12 دقائق قراءة

بعد الزلزال: سوريا تشهد موجة من العنف القائم على النوع الاجتماعي

رصدت مجموعات المجتمع المدني والجهات العاملة في المجال الإنساني ارتفاع حالات التحرش والاستغلال الجنسي والعنف المنزلي في أماكن الإيواء عقب زلزال السادس من شباط/ فبراير، الذي أسفر عن مقتل وتهجير عشرات الآلاف في تركيا وسوريا. فهل تضمنت الاستجابة الطارئة تدابير الحماية الكافية للنساء والفتيات؟


10 يوليو 2023

أثينا- بعد عشرة أيام من زلزال شباط، الذي ضرب تركيا وسوريا، تعرضت فتاة في الثالثة عشر من العمر  للاعتداء الجنسي داخل دورات مياه مأوىً في شمال غرب سوريا، يضم مئات الأشخاص المشردين جراء الكارثة.

فشل الجاني، وهو من المشردين من الزلزال، في دخول المرحاض مرتين، أثناء وجود الفتاة داخله، لكن بعد المحاولتين الثالثة والرابعة تمكن من الدخول والاعتداء عليها.

عندما أخبرت الفتاة عائلتها بما حدث، انتقلوا إلى أحد المخيمات القليلة الموجودة في شمال غرب سوريا،  التي تتولى إدارتها امرأة، على بعد عدة كيلومترات من المخيم السابق. في الأيام الأولى لإقامتهم في المخيم الجديد “كانت ترتجف الفتاة من شدة الخوف كلما اضطرت للذهاب إلى الحمام”، كما قالت خديجة شقروق، مديرة المخيم لـ”سوريا على طول”، مشيرة إلى أن “حالها أفضل الآن. فلا أحد يضايقها”.  

هذه واحدة من الحالات الموثَّقة للعنف القائم على النوع الاجتماعي -التحرش  والاستغلال الجنسي، العنف المنزلي أو الأسري- ضد النساء والفتيات السوريات، التي وقعت بعد حدوث الزلزال المدمر، الذي بلغت قوته 7.7 درجة، وأسفر عن مقتل 53,227 شخصاً في سوريا وتركيا، وتهجير أكثر من 130 ألف شخص في سوريا. بينما نشهد تزايداً في الحالات، هل تراجعت حماية النساء على قائمة الأولويات في الاستجابة الإغاثية؟

الخوض في الحديث عن العنف الجنسي علانيةً في سوريا مرتبط بوصمة العار، لذا تحجم العديد من الناجيات عن الإفصاح بما مررنَ به، حتى إن حُجبت هوياتهنّ. غير أنَّ عشرات الشهادات التي قدمها العاملون في المجال الإنساني والنساء السوريات العاملات على أرض الواقع، إلى جانب تقديرات الأمم المتحدة، تبرز مشهداً مقلقاً: نساء وفتيات تُركن لوحدهن للذود عن أنفسهن في مراكز إيواء غير آمنة ومكتظة. وفي بعض الأحيان، يتم استغلالهنّ ممن يدعون أنهم موجودين لمساعدتهن.

في مدينة أرمناز، شمال غرب إدلب، لا تحتاج شقروق إلى قراءة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية لمعرفة هذا: فقد شهدت بنفسها تصاعداً في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل المخيم وما حوله، ولا سيما بعد زيادة عدد العائلات المقيمة فيه من  35  إلى 180 عائلة بعد وقوع الزلزال. 

في مخيم مجاور، قابلت شقروق امرأة “استغلها” رجلٌ يوزع المساعدات، إذ قدم لها مساعدات إضافية ووعدها بالزواج منه، ومن ثم اختفى. كما نوهت أيضاً إلى زيادة التقارير التي تبلغ عن العنف الأسري. في نيسان/ أبريل “تعرضت ثلاث نساء للضرب حتى الموت من قبل أزواجهن، ولم يخضعوا للمساءلة”، في المنطقة المجاورة للمخيم الذي تديره، بحسب قولها. 

في المخيم الذي تشرف عليه، كانت شقروق شاهدة على محاولة رجلٍ إجبار أخته، وهي أم لطفلين، على الزواج مرةً أخرى بعد وفاة زوجها الأول في الزلزال. “سألته إن كان يعاني من عبءٍ اقتصادي، فربما بوسعي أن أجد له عملاً، ولكنه قال: لا. يجب أن تتزوج ‘ “، وفقاً لها.

كما ارتفعت وتيرة زواج الأطفال (القصّر) أيضاً: أربع حالات زواج شهدها المخيم الذي تديره شقروق، ثلاثة فتيات وصبي، مشيرة إلى أن “فتاة في الثالثة عشر من عمرها أجبرت على الخطوبة”، وأخبرت أصدقاءها أنَّها تفكر في الانتحار.

ما خفي أعظم

في خضم الفوضى التي أعقبت الزلزال، لجأ آلاف المشردين في شمال غرب سوريا إلى مراكز الإيواء المؤقتة المكتظة، وكانت دورات المياه في العديد منها مشتركة بين النساء والرجال، وتفتقد للأقفال والإضاءة المناسبة.

في أحد مراكز الإيواء الجماعي بمحافظة اللاذقية الساحلية، الواقعة تحت سيطرة النظام،  سكب زوجٌ الماء الحار على زوجته عقاباً لها على استخدامها حمام المركز “في وقتٍ يقف به الرجال خارجاً”، وفق ما قالت رشا نصر الدين، المديرة الإقليمية لمنظمة “أكشن إيد” في المنطقة العربية. تعمل منظمتها مع شركاء محليين كانوا موجودين في المأوى أثناء الحادثة. 

في شمال غرب سوريا، تعمل منظمة نصر الدين مع “مساحة سلام” (Space of Peace)، منظمة تقودها نساء، تدير مركزاً آمناً للنساء في مدينة أريحا بإدلب منذ عام 2016. في أعقاب الزلزال، قدمت المنظمتان الدعم النفسي الأولي والمساعدة النقدية للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي. 

قالت بيان ريحاوي، مديرة مشاريع في “مساحة سلام” لـ”سوريا على طول” أنَّ المنظمة استقبلت 200 حالة جديدة “بعد الزلزال مباشرة”: 150 امرأة و50 طفلاً، مشيرة إلى أن منظمتها رصدت “زيادة واضحة” في وتيرة العنف ضد النساء من قبل أزواجهن ورجال آخرين.

“يحدث التحرش في معظم الأوقات في الأماكن التي توجد فيها تجمعات وحشود، في مراكز الإيواء ذات دورات المياه المشتركة”، بحسب رنا بيطار، المديرة التنفيذية لمنظمة “مساحة سلام”. وفي أرمناز، شهدت شقروق كيف أنَّ غياب الفصل في دورات المياه بين الجنسين أدى إلى “صعوبات واجهتها النساء لمجرد دخولهن الحمام” وإلى “مشاكل بين الأزواج”. 

تركز منظمة “النساء الآن”، منظمة سورية غير حكومية، على تمكين المرأة، وتدير عدة مراكز تُعنى بالنساء في شمال غرب سوريا وعبر الحدود في تركيا. قالت جانسيل باليور، مسؤولة حماية في “النساء الآن” أنَّ منظمتها راجعت تقارير أصدرتها مجموعة من المنظمات الإنسانية المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في شمال غرب سوريا وفيها توثيق لـ 92 حالة عنف مبني على النوع الاجتماعي خلال الأشهر الأولى التي تلت الزلزال. تعرضت نسبة 37.2% منها لاعتداءات جسدية و28.8% لإيذاء نفسي، وما تبقى حرمان من الموارد. 

وذكرت هبة عز الدين، وهي عضو مؤسس في منظمة “عدل وتمكين”، منظمة سورية نسوية، أن مركزي النساء استقبلا 25 حالة خلال الأسبوع الأول من الزلزال، مشيرة إلى أنه “لم يكن هناك كهرباء. وكانت النساء تضطر للسير خمس إلى عشر دقائق للوصول إلى دورات المياه، وزاد عدم وجود الإنارة من احتمالية التعرض للتحرش”.

كما سلطت تقارير صادرة عن وكالات الأمم المتحدة الضوء على تزايد العنف ضد النساء في أعقاب الكارثة. وذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة، أنَّ 27% من أولئك اللواتي تمت مقابلتهن لإجراء التقييمات في حلب أبلغن عن تعرضهن للتحرش الجنسي بعد الزلزال. 20%  منهن أعربنَ عن مخاوفهنَ من التعرض للتحرش وفقدان الخصوصية بسبب عدم الفصل بين الذكور والإناث في دورات مياه مراكز الإيواء الجماعية.

في شمال غرب سوريا، أبلغت 73% من النساء أنَّ العنف المنزلي أوالمجتمعي ازداد أو بقي على مستواه بعد الزلزال، بينما أعربت النساء في 42 منطقة من أصل 120 منطقة شملها الاستطلاع عن “مخاوف تتعلق بالخصوصية ومدى أمان المأوى والمرافق الصحية وظاهرة العنف الجنسي”، بحسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة. تواصلت “سوريا على طول” مع ممثلين عن هيئة الأمم المتحدة ورفضوا التعليق. 

في تركيا المجاورة، واجه 2% من المشاركين في الاستبيان، الاستغلال الجنسي في أعقاب الزلزال، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان.

من جهتها، اعتبرت مصادر إنسانية أن الأرقام الرسمية لا تمثل سوى جزءاً صغيراً مما يحدث فعلياً على الأرض. “لا يتم الإبلاغ عن العنف القائم على النوع الاجتماعي، وليس من السهل على النساء والفتيات أن تُبلغن عن ذلك بسبب أعراف المجتمع”، كما قالت نصر الدين من “أكشن إيد”.

“الحالات الموثَّقة قليلة جداً مقارنةً بالواقع على الأرض. في المجتمعات البطريركية (الأبوية)، تواجه العديد من النساء اللواتي عانين من العنف القائم على النوع الاجتماعي عقبات في الحديث عنه خوفاً من زوجها أو المجتمع “، وفقاً لريحاوي من “مساحة سلام”.

قامت ناديا عكاشة، منسقة في منظمة “تستقل”، أسستها مجموعة من النساء السوريات، بزيارة مخيماتٍ في إدلب، بعد الزلزال، لتوضح للنساء كيفية تقديم شكوى في حال تعرضهن للتحرش، ولكن قلة منهن رفعن شكوى، وفقاً لها.  

الجناة والناجون

في الاعتداءات الموثَّقة التي تعرّضت لها النساء بعد الزلزال، أشارت الجهات الإنسانية إلى أنَّ الجناة هم الأزواج، ورجال آخرون تشردوا إثر الزلزال، إضافة إلى الذين يوزعون المواد الإغاثية. 

“في معظم الحالات الواقعة في شمال غرب سوريا، يكون المتهم منتمياً إلى الدائرة الأولى للناجية: الأقارب، أو مقدم الرعاية للعائلة، أو شريك سابق أو حالي، بحسب جانسيل باليور، مسؤولة حماية في “النساء الآن”. كما أشارت مها عكاشة، مديرة “فريق شام”، شبكة من النساء المتطوعات ومقرها إدلب إلى أنَّ الأزواج هم الجناة في الدرجة الأولى. 

“في حالات الطوارئ، هناك فراغ سلطوي وفقدان للأمان. في ظل التهجير القسري، ينخفض مستوى الأمن”، قالت ريحاوي من “مساحة سلام”. لذلك “عندما تتزايد الضغوط على الرجال يفرغونها على النساء”.

بسبب “الضغوط المتزايدة على العائلة بأكملها، يهرب [بعض الرجال] من واقعهم بتعاطي المخدرات”، وفقاً  لعكاشة، وهذا ما أشعل بعض مظاهر العنف من “الأزواج والأبناء تجاه النساء”.

في بعض الحالات، يستغل الرجال، الذين يوزعون المساعدات، النساء، وحدث ذلك كثيراً في المخيمات، بحيث يقول الشخص “أعطيك معونة مقابل التواصل أو الذهاب معي”، بحسب عكاشة، قائلة: “يستغلون حاجتها للطعام”، وهو ما أكدته شقروق بالقول “الكثير من المستغلين ينتهزون وضع المرأة”.

“تستمر حالات الانتهاك والاستغلال الجنسي بالحدوث طالما يكابد الأفراد والعائلات الأمرين لتأمين الحاجات الأساسية، ما يجعلهم أكثر عرضةً للخطر. وفي بعض الحالات، حتى أولئك الموثوقين المخوّلين بتقديم المساعدة كانوا متواطئين في ارتكاب العنف، ومن بينهم جهات غير عاملة في المجال الإنساني تصدرت طليعة منظومة الإغاثة في أعقاب الزلزال”، كما قالت فولفيا بونياردي، منسقة مختصة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي في صندوق الأمم المتحدة للسكان في سوريا، مشيرة إلى أن “الأمم المتحدة تنتهج سياسة عدم التسامح مطلقاً في مسألة الاستغلال الجنسي، وأنشأنا أنظمة لإخضاع العاملين في المجال الإنساني لمستوى عال من المساءلة. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لتحسين الأنظمة والبنى الهيكلية لتمكين الإبلاغ والتحقيق بشكل آمن وفي الوقت المناسب”.

وأضافت بونياردي “هناك زيادة في العنف القائم على النوع الاجتماعي في مراكز الإيواء المؤقتة التي تفتقر إلى المساحات الخاصة المنفصلة ومرافق الصرف الصحي التي تفتقد إلى الأبواب والأقفال”.

أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره حول الاستجابة للزلزال في سوريا الصادر في آذار/ مارس 2023 ، إلى أن التدريب غير الكافي للذين يوزعون المساعدات، إلى جانب “المشاركة المباشرة للنساء والفتيات” يمكن أن يزيد من خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال تقديم الاستجابة الإنسانية.

واتفقت جميع المصادر التي أجريت معها مقابلات على أن المراهقات والمطلقات والأرامل كن أكثر عرضة للعنف الجنسي أو التحرش بعد الزلزال. “الأكثر عرضة للخطر هن الفتيات اليافعات والمطلقات والأرامل، وخاصة أولئك اللواتي يعشن في المخيمات، لأنهن معرضات لوصمة العار، ويبدو أنهن يفتقرن إلى هذا الجزء من الدعم والحماية الذي يقدمه الذكور بموجب الأعراف الجندرية” وفقاً لبونياردي. 

نماذج أخرى من العنف

علاوةً على الضرب والعنف الجنسي، تواجه النساء السوريات نماذج أخرى من العنف البنيوي، مثل القيود المفروضة على حركتهن. وفي ذلك، قالت ميسون بيطار، منسقة مشاريع في “مساحة سلام” ورئيسة شبكة حماية المرأة في أريحا: “في إحدى الساحات، كان هناك شباب يدخلون مخيماً ويخرجون منه متى شاؤوا،  بينما تُمنع البنات من الخروج من الخيام”، لافتة إلى أن “المكان كبير جداً، وكان بوسعهم تقسيمها إلى قسم للنساء وآخر للرجال”.

التقييدات المفروضة على حركتهن، دفعت النساء “إلى الاستقرار في مأوىً غير آمن” ما جعل الكشف عن حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي بعد زلزال شباط/ فبراير أصعب، وفق صندوق  الأمم المتحدة للسكان. 

قالت هبة عز الدين من منظمة “عدل وتمكين”، التي ترصد العنف السيبراني (الرقمي) بوصفها شريك موثوق لشركة ميتا، أنَّ فيديوهات النساء وصورهن، التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد الكارثة، لعمليات سحب النساء من تحت الأنقاض أو لدى حديثهن إلى المراسلين، انهالت عليها تعليقات سلبية عن أجسادهن وتصرفاتهن، قائلة: “انتقدت التعليقات النساء لحديثهن إلى المصور من دون حجاب، أو لعدم ارتدائه حتى وإن كنّ تحت الأنقاض”.

قالت نصف المصادر التي تمت مقابلتها في هذا التقرير أنَّهم شهدوا زيادة حالات زواج الأطفال (القصر) بعد الزلزال، فيما ذكر آخرون أنًّه لا يوجد مثل هذه الزيادة. ومع ذلك، اتفق الجميع على أنَّ الكارثة زادت عوامل الخطر التي تدفع للزواج دون السن القانونية: الضائقة الاقتصادية، والمدارس المدمرة، وأماكن الإيواء المكتظة.

قالت بيطار”بعد سبع سنوات من الحملات ضد الزواج المبكر، وتغيير المعتقدات حول دور المرأة، شعرنا وكأننا عدنا إلى المربع الأول عقب الزلزال”. 

الزواج المبكر هو “أحد نماذج العنف التي ما تزال العائلات تمارسها إما لتخفيف العبء عن العائلة” أو لتحظى “بإحساس الحماية أي: قبل أن تتعرض ابنتي للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، من الأفضل زواجها رسمياً”، كما أوضحت بونياردي.

قالت إحدى الأمهات في جنديرس، من بين المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال في سوريا، لـ”سوريا على طول” عبر منظمة “بنفسج”، وهي منظمة  سورية غير حكومية محلية أنَّ أفراد عائلتها ضغطوا عليها لتزويج بناتها الصغار بعد الكارثة. 

بعد انتقالها مع زوجها وابنتيها للعيش مع شقيق زوجها، وجه الأخير “الإهانات والشتائم، وظل يصر على أن نزوج بناتنا لنخفف العبء المالي”، بحسب السيدة، مضيفةً “أحتاج إلى مكانٍ آمن، نبتعد فيه عن مصدر العنف ونتحاشى الضغوطات لتزويج بناتي”.

“المعتقدات المجتمعية”

“تبرز الكوارث الطبيعية الأعراف والمعتقدات المجتمعية. العنف القائم على النوع الاجتماعي مترسخ في بنية المجتمع نفسه”، قالت عز الدين، في إشارة إلى الخطاب الديني “المستخدم ضد النساء” لتقييد حقوقهن، إلى جانب القوانين التمييزية والتقاليد الاجتماعية. خلال نشأتها في ريف إدلب “كان من الطبيعي جداً أن أرى النساء في قريتي يتعرضن للعنف الجسدي”، بحسب قولها. 

تعود جذور العنف ضد النساء إلى “النظام الأبوي، وكيف يرى الرجال أنهم يمتلكون سلطة أكبر يمكن ممارستها على النساء والفتيات”. قالت نصر الدين من “أكشن إيد”. غير أنَّ هذا لا يقتصر على سوريا فحسب. “في أكشن إيد، عملنا في حالات الكوارث في نيبال وهايتي وبنغلاديش، دائماً تُستضعف النساء أكثر مقارنة بغيرها [الذكور] بسبب الأعراف”، كما أضافت.

لطالما كان العنف القائم على النوع الاجتماعي “متأصلٌ في المجتمع”، وخلال الصراع السوري فاقمت “عسكرة الذكور” أوضاع المرأة سوءاً، من وجهة نظر زينة قنواتي، مسؤولة التواصل في منظمة “النساء الآن”، قائلة: “عندما يكون السلاح بأيدي الرجال، تكون النساء في حالة ضعف”.

أفضى الصراع المستمر منذ اثني عشر عاماً إلى ترسيخ “أنماط التمييز الموجودة أصلاً” التي عززتها “المعايير الثقافية المجتمعية والأبوية”، وفق ما جاء في تقرير  صادرٍ عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا  صادر في شهر حزيران/ يونيو.

في سوريا، “ما يزال الإطار القانوني غير قادر على حماية النساء والفتيات اللواتي يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي أو الاستغلال والانتهاكات الجنسية حتى الآن. الدعم القانوني لهؤلاء النساء والفتيات محدود جداً وغالباً ما يخترن عدم الإبلاغ عن الحالة لأنهن لا يثقن في المنظومة”، بحسب بونياردي. لذلك، القضايا المرفوعة إلى المحاكم فعلياً “تكاد تكون صفراً”، وفقاً لها.

وقالت شقروق: “إن كان هناك شكوى [تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي] في مركز الشرطة، ستقف السلطات بصف المستغِل”

أدى الزلزال إلى “تعطيل الهيكلية الاجتماعية والمجتمعية التي توفر عادةً الحماية للفتيات”، بحسب باليور، من منظمة “النساء الآن”. تهجّرت النساء وفقدنَ من يعولهن، وبعضهن فقدن الدخل الذي كان يأتي من مهنٍ باتت ثانوية في أعقاب الكارثة، مثل الخياطة أو تصفيف الشعر. و”لا يسمح الآباء أحيانا، ضمن البيئة المحافظة التي تهيمن عليها السلطة الأبوية، لبناتهم بالحضور والاستفادة من الخدمات التي نقدّمها”، على حد قولها.

هل كانت جهود الإغاثة عمياء جنسانياً؟ 

بعد الزلزال، استجابت عشرات المنظمات المحلية غير الحكومية ومنظمات تحت مظلة الأمم المتحدة لاحتياجات النساء: في تركيا، تلقت 18,800 امرأة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك مستلزمات الأمومة وكذلك الدعم فيما يخص العنف القائم على النوع الاجتماعي. وفي سوريا، تلقت 106,321 امرأة خدمات تتعلق بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. 

كانت الاستجابة للزلزال في شمال غرب سوريا تمثل تحدياً هائلاً بكل المقاييس، إذ تأخرت عمليات تسليم المساعدات عبر الحدود لعدة أيام بعد وقوع الكارثة، وتركت الكارثة منظمات الإغاثة على جانبي الحدود التركية السورية في حالة من الفوضى والتدافع لتقديم الاستجابة.

وتأثر العديد من موظفي الحماية أنفسهم من الكارثة، كما أوضحت بونياردي، قائلة: “تأثر معظم مقدمي الخدمات بالزلزال، وتضررت المساحات الآمنة المخصصة لدعم النساء والفتيات الناجيات أو استخدمت كمراكز إيواء مؤقتة للمشردين أو أماكن لوضع الجثث”.

ولكن في حين تأثرت الاستجابة ككل في خضم الزلزال، رأى معظم المناصرين والعاملين في المجال الإنساني الذين تحدثت إليهم “سوريا على طول” أنّه كان هناك تهميشاً فيما يتعلق بالحماية الخاصة بالنساء والفتيات. 

لم تكن هناك وسيلة واضحة لتقديم الشكوى في أماكن الإيواء. كان لا بدَّ من وجود طرق واضحة تُظهر كيفية رفع شكوى فيما لو تعرضت النساء للعنف أو التحرش، من خلال ملصقات، وجهات اتصال يلجأن لها”، كما قالت ميمونة العمار، مديرة المناصرة في شبكة حراس، منظمة رائدة في سوريا في مجال حماية الطفل.

“علينا أيضاً أن ننظم جلسات لتوعية النساء بحقوقهن إذا تعرضن لأي تحرش”، بحسب عكاشة، قائلة بتعجب: “أذكرُ حالة امرأة ضربها زوجها وقالت هذا طبيعي”.

ومن أوجه القصور الجليّة، طريقة تصميم أماكن إيواء النازحين. “حينما تفكر في مأوى، فكِّر في المفاهيم الثقافية السائدة في المجتمع، وقم بإجراء بعض التقيمات عن مدى خطورته بالنسبة للنساء”، قالت نصر الدين. 

وأشارت عز الدين وقنواتي إلى أن عدم وجود فوط صحية في بعض عمليات توزيع الإغاثة بعد الزلزال يشير إلى غياب الحساسية الجندرية وعدم مراعاة الفوارق بين الجنسين.

“على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، عانينا من غياب سياسات مراعية للنوع الاجتماعي”، بحسب عز الدين، مضيفة “كنا بحاجة إلى استجابة نسوية تلبي الاحتياجات العاطفية أيضاً. كانت هناك حاجة إلى الدعم النفسي والحماية لهن حتى يشعرن أنهن في مكان آمن لا يمكن لأحدٍ فيه أن يضايقهن”. 

يُمكن أن يُعزى العمى الجندري إلى نقص تمثيل الإناث ضمن القائمين على الاستجابة لحالات الطوارئ، بدءاً من أولئك الذين يوزعون المساعدات، وانتهاءً بمن يصمّمون سياسات الاستجابة. وفي ذلك، قالت العمار من شبكة حراس: “في فِرق الاستجابة للطوارئ، كانت هناك قلة فقط من النساء، ونحن نحتاج إلى نساء أكثر”.

بعد الزلزال، “لم تشمل العديد من التقييمات الكثير من النساء اللواتي يُجرين مسحاً ميدانياً [مقابلات ميدانية] ويعملن في الاستجابة، كانت نسبة النساء لدى البعض 2%، وهذا يعني أن تقييمك أساسه احتياجات الرجال”، قالت بونياردي، وهو ما يفسر القصور في فهم كيفية تأثّر النساء على وجه الخصوص.

ودعت بونياردي وكالات الأمم المتحدة إلى “الاستثمار في المجموعات التي تقودها النساء والتي توفر الكثير من أنظمة الحماية المجتمعية هذه”. 

“عندما تشغل النساء مناصب عليا في المنظمات، يمكنهن المشاركة في التخطيط والتحدث إلى الجهات المانحة وإدراج احتياجات المرأة في التخطيط”، قالت عز الدين، التي حثّت الأمم المتحدة على “دعم المزيد من المنظمات التي تقودها النساء والمنظمات النسوية”.

رغم الصعاب والتحديات التي أعقبت الزلزال، أدَّت العديد من النساء السوريات دوراً جوهرياً في التنظيم الذاتي، بحسب نصر الدين، قائلة: “سمعنا عن مجموعات داعمة عن نساءٍ يجتمعن في أماكن آمنة، وفي اللاذقية كان هناك مطبخ مجتمعي تقوده النساء لتزويد المهجَّرين بالطعام”.

قالت بيطار إن نساء سوريات في الخارج جمعنَ التبرعات وأرسلنها إلى النساء في أريحا، وكان ذلك “فرصة ليقمن بدور أكبر، ويشعرن بحرية أكبر في المشاركة”.

وفي إدلب، جمعت طالبات الجامعات التبرعات لمساعدة الناجيات من الزلزال، كما أوضحت عز الدين. خلال الاستجابة للكارثة، كان هناك مستوى من “الحراك الاجتماعي للنساء [يدفعهن] للخروج إلى الفضاء العام للمشاركة، ومحاربة رواية الضحية المستخدمة ضد النساء السوريات”، وفقاً لها. 

هذا التقرير نُشر أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال