7 دقائق قراءة

بين سوريا وأوكرانيا: الكابوس الروسي يلاحق السوريين إلى منفاهم

مع بدء العدوان الروسي على أوكرانيا، تفاعل السوريين مع الحدث كما لو أنه داخل الأراضي السورية، بحكم أن روسيا طرفاً أساسياً في الحرب السورية، وضرباتها في أوكرانيا أعادت المأساة السورية إلى الواجهة


14 مارس 2022

باريس- بعد رحلة استمرت لثلاثة أيام “بلا نوم” وصل الشاب السوري، روج موسى، إلى العاصمة الألمانية برلين، هرباً من القصف الروسي على العاصمة الأوكرانية كييف، في مشهد عاد به إلى أول تهجير له من حي الشيخ مقصود بمدينة حلب إلى مدينة عفرين في ريفها الشمالي.

في اليوم الثاني للعدوان الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ في 24 شباط/ فبراير الماضي، قرر الشاب الكردي، 23 عاماً، مغادرة البلاد متجهاً غرباً إلى مدينة لفيف الحدودية مع بولندا، في رحلة “استغرقت 16 ساعة، وبتكلفة 1000 دولار أميركي، في مسافة يمكن قطعها قبل الحرب بخمسة ساعات وبتكلفة 30 دولار فقط”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

كان الطريق من كييف مرعباً، حيث القصف الروسي يضرب أهدافاً في العاصمة ومحيطها، لكن من لفيف إلى معبر “ميدكا” البولندي، كان الطريق”مؤلماً جسدياً ونفسياً، قطعتُ نصف المسافة بين لفيف والمعبر البولندي، أي نحو 30 كيلومتراً، مشياً على الأقدام”، قال موسى حاله حال “النساء والأطفال والرجال العجّز من الأوكرانيين والجنسيات الأخرى”.

وفي 28 شباط/ فبراير وصل موسى إلى برلين، لكنه لم يقدم طلب لجوء فيها حتى الآن، منتظراً “حتى تتضح بعض القوانين بحيث يتم مراعاة وضعي”، بحسب قوله.

ومنذ بدء العدوان الروسي، تشهد أوكرانيا عمليات خروج جماعية لآلاف الأشخاص إلى دول أوروبية. حتى 13 آذار/ مارس الحالي، خرج أكثر من 2.8 مليون نسمة من أوكرانيا إلى الدول الأوروبية، وفقاً لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة، منهم نحو 1.7 مليون شخصاً عبروا الحدود الأوكرانية إلى بولندا، عبر ثلاثة معابر رئيسية: دورهوسك، هريبين، وميدكا.

استقرار مفقود

في نيسان/ أبريل 2021، وصل روج موسى إلى أوكرانيا قادماً من كردستان العراق، عبر تأشيرة “إقامة سنوية عادية”، وبدأ بتعلم اللغة الأوكرانية تمهيداً “لاستكمال دراستي التي حرمت منها في سوريا”، وأملاً بـ”استقرار” حُرم منه عدة مرات في موطنه.

وكان ابن حي الشيخ مقصود بحلب، قد نزح مع عائلته، في 29 آذار/ مارس 2013، إلى مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، بعد اقتحام جبهة النصرة للحي. ومع عملية “غصن الزيتون” العسكرية، في آذار/ مارس 2018، التي أطلقتها تركيا بمشاركة فصائل المعارضة ضد وحدات حماية الشعب الكردي (YPG)، نزح موسى مع عائلته من المدينة إلى أريافها، ومنها إلى مناطق نفوذ الإدارة الذاتية شرق الفرات، التي غادرها إلى كردستان العراق، وصولاً إلى كييف الأوكرانية.

وقبل وصوله إلى أوكرانيا، توقع موسى أن تشهد البلاد حرباً، لكن “في شرق أوكرانيا أو جنوبها الشرقي، أما أن يصل القصف إلى العاصمة كان مستبعداً بالنسبة لي”، بحسب موسى، مشيراً إلى أن ما حصل في أوكرانيا مؤخراً من “الغارات الجوية والقصف المدفعي، ومن ثم ازدحام المعابر بالفارّين من القصف، أعادني إلى كل التفاصيل التي عشناها في سوريا”.

من جهته، وصل محمد الرشيدات، 32 عاماً، مع زوجته وطفلتيه، إلى النمسا، مطلع الشهر الحالي، بعد “رحلة لجوء شاقة”، كما وصفها لـ”سوريا على طول”.

وكان الشاب الذي ينحدر من محافظة درعا جنوب سوريا، يعيش في مدينة دونيبرو وسط أوكرانيا، وهي من المدن التي تعرضت للقصف الروسي، ما دفعه إلى مغادرة البلاد بعد مرور 14 عاماً على إقامته فيها.

لكن الرشيدات عاش تجربة قبل ذلك، حين غادر مدينة لوغانسك شرق أوكرانيا إلى دونيبرو، بعد أن شنت روسيا حرباً على أوكرانيا في العام 2014، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ولأن المناطق الحدودية مع روسيا ليست آمنة، قرر عبد الرحمن الشامي، 40 عاماً، أن يعيش في مدينة لفيف، غرب أوكرانيا، بعد أن اضطر لترك إقليم الدونباس، في العام 2014، نتيجة الهجوم الروسي على الإقليم.

ونظراً لإدراكه بأن “روسيا لن تكتفي بإقليم الدونباس، قررت الانتقال إلى أبعد منطقة ممكنة عن الروس”، كما قال ابن مدينة دمشق، الذي وصل إلى أوكرانيا منتصف العام 2011.

الشامي لم يتأثر بالعدوان الروسي الأخير على أوكرانيا، لكنه شاهد عيان على أكبر أزمة إنسانية تعيشها البلاد، كونه يسكن مدينة لفيف الحدودية مع بولندا، التي “تسقبل يومياً آلاف الفارّين من القصف”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”.

“تغيرت ملامح مدينة لفيف، وصارت مكتظة باللاجئين، الناس هنا مصدومة”، وفقاً للشامي، مشيراً إلى أن “الأوكرانيين لم يستوعبوا الصدمة، ويظنون أن الحرب مع الروس قصيرة، لكن من وجهة نظري، ومن خلال تجربتنا في سوريا، الروس ليس لهم أمان، وقد تحمل الأيام القادمة ما هو أسوأ”.

“بوتين يلاحقنا” 

لم يتعرض هيثم حج محمد، 51 عاماً، لإيذاء جسدي بسبب التدخل الروسي في سوريا، كونه خرج من موطنه في عام 2010، أي قبل اندلاع الثورة السورية، ولكنه خسر بالقصف الروسي على بلدته كنصفرة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي “أقرب الناس إليّ”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في مطلع آذار/ مارس الحالي، غادر حج محمد وعائلته مدينة كييف الأوكرانية هرباً من القصف الروسي، وفي نفس الشهر من عام 2017، “استهدف صاروخ روسي منزل أختي المكون من طابقين، ما أدى إلى استشهادها مع أولادها الأربعة وزوجة ابنها”.

وتسبب القصف الروسي “بتدمير ضيعتنا. بيتنا على الأرض، وكل حارتنا على الأرض، هذا كله من الروس”، قال حج محمد.

تجربة السوريين مع القصف الروسي دفعت بحج محمد إلى الخروج مبكراً من كييف، رفقة زوجته وولديه، خاصة أن “أصوات الانفجارات كانت قريبة من منزلي، والمدرعات في الشوارع”، ليصل بعد “رحلة شاقة، والانتظار على المعبر لأكثر من 14 ساعة” إلى السويد، حيث يقيم إخوانه وأخواته، وبدا “بتقديم طلب اللجوء فيها”.

“الحمد لله وصلنا إلى برّ الأمان”، قال حج محمد. لكن في الوقت ذاته ما يزال فادي عمر، 34 عاماً، في مدينة كييف عرضة للقصف الروسي “الغارات مستمرة، والحرب تدور في الشوارع”.

ورغم خطورة المكان بالنسبة لعمر، وهو من الغوطة الشرقية، إلا أنه قرر البقاء في أوكرانيا، التي وصل إليها في العام 2012 وحصل فيها على إقامة دائمة، إذ “لا خيارات أمامي، ولا يمكنني العودة إلى سوريا كوني مطلوب للنظام”.

وفي الوقت الذي تداولت وسائل إعلام عربية عن وجود تمييز ضد اللاجئين العرب على الحدود البولندية، نفت المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”، وحتى “تخصيص طابور للأوكرانيين وآخر للأجانب كان من باب التنظيم وتسهيل عملية الدخول لا من باب التمييز”، بحسب روج موسى، لكن هذا لا يعني “عدم وجود أخطاء من قبل حرس الحدود”.

وفيما نجح السوريون الذين غادروا أوكرانيا بالوصول إلى الاتحاد الأوروبي، فإن علي عامر (اسم مستعار)، الذي ينحدر من محافظة دير الزور شرق سوريا، لا يمكنه مغادرة البلاد “لأنني حاصل على الجنسية الأوكرانية، وبعد فرض قانون الطوارئ في البلد، يمنع على الذكور الأوكرانيين بين 18 و60 عاماً من مغادرة أوكرانيا”.

واعتبر عامر، الذي يقيم في مدينة أوديسا منذ العام 2010، أن “بوتين يلاحقنا. سواء كنت سورياً أو أوكرانياً”، معتبراً أن “الجنسية الأوكرانية التي كان يتمناها السوريون المقيمون في أوكرانيا أصبحت نقمة عليّ وسبباً في منعي من مغادرة البلاد”.

أيضاً، المصير الذي قد أواجهه اليوم “من نزوح، ونقص في الخدمات، أو حصار القوات الروسية وتقطيع أوصال المدن، عاشه أهلي في دير الزور”، بحسب عامر.

تداعيات الحرب

مع بدء العدوان الروسي على أوكرانيا، تفاعل السوريين مع الحدث كما لو أنه داخل الأراضي السورية، بحكم أن روسيا طرفاً أساسياً في الحرب السورية، وضرباتها في أوكرانيا أعادت “المأساة السورية إلى الواجهة”، خاصة أن “بصمات الإجرام الروسي في أوكرانيا مطابقة تماماً لما حدث في سوريا”، وفق عبد الرحمن الشامي.

وأولى تداعيات الحرب على السوريين، كانت بالنسبة لعشرات المقيمين في أوكرانيا، وغالبيتهم وصلوا إليها قبل اندلاع الثورة السورية بهدف استكمال دراستهم الجامعية، إذ تعد أوكرانيا مقصداً للطلبة للعرب.

لكن أيضاً، قسمت الحرب الروسية-الأوكرانية السوريين داخل بلادهم وخارجها إلى فريقين، الأول مناهض للعدوان الروسي، وهم المناهضين للنظام السوري، فيما اصطف الموالون إلى جانب روسيا، على الأقل كما أظهرهم الإعلام الرسمي السوري.

سوريون يرفعون أعلاماً سورية وروسية في مظاهرة مؤيدة للحرب الروسية على أوكرانيا بمدينة الحسكة، 10/ 3/ 2022 (سانا)

ومع التصعيد الدولي ضد روسيا، التي تواصل عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، فتحت روسيا وأوكرانيا الباب أمام المتطوعين، وقد تم الحديث عن تجنيد سوريين إلى جانب طرفي الصراع.

ففي 11 آذار/ مارس الحالي، سمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوزارة الدفاع الروسية بنقل مقاتلين من منطقة الشرق الأوسط للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا، ونشرت صفحات موالية للنظام آلية تطوع السوريين إلى جانب القوات الروسية، موضحة أن ذلك يتم بالتنسيق مع شعب التجنيد التابعة لوزارة الدفاع السورية. 

وفي هذا السياق، استبعد الباحث الروسي كبرييل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسية (RIAC) مشاركة مقاتلين سوريين إلى جانب روسيا بفعل عدة عوائق، منها “مشكلة اللغة، والاندماج في تشكيلات المعركة”.

وأضاف في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “بعض السوريين قد يصلون إلى روسيا ولكن عملهم سيكون في إطار العلاقات العامة ليس أكثر”.

أما على الصعيد العسكري، توقع سيمينوف “انخفاض نشاط روسيا والأسد في سوريا، لأن القيام بعمليات عسكرية في سوريا، في الوقت الذي تشهد أوروبا تصعيداً كبيراً، يعدّ مخاطرة كبيرة”، هذا إلى جانب أن “روسيا معنية بالحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا”.

ومع أن “أميركا وروسيا تحاولان تجزئة خلافاتهم، والتعامل مع سوريا كمسألة منفصلة”، لكن هذا لا يعني عدم تأثر الملف الروسي بالأوكراني، بحسب أرون لوند، الباحث في وكالة أبحاث الدفاع السويدية (FOI).

وحذر لوند في حديثه لـ”سوريا على طول” من أن تؤثر الحرب الروسية- الأوكرانية على الأوضاع الإنسانية في سوريا، مشيراً إلى “إننا سنخوض مفاوضات متوترة في مجلس الأمن هذا الصيف بخصوص وصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود”، ومع أن “هذه المفاوضات غير مرتبطة بأوكرانيا، إلا أن تأزم العلاقات قد تدفع بروسيا إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد استمرار وصول المساعدات”.

وأيضاً، تعتمد سوريا وجيرانها، بما في ذلك تركيا ولبنان، بشكل كبير “على استيراد القمح من منطقة البحر الأسود؛ من روسيا وأوكرانيا ورومانيا ودول أخرى”، لذلك بحسب لوند، “قد تؤدي الحرب إلى انقطاع شحنات القمح من المنطقة، وبالتالي يؤثر على إمكانية وصولها إلى هذه الدول، وينعكس على أسعارها”، وسط “أوضاع إنسانية خطيرة للغاية في سوريا”.

من جانب آخر، يمكن النظر إلى تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية على سوريا من منظور آخر، بحسب عبد الرحمن الشامي، معتبراً أن “وجود جرائم حرب روسية في قلب أوروبا، سيحرك المجتمع الدولي ضد روسيا في أوكرانيا وسوريا”.

لذلك بحسب الشامي “هناك ارتباط بين المسار السوري والأوكراني بشكل أو بآخر، خاصة أن الحديث عن إجرام روسيا في سوريا عاد إلى الواجهة بعد حربها على أوكرانيا”.

أما بالنسبة لروج موسى، يتمنى بعد تسع سنوات على أول تهجّير له أن تتوقف معاناة السوريين، “فلا يوجد شيء أسوأ من أن تترك بيتك بكلّ ما فيه وتسير إلى مكان مجهول”.

شارك هذا المقال