6 دقائق قراءة

بعد التغير المناخي والزلزال: جفاف مياه نهر عفرين يحمل المزارعين خسائر طائلة

بعد زلزال السادس من شباط/ فبراير، عمد المزارعون إلى حفر جور أو إنشاء حواجز ترابية داخل جسم نهر عفرين بريف حلب الشمالي، لتجميع المياه التي تصلهم، ما فاقم أزمة المياه، التي انتهت بجفاف النهر.


17 سبتمبر 2023

عفرين- بلهجته المحلية، قال المزارع خالد العبود “انخرب بيتنا وصرنا على أبواب كارثة”، واصفاً حالة المزارعين، الذين يعتمدون على مياه نهر عفرين، بريف حلب الشمالي، بعد جفافه كلياً في تموز/ يوليو 2023.

في عام 2019، ترك العبود، 49 عاماً، منزله وأرضه الزراعية في مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، بعد سيطرة النظام عليها، قاصداً بلدة دير بلوط التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض)، المدعوم من أنقرة، ويستثمر مع ثلاثة شركاء آخرين أرضاً، مساحتها 20 هكتاراً، في زراعة المحاصيل الصيفية ببلدة الملا خليل، جنوب غرب جنديرس، معتمداً في سقايتها على نهر عفرين.

منذ أربع سنوات يزرع العبود وشركاؤه أرضهم معتمدين في ريّها على مياه النهر، ولم يسبق لهم التفكير أو البحث عن مصادر مياه بديلة، حالهم حال جميع المزارعين في المنطقة، كما قال لـ”سوريا على طول”، لكن بعد نحو شهرين من جفاف النهر، قرروا حفر بئر ارتوازي، متأملين الاستفادة منه و”إنقاذ ما تبقى من مزروعاتنا قبل خسارة كامل الموسم، خاصة أننا حالياً في مرحلة الإثمار”.

تعد بحيرة سد ميدانكي، المعروفة رسمياً باسم “سد 17 نيسان”، الخزان الرئيسي للمياه على مجرى نهر عفرين، الذي ينبع من أقدام جبال طوروس في تركيا، ويمر في سوريا، ومن ثم ينتهي بسهل حمق في لواء اسكندرون. ويبلغ طوله 139 كيلومتراً منها 75 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

افتتح سد ميدانكي، الذي يبعد حوالي 12 كيلومتراً شمال مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، عام 2004، كسد كهرومائي لتوليد نحو 25 ميغا واط من الكهرباء، ويوفر مياه الشرب لنحو 200 ألف نسمة، ومياهاً لري 30 ألف هكتار. تأثّر السد بزلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، كان من أحد أسباب جفاف مياه نهر عفرين، الذي أثر على زراعة العبود وغيره من مزارعي المنطقة.

خريطة توضح نهر عفرين وسد ميدانكي في محافظة حلب (سوريا على طول)

زلزال السادس من شباط

في زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، تعرض الجسر فوق جسم سد ميدانكي لتشققات طولية، وبعد دراسة فنية، قدرت الفرق الهندسية المنتدبة من مجلس عفرين المحلي سلامة جسم السد من العمق والبوابة، وعدم وجود أي تسريب منها أو من جسم السد. لكن، كإجراء احترازي تم تفريغ قسم من مخزون المياه في السد.

وفي نيسان/ أبريل، وبتنسيق بين إدارة السد وغرفة زراعة غصن الزيتون، “فتح السد لتوفير ري أول وثاني لمحصول القمح، وأغلقت المياه في موسم الحصاد مع بداية شهر حزيران، ما أثر على انخفاض منسوب مياه السد كعامل إضافي”، كما قال لـ”سوريا على طول”، الدكتور سليمان سليمان، مدير غرفة زراعة غصن الزيتون، التابع للحكومة السورية المؤقتة المدعومة من أنقرة.

ونظراً للانخفاض المستمر في منسوب المياه داخل حوض سد، والحاجة الملحة لتوفير مياه الري بشكل دائم، “عمدت غرفة زراعة غصن الزيتون بالتعاون مع إدارة السد لاتباع خطة تقنين تمتد بين أواخر تموز ومنتصف أيلول، تعتمد على ضخ مياه الري أربعة أيام مقابل أغلاقها لأربعة أيام”، وفقاً لسليمان.

وتعتمد خطة التقنين على تقسيم مياه بحيرة ميدانكي إلى ثلاثة مستويات: الأول، استراتيجي لا يمكن إنقاصه للحفاظ على السلامة الإنشائية للسد حتى لو تم قطع مياه الشرب عن السكان، والمستوى الثاني لتوفير مياه الشرب التي تغذي قرى وبلدات ناحيتي عفرين واعزاز، أما المستوى الثالث فيستخدم للري، وبعد زلزال السادس من شباط انخفض منسوب المياه الى ما دون المستوى المخصص للري وهدد منسوب مياه الشرب، بحسب سليمان.

وبعد الزلزال عمد المزارعون إلى “حفر جور أو إنشاء حواجز ترابية داخل جسم النهر لتجميع المياه التي تصلهم خلال فترة الضخ لتأمين المياه لمزروعاتهم، وهو ما فاقم المشكلة”، بحسب سليمان، لافتاً إلى أن “غرفة زراعة غصن الزيتون غير قادرة على ردم هذه الحفر لكثرتها”.

جورة حفرها أحد المزارعين ضمن مجرى نهر عفرين لتجميع المياه، 19/ 08/ 2023 (محمود حمزة/ سوريا على طول)

الحد من الخسارة

يزرع العبود وشركاؤه أرضهم، البالغة مساحتها 20 هكتاراً، بعدة محاصيل: الفول السوداني، البطيخ الأحمر، الملوخية، والذرة الصفراء، وللحد من خسارتهم بعد جفاف النهر قرروا قطع المياه عن أربعة هكتارات من الفول السوداني وهكتارين من الملوخية وهكتارين من الذرة الصفراء، والاكتفاء بريّ الباقي، بما في ذلك خمسة هكتارات مزروعة بالبطيخ الأحمر.

اعتمد العبود في تأمين المياه على “تجريف حفر ضمن مجرى النهر، عبر حفارة تكلفتها 35 دولاراً في الساعة، بحيث يتم تجميع المياه الزائدة من الأراضي المجاورة بعد ريّها، أو الناجمة عن رطوبة الأرض”، بحسب قوله، معتبراً أن هذا الحل إسعافي، يمكن من خلاله تأمين المياه ساعتين صباحاً وساعتين مساء بشكل متفاوت.

في الوقت نفسه، بدأ المزارعون في المنطقة بحفر آبار ارتوازية عشوائية، من دون الحصول على تراخيص من المجالس المحلية في منطقة عفرين، المعروفة باسم “غصن الزيتون”، نسبة للعملية العسكرية التركية التي شنتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية مطلع عام 2017، وانتهت في آذار/ مارس من نفس العام بسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة على المنطقة.

المزارع أحمد الجدوع، مهجر من مدينة كفرزيتا، مسقط رأس العبود، حفر قبل شهر تقريباً بئراً ارتوازية بعمق 400 متر، بلغت تكلفتها 15 ألف دولار أميركي، لكنه حصل على “مياه بغزارة ثلاثة إنشات”، كما قال لـ”سوريا على طول”. بهذه الغزارة لا يمكن ري الأرض كاملة، البالغة مساحتها خمسة هكتارات، مزروعة بالفول السوداني.

خلال السنوات الماضية، تراوح سعر ضمان الهكتار الواحد في الأراضي الزراعية المجاورة لنهر عفرين بين 1500 و1900 دولار أميركي سنوياً، وهو مرتفع مقارنة بمناطق أخرى، “على اعتبار أن هذه الأراضي تتميز بإمكانية الري من النهر مباشرة، بتكاليف ريّ أقل من الأراضي التي تعتمد على الآبار الارتوازية”، بحسب العبود.

حتى اليوم، قدر العبود خسارته مع شركائه بنحو 25 ألف دولار أميركي، 13 ألف دولار خسارة حقيقية، و12 ألف دولار هي تكلفة حفر البئر الارتوازية، كما أوضح، متمنياً أن يتمكنوا من “إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموسم، واسترداد جزء من رأس المال المستثمر في الأرض البالغ 80 ألف دولار”.

لا تتوقف الخسائر، التي تسبب بها جفاف النهر، عند المزارعين، وإنما تطال العاملين في دعم هذا القطاع، بما في ذلك الصيدليات الزراعية المتواجدة في المنطقة، بحسب عبد المعين النعسان، صاحب صيدلية زراعية في بلدة تل سلور بريف حلب، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن تموز/ يوليو، وآب/ أغسطس، وأيلول/ سبتمبر “من الأشهر الذروة بالنسبة للمزارعين والصيدليات الزراعية، كونها فترة إنتاج محاصيل الخيار والكوسا والبطيخ”، وفي آب/ أغسطس “تبدأ زراعة البطاطا”، ومع عدم توفر المياه “لن يكون هناك حركة على بيع الأسمدة والمبيدات الحشرية والمستلزمات الزراعية الأخرى”.

في هذه الأيام، بالكاد يصل سقف المبيعات اليومي في صيدلية النعسان إلى 30 دولار أميركي، بينما كان في الأشهر ذاتها من العام الماضي يتراوح بين 100 إلى 140 دولار باليوم، على حد قوله.

قدر الدكتور سليمان سليمان، مدير غرفة زراعة غصن الزيتون مساحة الأراضي المزروعة بمحاصيل مروية على ضفاف نهر عفرين، ابتداءً من جسم سد ميدانكي وحتى آخر نقطة من الحدود السورية-التركية بنحو 20 ألف هكتار، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن المياه لا تصل بشكل كافٍ لستة آلاف هكتار منه.

وأكد سليمان تضرر “حوالي 70% من مزارعي المحاصيل الصيفية، وهم يشكلون 30% من إجمالي عدد المزارعين العام في منطقة غصن الزيتون”، وفقاً له.

التغير المناخي

منذ منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بدأت تجف مياه نهر عفرين، في المنطقة الممتدة بين بلدة تل سلور جنوب مدينة جنديرس وبلدة الملا خليل على الحدود التركية، وانقطعت كلياً في مطلع تموز/ يوليو الماضي، ليؤدي ذلك إلى “انخفاض منسوب المياه السطحية، التي كانت تتوفر على عمق 20 متر تقريباً”، بحسب الفني الزراعي النعسان.

ومع هذه الأزمة، صار الحصول على مياه الري يتطلب “حفر آبار يصل عمقها إلى أكثر من 400 متر، وفقاً للنعسان.

تضاف أزمة المياه الأخيرة إلى أزمة مناخية أكبر تشهدها سوريا، بما في ذلك شمال غرب البلاد، التي يعاني من “انحسار الغطاء النباتي مثل الأحراش والغابات بفعل الحرائق والرعي والاحتطاب، ما أدى إلى وجود نقاط تثقيل للتغير المناخي، ظهرت على شكل موجات حر قاسية متتالية”، بحسب المهندس أنس الرحمون، الناشط في مجال المناخ والبيئة.

وضرب الرحمون مثالاً على ذلك “موجة الحر الأخيرة التي امتدت على مدار 6 أيام، ابتداء من 13 آب/ أغسطس الحالي، وصلت فيها درجات الحرارة العظمى إلى 47 مئوية، بفعل تأثير قبة حرارية في المنطقة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

تتأثر المياه السطحية بشكل مباشر بتدني معدلات هطول الأمطار، الذي تشهد تراجعاً ملحوظاً في العقد الأخيرة، بحسب الرحمون. 

وفي هذا السياق، قال سليمان أن معدلات الهطولات المطرية في منطقة غصن الزيتون انخفضت إلى 225 ملم، في الشتاء الماضي، بينما كانت في العام الذي قبله 400 مم.

ليست المرة الأولى التي ينخفض فيها منسوب مياه نهر عفرين ويجف قسم منه، ففي موسم 2007-2008، تعرضت منطقة عفرين، كسائر سوريا، لموجة جفاف بسبب انخفاض معدل تساقط الأمطار والثلوج، وازدياد معدل درجات الحرارة، بحسب سليمان.

كل الحلول أمام خالد العبود لن تعوضه عن خسارته كاملة، خاصة أن البئر التي يحفرها مع شركائه في أرضهم المستأجرة، تكلفتها 12 ألف دولار أميركي، وفي حال تسليم الأرض ستعود البئر لصاحب الأرض، ومع ذلك يتمنى أن يخرج بأقل الأضرار وينقذ ما يمكن إنقاذه.

شارك هذا المقال