق الجنوبية في الربيع الماضي - بما في ذلك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى قرى يلدا وببيلا وبيت سحم المجاورة - لتعلن بعدها الحكومة "ساعة الصفر"، والهجوم على قوات تنظيم الدولة هناك في الربيع الماضي.


ألقى السكان حقائبهم على ظهر حافلات الإجلاء، بعد أن تدفقوا إلى الشارع من بين أنقاض شققهم المهدمة منذ عدة سنوات.

وتم إجلاء عدة آلاف من اللاجئين السوريين والفلسطينيين قسراً بالحافلات من ضواحي دمشق الجنوبية في الربيع الماضي – بما في ذلك مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالإضافة إلى قرى يلدا وببيلا وبيت سحم المجاورة – لتعلن بعدها الحكومة “ساعة الصفر”، والهجوم على قوات تنظيم الدولة هناك في الربيع الماضي.

وسرعان ما وجد الفلسطينيون أنفسهم في مأزق قانوني، بعد وصولهم إلى الشمال، ووضعهم غالباً في مخيمات مزدحمة مثل دير بلوط في ريف عفرين غرب حلب، حيث الخدمات السيئة جداً على الرغم من أنها تحت إدارة الحكومة التركية مباشرة.

وعانى سكان المخيم بالفعل من صيف حارق وشتاء مرير مليء بالأمطار الغزيرة التي أغرقت الخيام، مع إلقاء اللوم وتوجيه العديد من الاتهامات الروتينية للسلطات التركية المسؤولة عن الخدمات في المخيم.

ومع ذلك، قال الفلسطينيون في المخيم إن افتقارهم إلى وثائق الأحوال المدنية المعترف بها هو مصدر قلق قديم.

وقال جلال أبو كرم، وهو ناشط فلسطيني أصلاً من مخيم اليرموك، وأب لطفلين “في الوقت الحالي، ليس لدينا أي مصادر قانونية على الإطلاق”، مضيفاً “هنا في مخيم دير بلوط، لم يقدم أحد أي وثائق مدنية منذ مغادرتنا جنوب دمشق”.

وبينما كان أطفال أبو كرم مسجلين بالوكالة عندما كانت الأسرة لا تزال في جنوب دمشق، فإن آباء الأطفال المولودين بعد النزوح إلى الشمال ليس لديهم سجل قانوني بالولادات، وينطبق الشيء نفسه على حالات الزواج والطلاق والوفاة.

وقال أبو محمد، وهو لاجئ فلسطيني سوري يعيش بالقرب من دير بلوط بعد أن كان قد نزح إلى الشمال، والذي طلب عدم نشر اسمه الحقيقي في هذا التقرير “ولد ابني قبل 20 يوماً”.

وأضاف “حصلت على شهادة ميلاد من المركز الصحي في جنديرس [بلدة بجوار دير بلوط]، ولا أعرف أين أقوم بتسجيل ابني رسميًا”.

ودون وثائق صالحة في شمالي غرب سوريا، الواقع تحت سيطرة المعارضة، عانى اللاجئون الفلسطينيون للحصول على المساعدات لأنفسهم ولأسرهم بالإضافة إلى التنقل بأمان.

“العديد من الحالات ببساطة تمر دون وثائق”

وقال متحدث باسم مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، ومقرها لندن، لسوريا على طول “يواجه اللاجئون الفلسطينيون في الشمال الغربي العديد من التحديات، بما في ذلك الوصول إلى التعليم ونقص الوثائق التي تثبت جنسيتهم الفلسطينية، وهذا مهم بشكل خاص للفلسطينيين، لأن فقدان الهوية الفلسطينية لشخص ما سيمنعهم من المطالبة بحق العودة إلى فلسطين”.

ومع ذلك، سيحصل الفلسطينيون السوريون في شمالي غرب سورية الآن على إجراءات التوثيق المدني – مما يسمح لهم بتسجيل المواليد والوفيات والزواج مع هيئة معارضة جديدة تديرها السلطات المحلية لأول مرة منذ نزوحهم إلى الشمال في العام الماضي.

وتأسست الهيئة المعروفة باسم “مركز التوثيق للاجئين الفلسطينيين” والتي تم تأسيسها في 26 شباط الماضي، تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، التي تقوم بالفعل بواجبات السجل المدني للسكان المحليين والنازحين السوريين الموجودين في المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة.

وأكد عمار القدسي، مجاز قانوني فلسطيني ويرأس مركز التوثيق، على “الضرورة الإنسانية والقانونية العاجلة للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسراً إلى شمال سوريا”.

وقال لسوريا على طول “منذ نزوحنا إلى الشمال، تم توثيق بعض حالات الزواج والطلاق والوفيات في السجلات المدنية، ولكن بحالات قليلة وبوسائل خاصة” مضيفًا أن العائلات حاولت استخدام وكلاء لتسجيل إجراءاتها المدنية بدلاً من أي سلطة محلية في الشمال الغربي.

وتابع “لكن العديد من الحالات ببساطة لا تحمل وثائق”.

وبحسب عبد الرازق رزوق، مدير الإدارة العامة للشؤون المدنية التابعة للحكومة السورية المؤقتة فإن “الوثائق الصادرة عن المركز، وبالتحديد لأشقائنا الفلسطينيين، ضرورية للحفاظ على هويتهم وحقهم في العودة إلى وطنهم”.

كما أن إجراءات الأحوال المدنية ستضمن أيضاً حقوق اللاجئين الفلسطينيين في “تلقي الدعم من المنظمات الدولية”، من دون الخوض في التفاصيل، بحسب ما ذكر رزوق.

في دير بلوط، أصبح الاحتيال الآن قضية أخرى أكثر إلحاحاً

وقال أبو كرم، الناشط الذي ولد في اليرموك وهو حالياً في دير بلوط، لسوريا على طول “أن بعض الناس يقومون بتزوير وثائقهم في المخيم [لتغييرها] من سوريين إلى فلسطينيين، وذلك من أجل المساعدات المخصصة للفلسطينيين من قبل منظمات معينة”.

وأكمل “أعرف أكثر من 15 شخصاً ويعرفهم الجميع أنهم سوريون، لكن عندما ترى هويتهم تجد أنهم فلسطينيين”.

وقال مازحاً “الحمد لله أصبح كل شخص في المخيم فلسطيني!”

البدء من الصفر

تأسست الحكومة المؤقتة من قبل المعارضة السورية، في عام 2013، كبديل للحكومة السورية، حيث تدير المناطق التي تقع تحت سيطرتها من مقرها في مدينة غازي عينتاب جنوب شرق تركيا.

وكافحت الحكومة المؤقتة في السابق لاستيعاب السوريين النازحين من جميع أنحاء البلاد، الذين أصدرت لهم وثائق مدنية من قبل المجالس المحلية التي تديرها المعارضة في مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة في جميع أنحاء البلاد.

واستقل السوريون النازحون من الغوطة الشرقية حافلات الإجلاء باتجاه الشمال في نيسان من العام الماضي، لكنهم وجدوا أن سلطات المعارضة في الشمال الغربي إما غير راغبة أو غير قادرة على قبول وثائقهم، التي صدرت سابقا من المجالس المحلية في ضواحي دمشق، بالرغم من حقيقة أن المجالس المحلية كانت تابعة للحكومة المؤقتة اسمياً.

ونتيجة لذلك، انتهى الأمر بآلاف النازحين السوريين من جميع أنحاء البلاد إلى مواجهة بيروقراطية وحالة فوضوية، لإعادة تثبيت عقود الزواج والولادات التي حدثت في فترة الحرب بدءا من الصفر. حيث توجب عليهم إعادة تسجيل كل إجراء من إجراءات الأحوال المدنية، واستصدار وثائق جديدة.

ولم يظهر التضارب فقط بين المجالس المحلية في مناطق مختلفة من البلاد، بل حتى داخل المناطق المجاورة في شمال سوريا التي تسيطر عليها المعارضة، حسب ما قاله النازحون السوريون ومسؤولو المجالس المحلية.

أما اللاجئون الفلسطينيون الموجودون الآن في الشمال الغربي، فقد تم إجلاؤهم وهم يملكون فقط الوثائق الصادرة عن الأونروا والحكومة، ولم يكن لديهم أساساً أي مؤسسة لتسجيل إجراءات الأحوال المدنية، ناهيك عن إعادة تسجيلها.

ولتعقيد الأمور بشكل أكبر، فإن اللاجئين الفلسطينيين السوريين عديمي الجنسية فعلياً، كانوا ضمن نظام توثيق وأحوال مدنية منفصل منذ فترة طويلة قبل الثورة السورية في عام 2011 وما تلاها من صراع، مما يعني أن الإجراءات الأساسية أصبحت صعبة – إن لم تكن مستحيلة تقريباً- منذ نزوحهم شمالاً.

ومع ذلك، فإن الوثائق الجديدة الصادرة عن المعارضة قد يكون لها تأثير ضئيل خارج حدود شمال غربي سوريا، وخاصة بالنسبة لأولئك اللاجئين الذين يأملون في العودة إلى ديارهم بدمشق في يوم من الأيام.

ومن الواضح أنه لا يوجد تنسيق بين السلطات التابعة للمعارضة في الشمال الغربي والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، وهي هيئة حكومية مقرها دمشق، كانت تصدر وثائق جميع اللاجئين الفلسطينيين- السوريين الذين يحملون هويات ووثائق سفر وثبوتيات مدنية.

ولا تزال الهيئة، التي تأسست في عام 1949 كقسم في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التابعة للحكومة السورية، تتعامل مع الشؤون المدنية للاجئين الفلسطينيين في سوريا، بما في ذلك تسجيل الولادات والوفيات والزواج.

ويمكن للفلسطينيين في سوريا التقدم بطلب إلى الهيئة من أجل الحصول على وثيقة السفر الفلسطينية والهوية الصادرة عن الحكومة، والتي تمنح الفلسطينيين حقوقاً قانونية شبيهة بحقوق المواطنين السوريين، مع تسجيل الأصول الفلسطينية لكل لاجئ.

وتسجل الأونروا، وهي وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الفلسطينيين المؤهلين ضمن سجلاتها.

وقد تعني عدم مشاركة الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في مبادرة الحكومة المؤقتة الجديدة، أن اللاجئين الفلسطينيين الذين سيعودون إلى دمشق في يوم ما، قد يضطرون إلى إعادة تسجيل جميع وثائق الأحوال المدنية الصادرة عن المعارضة لدى الحكومة السورية.

ورفضت الحكومة السورية بالفعل الاعتراف بالوثائق الصادرة عن المعارضة في الغوطة الشرقية.

وفي الوقت ذاته، ليس للأونروا وجود في الشمال الغربي من سوريا، ويقتصر عمل الأونروا على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وتقوم بذلك في ظل النقص المتزايد في الميزانية.

ونظرياً، يستطيع اللاجئون الذهاب إلى مكتب الوكالة في مدينة حلب التي تسيطر عليها الحكومة، للحصول على المساعدات النقدية التي تقدمها الأونروا، ولكن هذا يعني عبور سلسلة من حواجز الحكومة التي تفصل بين الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة والحكومة، وبالتالي تكون المخاطر كبيرة جداً.

ونتيجة لذلك، يقول العديد من الفلسطينيين في الشمال أنهم يشعرون بالإهمال.

وقال القدسي “ليس للمؤسسات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية أي دور في إدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسراً إلى شمالي سوريا من مختلف أنحاء البلاد”.

وقال الناشط حمادة حميد، وهو أيضا في دير بلوط، لسوريا على طول أنه يأمل “أن يتم الاعتراف بالسجل الجديد كسجل مدني في أي من المحافظات الأخرى في البلاد”، الأمر الذي أصبح أكثر صعوبة بسبب غياب الأونروا في مناطق المعارضة.

ولم يتسن لسوريا على طول التواصل مع المتحدث باسم الأونروا للتعليق قبل نشر التقرير.

وكانت سوريا موطناً لحوالي 560،000 لاجئ فلسطيني حتى بدء الثورة في عام ٢٠١١ وما تلاها من صراع، ومنذ اندلاع الثورة نزح غالبية أبناء المجتمع المحلي داخلياً، أو لجؤوا إلى خارج سوريا تماماً.

شارك هذا المقال