5 دقائق قراءة

جهود رزان زيتونة وآخرين في توثيق “كيماوي الغوطة” تثمر أول دعوى قضائية ضد بشار الأسد وشقيقه

تقدمت منظمات حقوقية سورية بشكاوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني، متضمنة أدلة جديدة تثبت تورط مسؤولين على رأسهم بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة في استخدام غاز السارين السام.


6 أكتوبر 2020

عمان- في خطوة هي الأولى من نوعها، تقدمت ثلاث منظمات حقوقية سورية، اليوم الثلاثاء، بشكاوى جنائية نيابة عن ضحايا استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي في سوريا، إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني، متضمنة أدلة جديدة تثبت تورط مسؤولين في ذاك النظام، على رأسهم بشار الأسد وشقيقه ماهر قائد الفرقة الرابعة، في استخدام غاز السارين السام ضد مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب العام 2017، وقبلها الغوطة بريف دمشق العام 2013.

ويعدّ هذا الادعاء القانوني “الأول ضد بشار الأسد بصفته رئيس الجمهورية والقائد العام [للجيش والقوات المسلحة]، ويتحمل المسؤولية العليا في الموافقة على هجوم الغوطة الشرقية الذي لم يكن ليُنفّذ من دون علمه على الأقل”، كما قال مدير برنامج التقاضي في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، المحامي المعتصم الكيلاني. كاشفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “شاهداً مطلعاً أكد أن الأسد أعطى موافقته على الهجوم مباشرة إلى ماهر الأسد الذي أمر [بدوره بتنفيذ] الهجوم”. إضافة إلى ذلك “سيتم إيداع الشكوى لاحقاً في فرنسا إلى جانب دعوى أخرى تتعلق باستهداف المنشآت المدنية في سوريا”.

وفيما تأتي هذه الدعوى نتيجة تضافر جهود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، والأرشيف السوري، ومبادرة العدالة، فإنها قبل ذلك “ثمرة جهود الزميلة المفقودة رزان زيتونة وفريق التوثيق الميداني الذي وثق مجزرة الكيماوي، وعمل على تخزين الأدلة المتعلقة بالهجوم، وفريق الراصدين الذي عمل مع [زيتونة] يوم الضربة”، كما قال الكيلاني، معتبراً أن التوثيق كان “بطريقة احترافية ومنهجية جعلت من مركز توثيق الانتهاكات مصدراً مهنياً وموثوقاً للمعلومة”.

ورزان زيتونة، من مواليد دمشق العام 1977، درست الحقوق، وعملت ناشطة حقوقية في الغوطة الشرقية عقب اندلاع الثورة، وكانت أحد مؤسسي مركز توثيق الانتهاكات التابع للمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، قبل أن يتم اختطافها في مدينة دوما بالغوطة الشرقية، الخاضعة لفصيل جيش الإسلام آنذاك، على يد مجهولين مع ثلاثة من زملائها، وهم: ناظم حمادي، وسميرة الخليل، ووائل حمادة. 

وكان قد بدأ “العمل على هذه الدعوى وتحضير الأدلة وجمعها منذ العام 2017″، كما ذكر منسق الحملات والمناصرة في الأرشيف السوري، محمد عبد الله، لـ”سوريا على طول”. مضيفاً أن تقديم الدعوى للادعاء الألماني “يتزامن مع مطالبة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الحكومة السورية بالتصريح عن المواد الكيميائية، ما يجعل العمل على القضية في الوقت الحالي مهماً جداً”.

وبحسب عبد الله، عمل فريق الأرشيف السوري، ومقره برلين، على “جمع وأرشفة المواد المتعلقة بهجمات [الأسلحة] الكيماوية، بالتعاون مع عدد كبير من الناشطين الذين قاموا بتوثيق الجرائم”. مؤكداً أن “الأدلة التي نحصل عليها تخضع لمنهجية صارمة للتحقق من المعلومات وتحليل البيانات وجمعها وحفظها، ويتم تعزيز هذه المنهجية من خلال رأي خبراء ومتعاونين أكاديميين لضمان أفضل معايير قانونية تناسب عملية الحفظ، مع الالتزام بالأخلاقيات بما في ذلك مبدأ عدم إلحاق الضرر بالشهود والناشطين”.

يشار إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت حصول 222 هجوماً بالأسلحة الكيماوية في سوريا، منذ أول استخدام لهذه الأسلحة هناك في 23 كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى الذكرى السنوية السابعة لمجزرة كيماوي الغوطتين، الشرقية والغربية، في 21 آب/أغسطس 2020، 98% منها على يد قوات نظام الأسد، و2% على يد تنظيم “داعش”. ويظل أبرز تلك الهجمات قصف غوطتي دمشق في 21 آب/أغسطس 2013 بصواريخ محملة بغاز السارين السام، ما أدى إلى مقتل 1127 مدنياً، بينهم 107 أطفال و201 امرأة، إضافة إلى إصابة 5935 آخرين. وكذلك قصف مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، في 4 نيسان/أبريل 2017 بالسارين أيضاً، ما أدى إلى مقتل 91 مدنياً، بينهم 32 طفلاً و23 سيدة، إضافة إلى إصابة نحو 520 آخرين. 

حصانة الأسد

بعد أكثر من تسع سنوات من اندلاع الثورة السورية العام 2011، شهدت مدينة كوبلنز الألمانية، في أيار/مايو الماضي، بدء أول محاكمة علنية لرئيس قسم التحقيق في فرع الخطيب التابع لجهاز أمن الدولة السوري، أنور رسلان وزميله إياد الغريب، عن انتهاكات لحقوق الإنسان في معتقلات الفرع. تلا ذلك إعلان هولندا، في أيلول/سبتمبر الماضي، نيتها مساءلة نظام دمشق عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أمام محكمة دولية.

وكان المركز السوري للإعلام وحرية التعبير طالب، بحسب الكيلاني، “برفع سقف الاتهامات لتطال رئاسة الجمهورية ومكتب الأمن الوطني التابع لها”. مبيناً أن “المركز ممثلاً بمديره مازن درويش أدلى بشهادته كخبير أمام محكمة كوبلنز، موضحاً الهيكلية التنظيمية للمؤسسات الأمنية والعسكرية، وأنه من غير الممكن أن يكون رأس النظام السوري بشار الأسد جاهلاً بما يحدث في الدوائر الأمنية والعمليات العسكرية”.

لكن رفع دعاوى ضد شخصيات من قبيل بشار الأسد باعتباره رئيساً للدولة أو دبلوماسيين سوريين، قد تعيقها الحصانة التي يتمتعون بها. إذ “في الولاية القضائية التي نعمل في إطارها توجد حصانة لرئيس الدولة والبعثات الدبلوماسية أو الدبلوماسيين مثل وزير الخارجية وليد المعلم أو بشار الجعفري”، كما لفتت عضو المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، الحقوقية السورية جمانة سيف. موضحة أنه “بمقتضى القانون والعرف لا يمكن إلقاء القبض عليهم أو مقاضاتهم وهم موجودون على رأس عملهم”.

وهو ما أكد عليه أيضاً المدير القانوني في المركز السوري للمساءلة والعدالة بواشنطن، روجر لو فيليب. فمع عدم استبعاده “احتمالية فتح السلطات الألمانية تحقيقاً في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بشار الأسد بناء على شكوى إحدى منظمات حقوق الإنسان”، فإن السلطات الألمانية، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، ستحتاج “ولاية قانونية على الأسد، لأن المحاكمات الغيابية غير مسموح بها في ألمانيا، ناهيك عن أن رؤساء الدول يتمتعون بالحصانة من الملاحقة القضائية في الدول الأجنبية خلال فترة ولايتهم”.

وحتى في حال لم يعد رئيساً لسوريا، فإنه يتوجب على “المجلس التشريعي السوري (مجلس الشعب) تجريد الأسد من الحصانة حتى تمضي القضية الألمانية قدماً”، بحسب لو فيليب، مستشهداً بقضية الرئيس التشادي السابق حسين جبري الذي تمت محاكمته في محكمة خاصة في السنغال “بعد أن صوت المجلس التشريعي التشادي برفع الحصانة عنه”.

على الرغم من ذلك، يظل المسار الحالي، المتمثل في اللجوء إلى المحاكم الأوروبية الوطنية، مهماً للوصول إلى العدالة، كما شددت سيف. إذ إن “كل ما يتم جمعه من أدلة ووثائق، وما ينتج من وثائق قانونية تصدر عن المحاكم أو الجهات القانونية المعترف بها في التحقيقات، كأحكام أو وثائق داعمة للحكم، لها قيمة قانونية كبيرة، لأنها تصبح بالعرف القانوني أحد مصادر القانون الدولي، ويمكن الاعتماد عليها في دعاوى قضائية أخرى”، كما أوضحت.

لا سلام بلا مساءلة

بالنسبة لذوي ضحايا أو ناجين، فإن الدعاوى القضائية ضد النظام السوري في أوروبا قد لا تعدو كونها “تمييعاً للقضية حتى تصبح طيّ النسيان”، كما عبّر ضياء الدين الشامي الذي كان أدلى بشهادته لـ”سوريا على طول” كأحد الناجين من مجزرة الكيماوي في الغوطة. معتبراً أنه “طالما بقي رأس النظام بمأمن من العقوبة، فلا أهمية لتلك القضايا”.

وشعور الاستياء لدى الناجين من انتهاكات النظام السوري مفهوم، كون المحاكمات “لن تنصف الضحايا وتعوضّهم عن الأضرار”، كما قالت الحقوقية سيف. داعية في هذا السياق إلى ضرورة “التعاون بين المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني للدفع باتجاه إنصاف الضحايا وتعويضهم لأن ذلك جزءاً من العدالة”. 

لكن هذا لا ينفي “أن ما تم تحقيقه مهم جداً ويؤسس للمستقبل”، بحسب سيف، لأن مثل هذه التحقيقات والدعاوى القضائية أثبتت أن “نظام الأسد مرتكب جرائم ضد الإنسانية، ما من شأنه أن يدفع الأوروبيين الذين يستضيفون مئات الآلاف [من اللاجئين السوريين] في بلادهم إلى التحرك سعياً لتحقيق العدالة”. إضافة إلى أنهم “لن يقبلوا أن يكون مثل هذا النظام الذي ارتكب كل هذه الجرائم، جزءاً من الحل في سوريا أو في مستقبل سوريا”. وهذا يعني، بالنتيجة، بحسب الكيلاني، التأكيد على “أن لا حل في سوريا من دون المرور في عملية العدالة والمحاسبة لتأسيس سلام عادل، بمشاركة الضحايا أصحاب الدور الأساسي في هذه العملية”.

تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع “تعزيز ترسيخ النوع الاجتماعي”، والذي ينفذه “سوريا على طول” بدعم من الصندوق الكندي للمبادرات المحلية، من خلال السفارة الكندية في عمان. 

* ساهم في إعداد هذا التقرير: ليز موفة

شارك هذا المقال