6 دقائق قراءة

تسويات درعا: إفراغ الجنوب من شبابه بذريعة الاستجابة لمطالب العرب؟

باريس- أظهرت تسجيلات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت خلال […]


8 يونيو 2023

باريس- أظهرت تسجيلات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، نشرت خلال اليومين الماضيين، أعداداً كبيرة من الشبان يصطفون في طوابير أمام مبنى قصر الحوريات في درعا المحطة لتصويب أوضاعهم بموجب “التسويات” الأخيرة التي أطلقها النظام.

منذ دخول النظام السوري إلى درعا، في صيف 2018، شهدت المحافظة العديد من التسويات، لكن الأخيرة أعطت امتيازات جديدة للخاضعين للتسوية من قبيل: الحصول على أذونات سفر وإمكانية استصدار جواز سفر، في وقت صار السفر حلماً للشباب بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، كما قالت عدة مصادر لـ”سوريا على طول”.

كذلك، كانت التسوية الأخيرة من بين مجموعة أحداث داخلية شهدتها درعا، من قبيل ملاحقة مهربي المخدرات وتغيير موازين القوى الداخلية، وتزامنت مع جهود التطبيع العربي، التي كُللت بحضور بشار الأسد قمة جامعة الدول العربية في مدينة جدة بالسعودية، في 19 أيار/ مايو، ما قد يشير إلى وجود رابط بين المتغيرات الإقليمية والأحداث الداخلية.

إذ عُقد في العاصمة الأردنية عمان اجتماع تشاوري لوزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق، في الأول من أيار/ مايو، خرجوا فيه بمنهجية “خطوة مقابل خطوة”، التي تركز على القضايا الأمنية وتهمل الانتقال السياسي، بحيث تقوم على: إطلاق سراح المعتقلين، وعودة اللاجئين، ومكافحة الإرهاب والمخدرات.

التسويات الأخيرة

في الأول من حزيران/ يونيو الحالي، أبلغت اللجنة الأمنية في محافظة درعا وجهاء ومخاتير مدن وبلدات حوران بضرورة بدء الشبان في تصويب أوضاعهم بدءاً من الثالث من حزيران/ يونيو وحتى الثامن من الشهر الحالي في مبنى “قصر الحوريات” الحكومي بمدينة درعا. 

جاء الإبلاغ الأخير استكمالاً لقطار التسويات الجديدة، التي بدأها النظام السوري في 16 أيار/ مايو الماضي، أي قبل ثلاثة أيام من انعقاد القمة العربية، عندما بدأ فرع الأمن العسكري (شعبة المخابرات العسكرية) التابع للنظام، تصويب أوضاع عشرات الشبان من بلدة أم المياذن شرق درعا في مبنى البلدية.

وجرت التسوية برعاية اللواء الثامن، الذي سلم أهالي البلدة قائمةً بأسماء من يتوجب عليهم الخضوع للتسوية، مشترطاً أيضاً تسليم عدد من قطع السلاح الفردي، وإلا سيتم اقتحام البلدة وتهجير الرافضين للتسوية. اللواء الثامن هو مجموعة عسكرية محلية كانت تنضوي تحت الفيلق الخامس التابع لروسيا، قبل أن يتم إلحاقها بشعبة المخابرات العسكرية السورية في أيلول/ سبتمبر 2021. 

وبحسب صفحة كتائب حزب البعث العربي الاشتراكي في درعا، يأتي قرار التسويات الجديدة في إطار “توجيهات ومكرمة من السيد الرئيس بشار الأسد”، بهدف إجراء تسوية شاملة “لكل من يرغب بالعودة إلى حياته الطبيعية”، سواء من المتخلفين عن الخدمة العسكرية أو الفارين منها (المنشقين)، ومن عليهم مشاكل أمنية أو عسكرية أخرى، من قبيل “حمل السلاح”.

وصلت تسويات درعا، التي يقودها العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، إلى بلدات: النعيمة، محجة، كفر شمس، غباب، قيطة، موثبين، أم ولد، نصيب واللجاة، بالإضافة إلى مدينتي إنخل والصنمين.

وفي 30 أيار/ مايو، افتتح النظام مركزاً مؤقتاً لإجراء عمليات التسوية في مقر الفرقة التاسعة بمدينة الصنمين لكافة الراغبين بإجراء تسوية من أبناء ريف درعا الشمالي.

يحصل الشخص، الذي يخضع للتسوية، على مهلة 6 أشهر للالتحاق بالخدمة العسكرية في حالة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، ومهلة شهر واحد في حالة المنشقين للالتحاق بقطعهم العسكرية، مع السماح لجميع المطلوبين بالحصول على إذن سفر لمغادرة البلاد، كما قال أبو أحمد، 28 عاماً، من أبناء مدينة إنخل، الذي أجرى التسوية أواخر أيار/ مايو في مركز أمن الدولة بمدينة إنخل.

وأضاف أبو أحمد، في حديثه لـ”سوريا على طول”: “أخبرنا قياديون في اللواء الثامن أن التسوية الحالية هي الأخيرة، وكل من ينتهي تأجيله ولم يلتحق بالخدمة العسكرية سيتم اعتباره مطلوباً للدولة”، وهو ما دفعه لإجراء التسوية بهدف الحصول على تأجيل، ومن ثم “استخراج جواز سفر لمغادرة البلاد هرباً من الخدمة العسكرية”، كما قال الشاب الذي طلب عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية.

“التسهيلات التي يقدمها النظام لأبناء محافظة درعا هي خطوة لتشجيعهم على مغادرة البلاد”، كما قال المحامي سليمان القرفان، نقيب المحامين الأحرار في درعا سابقاً، وعضو اللجنة الدستورية السورية، مستدلاً على ذلك “ربط هذه التسوية بمنح امتيازات جديدة، من قبيل الحصول على جوازات وأذونات السفر لكل من يرغب”، وهو ما أدى إلى “اندفاع الشباب بكثرة لإجراء التسوية أملاً بالحصول على وثائق سفر ومغادرة البلاد بشكل قانوني بعد أن صار العيش فيها شبه مستحيل”، على حد وصفه.

مشاركة اللواء الثامن أم إضعافه؟

في مطلع أيار/ مايو، عُقد اجتماع في مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضره اللواء مفيد الحسن، رئيس اللجنة الأمنية في درعا، والعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في الصنمين الملقب بـ”أبو حسن”، إضافة إلى ضباط آخرين ووجهاء ومخاتير مدينة إنخل.

وانضم إلى الاجتماع أيضاً عدد من قادة اللواء الثامن، باعتبارهم جزءاً من القائمين على التسوية، من بينهم قائد أركانه العقيد نسيم أبو عرة، ونائبه النقيب عبد الحكيم العيد، المسؤول عن مجموعة اللواء في مدينة إنخل، كما قال أحد الوجهاء الحاضرين لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن الاجتماع “ناقش الوضع الأمني في مدينة إنخل وتحقيق شروط المصالحة الأخيرة بين النظام والأهالي، إضافة إلى تناول ملف الخدمات وتحسين الكهرباء والماء وتنفيذ مشاريع كبيرة في المدينة”.

“اشترط ضباط النظام لإجراء التسوية سحب جميع الأسلحة المتواجدة في المدينة، وتصويب أوضاع الفارين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية”، إضافة إلى “خروج مجموعة اللواء الثامن وقائدها من المدينة”، الأمر الذي رفضه غالبية وجهاء المدينة. إذ رغم تبعية اللواء الثامن للنظام إلا أنه بمثابة صمام أمان للأهالي، كونه “يلعب دوراً في المحافظة على أمن المدينة والمؤسسات الخدمية واسترداد المسروقات وحل المشاكل بين الناس، ومنع عناصر داعش من الدخول إلى إنخل”، بحسب المصدر.

وأصدر النظام قائمة مؤلفة من 116 اسماً من أبناء المدينة يتوجب عليهم الخضوع للتسوية وتسليم السلاح إلى لجنة التسوية التابعة للأمن العسكري، من بينهم عدد من عناصر اللواء الثامن في المدينة. لكن، بناء على اعتراض اللواء الثامن على قائمة الأسماء المقدمة من النظام “تم خفض عدد من يتوجب عليهم تسليم السلاح إلى نحو 60%” وفقاً للمصدر، لافتاً إلى أن “غالبية الأسلحة التي تم اعتماد تسليمها هي لمجموعات مناوئة للواء الثامن، وسبق لها أن اشتبكت معه، بعضها يتبع لأمن الدولة والأمن العسكري”.

ففي 26 آذار/مارس الماضي، جرت اشتباكات مسلحة بين مجموعة اللواء الثامن في مدينة إنخل ومجموعة آل حايك، التابعة لأمن الدولة، على خلفية اتهامات وجهت للأخيرة من قبل اللواء الثامن بضلوعها في عمليات سرقة وقطع للطريق وتجارة المخدرات.

في إطار التطبيع العربي!

تزامنت تسويات درعا ومحاولات سحب السلاح وعمليات ملاحقة مهربي المخدرات مع مساعي التطبيع العربي، ومحاولة بعض الدول العربية، على رأسهم السعودية والإمارات والأردن، في التأثير بسلوك النظام السوري بما يحفظ أمنها القومي.

قبل منهجية “خطوة مقابل خطوة”، التي خرج بها وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن، طرحت الأخيرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، “مشروع اللاورقة“، وهي رؤية أردنية للتعامل مع الملف السوري على أساس التأثير في تغيير سلوك النظام السوري تدريجياً عبر تقديم حوافز مقابل قيامه بإجراءات محددة، منها وقف النفوذ الإيراني في دمشق، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 المتعلق بتسوية سياسية في سوريا.

ومع أن النظام لم يربط تسويات درعا الأخيرة بالمسار السياسي الإقليمي، إلا أن التسويات تبدو “كأنها في إطار منهجية خطوة مقابل خطوة، يقدمها النظام للدول العربية التي أعادته إلى جامعة الدول العربية”، كما قال المحامي سليمان القرفان.

يتفق أبو محمد، قيادي سابق في الجبهة الجنوبية، مع القرفان في أن تحركات درعا الأخيرة، سواء التسويات أو ملاحقة مهربي المخدرات، هي “رسالة للدول العربية مفادها أن النظام يكافح تجارة المخدرات، ويحاول بسط الأمن في حوران ووقف الفلتان الأمني عبر التسويات وسحب السلاح”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لكن “الحقيقة أن النظام داهم تجار المخدرات الذين يحاولون العمل لحسابهم الخاص بعيداً عنه، لذلك قرر التخلص منهم”، بحسب أبو محمد، في إشارة إلى عمليات مداهمة نفذتها مجموعتين محليتين يقودهما قياديين سابقين في المعارضة، وهما عماد أبو زريق ومصطفى المسالمة (الكسم)، ضد تجار مخدرات، من بينهم رافع الرويس في ريف درعا الشرقي.

اللافت أن القياديين المشاركين في ملاحقة تجار المخدرات متهمين أيضاً بتجارة وترويج المخدرات، وأدرج اسم كل من المسالمة وأبو زريق على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية لضلوعهما بذلك، في آذار/ مارس الماضي.

وعليه، فإن “تجارة المخدرات لن تتوقف في درعا”، من وجهة نظر القيادي العسكري الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كونه مقيم في ريف درعا الشمالي، كما أن “التسويات تبقى صورية، ومن دون حل سياسي والإفراج عن المعتقلين لن تتوقف الفوضى الأمنية في حوران”.

وفي هذا السياق، قال المحامي القرفان: “سيدرك العرب لاحقاً أن هذه التسويات ليست خطوة إصلاحية، ولا يمكن اعتبارها ضمن منهجية خطوة مقابل خطوة”، وإنما هدفها “إفراغ الجنوب السوري من الشبان عبر تهجيرهم”.

شارك هذا المقال